د.صبرى محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الإسلاميةفى جامعة الخرطوم

تمهيد : تهدف هذه الدراسة الموجزة، إلى بيان بعض المظاهر السلوكية والفكرية للشخصية الحضارية النوبية، كتجسيد للفلسفة الشعبية النوبية، والتى تتصف بكونها فلسفة دينية، استندت قديما إلى مفاهيم ميتافيزيقية، كالإيمان بقوه اوجدت الوجود ووجود عالم اخر.

.وهى مفاهيم تتفق فى جوهرها مع الأديان السماوية. فهى فلسفة روحية مقيدة،وهى فلسفة تقول بالأولوية النسبية لبعد وجودى أو معرفى أو قيمى، على اخر، دون إلغاء. والمظاهر السلوكية للشخصية الحضارية النوبية، هى تعبر عن بنيتها الخضارية الخاصة، ذات الجذور التاريخية الشعوبية، المتجاوزة للاطوار القبلية، ومنها: الانتماء إلى الأرض والميل الى الزراعه والارتباط بالنيل والميل الى البناء والعمران..

موجهات الدراسة :

نمطا التفكير الفلسفى الأكاديمي و الشعبى : إن الفلسفة غير مقصورة على الفلسفة الأكاديمية، التى وضعها الفلاسفة ، وتدرس فى المؤسسات التعليمية، والتى تتصف بالتنسيق المنطقى، والتمايز عن المجالات المعرفية الأخرى، بل تشمل أيضا الفلسفة الشعبية، وهى مظاهر التفكير الفلسفى" العقلانى " ، فى الوعى الشعبى،كالحكم والأمثال الشعبية ، والتدين الشعبى، والفنون والآداب الشعبية، وهى تتميز بكونها غير منسقه منطقيا ، وغير متميزه عن غيرها من مجالات معرفيه " كالدين والفن...".

المنظور التكاملى الوحدوى للهوية والشخصية النوبية: تنطلق الدراسة من منظور تكاملى وحدوى للهوية والشخصية النوبية، يستند الى موقف " الإرتباط والتمييز"، الذى يربط بين الشخصية النوبية الخاصة، ذات الجذور التاريخية الشعوبية، والشخصيات الحضارية العامه' الوطنية، القومية، الدينية..'، مع تأكيد تميزها- وليس إمتيازها- عنها" الجمع بين الوحده والتعدد". فهو منظور يتجاوز دعاوى موقفى الفصل والانفصال، اى فصلها عن هذه الشخصيات الحضارية العامة ، وبالتالى إنفصالها عنها " التعدد المطلق". أو الدمج والإذابه، اى دمجها وإذابتها فيها" الوحده المطلقه".

إستمرارية الوجود الحضارى النوبى كجزء من كل حضارى" شعب ذو فروع قبلية وليس قبيلة أو أمة" : أن الجماعات النوبية قبل دخول الاسلام، كانت قد ارتقت إلى طور الشعب، ولكنها لم تنتقل إلى الطور القومى " طور الأمة"، لأسباب تاريخية متعددة( كالانقسام السياسى الداخلى، والتدخل الخارجى' كالهجمات القبلية المحليةو الغزو الخارجى'). ولكن هذا لا يعنى أن وجودها الحضارى إنتهى، ولكنه تحول من كل حضارى" شعوبى"، مستقل وقائم بذاته، إلى جزء من كل حضارى عام:
١/ وطنى: كإنتماء الجماعات الشعوبية النوبية السودانية الى الوطن المشترك " السودان".
٢/ قومى: فعلاقة الإنتماء العربية ، ذات مضمون حضاري لغوي- غير عرقي، يتمثل فى اللغه العربيه كلغة قومية مشتركة، لكل الجماعات القبلية والشعوبية السودانية - ومنها الجماعات النوبية- ، بصرف النظر عن أصولها العرقيه ، ولهجاتها القبلية أو لغاتها الشعوبية الخاصة.
٣/ دينى: فعلاقه الإنتماء الإسلامية ذات مضمون دينى - حضارى، متحقق فى كون الشعب النوبى مسلم بنسبه مائه فى المائه، وان التدين الشعبى السودانى هو محصله التفاعل " التحديدى بالمنع والإباحه" بين الإسلام و الوجود الحضارى السابق عليه ، ومن أهم مكوناته الوجود الحضارى الشعوبى النوبى .

