قال الدكتور نظير محمد عيَّاد.. مفتي الجمهورية، ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في خطبته في "مسجد مصر الكبير" بالمركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإدارية بعد ضمه دعويًّا وعلميًّا إلى وزارة الأوقاف: إن من أعظم ما امتن الله تعالى به على هذه الأمة أن خصَّها بهذا الدين القويم الذي اشتمل على الخير للبشرية عامة، وللإسلام والمسلمين على وجه الخصوص، مبينًا أنه قد اشتمل على مقاصد كلية وقواعد ضرورية تدفع إلى تحقيق المصلحة، وتمنع من المفسدة، جلبًا للخيرات للبلاد والعباد، وتحقيقًا لمبدأ الاستخلاف الذي خلق الله الناس له.


ثم انتقل فضيلته إلى بيان خطورة التكفير الذي يعدُّ من أبرز سمات الفكر المتطرف، موضحًا أنه من أهم العقبات التي ابتليت بها هذه الأمة، وأنه من أهم العوامل التي يمكن أن تقضي على آمالها وتفتح الطريق للآلام، وتساعد الأعداء عليها، ويمكن أن تؤدي إلى هلاك العباد والبلاد.
وأوضح فضيلته أنه يجب ألا يُحكم على الإنسان بالكفر إلا بقرينة واضحة أو برهان ساطع، ويكون ذلك من خلال العلماء مع انتفاء الموانع كالجهل أو الخطأ أو الإكراه أو التأويل، وهذا منهج الأزهر الشريف. 
كما أشار فضيلته إلى جملة من أهم الآثار الخطيرة التي تعود على المجتمعات من جرَّاء التسرع في إصدار الأحكام على الناس وتقسيمهم دون حجة أو بيِّنة، مبينًا أن في هذا انتهاكًا لحرمات الناس، ومؤكدًا أن هذه قضية خطيرة حذَّر منها الإسلام، ونبَّهَ عليها لما يلزم فيها من مفاسد، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا...»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
كما أكد فضيلته أن هذا الفكر المتطرف يعمل على استباحه المال والعرض تحت مزاعم واهية، وأقوال فاسدة، لا يراد من ورائها إلا التطاولُ على النفس والمال والعرض، وهي مقاصد ضرورية في الإسلام، مستشهدًا في هذا السياق بقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، وأوضح فضيلته أن المتأمل في هذه الآية يقف على عقوبة تلو الأخرى من جراء استباحة المال والنفس والعرض، كما استشهد أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا»، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ».
وبيَّن فضيلته أن التكفير والتطرف يتنافى مع طبيعة هذا الدين الذي ينظر إلى الإنسان بكل إجلال وإعظام وإكبار وإكرام، فأقر مبدأ الحرية الدينية، وأكَّدَ أن التنوعَ والاختلاف سنة كونيَّة، ودعا إلى مراعاة الكرامة الإنسانية، وأشار إلى الوحدة في أصل الخلقة، ثم جعل التفاوتَ بين الناس مردَّه إلى تقوى أو عمل صالح، فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وقال صلى الله عليه وسلم: «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إِلَّا بالتَّقْوَى».
وقال فضيلتة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذَّرَنا وهو يشير إلى هذه العلامات، ويرشد إلى هذه الصفات التي يتصف بها أصحاب هذا الفكر المتطرف؛ ليحذر الإنسان منها في كل عصر، وفي كل مكان، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في بيان أوصافهم: «يَحْقِرُ أَحَدُكُم صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتهم، وصِيَامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهم، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّين كما يمرُقُ السهمُ من الرميَّةِ، أينَمَا لَقِيتُمُوهم فَاقتُلوهُم، فَمَنْ قَتَلَهم لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ وهو عَنْهُ رَاضٍ». 
ثمَّ أشار فضيلته إلى جملة من الآثار الخطيرة لهذا الفكر المتطرف، ومنها: الإساءة للإسلام بعرضه على غير حقيقته، والدعوة إليه بخلاف ما هو عليه، بما يشتمل عليه هذا الفكر من الغلو والتطرف والتشدد واللا مبالاة، وسد اليسر أمام الناس، وهو ما يتنافى مع طبيعة هذا الدين، ويختلف تمامًا عن مقاصده ومآربه، وهذا بخلاف ما فهمه الصحابة والتابعون الذين رأوا فيه الإيمان والعدل وسعة الدنيا والآخرة، ومن آثار هذا الفكر أيضًا: أنه يؤدي إلى الفرقة والاختلاف، ويدعو إلى الانقسام والتنازع، وهو ما يمكِّن أعداءَ هذه الأمه منها، وهو ما يتنافى مع قول الله تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، وقوله: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.
وحذَّر فضيلته مما يتضمنه هذا الفكر الذي يصيب أصحابَه بالخلل في التفكير والسلوك، حيث إنه يُعَدُّ لونًا من ألوان الغش والخداع لله ولرسوله وللمؤمنين، ومن أبرز صور هذا الغش في الدين: الاعتمادُ فيه على المظهر لا على الجوهر، وهو ما يتناقض مع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ».
كما شدَّد مفتي الجمهورية في التحذير من جميع صور الغش، وأنه جناية على البلاد والعباد، وخيانة لله وللرسول وللمؤمنين، ومخالفة للتوجيهات الإلهية والهدي النبوي الذي يوجه إلى الأمانة والنصيحة الصادقة الخالصة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، موضحًا أن المتأمل يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرن بين مَنْ غَشَّ وبين مَنْ حَمَلَ السلاح على المؤمنين الآمنين، فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَمَلَ السِّلَاحَ عَلَيْنَا، فَلَيْسَ مِنَّا»، وقال: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا».
واختتم فضيلته الخطبة بهذه النصيحة الغالية بقوله: "فما أحوجَنا أيها الأحبة إلى أن نتلاقى على هذا التوجيه القرآني وتلك المأدبة المحمدية، ننطلق من خلالها لبناء الإنسان وبناء الأوطان، والمحافظة على هذه المقاصد التي تحقق الخير للبلاد والعباد".
هذا، وقد حضر الخطبة كلٌّ من السادة: أ.د/ أسامة السيد الأزهري وزير الأوقاف، الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، والفريق كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير النقل والصناعة، الدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة، الدكتور  محمد عبد الرحمن الضويني وكيل الأزهر الشريف، وسماحة السيد الشريف محمود الشريف نقيب الأشراف، وسماحة الدكتور عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية ورئيس لجنة التضامن بمجلس النواب، الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ورئيس لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، الدكتور يوسف عامر رئيس لجنة الشؤون الدينية والأوقاف بمجلس الشيوخ، والمهندس طارق شكري مدير عام شركة العاصمة الإدارية.
وعدد من السادة الوزراء والسفراء والمسؤولين.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الصحة والسكان العاصمة الادارية المركز الثقافي الإسلامي مفتي الجمهورية مسجد مصر الكبير مجلس النواب مجلس الوزراء النبی صلى الله علیه وسلم الفکر المتطرف فضیلته أن هذا الفکر الفکر ا وهو ما

