تواجه الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع تحديات كثيرة في سعيها وتطلعاتها لإشاعة الاستقرار في ربوع سوريا، ويبرز نموذج الحكم الذي سيتم اختياره وتطبيقه كأحد التحديات الكبرى إن كان نموذجا توافقيا يحظى بموافقة كافة الأطراف والقوى والتنظيمات السورية، وينال مباركتها ورضاها، أم أنه سيكون نظاما تشكله وتفرضه التنظيمات المتغلبة بحكم سيطرتها على مفاصل الحكم بعد سقوط نظام آل الأسد؟ 

ووفقا لمراقبين فإن القوى والتنظيمات الإسلامية السورية بشقيها العسكري والسياسي، تختلف في رؤاها، وتتباين في اتجاهاتها، حتى داخل الفصيل الواحد تتواجد تيارات تتباين في رؤاها وأفكارها في كيفية إدارة الدولة، وعلاقة السلطة بالمجتمع، وحدود تدخل السلطة في فرض الأحكام على عامة الناس، وإقامة علاقات مع مختلف الدول، بين ما تقتضيه شروط الواقع ومتطلبات بناء الدولة الحديثة، وبين صرامة الأفكار والرؤى الدينية بصيغها المتشددة.



في ظل تلك الاختلافات والتباينات في الأفكار والرؤى كيف سيتعامل إسلامية سوريا مع سؤال الدولة وكيفية بنائها وإدارتها؟ وما هو النموذج الذي سيسعون لتطبيقه في ممارساتهم السياسية؟ وهل سيقاربون في نهاية المطاف مشاريع الإسلام السياسي بتبني خيار الديمقراطية والانتخابات، أم أنهم سيقدمون نموذجا جديدا متفردا ومغايرا؟

من المرجح في هذا الإطار استمرار هيئة تحرير الشام بإدارة المشهد السياسي في سوريا، والانفراد بالتعينات في الحكومة الانتقالية الحالية، فطبقا لتصريحات القائد العام للإدارة السورية الجديدة، وقائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع فلن يتم تنظيم أية انتخابات برلمانية أو رئاسية قبل 4 سنوات، وأن تعينات اللون الواحد في الحكومة الانتقالية (أي الاقتصار على تحرير الشام) "كان من ضرورات المرحلة وليس إقصاء لأحد".

في هذا الإطار قال الأمين العام الأسبق لحزب جبهة العمل الإسلامي بالأردن زكي بني ارشيد أنه "ليس لدى الإسلاميين السوريين خيارات واسعة، وليس أمامهم نموذجا للحكم صالحا للتطبيق" مبديا آمله "بأن لا يكتفوا باستنساخ تجربة إدارة إدلب حتى لو كانت مقبولة وناجحة، لأن التجارب الناجحة في الحكم يستفاد منها ولا تستنسخ، باعتبار خصوصية كل دولة، وخاصية كل تجربة".

وأضاف في تصريحاته لـ"عربي21" "فمهمة الحكم الجديد في سوريا هو نحت مقاربتهم الخاصة بهم، مع الأخذ بالاعتبار ضرورة تحقيق قواعد الحكم الدستوري وأساسها النظر إلى الدولة بوصفها دولة المواطنة والحرية والتعددية والتشاركية، وحقوق الإنسان، ودولة القانون والمؤسسات، وأن تكون الأمة مصدر السلطات".


               زكي بني ارشيد.. الأمين العام الأسبق لحزب جبهة العمل الإسلامي بالأردن

وتابع "هذه المبادئ في الأصل هي مبادئ النظام السياسي في الإسلام، والعنوان الأبرز هو عدم الإكراه في الدين ولا في التفكير ولا في التعبير، ولا في فرض نمط الحياة باستخدام السلطة والإكراه" مشددا على أن "هذه المبادئ والمعاني هي ضرورة موضوعية، وليس من أجل تقديم أوراق اعتماد للآخرين" على حد قوله.

ونبَّه بني ارشيد على أن "هذا لا يعني سيولة الحالة والانفلات الجامح، لكن لا بد من المحددات والضوابط المتمثلة بسلطة القانون الناتج عن انتخابات حقيقية، وثمة ملاحظة مهمة بشأن الحالة السورية الخارجة من معاناة الحكم الشمولي وألم الاستبداد والاستحواذ والاحتكار فهي تحتاج إلى نظام برلماني وليس نظاما رئاسيا للحيلولة دون تجميع السلطات والنفوذ بيد شخص كائنا من يكون تجنبا للوقوع في مهلكة (السلطة المطلقة)".

من جانبه رأى الأكاديمي والباحث السوري، عرابي عبد الحي العرابي أن "من السابق لأوانه بحث مثل هذه القضايا، لأن الإجابة عنها لا تعدو أن تكون ضربا من التحليل والتخمين"، مضيفا "أما بخصوص نموذج الدولة المتوقع فوفقا لما يقوله الأخوة في القيادة الحالية فإنهم سيستعينون بالخبراء والفقهاء الدستوريين لكتابة الدستور".

وأضاف: "ومن المرجح أن تستغرق كتابة الدستور وقتا طويلا، وهو على الأغلب سيتضمن قيما إسلامية، لكن شكل الدولة سيبقى ـ على الأغلب ـ جمهورية ورئاسة وانتخابات وما إلى ذلك".. أما فيما يتعلق بالعلاقة بين السلطة والمجتمع، فالقيادة الحالية – فيما أرى - لديها رؤية متقدمة جدا عن كوادرها (الصف الثاني والثالث)".


                                 عرابي عبد الحي العرابي أكاديمي وباحث سوري

وتابع العرابي في حديثه لـ"عربي21”: “والسلطة حينما تنخرط في إدارة شؤون الدولة، وشؤون المجتمع فإنها ستقترب أكثر من مشاكل الناس وهمومهم، بقطاعاتهم المختلفة، تجار وصناعيين ومستثمرين، وهو ما يفرض عليها الاجتهاد في تلبية متطلباتهم، وقد يستدعي ذلك قدرا من المرونة في التعامل مع ذلك كله، وقدرا على تغيير الأفكار بما يتناسب مع الواقع الجديد، لا سيما وأن الإدارة الحالية لديها تجربة وخبرة سابقة في هذا المجال".

ولفت عرابي إلى أنه "يستبعد وقوع أية اصطدامات بين السلطة والمجتمع، أو بين الاثنيات المختلفة، أو بين التوجهات الفكرية المتعددة، كالاتجاهات الليبرالية واليسارية".

وعلى صعيد متصل فإن "سؤال الدولة (شكل الدولة) هو السؤال الأول الذي يُطرح على كل تغيير (ثورة/انتفاضة)، ويراد به اختبار توجهات القادم: هل يؤمن بالدولة القومية الحديثة والمسلمات التي قامت عليها؟ ويراد به ـ أيضا ـ محاكمة القادم للحكم لقوالب السائد عالميا (المنظومة الغربية)" وفق الكاتب والباحث السياسي المصري، الدكتور محمد جلال القصاص.

وفيما يخص الشأن السوري يرى القصاص "إننا أمام نموذج مختلف عن نماذج الحكم التي خاضتها التجارب الإسلامية السابقة في السودان وماليزيا وتونس ومصر، فتلك النماذج حاولت إدارة الدولة القومية الحديثة بأدواتها (المؤسسات، والمجتمع المدني)، لكنها لم تستطع، وقاومهم النموذج (الرؤية والمؤسسات والمجتمع المدني) بمعاونة أوليائه في الإقليم وفي النظام العالمي".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "فإن القيادة الحالية تعمد ـ فيما أرى ـ إلى تغيير شكل الدولة السورية، ومن شواهد ذلك: ما استحدثوه في التجنيد (إلغاء التجنيد الإجباري)؛ ورفعهم شعار بني أمية، وهي دولة ممتدة، ونموذج بعيد كلية عن نموذج الدولة الحديثة، وذات هوية إسلامية عروبية واضحة، بمعنى أن مظلة بني أمية مشروع ممتد وليس دولة قومية.. ونداء على الأقربين ليستعدوا لرايات بني أمية حين تأتيهم".

وأضاف "ومن الشواهد ـ أيضا ـ سعيهم للسيطرة على أدوات الفعل، وأهمها: الجغرافيا (بفك دولة الأكراد في الشمال الشرقي) والسعي لاحتواء الدروز في الجنوب (مع أنهم أرسلوا عسكرهم بالفعل لحدود الدروز في الجنوب)، وبناء حاضنة مجتمعية ذات هوية إسلامية من خلال تلبية حاجات الجماهير، لا من خلال الشعارات كما كانت تفعل المعارضة (إسلامية وغير إسلامية)، وفي العمق يخاطبون جماهير الأمة بنموذجهم لتستقبلهم إن أتوها مستقبلا، أو لتقلدهم، ويبدو أنهم قادرون على تفعيل القدرات الكامنة في المجتمع".