الشمول الوطنى لعلاقة الإنتماء النوبية " تفاوت درجه التمثيل وليس إنفراد بالتمثيل": أن الجماعات النوبية السودانية، اكثر تمثيلا لعلاقة الانتماء النوبية، من غيرها من جماعات سودانية، لأنها لا تزال تحتفظ باللغة النوبية - بلهجاتها المتعددة - وهى وعاء الحضارة النوبية، ولكنها لا تنفرد بتمثيلها، فهى- اى علاقة الانتماء النوبية تمتد فتشمل جماعات سودانية اخرى، سواء بالمصاهرة أو الهجرة أو الجوار او التفاعل الحضارى...كما أنها ساهمت فى تشكيل الشخصيه الحضاريه العامه"الوطنيه السودانيه" ككل، فاللهجة السودانية مثلا هى محصلة تفاعل اللغة العربية مع اللهجات القبلية واللغات الشعوبية القديمه ، السابقة على دخول الإسلام، وأهمها اللغة النوبية، فاغلب اسماء المناطق والمدن والقرى السودانيه، وأدوات الزراعه والآلات الموسيقيه... فيها ترجع جذورها إلى اللغة النوبية...

طبيعة اللغة النوبية "لغة شعوبية خاصة وليست لهجه قبلية او لغة قومية مشتركة " : إن اللغة النوبية ليست لهجة قبلية ، لأن الشعب النوبى تجاوز الأطوار القبليه ، منذ مراحل تاريخية قديمة، ولكنها لغة شعوبية تاريخية، تفرعت إلى لهجات قبلية متعددة، ولكنها لغة خاصة ، واللغة العربية " كماهى متجسدة فى اللهجة السودانية"، هى اللغة القومية المشتركة ، لكل الجماعات السودانيه، بما فيها الجماعات الشعوبية النوبية.

الأصول العرقية وتجاوز التقسيم الثنائى" الحامى- السامى": اختلف الباحثين فى الأصول العرقية للشعب النوبى، فيرى العديد من منهم انهم ذو أصل سامى " مصرى قديم، او شمال افريقى' نوبادى'، او قوقازى..." ، وقال بعضهم انه ذو أصل حامى، والراجح انة محصلة تفاعل أصول سامية متعددة ' وافدة'، واصل حامى ' محلى'، فهو ليس ذو أصل حامى خالص ' كما يفترض دعاه الإفريقانية' ، ولا أصل سامى خالص،بل أصل سامى - حامى، أو بالأصح متجاوز للتقسيم الثنائى" أما سامى أو حامى"- والذى ثبت علميا عدم دقتة - والدليل أنه يحتفظ بخصائص فسيولوجية- لم تتغير عبر التاريخ الا قليلا، كما تدل الآثار النوبيه- لا تنطبق عليها خصائص اى من الجنسين.

المظاهر الفكرية:

خصائص الفلسفة الشعبية النوبية:

