أي نموذج في الحكم سيطبقه إسلاميو سوريا بعد وصولهم إلى السلطة؟
تاريخ النشر: 17th, January 2025 GMT
تواجه الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع تحديات كثيرة في سعيها وتطلعاتها لإشاعة الاستقرار في ربوع سوريا، ويبرز نموذج الحكم الذي سيتم اختياره وتطبيقه كأحد التحديات الكبرى إن كان نموذجا توافقيا يحظى بموافقة كافة الأطراف والقوى والتنظيمات السورية، وينال مباركتها ورضاها، أم أنه سيكون نظاما تشكله وتفرضه التنظيمات المتغلبة بحكم سيطرتها على مفاصل الحكم بعد سقوط نظام آل الأسد؟
ووفقا لمراقبين فإن القوى والتنظيمات الإسلامية السورية بشقيها العسكري والسياسي، تختلف في رؤاها، وتتباين في اتجاهاتها، حتى داخل الفصيل الواحد تتواجد تيارات تتباين في رؤاها وأفكارها في كيفية إدارة الدولة، وعلاقة السلطة بالمجتمع، وحدود تدخل السلطة في فرض الأحكام على عامة الناس، وإقامة علاقات مع مختلف الدول، بين ما تقتضيه شروط الواقع ومتطلبات بناء الدولة الحديثة، وبين صرامة الأفكار والرؤى الدينية بصيغها المتشددة.
في ظل تلك الاختلافات والتباينات في الأفكار والرؤى كيف سيتعامل إسلامية سوريا مع سؤال الدولة وكيفية بنائها وإدارتها؟ وما هو النموذج الذي سيسعون لتطبيقه في ممارساتهم السياسية؟ وهل سيقاربون في نهاية المطاف مشاريع الإسلام السياسي بتبني خيار الديمقراطية والانتخابات، أم أنهم سيقدمون نموذجا جديدا متفردا ومغايرا؟
من المرجح في هذا الإطار استمرار هيئة تحرير الشام بإدارة المشهد السياسي في سوريا، والانفراد بالتعينات في الحكومة الانتقالية الحالية، فطبقا لتصريحات القائد العام للإدارة السورية الجديدة، وقائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع فلن يتم تنظيم أية انتخابات برلمانية أو رئاسية قبل 4 سنوات، وأن تعينات اللون الواحد في الحكومة الانتقالية (أي الاقتصار على تحرير الشام) "كان من ضرورات المرحلة وليس إقصاء لأحد".
في هذا الإطار قال الأمين العام الأسبق لحزب جبهة العمل الإسلامي بالأردن زكي بني ارشيد أنه "ليس لدى الإسلاميين السوريين خيارات واسعة، وليس أمامهم نموذجا للحكم صالحا للتطبيق" مبديا آمله "بأن لا يكتفوا باستنساخ تجربة إدارة إدلب حتى لو كانت مقبولة وناجحة، لأن التجارب الناجحة في الحكم يستفاد منها ولا تستنسخ، باعتبار خصوصية كل دولة، وخاصية كل تجربة".
وأضاف في تصريحاته لـ"عربي21" "فمهمة الحكم الجديد في سوريا هو نحت مقاربتهم الخاصة بهم، مع الأخذ بالاعتبار ضرورة تحقيق قواعد الحكم الدستوري وأساسها النظر إلى الدولة بوصفها دولة المواطنة والحرية والتعددية والتشاركية، وحقوق الإنسان، ودولة القانون والمؤسسات، وأن تكون الأمة مصدر السلطات".
زكي بني ارشيد.. الأمين العام الأسبق لحزب جبهة العمل الإسلامي بالأردن
وتابع "هذه المبادئ في الأصل هي مبادئ النظام السياسي في الإسلام، والعنوان الأبرز هو عدم الإكراه في الدين ولا في التفكير ولا في التعبير، ولا في فرض نمط الحياة باستخدام السلطة والإكراه" مشددا على أن "هذه المبادئ والمعاني هي ضرورة موضوعية، وليس من أجل تقديم أوراق اعتماد للآخرين" على حد قوله.
ونبَّه بني ارشيد على أن "هذا لا يعني سيولة الحالة والانفلات الجامح، لكن لا بد من المحددات والضوابط المتمثلة بسلطة القانون الناتج عن انتخابات حقيقية، وثمة ملاحظة مهمة بشأن الحالة السورية الخارجة من معاناة الحكم الشمولي وألم الاستبداد والاستحواذ والاحتكار فهي تحتاج إلى نظام برلماني وليس نظاما رئاسيا للحيلولة دون تجميع السلطات والنفوذ بيد شخص كائنا من يكون تجنبا للوقوع في مهلكة (السلطة المطلقة)".
