تأمُلات
كمال الهِدَي
. منذ بدء حرب الكيزان وجنجويدهم بدت أهدافها واضحة إلا لمن في عينه رمد.
. ومن لم يدرك بعد كل ما جرى وما نتابعه هذه الأيام في مدني فلن يفهم حتى وإن أمد المولى عز وجل في عمره لمائة سنة قادمة.
. فأي حديث ساذج عن جيش الوطن وضرورة الوقوف معه حتى نقضي على (المرتزفة) وتهديد الوجود يفترض أنه قد صار من الماضي بعد كل ما شهدناه خلال الشهور الطويلة الماضية.
. فليس هناك جيشاً حريصاً على وجودك وكرامتك ووحدة أراضيك يا مواطن يستعين بهذا العدد المهول من المليشيات لمحاربة مليشيا صنعها بإيدي قادته وسادته، فالنتيجة ستكون واحدة حتى لو قُدر له سحقها، بل سنشهد الأسوأ من واقع وجود قوات مثل التيقراي وعلاقتهم بأثيوبيا.
. ولو كنت مقتنعاً بمبرر أن الجنجويد إستعانوا بالأجانب - وهو ما لا يوجد جدال حوله - للوقوف بجانب جيش الكيزان فهاهي المعارك الأخيرة قد بينت أن الجيش نفسه يستعين بالأجانب من بلدان عديدة، فكيف تحللون للجيش - الذي تحبون بالرغم من إهانته لكم وتفريطه في تراب الوطن - ما حرمتموه على المليشيا! .
. العكس هو الصحيح فقد تبدو إستعانة المليشيا بالمرتزقة من أجل تحقيق أهدافها غير النبيلة تصرفاً مفهوماً بإعتبار أنها مليشيا، أما جيوش الأوطان المحترمة فيفترض أن تُحاسب حين تلجأ للمرتزقة، إلا في هذا السودان (الهامل) لكونه يمتليء بالغوغائيين ومن يجهلون حقوقهم وواجباتهم تجاه هذا السودان ولا تتجاوز كرامة وعزة الوطن عندهم ال lip service .
. الجرائم العنيفة والتصفيات الوحشية التي نتابعها في مدني وما حولها هذه الأيام ليست من باب الصدفة، ولا هي تصرفات فردية كما يكذب بعض المسئولين والإعلاميين الرخيصين، بل هو عمل ممنهج ومدروس وواضح الأهداف أقر به مرتكبوه أنفسهم على رؤوس الأشهاد.
. يستهدفون بمثل هذه الأفعال الوحشية أبناء غربنا الحبيب أكثر من غيرهم حتى يُنَفرون من فكرة البقاء ضمن سودان موحد.
. وسبق أن تصرف الكيزان الخبثاء قبل إستفتاء جنوب السودان بذات الطريقة مع إختلاف الوسائل.
. فوقتذاك لم يتركوا شيئاً يُكرِه إخوتنا الجنوبيين في البقاء ضمن الوطن الواحد إلا وفعلوه.
. وحين سطوا على الحكم في العام ٨٩ عمد عرابهم المجرم إلى هدم وتخريب كل المؤسسات العملاقة وتآمروا ضد الرأسمالية الوطنية بغرض إفقار الشعب وإذلاله وهو ما أعادوا فعله ولذات الأهداف غير النبيلة بشن حربهم الحالية.
. فالتاريخ يعيد نفسه بوسائل أعنف وأقسى هذه المرة.
. ولو لم نكن شعباً سلبياً وسهل الإنقياد لما إنفصل الجنوب.
. لكننا نعتمد في (الساهلة والقاسية) على غيرنا للقيام بالأشياء، ولا نؤمن بأن إرادة الشعوب قادرة على جعل المستحيل ممكناً.
إنفصل الجنوب ولم يهنأ إخوتنا هناك بحياة مرفهة ومستقرة، مثلما إستمرت معاناتنا نحن مع حكامنا الطغاة المجرمين والخونة.
. ودعوتي لإخوتنا في الغرب ألا يقعوا في نفس الخطأ الذي وقعنا فيه سابقاً وأدى لإنفصال الجنوب.
