هكذا يخترق الشذوذ الجنسي المجتمع الفرنسي
تاريخ النشر: 17th, January 2025 GMT
من ملاعب كرة القدم إلى المهرجانات والكرنفالات وفي كل مناسبة احتفالية أو من دونها، لم يسبق أن شهد الغرب تسويقا مماثلا للشذوذ الجنسي ونفوذا متزايدا للأقليات الجنسية، كما يشهده اليوم.
وإذا كانت الحجة الحقوقية في ذلك هي مؤاءمة التشريعات في البرلمانات الغربية مع القوانين الوضعية لحقوق الانسان، فإن ما تشهده بعض الدول يذهب إلى حد التعسف ضد المفاهيم والمعايير وضد التنشئة، وسط تحولات اجتماعية صامتة وزاحفة تنبئ بحالة من الانفلات القيمي لدى الأجيال الجديدة.
وفي خضم تلك التحولات، تنطوي البيانات والإحصاءات على الكثير من الدلالات والآثار المتوقعة لمستقبل المجتمعات الغربية التي تضم الملايين من الأقليات المسلمة المهاجرة، وهو ما تبينه اليوم مسار التوجهات الجنسية في قلب أوروبا، وفرنسا على سبيل المثال.
– أعلنت رابطة الدوري الفرنسي لكرة القدم إيقاف محمد كامارا -لاعب فريق موناكو- 4 مباريات بسبب إخفائه شعار دعم المثلية الجنسية على قميصه خلال مباراة بالدوري الفرنسي.
– اللاعب أخفى شعار المثلية خلال مباراة فريقه أمام نادي نانت في المباراة الأخيرة للموسم، في 19 مايو/أيار الجاري، ورفض… pic.twitter.com/AjuHddqJJA
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) May 31, 2024
إعلان تطبيع رسمي وشعبيتعد فرنسا من أولى الدول الغربية التي بادرت برفع الغطاء القانوني عن تجريم الشذوذ الجنسي في أعقاب ثورة 1789 وتحديدا عام 1791، ولكن نظام فيشي أعاد فرض عقوبات جنائية على جرائم الشذوذ عام 1942 أثناء الاحتلال النازي، لتستمر حتى عام 1982 تاريخ إلغائها نهائيا.
وفي مارس/آذار 2024 طرح في البرلمان مقترح لمشروع قانون يهدف الى اعتراف "الأمة" بمسؤوليتها في إدانة الشواذ بين عامي 1942 و1982.
وبحسب الأبحاث، فقد أُدين ما يقرب من 10 آلاف شخص -معظمهم من الذكور- بالشذوذ الجنسي بين عامي 1945 و1982، وأشارت صحيفة لوباريزيان إلى 50 ألفا بحسب تقديرات لأبحاث مستقلة، وقد صدرت أحكام بالسجن ضد نحو 90% من المدانين.
ولا يهدف مشروع القانون الى الاعتراف بمسؤولية "الأمة" فحسب، ولكن أيضا ترتيب تعويضات مالية للمدانين. وفي كل الأحوال تأتي الخطوة امتدادا لتطبيع رسمي وشعبي للفرنسيين مع الشذوذ برزت ملامحه تدريجيا خلال العقود الأخيرة.
وكانت منصة "ستاتيستا" نشرت رسما بيانيا يوضح كيف أن نسبة قبول الفرنسيين للشذوذ الجنسي تطورت في الفترة بين عامي 1975 و2019 من 24% إلى 85%.
ومع أن باقي البيانات الإحصائية التي نشرتها المنصة أشارت كذلك إلى أن 89% من الفرنسيين اليوم لا يزالون يميلون الى العلاقات الجنسية الطبيعية، فإن هذه النتائج تخفي اتجاهات صاعدة ومفزعة لدى الشباب على وجه الخصوص.
شذوذ الفرنسيات أعلىيتضح من خلال نتائج مسح أكثر تفرعا أجراه المعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبي في باريس -ونشرته صحيفة "لو باريزيان"- أن النساء الأقل من 30 عاما أعلن ارتباطهن بعلاقات جنسية مثلية بنسبة أعلى من الذكور.
وتقول الوكالة المعنية بالأمراض المعدية الناشئة -بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب (إيدز) داخل المعهد- أن فرنسا تشهد بالفعل منذ عقدين تحولات بالعلاقات الجنسية، وهو ما تؤكده نتائج مسح أجري عام 2023، وأشار إلى أن 13.4% من النساء و7.6% من الذكور المستجوبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و89 عاما انجذبوا في علاقاتهم إلى أشخاص من نفس الجنس.
