محمد مغربي يكتب: ما الفرق بين ChatGPT وDeepseek V3 الصيني؟
تاريخ النشر: 17th, January 2025 GMT
صحيح أننا لن نطلق رصاصاً ولن نسيطر على العالم عسكرياً، لن يكون لنا قواعد فى أى دولة ولن ندخل فى عداء مع أحد، حتى الوساطات ستكون على استحياء وفيما يخص أمننا القومى فقط، كانت تلك هى القاعدة التى وضعها ماو تسى تونغ، رئيس الصين السابق، والقائد التاريخى للحزب الشيوعى الحاكم، ومؤسس نهضة التنين الأصفر، لكن تلك القاعدة كانت تُكملها قاعدة أخرى وهى السيطرة على العالم اقتصادياً، وببساطة لن نترك دولة تهيمن على هذه السوق بالتحديد.
وبما أن قطاعات التكنولوجيا صارت هى الأكثر ربحية بحسب بيانات البنك الدولى، ومعياراً أساسياً لمدى تقدم أى دولة، تلك القاعدة أدركها الرئيس دونالد ترامب الذى تخلى عن الميادين وأوهام القوة العسكرية مقابل الدخول فى عداء علنى مع الصين، لأنها المهدد الأول لواشنطن فى هذا المجال الذى يعد الأشرس والأخطر فى السنين الماضية والمقبلة فى آن واحد.
لكن يبدو أن هذا لم يقلق الصين فى شىء، فحين ظهر من أمريكا أشهر منصات التواصل الاجتماعى مثل «فيس بوك» و«إنستجرام»، كانت بكين جاهزة بـ«تيك توك» الذى أضحى فى سنين قليلة من أقوى المنافسين، ويستخدمه مليار و800 مليون مستخدم بحسب بيانات 2024، ونتيجة هذا النجاح الساحق باتت الحرب علنية ورأينا قضايا ودعوات لحظر التطبيق فى عدة دول على رأسها أمريكا نفسها، تحت دعاوى أن التطبيق منصة لتسريب المعلومات واستخدامها بأشكال غير قانونية.
لكن مرة أخرى لم تكترث بكين بكل ذلك، وضربت بكل التهديدات عرض الحائط، لتضع موطئ قدم لها فى مستقبل العالم الجديد، وهو موطئ قدم يكون لها فيه السيادة، واستمراراً لتلك الحالة وما إن ظهر الذكاء الاصطناعى كأحدث صيحات الثورة التكنولوجية فى الألفية الثانية.
وبات الصراع لم يعد على المنصات بل على الروبوتات حتى استعدت الصين جيداً لهذا، وكعادة حلقات الحرب، بدأتها أمريكا بـ«شات جى بى تى» الذى صار الأشهر فى هذا المجال، فخلال عامين فقط صار مستخدمو هذا الروبوت خلال عامين نحو 100 مليون مستخدم أسبوعياً.
أمام هذا التحدى، ومع أول ثوانى 2025، حيث يحتفل الناس بالعام الجديد، أعلنت شركة «Deepseek» الصينية إطلاقها نموذجاً يحمل اسم «Deepseek V3» بعد أن عمل فريق من الباحثين والمهندسين الصينيين على ابتكاره وزودوه بملايين البيانات النصية، ليصبح فى النهاية نموذجاً جاهزاً للمنافسة مع شات جى بى تى، وهو ما أحدث زلزالاً فى قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى إذ إن نموذج الشركة الصينية بات مهدداً قوياً لهيمنة عرش «open AI».
زاد من هذا الزلزال أن نموذج «Deepseek V3» الذى أصبح جاهزاً للإجابة عن الأسئلة فى ثوانٍ قليلة، بجانب قدرته على ابتكار الأكواد الرياضية، تم تصميمه أساساً لمعالجة القصور فى شات جى بى تى، وما ظهر من قدراته حتى الآن هو تمكنه القوى من تحليل المدخلات النصية مثل الترميز وكتابة المقالات وغيرها، بجانب القدرة على التنبؤ بالكلمات التى يبحث عنها المستخدم قبل كتابتها.
لكن هذا ليس الفرق الوحيد بين النموذجين لأن «Deepseek V3» انفرد بشىء آخر أكثر أهمية وغير متوفر فى شات جى بى تى، وهو أنه نموذج مزوج بلغة «المندرينية» وغيرها من اللغات التى تدعم اللهجات الآسيوية، وبالتالى هو يحرم من ناحية شات جى بى تى من هذه السوق الآسيوية البالغة مليارات البشر، إذ أصبحوا غير مضطرين أن يتعاملوا بلغة غير لغتهم، كما أنه يكسب نفس السوق ليكون طريقه إلى الهيمنة على آسيا بتعدادها الهائل.
لكن المميزات كلها لا تصب فى مصلحة «Deepseek V3»، إذ إنه نموذج خضع للرقابة، بمعنى أن هناك أجزاء من التاريخ تم عدم تزويده بها عمداً، مثل أنه يرفض الإجابة عن الأسئلة السياسية الشائكة، خاصة المتعلقة بتايوان أو مظاهرات ميدان «تيانانمين» التى وقعت فى الصين 1989، وهذا عكس شات جى بى تى الذى لا يخضع لأى مراقبة وبالتالى يتيح لمستخدميه المعلومات أكثر.