من جانبه رأى الأكاديمي والباحث السوري، عرابي عبد الحي العرابي أن "من السابق لأوانه بحث مثل هذه القضايا، لأن الإجابة عنها لا تعدو أن تكون ضربا من التحليل والتخمين"، مضيفا "أما بخصوص نموذج الدولة المتوقع فوفقا لما يقوله الأخوة في القيادة الحالية فإنهم سيستعينون بالخبراء والفقهاء الدستوريين لكتابة الدستور".
وأضاف: "ومن المرجح أن تستغرق كتابة الدستور وقتا طويلا، وهو على الأغلب سيتضمن قيما إسلامية، لكن شكل الدولة سيبقى ـ على الأغلب ـ جمهورية ورئاسة وانتخابات وما إلى ذلك".. أما فيما يتعلق بالعلاقة بين السلطة والمجتمع، فالقيادة الحالية – فيما أرى - لديها رؤية متقدمة جدا عن كوادرها (الصف الثاني والثالث)".
عرابي عبد الحي العرابي أكاديمي وباحث سوري
وتابع العرابي في حديثه لـ"عربي21”: “والسلطة حينما تنخرط في إدارة شؤون الدولة، وشؤون المجتمع فإنها ستقترب أكثر من مشاكل الناس وهمومهم، بقطاعاتهم المختلفة، تجار وصناعيين ومستثمرين، وهو ما يفرض عليها الاجتهاد في تلبية متطلباتهم، وقد يستدعي ذلك قدرا من المرونة في التعامل مع ذلك كله، وقدرا على تغيير الأفكار بما يتناسب مع الواقع الجديد، لا سيما وأن الإدارة الحالية لديها تجربة وخبرة سابقة في هذا المجال".
ولفت عرابي إلى أنه "يستبعد وقوع أية اصطدامات بين السلطة والمجتمع، أو بين الاثنيات المختلفة، أو بين التوجهات الفكرية المتعددة، كالاتجاهات الليبرالية واليسارية".
وعلى صعيد متصل فإن "سؤال الدولة (شكل الدولة) هو السؤال الأول الذي يُطرح على كل تغيير (ثورة/انتفاضة)، ويراد به اختبار توجهات القادم: هل يؤمن بالدولة القومية الحديثة والمسلمات التي قامت عليها؟ ويراد به ـ أيضا ـ محاكمة القادم للحكم لقوالب السائد عالميا (المنظومة الغربية)" وفق الكاتب والباحث السياسي المصري، الدكتور محمد جلال القصاص.
وفيما يخص الشأن السوري يرى القصاص "إننا أمام نموذج مختلف عن نماذج الحكم التي خاضتها التجارب الإسلامية السابقة في السودان وماليزيا وتونس ومصر، فتلك النماذج حاولت إدارة الدولة القومية الحديثة بأدواتها (المؤسسات، والمجتمع المدني)، لكنها لم تستطع، وقاومهم النموذج (الرؤية والمؤسسات والمجتمع المدني) بمعاونة أوليائه في الإقليم وفي النظام العالمي".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "فإن القيادة الحالية تعمد ـ فيما أرى ـ إلى تغيير شكل الدولة السورية، ومن شواهد ذلك: ما استحدثوه في التجنيد (إلغاء التجنيد الإجباري)؛ ورفعهم شعار بني أمية، وهي دولة ممتدة، ونموذج بعيد كلية عن نموذج الدولة الحديثة، وذات هوية إسلامية عروبية واضحة، بمعنى أن مظلة بني أمية مشروع ممتد وليس دولة قومية.. ونداء على الأقربين ليستعدوا لرايات بني أمية حين تأتيهم".
وأضاف "ومن الشواهد ـ أيضا ـ سعيهم للسيطرة على أدوات الفعل، وأهمها: الجغرافيا (بفك دولة الأكراد في الشمال الشرقي) والسعي لاحتواء الدروز في الجنوب (مع أنهم أرسلوا عسكرهم بالفعل لحدود الدروز في الجنوب)، وبناء حاضنة مجتمعية ذات هوية إسلامية من خلال تلبية حاجات الجماهير، لا من خلال الشعارات كما كانت تفعل المعارضة (إسلامية وغير إسلامية)، وفي العمق يخاطبون جماهير الأمة بنموذجهم لتستقبلهم إن أتوها مستقبلا، أو لتقلدهم، ويبدو أنهم قادرون على تفعيل القدرات الكامنة في المجتمع".