فلسفة دينية "ميتافيزيقية" : كانت الفلسفة الشعبية النوبية ، دائما - وحتى قبل دخول الدين الإسلامى- فلسفة دينية ، قائمة على مفاهيم ميتافيزيقية ، ومنها :
*الإيمان بوجود قوه أوجدت هذا الوجود ، وتقديس العديد من مظاهره، باعتبارها تجسيد لهذه القوه( كمظاهر الطبيعه فى الطور الأسرى، او الطوطم ' نبات او حيوان محل تقديس' فى الطور العشائرى ، أو أرواح الأسلاف فى الطور القبلى، او الرموز الجغرافية فى الطور الشعوبى..).
*الإيمان بأن الوجود غير مقصور على هذا الوجود المادى، بل يتجاوزة إلى وجود غير مادى ( الإعتقاد بوجود عالم اخر ' روحى هو مستقر لأرواح الموتى' ، تستطيع فئة من الناس الإتصال بة ' الكهنه').
*الإيمان بخلود النفس والجزاء الاخروى ، ووجوب الإستعداد له( مثال دفن متعلقات الميت الشخصية معه ، و الأهرامات كمقابر للملوك ، تضمن خلودهم فى حياة اخرى... ".
*هذه المفاهيم الميتافيزيقية تتفق مع الأديان السماويه فى جوهرها، رغم انها قد تتناقض معها فى بعض التفاصيل، وهذا ما يفسر تحول الشعب النوبى بكامله، إلى الإسلام خلال فتره وجيزة، وبدون اكراه( اتفافيه البقط هى اطول إتفاقية فى التاريخ، استمرت نحو سته قرون )،وقبل ذلك إنتشار الديانة المسيحية، تزامن مع نشوء دويلات نوبية مسيحية، وترك بعض الاثار ، فى النسق الحضارى النوبى، لكن لم تكتب له الإستمرارية،لأسباب عديدة، أهمها انه كان انتشار رسمى نخبوى، تركز فى الطبقات العليا كالحكام ورجال الدين والامراء ، ولم يتغلغل بصوره كبيره فى الطبقات الجماهيريه، شانها شأن الديانات المصرية القديمه، التى فرضتها الدول المصرية القديمة ،على النخب الحاكمة.

فلسفة روحية مقيدة: فالفلسفة الشعبية النوبية ، فلسفة روحية بالمفهوم السابق " الميتافيزيقى - الدينى"- شأنها شان الفلسفات الشرقيه - ولكنها فلسفه روحية مقيده وليست مطلقة، لأنها لا تنتهى إلى إلغاء الوجود المادى، كما سنوضح أدناه.

التدين الشعبى النوبى: بعد دخول الإسلام، أصبح التدين الشعبى النوبى- شانه شان التدين الشعبى لباقى الجماعات السودانيه- ذو بنية : إسلامية، سنية، طبقا للمذهب الأشعرى ' عقديا - كلاميا'، والمذهب المالكى' فقهيا'،مع اثر صوفي عملى ' سلوكى'. لكن يغلب علي التدين الشعبى النوبى ايضا مميزات خاصه ومنها :
*البساطه والتركيز على جوهر الدين وليس شكله ( انما الأعمال بالنيات ، الدين المعامله ، العمل عباده، الدين يسر...).
* عدم الميل الى المظاهرالطقوسية المعقدة والكهنوتيه ، والتى أغلبها حادث، فى مراحل تاريخية متاخرة.
* انه أقرب للتدين المعرفى- فى شكله المتوارث- منه للسلوكى ' أو حتى' العاطفى، الذى يسود - غالبا- فى المجتمعات القبلية ، ذات النزعة الجماعية.
* يغلب عليه الميل للاعتدال وكراهيه التزمت و الغلو و التطرف.

فلسفة الأولوية النسبية: فهى فلسفة تقول باولوية مستوى أو بعد " وجودى أو معرفى أو قيمى " على آخر، لكنها دائما أولويه نسبية وليست مطلقة، لا يترتب عليها إلغائه.

نظرية الوجود: فالفلسفة الشعبية النوبية ، تستند إلى نظريه فى الوجود ،تقوم بالقرار بالابعاد المتعدده للوجود " الماديه والروحيه"،مع القول باولويه الاخيره ، لكنها اولويه نسبيه ،وليست اولويه مطلقه يترتب عليها إلغاء الأبعاد الماديه، كما فى الفلسفات المثاليه الغربية.

نظريه المعرفه: كما استندت الفلسفه الشعبيه النوبيه، قبل دخول الاسلام ، إلى نظرية فى المعرفه تقرر تعدد وسائل المعرفه- وبالتالى تعدد مصادرها- " الحواس ، العقل، المعرفه القلبية' الحدس' ، المعرفه ذات المصدر المفارق 'الميتافيزيقية'(معارف مصدرها الإله بواسطه الكهنه ) .."، وتقرير أولوية الأخيرة- القلبية والميتافيزيقيه- اولويه نسبيه، لا تلغى دور الأولى،فهى تقارب نظرية المعرفة الإسلامية ، لذا بعد دخول الإسلام ،استمر جوهرها، مع تعديلات فى تفاصليها ، فالمعرفه القلبية اصبحت تشمل الكشف ' الصوفى'، والميتافيزيقيه اصبحت حصريه فى الوحى ، مع استبعاد الكهنوت...

