قرأت إن للضياع أوجه وطقوس، متعددة ومختلفة ومتناقضة، ووجدته أضحى حقيقة في واقعنا الراهن اليوم ، حيث ضاع منا وطن تشربنا سماته منذ الطفولة، حلم رددناه كل صباح نشيدا وطنيا من طابور الروضة حتى الجامعة، غُرست فينا بذوره تربية وتعليم، جغرافيا وتاريخ، شعر وأدب، وطنية وفنية وموسيقى ومسرح، تشكل في أفكارنا قيم ومبادئ وأخلاقيات، حملنه في ارواحنا، كمعركة وطنية مستقبلية، نضال وكفاح في وجه القوى التقليدية المتخلفة التي تجرنا بعيدا عن تلك المعركة، وكنا نعرف طريقها ونسير في مسارها، كيف ضعنا وتهنا عن المسار؟
هذا الضياع بكل ما يتصل بيوميات وطني المسلوب، حلمي المغدور، ضياع الهوية والانتماء والتعاطي مع القضية الوطنية الكبرى، بعد ان صرنا نشير بأصبع الاتهام للمشروع الوطني الكبير، ونرتمي في احضان مشاريعنا الصغيرة، حيث ضيق الجغرافيا وضيق التعاطي مع القضايا الانسانية والوطنية، لنتحول لمجرد رعاع في مشاريع الارتهان والتبعية، بل مشاريع استعمارية، كان اسلافنا قد اسقطوها ومرغوا انف الإمامة والمستعمر قبل ان يرحلا مغلوبين مدحورين ، تاركين خلفهم سياسة فرق تسد، تتفجر في وجهنا فتن ما ظهر منها وما بطن، فهل عادوا على بساط تلك الفتن، محمولين بالمصابين بها والمغرر بهم، وعدد من الموظفين والمؤهلين كعملاء ومستأجرين، كواهمين وتائهين وسائرين كرعاع خلف ما هو سائد، وراقصين على نغم الطبل والمزمار ونفس الشيطان، للضياع والانهيار التام .
ضاع منا وطن، وانهارت احلامنا، عدن مدينتنا الفاضلة صارت اليوم مدينة اشباح، لا كهرباء ولا ماء ولا اتصالات، لا راتب ولا معيشة، شوارع تكتظ بالمتسولين الجياع الباحثين عن ما يسد رمقهم، وتمر من امامهم السيارات الفاخرة والاطقم المدججة بالأسلحة، تركبها كروشا منتفخة، ونفوسا جشعة تأكل الأخضر واليابس، تعيش في بروج عالية، حولها بطانة فاسدة ترمي لها فتات وبقايا الفساد، تطبل وتزمر، وتعبد الاصنام المنتشر صورها في الشوارع، هذا هو حالنا في عدن واليمن ، ضياع في ضياع.
ضياع طال الوطن بكل اركانه شماله وجنوبه شرقه وغربه، مشاريع صغيره تؤسس على اثر اغتيال المشروع الوطني، حيث ضياع مفهوم فكرة الدولة الوطنية، وبات الضياع يطال أركان هذه الدولة، التي تديرها دمى تتحرك بأمر قوى الضياع، و اللعب على منهج التناقضات، التي يتم التعاطي معها كنقمة لا نعمه، نقمة تحركت بين اوساط مجتمع جاهل ومتخلف، ويعمل عليها مثقف واكاديمي وسياسي موظف بالعملة الاجنبية، بعار العمالة والارتهان، عملة اجنبية دمرت قيمة العملة الوطنية، والقيم والمبادئ الوطنية، واخلاقيات المجتمع والامة، حيث تتربع قوى فاسدة ومفسدة، لتدير وطن نحو الضياع، والتجزئة لكنتونات للبيع والشراء، للنهب والبسط، للمتاجرة بالقضية والاحلام التي صارت مجرد ارقام في حسابات العصابات.
ضاع وطن وضاعت القيم والمبادئ والاخلاقيات، ضاعت العقيدة الوطنية النضالية للجماهير، بين اروقة التشكيلات السياسية القبلية والعسكرية ، في اروقة السلطة المصطنعة، التي لا تعي معنا المنطق الوطني ولا الانساني، بقدر وعيها بمصالحها، والنتيجة ضياع وتخريب، حيث اصبحت الحيثيات اليومية خربشات لمنصات خطاب منفلت، بعقل تائه وجاهل، وشطط وتهور، وشخيط ونخيط، فضاع كل شيء جميل ورائع، لنرى القبح واقعا ، وأضحى الواقع ضياع وغير معلوم ومعروف المعالم، ورؤية ضبابية للمستقبل.
فهل سنرك أحلامنا لهذا الضياع وهذا العبث، أم أننا سنصحو ونجتث تلك الادوات العفنة، ونستعيد احلامنا وقيمنا ومبادئنا، نستعيد ارادتنا لنستعيد وطن، نستعيد انجازات الثورة والجمهورية والديمقراطية ، ونعيد التلاحم الوطني و وحدة المصير والارادة ، والله على كل شيئا قدير .
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: كتابات
إقرأ أيضاً:
بالصورة... نائب جديد رافق اليوم كتلة الوطني المستقل
لوحظ ان النائب جورج بوشيكيان رافق كتلة الوطني المستقل للقاء الرئيس المكلف علما انه في الاستشارات الملزمة في بعبدا كان مستقلا. وبالتالي بذلك يكون قد حل مكان النائب ميشال المر الذي ترك الكتلة.