. أدرك حجم المآسي والمعاناة التي يعيشها أهل الغرب وهم يرون كتائب الكيزان المجرمة تفتك بأبنائهم على مرأى ومسمع قادة الجيش ويصورون جرائمهم لكافة أفراد الشعب مثلما فعلوا هم وجنجويدهم في فض الإعتصام.
. لكن وبالرغم من كل شيء علينا أن نتوحد في مواجهة هذا الطغيان والوحشية.
. التصفيات الجسدية والإذلال لم يشملكم وحدكم أهل الغرب، فقد صفى هؤلاء المجرمون القتلة الكثير من شباب الثورة بمختلف أعراقهم وقبائلهم.
. تذكرواً أن الإجرام ليس له لون، عرق أو قبيلة.
. ومن يمارسون هذا القتل الممنهج والجرائم البشعة ويأمرون بها ينتمون لمختلف مناطق وقبائل السودان.
. لذلك أتمنى ألا تلتقطوا الطُعم وأبقوا لهم مثل (شوكة الحوت اللا بتنبلع لا بتفوت).
. فأنتم ليسوا مجرد زوار حلوا بهذا السودان، بل جزء أصيل منه وقدمتم الكثير من التضحيات من أجله كبقية أبنائه فلا يجدر بكم أن تستسلموا لإرادة ورغبات هؤلاء الأوغاد.
. إن كانوا يظنون أنهم الأصل وغيرهم الفروع فيجب أن يلقنهم الشرفاء في كل بقاع السودان درساً بوحدة وتضامن غير مسبوقين في هذا الظرف العصيب.
. قوتنا في وحدتنا، وسلاحنا الوحيد لمواجهة طغيانهم ومكرهم وخبثهم هو الوعي لا غيره.
. ولعلكم تعلمون أن مواجهة الجهل أشد صعوبة من مجابهة أعتى الجنود المسلحين بأقوى العتاد.
. فالأمر يتطلب صبراً ومثابرة وإلا فلن نهنأ بالعيش كمواطنين أحرار لو سمحنا لهم بتقسيمنا وشرذمتنا.
. وبالطبع ليس وحدكم من تواجهون الظلم والطغيان والغطرسة، ولابد أن نتخلى جميعاً كسودانيين عن الأنانية و(الجعجعة) الفارغة ونتجه نحو الفعل الجاد والصارم.
. فلا يعقل أن يتبادل جُلنا منشورات مثيري الفتن ليل نهار ويؤيدون الجيش في حربه العبثية وعند وقوع مثل هذه الإنتهاكات الفظيعة يلطم نفس هؤلاء النفر الخدود ويقولون " هذا فظيع وغير مقبول".
. (طيب كنتوا متوقعين شنو) وأنتم تتابعون منذ أشهر طويلة هذا الجيش وهو ينشيء المليشيات الواحدة تلو الأخرى ويُرَفِع قادته أراذل القوم - الذين قدم خيرة شبابكم الدماء والأرواح من أجل إزاحتهم من المشهد - لكي تهنأوا بحياة كريمة!
. عندما يساهم الجاهل والغافل والساذج في دمار الوطن وقتل الأبرياء بموقفه السلبي فلابد أن نقول له كف عن جهلك وسذاجتك فالأرواح ليست لعبة.
. أصبحنا كمن فقدوا الإحساس والله، فالواحد منا يتابع عشرات الفيديوهات لذبح وسلخ وبقر بطون إخوة له في الوطن وبعدها بثوانٍ تجده يحدثك عن أي أمر أقل أهمية مثل ضرورة دعم الهلال بدولار أو أي موضوع آخر فارغاً وكأن تلك المشاهد المروعة التي تابعها جزءاً من فيلم رعب أو أحداث تقع في بلد لا تربطه به صلة.
. والعجيب أن نفس هؤلاء يحدثونك بالعبارات الممجوجة من شاكلة " الحصة وطن" عندما يتعلق الأمر بدعم هذا الجيش الذي لم نر منه فعلاً وطنياً منذ أن فتحت أعيننا على هذه الدنيا.