الفلسفة الإجتماعية:

اولوية الوجود الاجتماعى بين الإطلاق والنسبية: الأطوار القبلية ذات نسق اجتماعى، يعطى أولوية مطلقة للوجود الجماعى ، يلزم منه إلغاء الوجود الفردى ، بينما الفلسفة الإجتماعية الإسلامية - نظريا- تقرر أولويه نسبية للوجود الأول، لا يترتب عليها الغاء الوجود الثانى، فتجعل العلاقة بينهما علاقة تحديد وتكامل، أى ان الوجود الأول يحدد الثانى - كما يحدد الكل الجزء - فيكمله ولكن لا يلغية. ولكن انزلقت المجتمعات المسلمه، فى مراحل تاريخية متاخرة، ونتيجه لعوامل متعددة متفاعلة، إلى أنماط من السلوك والتفكير الجماعي. وفى كل الأحوال لا وجود للنزعة الفردية المطلقة، التى تحيل الوجود الفردى الى وجود مطلق قائم بذاته، ومستقل عن الوجود الاجتماعى، كما هو ماثل فى الحضارة الغربية الليبرالية، وفلسفاتها الفردية. ولكن تأثرت بعض النخب فى المجتمعات الاخرى، بها إلى حد ما. والتحليل السابق عام ، يشمل الجماعات النوبيه وغيرها من جماعات، تنتمى الى الشعوب العربية والأسلاميه- وحتى الشرقية- غير أن البنيه الشعوبية المجاوره للاطوار القبلية،فضلا عن الانفتاح على العالم الخارجى، ما لزم منه من زيادة فى المعارف و فرص التعليم ، اتاحت مساحه اكثر للوجود الفردى فيها.

المرأة والترتيبيات الإجتماعية بين معيارى الأفضلية والتفاضل : إستند المجتمع العربى القبلى الجاهلى، والذى كان يعيش فى ظلام التخلف الحضارى - وكأغلب المجتمعات القبلية - إلى تراتيبية للمرأة، تستند إلى معيار الأفضلية، اى افضليه الرجل على المراه فى كل المجالات، يلزم منها فرض قيود تعيق فاعليتها كعضو فى المجتمع وهضم حقوقها، فلما جاء الإسلام انتقل به فى فتره وجيزة إلى نور التقدم الحضارى، ودعا الى الغاء التراتيبيه الجاهليه، وتاسيس ترتيبيه جديده تقوم على معيار التفاضل ، اى افضليه الرجل فى مجالات والمراه فى مجالات اخرى، ولزم منها إلغاء هذه القيود ومنها حقوقها، ولكن فى مراحل تاريخيه متاخره ، ونتيجة لعوامل متعددة متفاعلة، حدث تخلف فى النمو الحضارى لهذة المجتمعات، وتبنت تراتيبية عرفية " مصدرها العادات والتقاليد"، تختلط فيها التراتيبيه القرانيه بالجاهليه، وترتب عليها فرض قيود على فاعليتها ،وهضم بعض حقوقها.و هذا التحليل عام ، يشمل الجماعات الشعوبية النوبية، وغيرها من جماعات، تنتمى للشعوب العربية والاسلامية، ولكن فى سياقه حصلت المراه النوبيه - والنساء فى جماعات شعوبية اخرى - على قدر اكبر من الفاعلية كعضو فى المجتمع والحقوق ، من غيرها من النساء فى الجماعات القبلية، كمحصله لأسباب متعددة منها: اولا : إن للمرأه فى الأطوار الشعوبية - فى الغالب- دور مجتمعى وحقوق اكبر من الأطوار القبلية، لأن الأولى تتصف بالاستقرار ، وما يلزم منه من تنظيم حضارى ، والمرأة لها فاعليه فيه أكثر من الرجل.بينما الثانيه تتصف بالصراع القبلى ، وما يلزم منه من قتال، وهو مجال رجالى.
ثانيا: أن المجتمع النوبى - شان اغلب المجتمعات الشعوبية- كان مجتمع امومى، للمرأه فية دور رئيسى فى تنظيم واداره شئون الاسرة" الأم أو الأخت الكبرى"، بل وأحيانا شئون المجتمع كله " وجود عدد كبير من الملكات النوبيات، وتوريث الحكم للاخت..." ، ومن مظاهره أن يلقب الإنسان بنسبته إلى أمه أو جدته.وفاعليه المراه فى أغلب المجالات " زراعه وحصاد ومناسبات اجتماعيه...". وبعد دخول الإسلام اصبحت هذه الخاصية مختلطة " اموميه- ذكورية بدرجات متفاوته"، نتيجه التفاعل مع الجماعات القبلية الاخرى، لكن لم تسود فيها النزعه الذكوريه مثلها.

