طهران- بعد 15 شهرا تصدرت خلالها تطورات العدوان الإسرائيلي في غزة حديث الرأي العام الإيراني وساسة طهران، يعيد الإعلان عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار البهجة إلى الشارع الإيراني، الذي سارع إلى إقامة احتفالات عفوية في العاصمة والعديد من المدن الأخرى.

ورسميا، هنّأت الخارجية الإيرانية بالاتفاق وعدّته "نتيجة لصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته ضد إحدى أكبر عمليات الإبادة الجماعية والتهجير السكاني على مر التاريخ"، وطالبت "بمحاكمة قيادات الكيان الصهيوني لارتكابهم أفظع الجرائم" بحق المدنيين العزل.

أما المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي -الذي سيطرت تطورات العدوان الإسرائيلي على فصائل المقاومة المتحالفة مع طهران على جميع كلماته طوال أكثر من عام- فقد غرّد تحت وسم "غزة تنتصر" قائلا "سيخطون في الكتب أن في يوم من الأيام قتلت جماعة آلاف الأطفال والنساء في غزة! وسيدرك الجميع أن صبر الناس وصمود المقاومة الفلسطينية وجبهة المقاومة أجبروا الكيان الصهيوني على التراجع".

بينما عمدت المؤسسة العسكرية بإيران على تذكير الرأي العام بالدعم المطلق الذي حظي به الاحتلال الإسرائيلي من حلفائه الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة، مشددة في بيان أصدره الحرس الثوري أن "جرائم الكيان الصهيوني لم تحقق له أي إنجاز، وأنه سيواجه بعد اتفاق الهدنة انهيارا مجتمعيا وعسكريا واقتصاديا وعزلة سياسية وهجرة عكسية".

خامنئي غرد قائلا إن صبر الناس وصمود المقاومة وجبهة المقاومة أجبروا "الكيان" على التراجع (الأناضول) اهتمام كبير

يرجع مراقبون الاحتفاء الشعبي والرسمي باتفاق التهدئة إلى رهان شريحة كبيرة من الشارع الإيراني ومعها "جمهور المقاومة" على جدوى النضال المسلح لتحرير أولى القبلتين، في حين ترى شريحة أخرى في الهدنة فرصة لتجنيب البلاد المواجهة المسلحة مع تل أبيب وحلفائها.

إعلان

من ناحيته، يرجع أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران محمد صادق كوشكي سبب اهتمام الإيرانيين بتطورات الحرب على غزة إلی حضور القضية الفلسطينية في وجدانهم، وكون بلادهم كانت الغائب الحاضر في مجريات الحرب منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.

وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح كوشكي أن الحصار المفروض على قطاع غزة حال دون وصول المساعدات الإيرانية بشكل مباشر إلى الشعب الفلسطيني هناك، بيد أن بصمة طهران كانت واضحة في كل رصاصة أطلقت نحو العدو الإسرائيلي.

واستدرك أن بلاده كانت قد قدمت ما يجب تقديمه إلى غزة خلال السنوات الماضية، مضيفا أن بذور المقاومة والاكتفاء الذاتي في إنتاج السلاح التي نشرتها طهران خلال الفترة الماضية في قطاع غزة قد أثمرت وتجلت في عملية طوفان الأقصى والدفاع عن الشعب الفلسطيني.

ورأى الأكاديمي الإيراني أنه رغم الحصار المفروض على غزة فإن الدبلوماسية الإيرانية بذلت ما بوسعها لوقف إطلاق النار منذ اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، مشيرا إلى أن الجمهورية الإسلامية دخلت على خط الأزمة بشنها هجومين صاروخيين على "كيان الاحتلال" الإسرائيلي دعما للشعب الفلسطيني ما أنذر بحرب إقليمية.

المواجهة المباشرة

وعما إذا سيطوي اتفاق الهدنة في غزة صفحة أول مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، يعتقد كوشكي أن ما أسماها "المغامرات الإسرائيلية" لن تنتهي مع إنهاء الحرب في القطاع، وأن احتمالات تكرار المواجهات المباشرة ستبقى واردة وفقا للسلوك الإسرائيلي.

من ناحيته، يشاطر الباحث السياسي صلاح الدين خديو هذا الرأي، لكنه لا يخفي خشيته من أن يمنح اتفاق الهدنة فرصة لتل أبيب لصب جام غضبها على إيران، مستغلة عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتوقف العمليات الحوثية في البحر الأحمر، وكذلك جبهة جنوب لبنان، وسقوط نظام بشار الأسد.

إعلان

وبرأي الباحث الإيراني، في حديث للجزيرة نت، فإن طهران وجدت نفسها أمام الأمر الواقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكنها لم تتخلّ يوما عن حلفائها في قطاع غزة، فأوعزت بتفعيل سياسة وحدة الجبهات التي أفشلت العديد من المخططات الإسرائيلية، وأرغمت تل أبيب على القبول بالهدنة.

وبالرغم من حرص طهران الشديد في بادئ الأمر على عدم الانخراط في المواجهة المباشرة مع إسرائيل -والكلام لخديو-، فإن استمرار تل أبيب في استهداف المصالح الإيرانية بسوريا وقيامها باغتيال أقرب حلفاء الجمهورية الإسلامية، دفع طهران إلى إطلاق الصواريخ والمسيرات نحو إسرائيل، "فكانت الدولة الوحيدة التي تتحرك عسكريا لنصرة حلفائها".

آثار الغارات الإسرائيلية بمنطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت (الجزيرة) ضربات موجعة

ويعتقد الباحث الإيراني أن محور المقاومة بقيادة إيران تلقّى ضربات موجعة بسبب عملياته الإسنادية لأهالي غزة، والتي حالت دون قضاء إسرائيل على حركة حماس وتحقيق أهدافها المعلنة بالرغم من تدمير القطاع وقتل الآلاف من المدنيين، على حد قوله.

ومع إطالة أمد العدوان واستشراس إسرائيل في هجماتها على جنوب لبنان بعد اغتيالها العديد من القادة العسكريين والسياسيين في حزب الله، كثفت إيران تحركاتها الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق هدنة في كل من لبنان وغزة، فكانت جزءا من الحل من جهة وفوّتت الفرصة على إسرائيل للقضاء على فصائل المقاومة من جهة أخرى، وفقا لخديو.

وترى الأوساط السياسية في طهران أن فصائل المقاومة سجلت انتصارا في العدوان الأخير، من خلال تفويتها الفرصة على "الكيان الإسرائيلي" لتحقيق أهدافه، ومنها عدم إطلاق سراح الأسرى إلا عبر اتفاق مع حركة حماس التي توعد بالقضاء عليها.

وبقبول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتفاق الهدنة مع حماس والانسحاب من غزة، سيجد نفسه أمام تساؤلات الرأي العام الإسرائيلي عن جدوى مواصلته الحرب وتكبيد كيانه المزيد من الخسائر، ما ينذر بأزمة سياسية جديدة في تل أبيب.

إعلان

وعلى وقع المحاولات الإسرائيلية لتسديد آخر ضربة قبيل دخول الهدنة حيز التنفيذ وفقا للسياسة التي دأبت عليها من أجل الاستهلاك الداخلي، فإن الأوساط الإيرانية ترى في الأشهر الـ15 الماضية حقبة تاريخية مهمة لا بد من تدوينها وروايتها للأجيال المقبلة، وفضح الأطراف التي لطالما نظرت ودافعت عن حقوق الإنسان لكنها التزمت الصمت حيال المجازر في غزة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات اتفاق الهدنة تل أبیب فی غزة

إقرأ أيضاً:

الرئيس الإيراني: طهران لم تتآمر ضد ترامب في محاولة اغتياله

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إن إيران لم تتآمر لقتل الرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ترامب، نافيا مزاعم سابقة من الحكومة الأمريكية.

وتقول طهران إن واشنطن تدخلت في شؤونها على مدى عقود، مستشهدة بأحداث تتراوح من انقلاب عام 1953 ضد رئيس وزراء إلى اغتيال القائد العسكري قاسم سليماني في غارة بطائرة أمريكية بدون طيار عام 2020.
ونفت إيران أيضًا في وقت سابق مزاعم الولايات المتحدة بشأن التدخل في الشؤون الأمريكية، بما في ذلك من خلال الهجمات السيبرانية.
ونجا ترامب، الذي فاز في الانتخابات الأمريكية العام الماضي وسيتولى منصبه يوم الاثنين، من محاولتي اغتيال خلال الحملة الانتخابية - واحدة في سبتمبر أثناء لعبه للجولف في ملعب ويست بالم بيتش بولاية فلوريدا، والأخرى خلال تجمع حاشد في يوليو في بتلر بولاية بنسلفانيا، ولم يجد المحققون أي دليل على تورط إيران في أي من المحاولتين.
وقال بيزيشكيان لشبكة إن بي سي نيوز ردا على سؤال عما إذا كانت هناك خطة إيرانية لقتل ترامب: "لا شيء على الإطلاق. لم نحاول القيام بذلك من البداية ولن نفعل ذلك أبدا".
وقال ترامب أيضًا العام الماضي أثناء الحملة الانتخابية الأمريكية إن إيران ربما كانت وراء محاولات اغتياله.

مقالات مشابهة

  • مصدر في الخارجية الإيرانية لـ بغداد اليوم: نرحب بأي وساطة عراقية مع واشنطن لخفض التوتر
  • مصدر في الخارجية الإيرانية لـ بغداد اليوم: نرحب بأي وساطة عراقية مع واشنطن لخفض التوتر - عاجل
  • بعد 15 شهراً من الحرب.. ماذا حقق نتنياهو من أهدافه ووعوداته؟
  • مع اقتراب صفقة التبادل.. ما هي الوحدة التي احتفظت بأسرى الاحتلال 15 شهراً؟
  • الحرس الثوري الإيراني: اتفاق غزة انتصار للفلسطينيين وهزيمة لـإسرائيل
  • شهداء مخيم جنين.. تضحيات تحت القصف والحصار
  • مستقبل العلاقات الإيرانية الأميركية مع عودة ترامب
  • الرئيس الإيراني: طهران لم تتآمر ضد ترامب في محاولة اغتياله
  • كيف تصدّع الهلال الشيعي الإيراني مؤخراً؟