"أسطول الظل" الروسي.. لعبة التخفي وتهديد البنية البحرية
تاريخ النشر: 17th, January 2025 GMT
يستخدم ما يعرف بـ "أسطول الظل الروسي"، وهو شبكة من السفن التجارية، التي يتردد أنها تدار تحت سيطرة غير مباشرة من قبل روسيا، للتحايل على العقوبات الدولية، خاصة تلك المتعلقة بصادرات النفط الروسي.
وتتميز هذه السفن بهياكل ملكية معقدة وأعلام دول أخرى، مما يجعل من الصعب تتبعها وربطها بالدولة الروسية. وفي الآونة الأخيرة، تم ربط بعض سفن هذا الأسطول بعمليات تخريب استهدفت البنية التحتية البحرية في بحر البلطيق، مثل كابلات الاتصالات وخطوط الأنابيب.
Countering Russia’s “Shadow Fleet” https://t.co/y0RsOh9N9J via @TheNatlInterest
— Nino Brodin (@Orgetorix) January 16, 2025وتمثل هذه الأنشطة تهديداً كبيراً للأمن البحري والاقتصادي في أوروبا، مما يستدعي استراتيجيات متعددة تشمل فرض العقوبات وتعزيز الحماية البحرية والملاحقة القانونية للسفن المشتبه بها.
ويقول المحلل هنري فان سويست إنه في 25 ديسمبر (كانون الأول) 2024، قامت ناقلة النفط "إيجل إس" بقطع كابل طاقة وعدة كابلات اتصالات تربط بين فنلندا وإستونيا. يأتي هذا الحادث في أعقاب سلسلة من عمليات تخريب مشتبه بها خلال الأشهر الأخيرة، حيث تم ربطها بسفن شحن تجارية مرتبطة بروسيا والصين، تقوم بسحب مراسيها لقطع الكابلات وخطوط الأنابيب في بحر البلطيق.
ويستضيف قاع البحر الأوروبي بنية تحتية واسعة تحت الماء، تصنف إلى كابلات اتصالات وخطوط أنابيب النفط والغاز وكابلات كهرباء. وتعد هذه الأصول ضرورية لدعم المجتمعات والاقتصادات الأوروبية. وعلى الرغم من التقدم في تقنيات الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، لا تزال الكابلات البحرية تنقل أكثر من 97% من اتصالات العالم، كما تدعم الأسواق المالية، حيث تسهل معاملات مالية يومية تزيد قيمتها عن 10 تريليونات دولار.
وأما خطوط الأنابيب في بحر الشمال، فتقوم بنقل النفط والغاز من الحقول البحرية إلى الشواطئ، بينما تربط خطوط الأنابيب في بحر البلطيق دول البلطيق بالدول الإسكندنافية، مما يقلل من الاعتماد على روسيا. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت كابلات الكهرباء تحت البحر ذات أهمية متزايدة مع دمج السوق الأوروبية للكهرباء، والتحول نحو أنظمة الطاقة المتجددة.
وتعد ناقلة النفط "إيجل إس" جزءاً مما يعرف بأسطول الظل الروسي، وهو شبكة من السفن التي تم تجميعها للالتفاف على سقف الأسعار الذي فرضته مجموعة السبع على صادرات النفط الروسية. وتعمل هذه السفن في إطار هياكل ملكية معقدة وتفتقر إلى التأمين الغربي، وتقوم في كثير من الأحيان بتعطيل أنظمة التتبع لإخفاء تحركاتها.
ومنذ فرض العقوبات على روسيا في عام 2022، توسع أسطول الظل بشكل سريع، ليضم الآن أكثر من ألف سفينة، أي ما يعادل حوالي 17% من أسطول ناقلات النفط العالمي. ورغم أن الغرض الأساسي لهذا الأسطول هو دعم صادرات النفط الروسية، أصبحت السفن التابعة له بشكل متزايد محل اشتباه في التعرض للبنية التحتية تحت البحر.
ويقول سويست إن استخدام أسطول الظل في عمليات التخريب يوفر لروسيا عدة مزايا، أبرزها إمكانية التنصل من المسؤولية، إذ تجعل الهياكل الغامضة المتعلقة بالملكية والإدارة وتسجيل السفن من الصعب تتبع السيطرة على السفينة وصولاً إلى روسيا.
ويمثل حجم أسطول الظل امتداداً فعالاً للقدرات البحرية والاستخباراتية لروسيا. ورغم افتقار هذه السفن إلى وظائف القتال التقليدي، فهي مناسبة تماماً لتكتيكات المنطقة الرمادية والتهديدات الهجينة. وبفضل عملها تحت ستار الأنشطة التجارية وحمايتها بالقانون البحري الدولي، يمكن لسفن أسطول الظل التنقل في المياه الدولية دون أن تلاحظ إلى حد كبير. وعلى عكس السفن البحرية أو البحثية الروسية، التي تخضع لمراقبة دقيقة، فإن تتبع السفن التجارية يعتبر أكثر صعوبة.