العلاقة بين المراه والرجل : تميز بين الرجل الغريب" علاقه فصل بين الرجال والنساء"، والرجل القريب" علاقه مشاركة مجتمعية منضبطة قواعد عرفية معينه"، لكن القرابة تمد من دلالات العديد من المفاهيم ،كالاخوة التى تجعلها تشمل أقارب غير الأخ والاخت.

بين الطبقية والمساواة: كرست أغلب الديانات النوبية الوضعية القديمة، لمفهوم الطبقية المتمثل فى تقسيم المجتمع إلى طبقات " الحكام والامراء، الكهنه ورجال الدين، العامه، الرقيق"، وبعد دخول الاسلام، تضاءلت فكرة الطبقية، لشيوع المفهوم الاسلامى فى المساواة النسبية - وليست المطلقة- والذى يستند الى مفهوم الدرجه الذى يختلف عنه، فى تكريسة للعمل والجهد وليس التوريث، لكن تم تفسيره تفسيرات خاطئه، تقاربه بفكرة الطبقية، تاثرا برواسب فكرة الطبقية .

فلسفه الأخلاق: تستند الفلسفة الشعبية النوبية ، إلى فلسفة أخلاقية، تقول بأولوية المستوى المطلق للقيم الأخلاقية(الدينى )، على مستواها المحدود "النسبى" ( الوضعى). والمستوى الاجتماعى على المستوى الفردى، ولكنها أيضا أولوية نسبية، لا يترتب عليها الغاء المستويين الاخيرين.

المظاهر السلوكيه:

بنية حضارية خاصة ذات جذور تاريخية شعوبية وليست قبلية: كما اشرنا سابقا ، فانه رغم أن الجماعات النوبية، تشترك مع غيرها من جماعات تنتمى الى ذات الكل " الوطنى والقومى"، فى كونها جزء من هذا الكل" الوطن،الأمة"، إلا أنها تتميز عنها فى كونها أصبحت جزء من هذا الكل، بعد أن تحولت إلى شعب مستقر على أرض معينة، ولم تكن قبائل متجوله كما كان واقع الجماعات الاخرى، قبل تحولها إلى جزء من ذات الكل المشترك،وهذا يعنى أنها جماعات ذات جذور تاريخية شعوبية وليست قبلية - شان الاخيرة - فوصف بعض هذه الجماعات بأنها قبيله ، يختلف عن وصف الأخيره بذات الصفه، لأنه هنا بإعتبار أنها - حاليا- جزء' قبلى' متفرع من كل 'شعوبى' (هو الشعب النوبى)،إرتقى- سابقا- إلى الطور الشعوبى، متجاوزا الأطوار القبلية،بينما الأخيرة كل 'قبلى' ،كان ينتمى- سابقا- إلى الأطوار القبلية.