. فلنتق الله في أنفسنا لأن دعم القتلة والطغاة والمجرمين أمر سنُسأل عنه يوم لا ظل إلا ظله، وفي ذلك اليوم لن ينفعنا لا برهان ولا حميدتي ولا حمدوك ولا أي كائن آخر، فدعونا من نسخ ولصق الأخبار ونشر الفيديوهات دون أن يتخذ كل منا موقفه الخاص الرافض بجدية لهذا الموت والدمار، فما من بلد ينجو من الخراب في غياب وعي شعبي وجدية في المواقف والأفعال.
kamalalhidai@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
أزمة بين السودان وتشاد بعد تلويح مساعد قائد الجيش السوداني بضرب انجمينا
تطورت الأزمة بين السودان وتشاد، بشكل لافت منذ أمس، بعد تصريحات لمساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن ياسر العطا، هدد فيها بضرب مطار العاصمة التشادية انجمينا.
وعلى مدى الأشهر الأخيرة، عرفت علاقات البلدين توترا بسبب اتهام الجيش السوداني للسلطات التشادية بدعم مليشيا الدعم السريع المتمردة، بما في ذلك نقل أسلحة وذخائر، فيما تنفي تشاد تلك الاتهامات، وتؤكد عدم تورطها في تأجيج الصراع السوداني.
لكن تصريحات مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن ياسر العطا، أمس أدخلت البلدين في أزمة يتوقع مراقبون أن تكون لها تداعيات على الإقليم خلال الفترة القادمة.
"أهداف مشروعة"
فقد قال ياسر العطا في تصريحات متلفزة إن السودان "سيقتص من الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي" وحذّره من أن مطاري انجامينا وأم جرس هما "أهداف مشروعة للقوات المسلحة السودانية".
وشدد أن حديثه "ليس لجلب العواطف في لحظات عزاء شهداء القوات المسلحة، بل نعلم ما نقوله، وحديثنا ليس مزحة إطلاقًا ولا حديثًا يُطلق على الهواء".
وتابع: "سنلاحق كل من قاتل ضد أمتنا من غرب أفريقيا، ودولة جنوب السودان، وكذلك الداعم الرئيسي لهذه الحرب، وهي دولة الإمارات".
"إعلان حرب"
ولم يتأخر رد تشاد، على تصريحات المسؤول العسكري السوداني، حيث وصفت وزارة الخارجية التشادية، هذه التصريحات بأنها بمثابة إعلان حرب".
وقالت الخارجية التشادية في بيان إنها تدين التصريحات التي وصفتها بأنها "غير مسؤولة وتُعتبر بمثابة إعلان حرب إذا ما أعقبها أي تحرك عدائي".
وحذرت الوزارة من أن مثل هذه التصريحات قد تؤدي إلى تصعيد خطير في المنطقة، مؤكدة أنها تحتفظ بحقها المشروع في الدفاع عن سيادتها، وأنها سترد بحزم على أي محاولة اعتداء، وفقًا لمبادئ القانون الدولي".
وشددت الخارجية التشادية على "التزام تشاد بالحياد في النزاع الداخلي السوداني" معتبرة أنها "تسعى جاهدة، من خلال مبادراتها الدبلوماسية، للمساهمة في إنهاء الأزمة التي يعاني منها الشعب السوداني منذ ما يقرب من عامين" مؤكدة أن النزاع في السودان هو شأن داخلي يخص الأطراف المتحاربة وحدها، وأن تشاد ليست طرفًا فيه.
ولفتت تشاد إلى أنها "تواصل استقبال مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين الفارين من النزاع، في موقف يعكس قيمها الراسخة في التضامن والضيافة".
ودعت الوزارة القادة السودانيين، وعلى رأسهم الجنرال العطا "إلى التوقف عن إطلاق التهديدات غير المسؤولة، والتركيز بدلًا من ذلك على إنهاء النزاع عبر الحوار والتفاوض، باعتبارهما السبيل الوحيد لإحلال سلام دائم".
