قدمت رواية "ابنة الديكتاتور" للأديب مصطفى عبيد، وجبة سياسية دسمة للقراء من خلال تحليل معمق لحال الدولة المصرية في عهد الملكية وما بعد ثورة 1952 وإعلان الجمهورية. 

تعد رواية "ابنة الديكتاتور" الصادر عن دار المصرية اللبنانية، عملًا أدبيًا سياسيًا تاريخيًا، مزج الكاتب فيه ببراعة بين فنون الأدب والتأريخ، وبين الواقع والخيال ليخرج لنا عملًا متكاملًا عن الحياة السياسية في تلك الفترة الهامة من تاريخ مصر.

 

رسمت رواية "ابنة الديكتاتور" خريطة الحياة السياسة في مصر في تلك الحقبة من خلال ممارسات جهاز الأمن السياسي المصري المعروف بـ"البوليس السياسي"، والانحرافات الأخلاقيات التي كان يرتكبها في سبيل كشف نوايا صفوة المجتمع والشخصيات الدبلوماسية المهمة. 

مزج الحقيقة بالخيال في رواية "ابنة الديكتاتور" 

مزج الكاتب شخصيات سياسية حقيقية داخل روايته مصحوبة بتحليل شخصياتهم وأفكارهم، مثل إسماعيل صدقي، رئيس الوزراء سابقًا، ومصطفى أمين مؤسس دار أخبار اليوم، والأديب المفكر عباس العقّاد، والشاعر إبراهيم ناجي، والكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، وحتى الكاتب نفسه مصطفى عبيد، واستعان بوثائق تاريخية حقيقية. 

دارت أحداث رواية "ابنة الديكتاتور" على أنغام أغاني المطربة فيروز، وسط الاستعانة بأبيات المتنبي، التي ولعت به بطلة الرواية حفيدة "سناء بشكاش" في رحلة بحثها عن حقيقة قصة حياتها الحقيقية التي تجهلها تمامًا برغم أنها تربت في أحضان جدها وتعلمت منه حرية التفكير المنطقي، وحب الثقافة والأدب. 

تطرقت رواية "ابنة الديكتاتور"  إلى فلسفة الأحلام والرؤى ومدى ارتباطها بالواقع وهل هي رسائل ربانية أم رسائل شيطانية، وهل حقًا انتهى زمن المعجزات أم أنه لا يزال مستمرًا، ومنحة بمنحها الله _ عز وجل_ لمن يستحقها، كما امتزجت بالمشاعر العاطفية باستخدام الرسائل والشعر في التعبير عن الحب الحقيقي الصادق. 

تقص رواية "ابنة الديكتاتور" حكاية امرأة عملت في الحركة الأمنية السرية في مصر خلال الفترة من الأربيعنيات حتى نهاية عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتروي أسرار تلك الفترة من واقع عملها. 

لمحات من حكاية "ابنة الديكتاتور" 

"سناء بشكاش" ضحية الفقر، التي ولدت عام 1929، قادها القدر لبيوت أحد رجال الأمن، الذي ينتهك حرمة جسدها في سن مبكر ليخضعها له جسديًا وفكريًا، ويجندها لصالح أحد الأجهزة الأمنية، والذي كان يبيح استغلال النساء في علاقات غير مشروعة بهدف جمع المعلومات. 

تربت سناء على الفكر الاستغلالي القمعي فتبنت فلسفة الغاية تبرر الوسيلة واستباحت كل شيء حتى انتهاك القيم والمبادئ تحت شعار "مصلحة الوطن"، حتى أدركت أن الديكتاتورية هي المحرك الفعلي للانحرافات وأنها تتغير بتغير الأزمنة والحكام، فقالت في نهاية حياتها: "تذكرت كيف كان مصطلح ديكتاتور في الماضي محل فخر، ربما لأننا لم نر وقتها ديكتاتورا عنيفا ومستبدا، ثم صار المصطلح مرادفا للسفاحين والمتجبرين ومبعثري كرامات البشر بعد أن عاصرنا حكام ثورة يوليو حاكما خلف آخر".