الرموز الجغرافية: ومن أدلة على ذلك، أن اسماء هذه الجماعات ومناطقها - فى الأغلب الأعم- تشير إلى رموز جغرافية - وهو من خصائص الأطوار الشعوبية- وليست اسماء لأشخاص 'الاجداد' - من خصائص الأطوار القبليه- ومن الأمثله على ذلك، ان هذه الاسماء هى تعريب بتحريف نطلق كلمات نوبيه قديمه، ذات دلالات جغرافيه، ومنها:
النوبه: نوبت - حت = ارض الذهب، لانتشار معدن الذهب فيها، فى العصور القديمة، وحتى الان.
السكوت : آسين- أكودى = خزان المياه، نسبه لكثرة الشلالات النيلية فى المنطقه.
حلفا: نسبه لنبات الحلفا، الذى ينتشر فى المنطقة.
دنقلا : كلمه نوبيه قديمه معدله فى النطق، تعنى القلعه الحمراء، لأنها نشأت على جبل ، ذو تربه تميل للون الأحمر .

مظاهر البنية الحضارية الشعوبية الخاصة: وهذه البنية الحضارية الخاصة، ذات الجذور التاريخية الشعبية ، تفرز العديد من المظاهر السلوكية والفكرية، التى تميز الشخصية الحضارية النوبية، ومنها:

الإنتماء إلى الأرض : ومصدره أن طور الشعب، يتميز عن الأطوار القبلية السابقه عليه، بالاستقرار على ارض معينه، تصبح فى الطور القومي " طور أمة التكوين " أرض خاصه" ديار بالمصطلح القرانى". ولهذا المظهر أشكال إيجابية منها الارتباط بمحل الميلاد ، حتى فى حاله البعد الجغرافي عنه، والحنين إليه- والذى يزداد مع التقدم فى العمر - والميل الى التشييد والبناء( بناء مسكن خاص وكراهيه استجار منازل)، وتزيين المنازل وطلائها،كما ان له أشكال سلبية" كالخلافات بين الورثه حول الأراضى" .

الميل الى الزراعه والتشجير:حتى فى المساحات الصغيره جدا، فالأطوار الشعوبيه ترتبط بنمط الاقتصاد الزراعى.

الإرتباط بالنيل: فالأطوار الشعوبية مرتبطه باستقرار الشعوب على ضفاف الأنهار- غالبا- فالنيل كان جزء من النسق العقدى القديم ، السابق على الاسلام- مثال عروس النيل- وأصبح جزء من النسق الاجتماعى الحالى، ممثلا فى ارتباطه بالعديد من العادات والتقاليد-كزيارة النيل كجزء من طقوس اجتماعيه كالاعراس وغيرها-

القيمه الرمزية لشجرة النخيل : ليس لمكانتها الاقتصادية فقط، بل لدلالاتها المعنويه"كرمز للشموخ والعطاء والجمال..".

الفن الشعبى النوبى: الميل الى الفنون والاداب، الذى ييتجسد فى الفن الشعبى النوبى ومظاهره من غناء و رقص وتصميم الملابس والاوانى الخزفيه وأدوات المنزليه والتنظيم المعمارى النوبى التقليدى... ويستند الفن الشعبى النوبى الى اللغه النوبية بلهجاتها القبليه المتعدده- كوعاء للثقافة والحضارة النوبية- وضمان استمراريتها.وهو فن يجمع بين الموهبه الفطرية ، و الإتقان المكتسب من البيئه، والمتوارث ايضا.

الضبط الإجتماعى والحضارى : المتمثل فى الانضباط القيمى والاخلاقى والاجتماعى، وهو من خصائص الأطوار الشعوبيه، المتصفه بالاستقرار والتنظيم، خلافا للاطوار القبليه المتصفه بالتفلت الاجتماعى. ومن مظاهرها انه تكاد تنعدم فى هذه المجتمعات الجريمة، وان الخلافات تحل وديا ،بواسطة إدارة محلية " أهلية".

الإنفتاح على الآخر والهجرة: تتصف الجماعات الشعوبية النوبية ، بالانفتاح على المجتمعات الاخرى، واستيعابها للوافد، وميلها للهجره والسفر- مع الإرتباط الوجدانى بمسقط الراس ' ومن مظاهره الحنين إلى البلد' ...ويرجع ذلك لعوامل متفاعله ، ومنها احتكاك وتفاعلها مع المجتمعات الاخرى عبر التاريخ..