ويرى سويست أن تجنيد سفن أسطول الظل لأغراض التخريب يعد أمراً بسيطاً نسبياً، حيث إنها تخضع بالفعل لنوع من السيطرة الحكومية الروسية. ويتطلب إقناع طاقم السفينة بسحب المرساة وإلحاق الضرر بالبنية التحتية تحت البحر جهداً ضئيلاً. علاوة على ذلك، لهذه الأفعال تداعيات نفسية. فبالرغم من أن عدداً قليلاً من السفن يشتبه حالياً في تورطها في التخريب، يمتد الشك ليشمل الأسطول بأكمله. ويعزز هذا التهديد الضمني، المتمثل في قدرة روسيا على تنفيذ عمليات تخريب واسعة النطاق، التأثير الاستراتيجي للأسطول.
وإلى جانب التخريب الصريح، تنخرط سفن أسطول الظل في أنشطة أخرى. على سبيل المثال، ربما كانت ناقلة "إيجل إس" تحمل أنظمة استخبارات إشارات، وفقاً لتقرير صادر عن "لويدز ليست". وقبل ذلك، قامت السفينة بنشر "أجهزة من نوع المستشعرات" في القناة الإنجليزية، مما يبرز بشكل أكبر القدرات الهجينة لهذا الأسطول.
ويعتبر فرض العقوبات على السفن جزءاً من الحل لمواجهة تهديد أسطول الظل، لكنه يظل محدود الفعالية. وتتطلب العقوبات تحديداً دقيقاً لسفن أسطول الظل، وتعقيد هذا الأسطول يعوق رسم خريطة شاملة له. وعلى سبيل المثال، فرضت المملكة المتحدة مؤخراً عقوبات على 20 سفينة فقط، وهو جزء صغير من أسطول يتجاوز ألف سفينة. ولم تكن السفينة "إيجل إس"، المتورطة في حادثة فنلندا-إستونيا، مدرجة في قائمة الاتحاد الأوروبي التي تضم 79 سفينة خاضعة للعقوبات.
وتشكل الحماية البحرية المعززة جزءاً آخر من الاستجابة، لكنها تتطلب موارد كبيرة ولا يمكنها ضمان الأمن الكامل. وتعد مراقبة السفن المشبوهة أمراً حيوياً لإزالة إمكانية التنصل الروسي، لكن الحماية الاستباقية لكافة البنية التحتية تحت البحر غير عملية. فموارد خفر السواحل والقوات البحرية مستنزفة بالفعل، وتحويلها عن مهام أخرى ضرورية قد يكون في مصلحة خصوم مثل روسيا. علاوة على ذلك، يمكن أن تحدث عمليات تخريب الكابلات في غضون دقائق، مما يترك وقتاً ضئيلاً للرد في المساحات البحرية الشاسعة.
ويتمثل النهج الأكثر نجاحاً في استهداف السفينة وطاقمها. ويتطلب إلحاق الضرر بالبنية التحتية تحت البحر قرارات نشطة من الطاقم، ويمكن للتحقيقات تحديد ما إذا كان هناك إهمال أو نية متعمدة. وقد يسهم احتجاز السفن والطاقم المشتبه بهما بشكل استباقي، بجانب تدابير ردع واضحة، في تقليص فرص حدوث التخريب.
وتظهر الحوادث الأخيرة فعالية هذه الاستراتيجية، حيث قامت القوات الخاصة الفنلندية باعتلاء السفينة "إيجل إس"، ووجهتها إلى المياه الفنلندية، واحتجزت طاقمها. وبعد بضعة أيام، رفضت فنلندا منح السفينة إذناً للعمل بعد أن أظهرت الفحوصات الفنية وجود مشاكل كبيرة في السلامة.
???? Half a million tons of Russian oil products are stranded at sea due to US sanctions. 180+ tankers and insurers blacklisted, halting shipments to India, Turkey, and beyond. The shadow fleet’s chokehold tightens, reshaping global oil markets. #Sanctions #OilCrisis #Russia… pic.twitter.com/AX1wpPoQer
— Kyrylo Shevchenko (@KShevchenkoReal) January 16, 2025ويقول سويست إنه في حين أن النهج القوي في مصادرة واحتجاز السفن قد يردع المزيد من عمليات التخريب، إلا أنه ينطوي على مخاطر، إذ توجد عمليات أسطول الظل في مناطق رمادية قانونية، مما يجعل الاعتقالات والمصادرات معقدة من الناحية القانونية. ويجب على الدول الغربية احترام القانون البحري للحفاظ على مصداقيتها الدولية، وقد تؤدي الإجراءات المشكوك فيها إلى تقويض هذا المبدأ. وقد تؤدي ردود الفعل من الدول المعادية، بما في ذلك مصادرة السفن الشرعية بناء على مزاعم كاذبة، إلى تعطيل التجارة الدولية، وهو أمر حيوي لاقتصادات الدول الغربية.