وظهرت فلسفة منظومة الأمن آنذاك، حين قال أحد رجالها للبطلة: " الأسرار الحقيقية تحتاج لمن يقتربون من الناس أكثر ويتسللون إلى مخادعهم، يطلعون على نقاط ضعفهم، ويطالعون عريهم الإنساني. نحن نخوض حربا شرسة، بأسلحة غير تقليدية، ونحتاج أن نُضحي في سبيل الوطن بكل شيء لنحافظ عليه".

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مصطفى عبيد دار المصرية اللبنانية الكاتب مصطفى عبيد السياسة جمآل عبد الناصر إسماعيل صدقي

إقرأ أيضاً:

دراسة نقدية لرواية “غارارام” للكاتب العباس علي يحيى: قراءة فلسفية مغايرة لمقاربة “الواقعية الصادمة”

مدخل: الفعل الإبداعي ومعنى الحقيقية
يتفق جان بول سارتر مع فكرة أن الإنسان "مطارد للمعنى"، لكن الفعل الإبداعي يتجاوز المطاردة إلى ابتكار معانٍ جديدة. إذا كانت مقاربة "الواقعية الصادمة" تفترض أن الكاتب يُعري المجتمع عبر فضح الممارسات والتابوهات، فإننا هنا نقترح قراءة مغايرة ترى في رواية "غارارام" تجربة فلسفية تسعى إلى مساءلة بنيات القيم ذاتها، لا فقط فضحها أو انتقادها.
الكاتب، في هذا السياق، لا يكتفي بعرض التفاصيل الواقعية وإنما يحاول تفكيك العلاقات الاجتماعية وتجريدها من الشرعيات التقليدية التي تستمد منها وجودها. إنها محاولة جريئة لإعادة صياغة مفهوم "العقد الاجتماعي"، ولكن ليس وفق الأسس الطوباوية كما تصورها روسو، بل وفق ديناميكيات العار والقيم المزدوجة التي تسكن المجتمعات السودانية والعالمية.
إشكالية "العقد الاجتماعي" بين الواقع والأسطورة
تقدم الرواية فكرة نشوء عقد اجتماعي غير رسمي يتمحور حول "السترة"، كآلية للتعامل مع الأزمات الأخلاقية داخل المجتمع السوداني. ومع ذلك، فإن هذا العقد ليس بريئًا أو طبيعيًا، بل يتسم بطابع خفي يدعم استمرارية النفاق الاجتماعي.
لكن، هل يمكن النظر إلى هذا العقد باعتباره مجرد وسيلة للإخفاء؟ أم أنه يُعبّر عن شكل جديد من التفاوض على المعايير الأخلاقية داخل مجتمع يعيش حالة اغتراب عن قيمه المعلنة؟
هنا يُمكننا أن نرى أن "غارارام" لا تكتفي بتقديم الواقع كما هو؛ بل تحاول كشف العلاقة الجدلية بين القيم المعلنة والتطبيق الفعلي لها في الحياة اليومية. فالكاتب يضع القارئ أمام تساؤل وجودي: هل القيم هي جوهر ثابت أم أنها مجرد أدوات مرنة تتشكل حسب الحاجة؟
اللغة والتفاصيل هل البساطة هي الخديعة؟
أشار التحليل إلى أن لغة الكاتب تبدو "يومية وعادية" لكنها تُخفي مستويات عميقة من السرد. هذا التوصيف ينطوي على تصور تقليدي يرى أن النص الأدبي ينجح عندما يُخفي المعنى وراء واجهة بسيطة. ولكن ماذا لو كانت هذه اللغة البسيطة نفسها تعبيرًا عن فلسفة سردية تُعيد تعريف وظيفة الأدب؟