إعلانوترتفع هذه النسبة لدى الفئة العمرية -ما بين 18 و29 عاما- إلى 13.8% لدى الذكور و32.3% لدى النساء، مما يعكس انتشار العلاقات الشاذة لدى النساء بأكثر من الضعف مقارنة بالذكور.
كما يكشف المسح ذاته أن 37.6% من النساء في سن أقل من 30 عام لسن بالضرورة مرتبطات بعلاقات مع الجنس الآخر، أي إنهم منفتحات على علاقات متنوعة.
وترجع الخبيرة الاجتماعية والمنسقة لعملية المسح ناتالي باجوس هذا التحول إلى انحسار "وصم العار" الذي يلاحق العلاقات الشذوذ في المجتمع الفرنسي، فضلا عن المراجعات القانونية التي فتحت الباب لإمكانية زواج المثليين.
من جهة أخرى لفتت الخبيرة أيضا الى الدور الذي لعبه القطاع الطبي في إتاحة الفرصة للعازبات والأزواج الشواذ على الإنجاب، ثم عامل الاستقلالية المالية، وهي جميعا عوامل تعزز الرغبة في عيش تجارب مختلفة، في تقدير الخبيرة.
ومن أجل فهم أكثر للبيانات التي كشف عنها المعهد الوطني للصحة، ترصد "لو باريزيان" تجارب عن مستجوبين مثليين داخل المؤسسات التعليمية (المعاهد أو الجامعات) والاختراق الذي طال مؤسسة العائلة في فرنسا ودفعها تدريجيا إلى القبول بالعلاقات الشذوذ لأبنائها.
تأكيد المؤكدفي تحليل الخبير أحمد الشيخ مدير "مركز الدراسات الغربية في باريس" -للجزيرة نت- فإن هذه المؤشرات لم تقم في الواقع سوى تأكيد المؤكد، وإن الذين عايشوا تفاصيل الحياة الفرنسية عبر العقود الماضية لن تصيبهم الدهشة من هذه النتائج.
ويوضح الشيخ أنه "قبل نشر البيانات كنا نشاهد تغير نظرة المجتمع إلى الشذوذ الجنسي، إذ لم تعد هناك تلك النظرة القدحية الاستهجانية، إذ تحولت من قبول خجول إلى درجة من التباهي والتعاطف. وساعد على ذلك وسائل الإعلام والأفلام والمسلسلات بالإضافة إلى ظهور مشاهير ونجوم الرياضة والسينما والثقافة يتحدثون علانية عن ميولهم المثلي".
إعلانويذهب الخبير أيضا إلى استحضار العوامل الأخرى، مثل القوانين المشرعة للشذوذ مثل الاقتران بدون زواج (الباكس) وكذلك "الزواج للجميع" والمقصود به زواج الشواذ.
ويعتقد أنه من الطبيعي في مثل هذه الظروف أن تخرج نتائج التحقيق الموسع كي تشير إلى صعود نسبة الممارسات الشاذة وأنه للمرة الأولى نجد نساء أعمارهن أقل من 30 سنة يعلن عن علاقات مثلية أكثر من العلاقات مع الذكور، ويرين أن هذه الممارسات تجعلهن يعشن في مناخات أقل ثقلا من الممارسات مع الذكور.
وفي تقدير الشيخ أيضا، يرى البعض أن هذا الأمر لا يعني الجانب الجنسي فقط بل يمتد إلى رفض للنظام الاجتماعي القائم ومعاييره السائدة. ومع ذلك يشير إلى أن هذه النتائج لا يمكن النظر إليها نظرة عابرة أو متسرعة لأنها تحمل في طياتها تحولات على أكثر من صعيد، وتحتاج إلى تأمل متعدد التخصصات.
المؤسسات الفرنسية لديها هاجس من جعل الشذوذ الجنسي أكثر تطبيعا لدى الأطفال (شترستوك) الهاجس التالي: الأطفال
وفي تفسيرها لأسباب التطبيع التدريجي والعلني للشذوذ، تشير ستيفاني آرك مؤلفة كتاب "هويات المثليات" إلى الدور الاجتماعي الذي يلعبه نجوم الثقافة والفن المنتمين إلى الأقليات الجنسية في فرنسا وجهرهم بميولاتهم، الأمر الذي يساعد -في رأيها- في زيادة عدد الشباب الذين يشعرون بقدرتهم على التعبير عن هوياتهم الجنسية بشكل علني.