وبعيداً عن المنافسات والمميزات والمقارنات تبقى الحقيقة أن الصين أحدثت زلزالها بنموذجها الجديد الذى لن تقف «open AI» أمامه عاجزة، لنصبح على عتبة فصل جديد من الصراع الطويل الذى عنوانه من يسيطر على هذا العالم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الصين وسائل التواصل فيس بوك إنستجرام تيك توك
إقرأ أيضاً:
د. عصام محمد عبد القادر يكتب: العقيدة الصحيحة نابعة من وعي ديني قويم
إذا ما أردنا أن نرصد مواقف منضبطة، وتصرفات سديدة، وآراء تتسم بالعقلانية؛ فإن الوعي بالعقيدة يعد مقوما رئيسا حيال هذا الأمر؛ فالممارسة القويمة تعتمد في الأصل على معرفة صحيحة، ووجدان يمتلك ميولًا، وحبًا للخير؛ ومن ثم اتجاهات إيجابية نحو مفردات الطبيعة، وما تشمله من مقدرات؛ لذا فقد أضحى تشكيل هذا النمط من الوعي يعتمد على شراكة فاعلة، وحقيقية بين الأسرة، والمؤسسات التعليمية، والثقافية ، والاجتماعية، والإعلامية، وهنا نتحدث عن قوى ناعمة تنفذ برنامجًا متكاملًا بشكل مقصود، ومخطط.
الموروث الثقافي، وما به من قيم نبيلة يمكننا أن نعززه لدى الأبناء من خلال وعي ديني صحيح، وهذا يساعدنا قطعًا في بتر، أو دحر، أو القضاء على كافة القيم غير الخلقية، بل ويظهر جوانبها السلبية، وآثارها غير السوية على الفرد، والمجتمع، وهنا يصبح الوعي الديني في إطاره القويم بمثابة الموجه للفرد في شتى سلوكياته الحياتية منها، وغير الحياتية؛ ومن ثم يخلق لديه المقدرة على التكيف مع كافة المتغيرات، التي قد يتعرض لها، في ضوء ما يمده من اتصاف قيمي يحافظ به على ثوابته، ويعينه على أن يحقق غاياته المشروعة.
تعزيز الوعي الديني لدى الأبناء يؤكد ماهية تقييم الذات، والتي تعضد صورة المحاسبية الذاتية في الأقوال ، والأفعال، وهذا بمثابة الضبط الداخلي للفرد، وبناءً عليه يتنامى اليقين بأن المراقبة الإلهية بمثابة تصويب للسلوك بدافع من الرضا، وشكر النعم التي منحها الله – عزوجل- للعبد، وإيمانًا بأن فلسفة الاستخلاف تقوم على أطروحات، وأفعال الخير بكل صورة في مجالات الحياة المختلفة.
المعتقد يحث دومًا الإنسان منا على مراعاة تعاليم الأديان، التي تحض على سلوك يرتضيه المجتمع الذي يتحلى بالإيمان، وهذا بالطبع يتناغم مع الطبيعة الإنسانية السوية، التي تتقبل دروب الخير، وصوره، وتنفر من صور الشرور، والآثام التي تضير بوجدانيات فطرت على الربوبية، وتفهم طبيعة الكون المسير من قبل إله قادر على كل شيء، وبيده مقاليد السماوات والأرض، وما نمتلك سوى الأخذ بالأسباب، والسعي الحثيث نحو تحقيق غايات نبيلة في حد ذاتها.
مصدر القيم المجتمعية النبيلة مستلة دون مواربة من توجيهات إلهية تحث الإنسان على الفضيلة في أقواله، وممارساته، وتعد بمثابة سياج، يحمي أطر التعامل مع مجتمعه، بل وتجعله مقبولًا، ولديه المقدرة على المشاركة في البناء، والإعمار؛ ومن ثم لا تستطيع أن تمتد أيادي الغدر نحوه؛ فيسلم فكره، وترسخ في وجدانه إيمانًا يصون ذهنه من كل مشوب تأتى من فكرة، لا تستند على صحيح القيم النبيلة، ولا يتقبلها أولى الألباب قاطبة.
الوعي الديني متكامل، ولا يقبل التجزئة في قضايا أحكامه؛ لذا فهو مصدر قوة يمد الإنسان منا بطاقة متجددة، لا ينضب مصدرها؛ فنور القلب مستمد من عقيدة صحيحة، لها ثوابتها، التي دومًا ما تعيد الفرد على الصراط المستقيم؛ فرغم الانحرافات التي تعززها غرائز، وشهوات مؤقتة زائلة الأثر؛ إلا أن العودة إلى المسار الصحيح من مستهدفات العقائد السمحة، التي أكدت على أن الإنسان يصيب، ويخطيء، وإذا ما أصاب يؤجر، وعندما يخطيء؛ فإن أبواب الغايات، والأمل، والتوبة مفتوحة على مصراعيها.
قمينا الدينية لا تنفك عن قيمنا المجتمعية؛ فالرباط وثيق، والماهية واحدة، وأرى أنها تعزز اتجاهاتنا الدينية في مسار محمود، يجعلنا قادرين على المضي قدمًا نحو تحقيق الغايات، التي خلقنا من أجلها؛ لننعم بمقدرات ، وهبنا الله – عزوجل- إياها على الدوام، ونترك الساحة عامرة يتوارثها جيل تلو آخر، إلى أن يرث الله – عزوج- الأرض، ومن عليها.
نحتاج إلى أجيال، لديها الوعي الديني القويم، والعقيدة الوسطية الصحيحة؛ كي تواجه تقلبات هذا العصر، الذي أرهق الأذهان، وأضار بالوجدان، وبعث بمقومات الزيف تنال من فكر نقي؛ لتحوله إلى فكر ضال في كليته؛ ومن ثم تهدر مقدرات الشعوب البشرية، التي على سواعدها تبني الأمم حضارتها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.