بين الإيجاب والسلب: والتقييم السليم للشخصية الحضارية النوبيه - وغيرها من شخصيات حضارية- يقوم على الإقرار بإيجابياتها - الكثيرة التى تمثل جوهرها - والتى اشرنا الى العديد منها اعلاه، والتى مصدرها الوجود الحضارى الشعوبى الخاص، وما اضافه له الوجود الحضارى العام "الوطنى والقومى والدينى ". ودون إنكار سلبياتها - الطارئة عليها، فى مراحل تاريخيه متاخره، نتيجه لعوامل متعدده متفاعله، والتى يجب العمل على تصحيحها ومنها:
شيوع انماط من السلوك و تفكير الجماعى، والتى رغم مظاهرها الايجابيه كالتضامن والتعاون، فإنها تفرز مظاهر سلبية كالتقليدوالتداخل الاجتماعى المفرط...وان كان بصورة اقل من التى تشيع فى الجماعات القبليه.
الإنعزال الشعوبى: والميل الى العزله، والحذر من الغير ، والشك فيه، كمحصله للتعرض لغزوات خارجية، وهجمات قبلية محلية ، طمعا فى موارد المنطقة - وأهمها الذهب - أو للسيطرة على المنطقه لأهميتها الاستراتيجية ، كبوابه للسودان وأفريقيا. ومن مظاهرها ، الإستقرار فى مناطق ذات حماية طبيعية "بين النهر والجبل او فى الجزر " ، وبناء القلاع، وصنع أماكن سرية لتخزين الغلال، والتخاطب باللغة النوبية بلهجاتها القبلية تأكيدا للخصوصية، وضعف التفاعل الاجتماعى مع الجماعات الأخرى...  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: اللغة النوبیة دخول الإسلام یترتب علیها فى المجتمع المیل الى العدید من بعد دخول فى مراحل جزء من

إقرأ أيضاً:

لطيفة بنت محمد تفتتح المعرض الفني طبيعة الوجود السامية

افتتحت سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، اليوم الجمعة، في "سامر غاردن آي سي دي بروكفيلد بليس" بدبي، معرض "طبيعة الوجود السامية" الذي تنظمه الفنانة أمبيكا هندوجا ماكر، بالتعاون مع برنامج الفنون في "آي سي دي بروكفيلد بليس".
ويبرز المعرض قوة الفنون في إثراء الحياة اليومية من خلال دعم المواهب المحلية والإقليمية والعالمية، ويحتفي بمجموعة جديدة من الأعمال الفنية لفنانين معاصرين من أنحاء العالم، مستعرضًا عمق العلاقة بين الإنسان والطبيعة، من خلال تجارب متعددة تسلط الضوء على عدة عناصر كالماء والنار والأرض والهواء.

أخبار ذات صلة «صراع الأقوياء» في «تحضيري» جبل علي للسرعة «الشؤون الإسلامية» بدبي تطلق سلسلة «باقة مواسم الخير»

وقامت سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم بجولة في المعرض، اطّلعت خلالها على الأعمال الفنية المتنوعة التي شكّل كل منها تجربة تعبيرية وفنية نابضة بالإبداع، وامتازت بتفرّد أفكارها وأساليبها وطريقة عرضها، كما التقت سموّها عدداً من الفنانين المشاركين، مشيدةً بتميز رؤاهم المبتكرة، وجودة أعمالهم الفنية التي تعكس قدرتهم على التعبير عن علاقة الإنسان مع الطبيعة، وتسهم في إثراء الحراك الثقافي في دبي.

وأشارت سموّها إلى أن المعرض يُمثل تجربة عالمية مميزة تعكس تنوّع دبي الثقافي وما تتميز به من إمكانيات ومناخات إبداعية مُلهِمة، وقدرة على مد جسور التواصل بين الثقافات، ما يعزز ريادة الإمارة ويرسّخ مكانتها على الساحة الدولية كحاضنة للإبداع وملتقى للمواهب.