إقرأ أيضاً:

مفتي القاعدة السابق يتحدث عن موقفه من الديمقراطية والانتخابات

ووفقا لما قاله ولد الوالد في الحلقة السادسة من برنامج "مع تيسير"، لم يتعرض لأي مضايقات لأن الجهاد كان مرحبا به في ذلك الوقت من الحكومات، كما لم يتعرض لأي مضايقات حتى في مسألة عودته للدراسة التي انقطع عنها.

ولم يكن أمام ولد الوالد إلا 3 أشهر لإعداد بحث تخرجه والذي جاء بعنوان "الصحوة الإسلامية في موريتانيا"، وقد أثار هذا البحث جدلا كما يقول لأنه انتقد دستور يوليو/ تموز 1991، وأداء الحركة الإسلامية والموقف الفقهي التقليدي للبلاد.

ورغم أن الدستور الموريتاني ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع وليست واحدا من مصادره، فإنه يحوي عدة متناقضات، كما يقول المفتي السابق للقاعدة.

ومن هذه التناقضات أن الدستور ينص على أن نظام الحكم في البلاد ديمقراطي غربي، وهو أمر يتعارض مع ركائز الحكم في الإسلام وفي مقدمتها أن يكون الحكم لله وبما أنزل الله، وفق قوله.

ذكر الحكم وإغفال الأدلة

كما أن الفقه في موريتانيا كان يقتصر على ذكر الأحكام دون تقديم الأدلة، وهو أمر ينال من منهج الاستدلال وهو منهج يجب عدم إهماله حتى يتعلم منه الناس، كما يقول ولد الوالد.

ورغم أنه لم يكن قد أصبح مفتيا للقاعدة في ذلك الوقت، فإن بحثه هذا تأثر كثيرا بفترة وجوده مع المجاهدين في أفغانستان، غير أنه في الوقت نفسه لم يكفر المجتمع لا جملة ولا أفرادا.

إعلان

وفي هذا الموضوع، يشير ولد الوالد إلى أمر مهم جدا وهو ضرورة التفريق بين الشخص الكافر وفعل الكفر، لأنه يعتقد أن كثيرين يقومون بأعمال كفر رغم أنهم ليسوا كفارا، وإنما هم يتوزعون بين جاهل ومؤوِّل ومترخِّص.