وخلص البيان للقول: "إن تشاد تجدد بكل وضوح وحزم، استعدادها للتعاون مع كافة الأطراف الراغبة في تحقيق السلام في السودان، وتؤكد أن أي مسار آخر سيكون غير مقبول".
شكوى إلى لجنة أفريقية وتهم للإمارات
وكان السودان قد تقدّم مؤخرا بشكوى إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان مدعومة بأدلة وثائقية ومقاطع مصورة، تتهم تشاد بدعم مليشيا الدعم السريع المتمردة، بما في ذلك نقل أسلحة وذخائر، فيما نفت تشاد تلك الاتهامات، مؤكدة عدم تورطها في تأجيج الصراع السوداني.
كما تقدم السودان بشكوى ضد دولة الإمارات العربية المتحدة أمام محكمة العدل الدولية على خلفية "التواطؤ في إبادة جماعية" بسبب دعمها المفترض لقوات الدعم السريع السودانية.
وقالت محكمة العدل الدولية في بيان إن الخرطوم تعتبر أن الإمارات العربية المتحدة "متواطئة في إبادة جماعية ضد المساليت (قبيلة في السودان) من خلال توجيهها وتوفير الدعم المالي والسياسي والعسكري المكثف لمليشيات الدعم السريع المتمردة".
وذكرت المحكمة في بيانها أن طلب السودان يتعلق "بأفعال ارتكبتها" قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها، تشمل "على سبيل المثال لا الحصر، الإبادة الجماعية والقتل وسرقة الممتلكات والاغتصاب والتهجير القسري والتعدي على ممتلكات الغير وتخريب الممتلكات العامة وانتهاك حقوق الإنسان".
وقد نددت الإمارات بشكوى السودان أمام محكمة العدل الدولية، معتبرة أنها "حيلة دعائية خبيثة"، ومؤكدة أنها ستسعى إلى إبطالها.
وتتحدث تقارير إعلامية من حين لآخر أن طائرات الدعم السريع تُقلع من قواعد في دارفور وتشاد، حيث تُشغّلها الإمارات، التي يتهمها الجيش السوداني بأنها الراعي الأجنبي الرئيسي لقوات الدعم السريع.
علاقات معقدة
ترتبط السودان وتشاد بحدود تمتد لنحو 1403 كيلومترات، وهي الأطول بعد حدود السودان مع جنوب السودان، فيما يجمع البلدان تداخل اجتماعي معقّد يبرز في وجود 13 قبيلة مشتركة على جانبي الحدود.
وخلال السنوات الأخيرة ظلت العلاقة بين الخرطوم وانجمينا مثقلة بالخلافات الناتجة عن الأنظمة السياسية المتعاقبة، فمنذ اندلاع أزمة دارفور سنة 2003 طبع الاتهام المتبادل العلاقة بين الخرطوم وانجمينا.
ومرت علاقات البلدين بالعديد من المحطات البارزة، ففي العام 1987 اتهم الرئيس التشادي الأسبق حسين حبري الخرطوم بإيواء مسلحين معارضين لبلده، وفي العام 1989 لجأ الرئيس التشادي السابق إدريس ديبي إلى السودان بعد فشله في انقلاب عسكري ضد نظام انجمينا، قبل أن يتمكن من الإطاحة الرئيس حسين حبري وتولي السلطة في 1990.
وفي عام 2003 لجأ قرابة ربع مليون من سكان دارفور إلى تشاد، وفي 2004 اتهمت تشاد الجيش السوداني بالهجوم على بلدة تينه الحدودية، وفي 2007 دارت مواجهات بين جيشي البلدين داخل الحدود السودانية، وأكدت تشاد حينها أن جيشها كان يطارد متمردين تشاديين.
وفي 2008 وقع البلدان في دكار وبوساطة من السنغال، على اتفاق مصالحة ينص على ضبط حدود البلدين وعدم دعم حركات التمرد في كليهما.
وازدادت الأزمة بين البلدين تعقيدا منذ بدء المواجهة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث أصبحت حدودهما مسرحا للتوترات الأمنية.
ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ نيسان/ أبريل 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية