قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، إننا في عالمٍ يموجُ بالأزمَاتِ والتحديات، والأوهام والشِّكَايات، وفي مجتمعات تنتشر فيها أعمال السحر والشعوذة الشيطانية، وأمراض العين والأوبئة النفسية، ومَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنها مِنْ كُرَبٍ واعْتِلال، أو نَقْصٍ في الأنْفُسِ والأمْوَال، إلا من أقدار الباري سبحانه بِابْتِلاءِ الأفْرَاد والمُجْتَمعَات، وهو لِفَرِيقٍ: مِرْقاة في دَرَجَاتِ الكمال، ولآخَر: كَفَّارة لِسَيِّئاتِ الأعمال، ويُحْمَل أمر المُسْلِم كله على الخَيْر، إنْ ألَمَّ بِه البلاء والضَّيْر .


وأضاف «السديس» خلال خطبة الجمعة اليوم من الحرم المكي المسجد الحرام-، أن التذكير بموضوع التحصن والتحصين من أهم ما يحتاجه الناس، ولا سيما في هذا الزَّمان الذي عمَّت أَمْرَاضٌ جَمًّا مِن الأنفس وفيها تَوَغَّلتْ، وأمَّتها العِلل وتَغَلْغَلَتْ، مِن صَرْعٍ ومسٍّ وسِحْرٍ وعَيْن، ونَفْسٍ وحَسَدٍ مُفْضٍ إلى حَيْن، وقد أشْرَقتِ الآيات القرآنية بِأعْظم بُرْهَان، والنّصوص الحديثيّة بأروع بيان، والشاهِدُ مِن الواقِع والعَيَان، أنَّهما البَلْسَم والشِّفاء لكل دَاءٍ عَيَاء، وكم مِن مريضٍ أشرف على الهلكات والمَمَات، ولم تُجْدِ في عِلَّتِهِ فَخَامَةُ المِصَحَّات، واستطَبَّ بِالرُّقيةِ الشرعيةِ فحَقق الله له البُرْء والشِّفَاء.

آيات التحصين من السحر والعين والحسد .. روشتة شرعية من الشيخ السديس لإبطال الأسحاركيف تتخلص من السحر والعين والحسد؟.. 7 أمور تنجيك وأهل بيتك
 

آيات التحصين من السحر والعين والحسد


وأكد الشيخ عبدالرحمن السديس، أن الوقاية والتحصين طريقٌ لتجنب الضرر أو الاعتلال والمرض، موصيًا المسلمين بتحصين أنفسهم وأولادهم وبيوتهم بالأوْرَادِ الشَّرْعِية، والأذكار الصَّبَاحِية والمسائية، وأذكار الدُّخُول والخُرُوج، والطَّعَام والشَّراب، والنوم والاستيقاظ وغيرها من الأذكار الثابتة عن سيد الخلق، فهي الحصن الواقي بإذن الله، مَع التوكُّل الجازم على المولى البصير السَّميع، وتفويض الأمر لِتَدْبيره المُحْكَم البديع ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تٌقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَة»، ولا سيما آية الكرسي وخواتيم السورة، وسورة الإخلاص والمعوذتين كما كان هدي النبي عليه الصلاة والسلام.

 تحصين الأنْفُس والأولاد والبيوت

وتابع: «في إغفالِ كثيرٍ من المسلمين تحصين الأنْفُس والأولاد والبيوت، مع ضَعْفِ الجوانب الإيمَانِيّة والعقديّة لَدَى من يُصِيبه الشيطانُ بِمَسٍ أو وَسْوَسَةٍ أو غير ذلك، أو يُصَاب بِعَيْنٍ أو حَسَدٍ، يَنْجَفِلُ بعضهم إلى أحْلاسِ الشّعْوَذة والطّلاسم والخُرَافات، والسِّحر والدَّجَل والمُخَالفات، وتَلَقَّفَهم مَنْ في سِلْكِهِم مِن أدْعِيَاءِ الرُّقية الشرعِيّة، أو مَن يَدَّعون فَكَّ الأعمال وإبطال السِّحر ونحو ذلك فَهَذَا رَاقٍ يُسَفْسِط بِكتابة غامضة ويُتَمْتِمْ، وآخر يُهَرْطِق بِمُبْهم الكلام ويُدَمْدِم، وآخر يَقْطع بأنَّ الدَّاء عَيْن، والعَائِنُ من ذوي القُرْبى، وآخر لا يَنْفكُّ عن ضرْبٍ مُبَرِّح، وجُلُّ هؤلاء الأدْعِيَاء، يُمَوِّهون بِإظْهَار سَمْتِ العُقلاء التُّقَاة، وإن هم إلاَّ مِنَ المُخَادِعين الدُّهَاة، المُحْتالِين لابْتِزَاز أموال النَّاس، واسْتِدْرَارِها على غير قِيَاس،وقد يُزَجُّ بوصفاتٍ تُرَوِّجُ للوهم لخداع البُسَطَاء، خاصة مع رواجها في الفضائيات وشبكات المعلومات ومواقع التواصل، بل وبعض التطبيقات الرقمية».


ولفت إمام وخطيب المسجدالحرام، الانتباه إلى أن التحصن والتحصين لا يحتاج لِعَنَاءٍ أو تَعَنُّت أو الوقوع في براثن الأدْعِيَاء ، بل هو أمان من كل هؤلاء، يفعله المرء بنفسه ومع أهله وأولاده، وهو يستوجب حفظ الأفْرَادِ والمُجتمعات، وغَيْرَة لجَناب العقيدة العتيدة، وحِياض الشريعة البديعة.


وأوصى المسلمين بتقوى الله وامْتِثال أوامِرِه، واجْتِنَابِ نَوَاهِيه وزَوَاجِرِه، فإنه جَلَّ جلاله مُطَّلِعٌ على بَاطِن الأمر وظاهِره، وخَلَجَاتِ الصَّدْرِ وسَرَائِرِه.


وأبان الشيخ السديس أنه ليس بخاف على الجميع ما يتناوش الأمة من مِحَنٍ وخُطوبٍ ورزايا، وفِتَنٍ وكُروبٍ وبَلايا، لذا فإن من أهم أنواع التحصين في هذه الآونة العصيبة، تحصين مدارك الشباب فِكْرِيًا وعَقَدِيًّا، والمسؤولية في ذلك تقع على عاتق العُلماء والدُّعاة، والآباء ورجال التربية والفكر والإعلام وحملة الأقلام؛ فعليهم جميعًا أن يُسْهِمُوا في تحصين الشباب فِكْرِيًا وعَقَدِيًّا؛ والحث على الالتفاف حول عُلَماءِ الأمَّةِ الرَّاسِخِين، والتحذير من الفتاوى الشاذة والمُحَرِّضَة والمُضَلِّلَة، وتوعيتهم بالتحديات التي تواجههم، في زمن طَغَتْ فيه فتن الشهوات والشبهات والتي جَرَّتْ الفتن إلى الأسر والبيوت والمجتمعات، وأخذًا بحُجَزِهم عن الهُويِّ في سراديب الأفكار النشاز، وبث الوعي في بيان خطط الأعداء وقطع الطريق عليه في تحقيق مآربهم المشبوهة سائلًا الله تعالى أن، يحمى شبابنا ومجتمعاتنا من كل سوء ومكروه، وأن يحفظ علينا أمننا وأماننا وعقيدتنا وقيادتنا، إنه قريب مجيب.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إمام وخطيب المسجد الحرام المسجد الحرام الآيات القرآنية عبدالرحمن السديس المزيد م والش

إقرأ أيضاً:

الإسراء والمعراج


#الإسراء_والمعراج
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
الإسراء والمعراج حدثان فارقان في تاريخ البشرية، وما جمعا معا إلا لأنهما حدثا في ليلة واحدة، ولشخص واحد أكرمه الله من بني البشر جميعا، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد أجرى الله تعالى كثيرا من الخوارق للسنن الكونية الناظمة لحياة البشر والكائنات، على أيدي من اصطفاهم رسلا وأنبياء، فمنهم من جعل النار عليه بردا وسلاما، ومنهم من كلمه مباشرة، وجعل له في البحر طريقا يبسا، ومنهم أحيى على يديه الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص، وما الى ذلك من معجزات، جميعها أراد بها قهر عقول البشر المكذبين بدعواتهم.
معجزتا الإسراء والمعراج أمران مختلفان عن كل ما سبقهما، ففيها نقل الله تعالى رسوله الكريم من الأرض بكامل أدراكه ووعيه الى السموات العلا، ليريه من آياته الكبرى التي جعلها من علم الغيب الخفي على البشر، فلا يرونها الا يوم القيامة، لذلك فالنبي الكريم هو الوحيد من بني البشر الذي رأى ما أراد الله أن يريه إياه في حياته وقبل بعثه.
وميزة هاتين المعجزتين أنهما لم تكونا بهدف إقناع المكذبين بدعوته، بل هما لحِكم أخرى سأبينها لاحقا، لذلك لم يشهدهما الله تعالى أحد من البشر، واقتصرت معرفتهم بها مما جاء ذكره في القرآن، عن الإسراء في سورة الإسراء، وعن المعراج في سورة النجم، وما حدّث به رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما.
بالطبع وكما مع القرآن، فقد كذب الكافرون بالحادثتين، سواء من عاصروا الدعوة، أو من جاءوا بعدها والى اليوم، لكن العقل المحايد الذي يعرف أن كتاب الله لا يورد إلا الحق، وأن رسول الله لا ينطق الا بالصدق، سيسلم بحصولهما ويصدق بحدوثهما، باستخدام التفكير المنطقي الاستدلالي، مثلما توصل الى الإيمان بوجود الله وبعلم الغيب الذي أخبرنا به، من غير الحاجة الى أدلة مادية.
ورغم ذلك ولقطع الطريق على المكذبين، فقد أجرى الله تعالى لنبيه الكريم دليلين ماديين أخرس ألسنتهم، فسكتوا مغلوبين على أمرهم: الأول وصفه عليه الصلاة والسلام للمسجد الأقصى في بيت المقدس بدقة، رغم أنه لم يزره قبلا، والثاني ما أخبرهم به عن قصة البعير الذي شرد من القافلة، ولما وصلت بعد يومين أكدت صحة ذلك.
ورغم أن العاقل عندما يتيقن من صدق الراوي في الأولى يتوجب عليه أن يصدقه في الثانية، إلا أن المكذبين لأنهم مكابرون، لا يخضعون لسلطان العقل كما يدّعون، بل هم فعليا يستحمرون العقل، فيركبونه ويسوقونه وراء أهوائهم، فهم والى اليوم ما زالوا يكذبون بقصة المعراج، ويريدون دليلا ماديا.
في زمن التنزيل، كانت حكم كثيرة من وراء هاتين الحادثتين الفريدتين خافية على الفقهاء من السلف الصالح، فاعتقدوا أنهما كانتا فقط للتسرية عن نبيه الكريم ولتطمينه أنه على الصراط المستقيم، إثر الشدائد التي تعرض لها خاصة بعد رحلته للطائف، وأنها ليست لعتب من الله عليه، بل هي من ابتلاءات الله لرسله، فكلما كانت مهمة الرسول أشق، والمسؤولية الملقاة على عاتقه أكبر، كانت ابتلاءاته أعظم.
ولما لم يكونوا آنذاك يعلمون أن المسجد الأقصى أراده الله ليكون قطبا ثانيا لخير أمة أخرجها للناس بعد المسجد الحرام، فلم يتعمقوا في البحث في الحكمة التي أرادها الله في المعراج أن يكون من المسجد الأقصى، مع أنه قادر أن يعرج بنبيه الكريم من مكة.
ولم يدرك المفسرون الأوائل الحكمة من إيراد الله تعالى إفساد الظالمين من بني اسرائيل، تاليا لذكره الإسراء بعبده الى المسجد الأقصى، والإخبار عن علوهم مرتين وقصم الله لهم، ولا عرفوا معنى الدخول الأول والثاني لعباد الله المؤمنين له، فلم يكن يدور بخلد أحد أن يتمكن اليهود الذين كتب الله عليهم الذلة، وشتتهم في الأرض أن يتمكنوا من احتلاله.
الآن نعلم الحكمة من الإسراء من المسجد الحرام الى الأقصى، وبالمعراج منه، فقد أراد الله أن يعلمنا بأن واجبنا الحفاظ عليهما، فأعداء منهجه سيستهدفونهما كليهما.
حاليا غرّهم ترك قادة العرب لمنهج الله وتخليهم عن الأقصى بالتطبيع مع العدو بديلا عن استرجاعه، فيطمحون للاستيلاء على المسجد الحرام بالوسيلة الأقل كلفة وهي التطبيع.
هذه هي الحكمة من الربط بين المكانين، والله أعلم.

مقالات مشابهة

  • موعد الاختبارات التمهيدية لأئمة وقراء كفر الشيخ الراغبين في صلاة التهجد
  • «الإفتاء» تكشف عن الأحاديث النبوية الصحيحة حول شهر شعبان..ما فضل الصيام فيه؟
  • أفضل الأدعية النبوية عند السفر
  • شهر شعبان .. فضائل لا تعد ولا تحصى اغتنم الفرصة
  • الاحتلال يفرج عن الشيخ رائد صلاح.. ماذا نعرف عنه؟
  • الإسراء والمعراج
  • أمير المدينة يرعى حفل إطلاق مشروع درب الهجرة النبوية وتجربة “على خُطاه”
  • الشيخ رمضان عبد المعز: الصبر والتمسك بالحق في مواجهة التحديات أهم دروس الإسراء والمعراج
  • بعد واقعة المذيعة آلاء عبدالعزيز.. نصائح من دار الإفتاء للمصابين بالسحر
  • في ذكرى الإسراء والمعراج.. الله يسري بنبيه محمد من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.. دروس مستفادة من المعجزة الإلهية