وقد بيَّن ولد الوالد في بحثه هذا ما يعتبره خطر مشاركة البعض في الديمقراطية من باب أنها تلتقي مع الإسلام في بعض الأمور، ثم انتقلوا إلى القول إنها لا تختلف في جوهرها عن الإسلام.

لكن ولد الوالد يختلف مع هذه المقاربة التي يراها خطيرة بقوله "إن حكم الله هو جوهر الإسلامية بينما حكم الشعب هو جوهر الديمقراطية ومن ثم فلو اتفق على أن الإلحاد والزنا والربا والمخدرات جائز فقد أصبح جائزا رغم مخالفته لحكم الله".

ويجزم ولد الوالد بأن هذا التعارض بين الديمقراطية والإسلام يحمل بين طياته هدما للدين، ولا يجد له تفسيرا مقبولا. رغم أنه لا ينكر جواز الانتخاب في اختيار المسلمين لأهل الحل والعقد مثلا.

كما لا يجد حرجا في اختيار الأمة لرئيسها عبر الانتخاب إذا كان سيحكم بما أنزل الله وليس بما وضعه البشر إذا كان مخالفا لأمر الله.

الديمقراطية والإسلام

واستند ولد الوالد في ذلك إلى أن البرلمان الموريتاني المنتخب على أساس أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع يقر مشاريع مخالفة لشرع الله، ويعزو ذلك إلى أن الديمقراطية لا تشترط في عضو البرلمان العلم بالدين والفقه والاستنباط وإنما تشترط فيه أمورا مدنية وقانونية.

وإلى جانب ذلك، فإن هذا البرلمان ليس مقيدا في إصدار القوانين المخالفة لشرع الله ونوابه ليسوا مقيدي الصلاحيات في إصدار قوانين تتعلق بالتحليل والتحريم، حسب ولد الوالد، الذي يرى في هذه الأمور تناقضا صارخا بين الديمقراطية والإسلام.

وينسحب موقف ولد الوالد في هذه المسألة على التيارات الإسلامية التي أعلنت إيمانها بالديمقراطية الغربية بزعم أنها تعبر عن جوهر الإسلام، وهذا يعني -في رأيه- إسقاط حدود الردة والزنا، وهي أحكام مقطوع بها في الدين بعد استيفاء أسبابها الشرعية.

إعلان

ويبني ولد الوالد رأيه هذا على قول النبي صلى الله عليه وسلم "من بدل ينه فاقتلوه"، وعلى قيام خليفة المسلمين "أبي بكر الصديق" وصحابة النبي بقتال أهل الردة وقتلهم من لم يتب منهم.

وانتقد ولد الوالد ما أسماه عدم تعلم الإسلاميين من تجاربهم وخصوصا فيما يتعلق بمحاولة الوصول للحكم على حساب جيوش مسلحة تمسك برقاب البلاد وما ترتب عليه من فتنة وإراقة دماء، مشيرا في هذا الأمر إلى قول بعض العلماء بالصبر على الحاكم الظالم درءًا للفتنة.

وفرَّق مفتي القاعدة السابق بين مواجهة المحتل ومواجهة الحكومات بقوله إن المقاومات كلها انتصرت على المحتل في النهاية بينما قيام بعض الإسلاميين بمواجهة الحكام كما حدث في قتل الرئيس المصري أنور السادات لم تحقق حكم الإسلام في النهاية.

ومع ذلك، أثني ولد الوالد على الثورات السلمية التي قامت في بعض الدول العربية مقابل انتقاده محاولة بعض الجماعات مواجهة الحكام بالقوة وهم غير مؤهلين لهذا الأمر.

13/4/2025

مقالات مشابهة

  • دعاء بعد الركوع تحبه الملائكة وتتسابق عليه أيهم يصعد به إلى السماء
  • مفتي الجمهورية يؤكد على المكانة المحورية لشمال سيناء
  • شائعات خطيرة متداولة على المنصات الإلكترونية.. مفتي الجمهورية يحذر منها
  • مفتي الجمهورية يزور مصابي غزة بمستشفى العريش العام .. صور
  • مفتي الجمهورية: المنصات الإلكترونية جزء من فوضى الفتاوى والتسيب الأخلاقي
  • مفتي الجمهورية يتفقد مستشفى العريش العام ويطمئن على المصابين الفلسطينيين
  • مفتي القاعدة السابق يتحدث عن موقفه من الديمقراطية والانتخابات
  • الأزهري يهنئ فريق الأوقاف بمحافظة القاهرة لفوزه المستحق في اليوم الأول لبطولة الجمهورية بدوري المصالح الحكومية
  • الشيخ محمد أبو بكر يُلقي أول خطبة جمعة له بمسجد الفتح برمسيس بعد تكليفه رسميًا ..فيديو
  • الأوقاف: إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا موضوع خطبة الجمعة القادمة