وتعتقد المتخصصة في علم الاجتماع الدكتورة فيرجيني لو كور أن "هذه التوجهات الجنسية كانت موجودة دائما، ولكنها كانت في أغلب الأحيان تُبقي على طابعها السري بسبب نظرة المجتمع لها كسلوك منحرف".
وفي تقديرها، فإن ما عزز ظاهرة الشذوذ الجنسي في فرنسا هو تدفق المعلومات حول هذا الموضوع ومحاولات كسر الصورة "النمطية السلبية" بجانب وجود أقليات داعمة لها.
وبينما تشير نتائج مسح أجراه المعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية إلى ارتفاع في نسبة القبول للشذوذ بالمجتمع الفرنسي ولو بنسبة أضعف لدى الذكور، فإن الهاجس التالي أمام المؤسسات الفرنسية ومن بينها مرصد الأقليات الجنسية التابع لمعهد "جون جوراس" هو جعل الشذوذ الجنسي أكثر تطبيعا لدى الأطفال.
إعلانوتقول فلورا بولتر المديرة المشاركة للمرصد "عندما أزالت منظمة الصحة العالمية الشذوذ الجنسي من قائمة الأمراض العقلية عام 1990، كان النقاش حول مكانة الشذوذ الجنسي في المجتمع سابقا، لذلك اعتادت العقول عليه. واليوم، انتقل النقاش إلى قضية المتحولين جنسيا ونرى نفس الذعر الأخلاقي، خاصة فيما يتعلق بالأطفال".
منهج جديد للتربية الجنسيةبدءا من الموسم الدراسي (2025-2026) ستبدأ فرنسا تدريس منهج جديد فيما يرتبط بالحياة الجنسية والعلاقات في المؤسسات التعليمية. وقد بدأ هذا المنهج في إثارة الجدل مبكرا، وهو ما بدا واضحا في تصريحات رئيسة اتحاد الأسرة لودوفين دي لاروشير لقناة "سي نيوز" الإخبارية.
بحسب دي لاروشير، تقوم فكرة البرنامج على محاربة ما تعتبره "الصور النمطية" للجنسين واحترام الآخرين وترك الناشئة أن يكونوا كما يريدون تلقائيا، ومن دون توجيههم بخلفيات أيديولوجية مسبقة.
ويبدأ تطبيق البرنامج منذ مرحلة رياض الأطفال عند سن الثالثة، ويهدف للتعريف بـ"الهياكل الأبوية" السائدة أي تلك الهياكل القائمة على إمكانية أن يكون للطفل اثنان من الآباء أو اثنان من الأمهات أو من جنسين مغايرين. وتعني هذه المرحلة التخلص من الأيديولوجيا عند الأطفال، وهو ما يتوافق مع مطالب الأقليات الجنسية.
وبجانب مسائل "التحيز للجنس ومعاداة الشذوذ" يتناول برنامج التربية الجنسية الجديد قضايا مركزية أخرى من بينها الأمراض المنقولة جنسيا ومنع الحمل وسن البلوغ.
وتعود لاروشير فتقول إن الأمر الإيجابي في البرنامج هو تعليم الأطفال المشاعر والعواطف، وهو ما ليس سائدا في منهج التربية الجنسية الحالي، مع التحذير من الإباحية ومخاطر شبكات التواصل الاجتماعي.
ومع ذلك ينطوي البرنامج الجديد على محاذير من شأنها أن تهدد النسيج المجتمعي الفرنسي لأنه يمنح سلطة أكبر للمؤسسات التعليمية على حساب الأسرة بمعزل عن انتماءاتها الثقافية. وينطلق البرنامج مثلا من فرضية الوقاية من "العائلات السيئة" دون تحديد لهذه الفئة من العائلات أو ما إذا كان القصد من ذلك العائلات المعارضة للعلاقات خارج الأطر التقليدية المتعارف عليها أو أنها تتحفظ صراحة على الشذوذ الجنسي.
إعلانوحتى الآن لا تشير الدراسات -أو أنها تتغاضى- عن الأثر المتوقع لهذا البرنامج على النسيج الاجتماعي المتنوع ثقافيا في فرنسا، ولا سيما فيما يرتبط بالأقليات المهاجرة المنتمية إلى الجاليات المسلمة أو أيضا الكاثوليكية المحافظة.