ويخلص سويست إلى أن التصدي لتهديد أسطول الظل يتطلب استراتيجية متعددة الأبعاد، توازن بين العقوبات والحماية البحرية والردع المباشر مع الحفاظ على القانون الدولي. وبدون هذه التدابير، سيستمر الخطر الذي يهدد البنية التحتية الحيوية تحت البحر في أوروبا في التزايد.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية دولة الروسية أوروبا الحرب الأوكرانية روسيا أوروبا التحتیة تحت البحر البنیة التحتیة عملیات تخریب هذا الأسطول أسطول الظل فی بحر
إقرأ أيضاً:
أزمة الغواصات الأمريكية تتفاقم: أربع من كل عشر خارج الخدمة وتهديد لقدرات الردع ضد الصين وروسيا
يمانيون../
كشف تقرير دفاعي أمريكي عن تفاقم أزمة حادة داخل سلاح الغواصات الأمريكي، حيث بات نحو 40% من غواصات الهجوم النووي غير قادرة على تنفيذ المهام بسبب أعطال تقنية وتأخيرات طويلة في الصيانة. وجاء التقرير في مقال نشره برنت م. إيستوود، محرر شؤون الدفاع والأمن القومي، على منصة 1945، محذرًا من أن هذا الوضع يُقوّض القدرة الأمريكية على الردع البحري في ظل تنامي التهديدات من الصين وروسيا.
وأشار إيستوود إلى أن البحرية الأمريكية تضم 71 غواصة، من بينها 53 غواصة هجومية سريعة، إلا أن عددًا كبيرًا منها متوقف عن الخدمة، فيما تعجز القاعدة الصناعية عن مواكبة الحاجة الفعلية، حيث لا تُنتج أكثر من 1.2 غواصة سنويًا، مقابل الحاجة الفعلية لبناء غواصتين على الأقل سنويًا لتعويض النقص.
وتطرق الكاتب إلى تأثير قرارات سابقة اتخذتها الإدارة الأمريكية بالاكتفاء بإنتاج غواصة واحدة سنويًا، مما أدى إلى تراجع القدرات الإنتاجية على مدى سنوات، في وقت باتت الصين تمتلك أكبر سلاح بحري في العالم، وتحتفظ روسيا بأسطول متطور من الغواصات النووية.
وأوضح المقال أن الغواصة “يو إس إس كونيتيكت”، التي تعرضت لحادث في بحر الصين الجنوبي عام 2021، لا تزال خارج الخدمة، ومن غير المتوقع أن تعود للعمل قبل 2026، في إشارة إلى حجم التأخير في إصلاح الأسطول.
وفي سياق متصل، حذّر السيناتور روجر ويكر، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي، من تداعيات هذا التراجع، داعيًا إلى رفع وتيرة الإنتاج وتحسين جاهزية الأسطول، مشيرًا أيضًا إلى نقص في الكوادر البشرية المؤهلة للعمل ضمن طواقم الغواصات.
ولفت إيستوود إلى أن هذا النقص البشري تفاقم خلال جائحة كورونا، حيث تراجع التجنيد وتوقفت برامج التدريب المتقدمة، خصوصًا مدرسة الطاقة النووية، ما زاد من صعوبة ملء الفراغ في صفوف البحارة المهنيين.
كما تواجه شركات بناء الغواصات مثل “إلكتريك بوت” و”نيوبورت نيوز” صعوبات كبيرة في تلبية الطلب على البناء والصيانة، وسط نقص حاد في الكفاءات الفنية مثل المهندسين واللحامين، وهي أزمة تعود إلى ما قبل الجائحة وتفاقمت بعدها.
وختم الكاتب بالتحذير من أن هذه الأزمة مرشحة للاستمرار حتى عام 2028 أو ما بعده، رغم محاولات الكونغرس والإدارة الأمريكية تسريع المعالجات، مرجحًا أن تتصاعد الدعوات داخل المؤسسة السياسية – خصوصًا في حال عودة ترامب إلى الرئاسة – لزيادة الاستثمارات في هذا القطاع، رغم أن الحلول تبقى صعبة ومعقدة وتتجاوز مجرد ضخ التمويل.