                                           محمد جلال القصاص كاتب وباحث سياسي مصري

وتابع "وكذلك من خلال الحفاظ على القدرات الكامنة في المجتمع (الأبنية، والناس) بتقديم الحلم والتوافق، وهذا منحى شديد الفاعلية في تفعيل القدرات الكامنة، فالحليم الكريم يسود، وكذلك رفض الحديث عن المحاصصة، بل وفرض نخبتهم بدعوى (التجانس) في الإدارة".

وختم القصاص حديثه بالإشارة إلى أن "الرهان يبقى على القدرة، بمعنى فرض التغيير واقعيا، عبر صياغة واقع جديد، وهو أمر ممكن، لخبرتهم السابقة في ممارسة السلطة من قبل (تجربة إدلب)، وامتلاكهم لعصبة تدعمهم (مقاتلون)، وبسبب انهيار الدولة القديمة (دولة آل الأسد)، وانهيار القوة الإقليمية (إيران)، وما قد يتبعه من ضعف وانهيار العراق، وقد ينضم شماله – أو كله – إليهم بما في ذلك الأكراد، ومعاونة القوة الإقليمية الصاعدة (تركيا)، وقوة إقليمية أخرى تتقاطع مصالحها معهم وإن كان ذلك مؤقتا (الخليج)".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير سوريا التوجهات سوريا سياسة اسلاميون توجهات تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

محمد بن زايد يتلقى اتصالاً هاتفياً من بوتين

أبوظبي - وام
تلقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» اتصالاً هاتفياً من فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية.. بحثا خلاله مختلف جوانب التعاون الثنائي وسبل تعزيزه وتطويره وذلك في إطار الشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين وبما يخدم مصالحهما المشتركة..مؤكدين حرصهما على مواصلة تعزيز هذه العلاقات على مختلف المستويات بما يعود بالخير على شعبيهما.
وأعرب الرئيس فلاديمير بوتين، خلال الاتصال، عن شكره وتقديره لصاحب السمو رئيس الدولة لجهود الوساطة الناجحة التي بذلتها دولة الإمارات خلال الفترة الماضية بشأن تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا والتي كان آخرها خلال شهر مارس الجاري..فيما أعرب سموه عن شكره للتعاون الذي تبديه الحكومة الروسية مع دولة الإمارات في هذا الشأن والذي كان له دور هام في نجاح جهودها..مؤكداً سموه حرص الدولة على مواصلة بذل مزيد من الجهد في هذا الجانب الإنساني المهم ودعمها جميع المساعي الرامية إلى إنجاح الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سلمي للأزمة والتخفيف من تداعياتها والآثار الإنسانية الناجمة عنها.
كما تبادل صاحب السمو رئيس الدولة والرئيس الروسي وجهات النظر بشأن عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.. وفي هذا السياق أكد سموه نهج دولة الإمارات الثابت في دعم العمل من أجل السلام والاستقرار في العالم بجانب دفع الحلول والمبادرات السلمية للنزاعات والصراعات.
وكانت دولة الإمارات قد أعلنت يوم 19 من شهر مارس الجاري نجاح جهود الوساطة التي قامت بها بين روسيا الاتحادية وجمهورية أوكرانيا في إنجاز عملية تبادل أسرى حرب جديدة شملت 175 أسيراً من الجانب الأوكراني و175 أسيراً من الجانب الروسي بمجموع 350 أسيراً ليصل العدد الإجمالي للأسرى الذين جرى تبادلهم بين البلدين خلال 13 وساطة إلى 3,233 أسيراً.

مقالات مشابهة

  • الإعتداء على رجال السلطة.. بين “شرع اليد” و المس بهيبة الدولة
  • محمد بن زايد يتلقى اتصالاً هاتفياً من بوتين
  • "الدبلوماسية الفائقة".. صُنع في الإمارات
  • عودة الإسلاميين عبر الحرب- خطر داهم يهدد السودان
  • قراءة أولية في الإعلان الدستوري في سوريا الجديدة
  • قراءة أولية للإعلان الدستوري في سوريا الجديدة
  • من ضبط أسلحة فلول النظام السابق لاستعادة حركة المطارات.. الإدارة السورية الجديدة: تأمين البلاد وتشغيل المرافق الحيوية
  • جلسة حوارية: التسامح الإماراتي نموذج عالمي مُتوارث
  • معابر المشاة”.. ممرات آمنة لتحسين تجربة الزائرين وتيسير وصولهم إلى المسجد النبوي
  • فرص شراكة أميركية-تركية في سوريا