ولكن المتخصصة بالاقتصاد ومؤلفة كتاب "ثمن الرجولية" جينيفرا برساني، تشدد في إفادة لها لقناة فرانس 24 أن "المؤسسة التعليمية ليس لديها الحل لكل المشاكل" مشيرة إلى دور الأسرة والدين والتلفزيون في التربية الجنسية.
الشذوذ في قلب الصراع السياسي والثقافييبرز الجانب الأكثر تعقيدا لصعود الشذوذ الجنسي داخل المجتمع الفرنسي، وأثرها في العلاقات الاجتماعية، عند ربطها بسياقها السياسي الإقليمي والدولي وبسياقها الثقافي الشامل في بلد ينحدر أكثر من 10% من سكانه من الخارج، كما يضم أكبر جالية مسلمة في أوروبا، ومازالت نسبة كبيرة منها مرتبطة بمعاييرها القيمية المختلفة.
وتثير نتائج الاستطلاع إلى قضية أخرى -وفق الخبير الشيخ- أنه لا يمكن النظر لها على أنها قضية جنسية أو أخلاقية في المقام الأول، بل قضية تدخل في صلب الصراعات السياسية والثقافية والاجتماعية التي تشهدها المجتمعات الغربية بين اتجاهين: الاتجاه الليبرالي العلماني الحداثي، والتقليدي المحافظ.
ويضيف الشيخ للجزيرة نت "الصراع الحاد بين الاتجاهين لا يقف عند الحوار حول مكانة الجنسية الشذوذ في المجتمع بل يشمل قضايا أخرى مثل حق الإجهاض وتدريس التربية الجنسية للتلاميذ والطلاب في المدارس، وأضيف مؤخرا الى حلبة الصراع حق الأطفال والأبناء في التحول من جنس إلى آخر، مثل القضية المثارة مع ابن إيلون ماسك والذي تحول إلى فتاة".
ويتابع الخبير أن "هذا الصراع بين الاتجاهين يرتفع لحظات ويخبو لحظات، وهو يكشف عن تحولات كبيرة داخل المجتمعات الغربية. لكن تراجيديا هذه التحولات تنعكس بصورة خطيرة على أسر عائلات المهاجرين الذين بدؤوا يتحسسون الخطر على أولادهم وهم يحملون معهم ثقافات مغايرة، وبعضهم يخرج أولادهم من المدارس إلى مدارس دينية أو يعود بهم إلى الأوطان".
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المجتمع الفرنسی التربیة الجنسیة الشذوذ الجنسی فی فرنسا أکثر من وهو ما
إقرأ أيضاً:
أحد أبرز مؤلفي الأدب في بريطانيا يواجه اتهامات بالاعتداء الجنسي
أصدر الكاتب والسيناريست نيل جيمان بياناً على موقعه الإلكتروني، ينفي فيه الاتهامات بالاعتداء الجنسي التي وجهتها إليه عدة نساء على مدار العام الماضي، ثماني منهن في مقال نشرته مجلة "نيويورك" هذا الأسبوع.
ويعتبر جيمان أحد أبرز مؤلفي الأدب الخيالي في جيله، وله روايات مثل "علامات الخير" و"آلهة أمريكية"، والكوميكس "رجل الرمل".
وفي العام الماضي، اتهمته عدة نساء في بودكاست "The Tortoise"، وقبل أيام قليلة انضمت إليهن ضحايا أخريات في اتهاماتهن في مقال في مجلة نيويورك، ووصل إجمالي عدد النساء اللواتي يتهمن الكاتب إلى 12 امرأة.
Neil Gaiman has responded to the allegations on his blog.
The crux of it is "the bad stuff didn't happen."
Do you believe him? pic.twitter.com/pkOEF4vSuA
والعديد من النساء اللاتي يتهمنه كن يعملن لدى الكاتب، أو من معجبيه، وتقدمت امرأتين على الأقل بشكاوى إلى الشرطة، وتوصلت بعضهن إلى تسويات مالية مع الكاتب مقابل الأحداث المذكورة.
ودافع جيمان في البيان عن نفسه ضد الاتهامات، ويقول: "أنا بعيد كل البعد عن أن أكون شخصاً مثالياً، لكنني لم أمارس الجنس دون رضى مع أي شخص مطلقاً".
ومنذ أن اتهمت عدة نساء الكاتب بالاعتداء الجنسي في عام 2024، تم إلغاء جميع مشاريعه السمعية البصرية تقريباً.