في رواية "غارارام"، تكمن القوة في قدرتها على استغلال البساطة لخلق انحراف دقيق عن المألوف. فالتفاصيل ليست مجرد عناصر للحبكة، بل هي أدوات فلسفية تُجبر القارئ على مواجهة حقيقة أن كل "حقيقة" هي نتاج بناء اجتماعي معقد.
الجنس والعار والمقاربة الفلسفية
الجنس، كما تصوره الرواية، ليس مجرد فعل بيولوجي أو أخلاقي، بل هو فضاء تتقاطع فيه الأيديولوجيا مع العواطف الفردية. من خلال قصة "آرام"، يعيد الكاتب التفكير في مفهوم "الخطيئة" ذاته، ليس كفعل فردي، بل كإطار اجتماعي يُنتج ويعيد إنتاج القيم والممارسات.
على النقيض من النظرة التقليدية التي ترى في هذه الممارسات تهديدًا للمجتمع، تكشف الرواية عن أن المجتمع نفسه هو من يُنتج هذه الأفعال عبر بنياته المزدوجة. هنا، الجنس يصبح رمزًا لتحلل القيم التقليدية أمام صدمة الحداثة.
بين العباس علي يحيى وغراهام غرين هل هذا نقد التشبيه
تشبيه العباس بغراهام غرين يحمل دلالة مثيرة للتفكير، لكنه يفتقر إلى العمق النقدي إذا ما اقتصر على توصيف الشبه بين الجرأة في الطرح. غراهام غرين كان يبحث عن الخلاص الفردي في عالم تسوده الاضطرابات الروحية، بينما العباس يُعيد صياغة العلاقات الاجتماعية من الداخل، دون الهروب إلى أي ملاذات روحية أو أخلاقية.
الفرق الأساسي هنا هو أن غرين يُعالج المأساة الإنسانية من منظور ثنائي الخير مقابل الشر، بينما العباس يعالجها كعملية ديناميكية لا تخضع لهذه الثنائيات التقليدية.
الرواية بين السخرية والفلسفة
تشير المقاربة إلى أن الرواية تتسم بالسخرية، لكن هذه السخرية ليست هدفًا بحد ذاتها. إنها وسيلة فلسفية تكشف هشاشة الخطابات الاجتماعية وتدفع القارئ إلى التأمل في عبثية هذه الخطابات
السخرية، في هذا السياق، لا تأتي من رغبة في التهكم، بل من إحساس عميق بالتناقضات الكامنة في المجتمع. إنها دعوة للتفكير النقدي، وليست مجرد إدانة أو تشهير.
نحو قراءة جديدة لـ"غارارام"
رواية "غارارام" ليست مجرد عمل أدبي يفضح المسكوت عنه، بل هي تجربة فلسفية تسعى إلى إعادة تعريف القيم والممارسات داخل سياقاتها الاجتماعية. إنها ليست فقط دعوة لمواجهة الواقع، بل هي أيضًا تحريض على إعادة التفكير فيه.
الكاتب العباس علي يحيى لا يُقدم إجابات جاهزة، بل يُجبر القارئ على البحث عن إجابات خاصة به. وهذا هو جوهر الأدب الحقيقي , أن يكون فضاءً للبحث عن المعنى في عالم تتداخل فيه الحقيقة مع الزيف، والقيم مع النفاق، والواقع مع الحلم.

zuhair.osman@aol.com
//////////////////////////  

مقالات مشابهة

  • أحمد سعد بنكهة عمرو دياب في ألبومه الجديد .. حبيبنا وبيوحشنا
  • العوضي يعد جمهوره بوجبة درامية دسمة في فهد البطل: هيبقى الأعلى مشاهدة
  • تحقيق علي المك لديوان خليل فرح: قراءة فلسفية في سياق الهوية الوطنية
  • جامعة ظفار تطلق برنامج دكتوراة في فلسفة القانون
  • احتياجات سوق العمل.. فلسفة نظام البكالوريا الجديد بديل الثانوية العامة (فيديو)
  • دراسة نقدية لرواية “غارارام” للكاتب العباس علي يحيى: قراءة فلسفية مغايرة لمقاربة “الواقعية الصادمة”
  • زيارة بنكهة الفروسية
  • عضو بـ«النواب»: الدولة المصرية تبنت فلسفة متوازنة لمواجهة الشائعات
  • "تامر عاشور وسامو زين يقدمان وجبة غنائية دسمة.. مفاجآت شعرية ولحنية تشعل موسم 2025"