محمد جلال القصاص كاتب وباحث سياسي مصري
وتابع "وكذلك من خلال الحفاظ على القدرات الكامنة في المجتمع (الأبنية، والناس) بتقديم الحلم والتوافق، وهذا منحى شديد الفاعلية في تفعيل القدرات الكامنة، فالحليم الكريم يسود، وكذلك رفض الحديث عن المحاصصة، بل وفرض نخبتهم بدعوى (التجانس) في الإدارة".
وختم القصاص حديثه بالإشارة إلى أن "الرهان يبقى على القدرة، بمعنى فرض التغيير واقعيا، عبر صياغة واقع جديد، وهو أمر ممكن، لخبرتهم السابقة في ممارسة السلطة من قبل (تجربة إدلب)، وامتلاكهم لعصبة تدعمهم (مقاتلون)، وبسبب انهيار الدولة القديمة (دولة آل الأسد)، وانهيار القوة الإقليمية (إيران)، وما قد يتبعه من ضعف وانهيار العراق، وقد ينضم شماله – أو كله – إليهم بما في ذلك الأكراد، ومعاونة القوة الإقليمية الصاعدة (تركيا)، وقوة إقليمية أخرى تتقاطع مصالحها معهم وإن كان ذلك مؤقتا (الخليج)".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير سوريا التوجهات سوريا سياسة اسلاميون توجهات تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
هآرتس: إسرائيل دولة عنصرية تفقد مبررات وجودها
نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالين لاثنين من صحفييها تضمنا هجوما شرسا وانتقادات لاذعة لإسرائيل، ووصفاها بأنها دولة عنصرية تمارس التطهير العرقي وتنتهك كل قواعد النظام الدولي.
ففي المقال الأول، كتبت الصحفية ميراف أرلوسوروف أن إسرائيل، بعد فشلها في حماية حدودها، تسعى الآن لاحتلال الأراضي كأسلوب دفاعي مشكوك في نجاحه إلى حد كبير.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لوفيغارو: ترامب مرآة تعكس ضعف أوروبا وجبنها وأخطاءها الإستراتيجيةlist 2 of 2نايجل فاراج: على البريطانيين إنجاب مزيد من الأطفالend of listوانتقدت إصرار الجيش الإسرائيلي على إقامة مناطق أمنية جديدة احتلتها مؤخرا في سوريا ولبنان، وتساءلت عن جدوى زيادة ميزانية الدفاع بمقدار (77.25 مليار دولار أميركي) -حسبما أوصت بذلك لجنة ناغل المعينة من قبل الحكومة لتقييم ميزانية الأمن وبناء القوة- ليصل إجماليها بحلول عام 2034 إلى حوالي 281 مليار دولار.
مناطق منزوعة السلاحوقالت إن الإصرار على إقامة منطقة منزوعة السلاح بات أمرا معتادا، مشيرة إلى أن سكان شمال إسرائيل يرفضون العودة إلى ديارهم لأن الاتفاق المبرم مع لبنان يتضمن انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي إلى الحدود الدولية والسماح لسكان القرى الواقعة على الجانب الآخر من الحدود بالعودة إلى ديارهم.
وفي الجنوب، تواصل إسرائيل عزمها على إقامة منطقة منزوعة السلاح على طول الحدود مع غزة والحفاظ عليها.
إعلانوتساءلت الصحفية الإسرائيلية عن العائد الذي يمكن أن تجنيه دولة الاحتلال من هذا الاستثمار الهائل، إذا كان الجيش في المقابل يركز على إنشاء خنادق وحواجز ضخمة تساعد في صد أي هجوم حتى لو كان بسيارات تويوتا بيك آب ودراجات نارية كتلك التي استخدمها مقاتلو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
جيش سيئ ومسعور
ونسبت إلى أوري جوزيف، الذي تصفه بأنه أبرز المؤرخين العسكريين في إسرائيل، القول: "لدينا سيئ ومسعور، فقد كل ثقته في نفسه"، ناصحا القادة العسكريين بنشر كتيبتين إضافيتين من الدبابات على حدود قطاع غزة.
وتقول أرلوسوروف إن على الإسرائيليين الاستماع إلى البروفيسور جوزيف عندما يستخدم ألفاظا مثل "سيئ" و"مسعور" لوصف الجيش الذي سبق أن عدّه، بعد تعافيه من هزيمة حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، "أفضل جيش في العالم".
ويحذر المؤرخ العسكري جوزيف من أن ما تقوم به إسرائيل الآن في سوريا من احتلال لأراضيها "هو انتهاك لجميع القواعد الدولية.. ويحدث من دون أي تحريض أو تعرض لأي هجوم".
واعتبر ذلك دليلا على دولة تظن أنه مسموح لها أن تفعل كل شيء، وعلامة لجيش لا يعرف كيف يفعل أي شيء".
وخلصت كاتبة المقال إلى أن ثمة قلقا من أن إسرائيل أصبحت "مولعة" بالمنطقة الأمنية في سوريا أيضا، مؤكدة أنه حتى احتلال الضفة الغربية كمفهوم دفاعي لم يثبت جدواه حتى الآن.
فقدان مبررات الوجودوفي المقال الثاني بصحيفة هآرتس، يرى الكاتب مايكل سفارد أن إسرائيل تفقد باطراد مبررات وجودها بسبب نظامها الحاكم.
وقدّم حيثيات أقرب ما تكون لمحاضرة عن مفهوم الدولة كمصطلح في القانون الدولي، إذ يرى أن الدولة -من منظور ديمقراطي وإنساني- ليست غاية في حد ذاتها، بل هي وسيلة لتحقيق حقوق مواطنيها ورعاياها، وكيان سياسي يهدف إلى خدمة البشر.
وقال إن الدول التي لا تخدم سوى الطبقة الحاكمة، تستغل من لا ينتمون إليها ولا تبالي برفاهية رعاياها، وهي بهذا الفهم "دول فاسدة ومجرمة..".
إعلانوانطلاقا من هذا التعريف، يقول الكاتب -وهو محام وناشط سياسي متخصص في القانون الدولي لحقوق الإنسان وقوانين الحرب- إن الأسرى الإسرائيليين الأحياء المحتجزين لدى حركة حماس، محكوم عليهم بالموت في عذاب لتحقيق حلم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بأن يصبح نبوخذ نصر في غزة، تشبيها بالملك الذي حكم إمبراطورية بابل في عصور ما قبل التاريخ.
وأضاف أن الأسرى سيظلون يتحملون الجوع والتعذيب في الأنفاق المظلمة ليبقى نتنياهو في مقر إقامة رئيس الوزراء في القدس.
تسير عكس مثلها الأعلىومضى إلى القول إن المشروع الإسرائيلي كان يزعم إقامة ديمقراطية ليبرالية، ولكنه اليوم بعيد كل البعد عن هذا المثل الأعلى، وهو يواصل التحرك بسرعة في الاتجاه المعاكس مع مرور كل يوم.
فالمثل العليا لجوهر الدولة، التي صاغتها الثورتان الفرنسية والأميركية، مرورا بدروس الحرب العالمية الثانية وإنشاء الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، "استبدلتها (إسرائيل) بمبادئ الكراهية والعنصرية وإسكات المعارضة وتركيز السلطة في يد الائتلاف الحاكم".
ووفقا لمقال سفارد، فإن أي تقييم صادق لواقع إسرائيل الراهن سيواجه صعوبة في إيجاد مبرر لوجودها كدولة، في ظل وجود حكومة فشلت في منع "اختطاف" مواطنين من عائلاتهم.
دولة التطهير العنصريومع أن المحامي والناشط السياسي يعتقد أنه قد تكون هناك أسباب مشروعة لمعارضة صفقة تبادل الأسرى في ظل ظروف معينة، إلا أن تخريبها الذي "يتكشف أمام أعيننا"، ليس مدفوعا بمخاوف على أمن إسرائيل، وفق تقديره.
ومع ذلك، فهو يشير إلى أن الهدف من تقويض الصفقة يهدف إلى خدمة أوهام الأيديولوجيا الدينية والاستعمارية لليمين المتطرف ولضمان البقاء السياسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وأكد سفارد أن "إسرائيل دولة عنصرية، تدعم التطهير العرقي، وتفترس منتقديها، وتضمر الاحتقار لمواطنيها من غير اليهود، ولا تبدي أي تعاطف مع مواطنيها الأبرياء الذين تم أخذهم كرهائن".
إعلانوختم مقاله بأن إسرائيل مثل بنك يسرق عملاءه ثم يحرض ضدهم، وتساءل مرة أخرى عمّا تبقى من مبرر لوجودها.