ويشارك في المعرض الذي يستمر حتى 22 فبراير المقبل، 15 مبدعاً وفناناً من المنطقة والعالم، وهم الفنان الأمريكي جاكوب هاشيموتو، والمصمم والفنان الفرنسي ماثيو لينور، والمصمم الأيرلندي جوزيف والش، والفنان الأمريكي بيل كلابس المتخصص في فنون الوسائط المتعددة، والنحّات والفنان البلجيكي فريد إيرديكنز، والنحّات اللبناني نديم كرم، والفنانة البرازيلية جانيينا ميلو، والفنانة الإنجليزية ميشيل ماكيني، والفنان الألماني المتخصص في الزجاج سيمون بيغر، والفنان اللبناني المكسيكي سامي حايك، والفنان البلجيكي ستيفان بيترز، والنحّات الإنجليزي روان ميرش المتخصص في فنون الوسائط المتعددة، والنحّاتة الإنجليزية المتخصصة في الشمع أنيت تاونسند، والفنان الفرنسي مارك بروس، والفنانة والمصممة والمنسّقة الفنية الهندية أمبيكا هيندوجا، والمؤلفة والفنانة الصوتية والمنتجة الهندية ساتيا هيندوجا.
ويقدّم المعرض رؤية فنية جديدة من خلال الأعمال المبتكرة للفنانين، والتجربة الفنية التي تقدمها الفنانة أمبيكا هندوجا ماكر، مؤسسة ومديرة الإبداع لشركة Impeccable Imagination والتي تستكشف الجوانب المختلفة لـ "طبيعة الوجود السامية"، وتتبنى المفهوم الحديث للمصطلح الياباني "أوكيو"، الذي يعني العيش في اللحظة بعيدًا عن هموم الحياة. 
ويتضمن المعرض أيضاً تجربة "البيئة الصوتية الساحرة" التي أعدتها الملحنة وفنانة الصوت ساتيا هندوجا، وتسعى من خلالها إلى إعادة تعريف قوة الإدراك الصوتي وتأثيره على الإمكانيات البشرية، من خلال المزج بين الموروث والتكنولوجيا المتقدمة والاستفادة من الإمكانيات العلاجية للصوت.
ورحّبت الفنانة أمبيكا هندوجا ماكر، بالفنانين المشاركين والجمهور من زوار الحدث الفني الفريد وقالت: "إن الحيوية التي تتمتع بها دبي مع روح الابتكار التي يجسدها "آي سي دي بروكفيلد بليس" تجعل من هذه المدينة النابضة بالحياة مكاناً مثالياً لاستضافة معرض يحتفل بالتفاعل العميق بين عناصر الطبيعة الخمسة". 
من جهتها، قالت ملاك أبو قعود، مديرة برنامج الفنون في "آي سي دي بروكفيلد بليس": "لمسنا انسجامًا بين رؤية طبيعة الوجود السامية وقيم "آي سي دي بروكفيلد بليس"، لطالما شكلت هذه المساحة منصةً للإلهام والإبداع وتعزيز الحوارات الهادفة. ومع هذا المعرض، نفخر بتقديم رحلة استثنائية لزواره تحتفي بقوة الفن وتعزز الارتباط بالعالم الطبيعي والتجربة الإنسانية المشتركة".

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • لطيفة بنت محمد تفتتح المعرض الفني طبيعة الوجود السامية
  • مواصلة فعاليات الملتقيات الفقهية والفكرية ضمن الرواق الأزهرى بأسوان
  • اللافي: التزامنا راسخ بحماية الأرث الثقافي الليبي وتعزيز هويتنا الحضارية
  • معلمو الفلسفة يرفضون إهمال مادتهم في نظام البكالوريا المصرية
  • سعود بن صقر يشيد برسالة الإعلام الإماراتي الحضارية
  • ضمير الوجود وتجربة الإنسان وأزمة العلوم السودانية
  • مسئول روسي: هناك احتمال بأن تختفي أوكرانيا من الوجود تماماً خلال عام 2025 
  • في 2025..مستشار بوتين: أوكرانيا قد تختفي من الوجود
  • الشخصية الليبية بين نقمة القبلية وجشع الغنيمة وقهر المغالبة!