أن تحظى بمرافقة ملك البحرين في زيارة دولة، وتحديداً لسلطنة عُمان، واحدة من أبرز المحطات التي ستظل محفورة في ذاكرتي بكل تفاصيلها. منذ اللحظة الأولى لوصولنا مسقط، شعرت بعمق الترحيب وكرم الضيافة الذي لم يكن مجرد مظاهر أو بروتكول، بل عكس أصالة الشعب العُماني وصدق مشاعره.
كرم الضيافة والبروتوكول المُبهر
منذ اللحظة التي وطأت فيها قدماي أرض عُمان، والتي سبقت وصول الملك بيوم واحد.
ولعل ما أضفى على هذه التجربة المزيد من الاحتفاء، مرافقة الأخوين العزيزين قصي أبو الفضل وخلف بومحمد من المراسم السلطانية، اللذين جسدا كرم الضيافة العُمانية بأبهى صوره. لم يدخرا جهدًا في تقديم كل ما يمكنهم من اهتمام وكرم بالغ، ولو كان بإمكانهم أن يحملونا على أكتافهم لفعلوا. شعرنا جميعاً في كل لحظة بالدفء الذي يعكس روح هذا الشعب العظيم.
بين الطبيعة
يكفيك أن تستيقظ في أول صباح لتتناول فطورك على وقع زخّات المطر في مطعم الفندق المُطل على ساحل خليج عمان، والذي تلفّه الجبال الشاهقة التي يتّسم بها هذا البلد الجميل، ليأتيك مسؤول المطعم العماني ”علي“ الذي يحمل في ابتسامته وبشاشته الروح العمانية الأصيلة ويزهو بك ويملؤك بالترحيب حتى تتقطّر خجلاً.
والفندق بحد ذاته قصة مثيرة، فبهو الاستقبال في ”الطابق الرابع“، بينما غرف الإقامة توزّعت بين الثاني والثالث!.
عبق الماضي وروح الأصالة
يكفي أن تشم رائحة اللبان في كل مكان لتتأكد أنك في "سوق مطرح". فتشعر وكأنك تسير في رحلة عبر الزمن. الأزقة الضيقة والمحال الصغيرة المليئة بالقطع التراثية المختلفة، من الحُلي التقليدية إلى العطور والبخور، كانت تعكس طابعًا خاصًا لهذا السوق. اشتريت بعض التذكارات التي ستظل دائمًا تُذكرني بهذا المكان الساحر. كان الباعة يتحدثون بحب عن منتجاتهم، ما أضفى على الزيارة طابعًا إنسانيًا دافئًا.
ومن هذا المكان العريق، كانت أول جولاتنا في عمان يوم الوصول.. ولن أنسى ذلك العُماني بلحيته البيضاء النقيّة الذي استوقفنا في السوق ورحّب بنا أيّما ترحيب!، وأصرّ علينا أن نرافقه ليستضيفنا ويُكرمنا دون أن يعرف من أين نحن وسبب زيارتنا لهذا البلد العظيم. لنكتشف فيما بعد أنه أحد تُجّار سوق مطرح.
روحانية تُلامس القلب
عندما دخلت جامع السلطان قابوس الأكبر، شعرت بهيبة المكان وسكونه الذي يلامس الروح. كان الجامع بتصميمه الفريد وزخارفه الهندسية المتقنة تجسيدًا للجمال الإسلامي الذي يعانق البساطة والرهبة. يكفيك أن تعرف أن السلطان قابوس -طيب الله ثراه- كان يهتم بهذا المعلم، حيث جعله منارةً للإسلام ورمزًا للتسامح والحداثة المتناغمة مع الأصالة.
ما أثار إعجابي أكثر هو مركز التعريف بالإسلام المصاحب للجامع. هذا المركز يعمل بأسلوب بسيط ومؤثر، حيث يهتدي من خلاله بين 600 إلى 700 إنسان سنويًا لهذا الدين العظيم. ما يميز هذا الجهد أنه يركز على هدايتهم للإسلام دون توجيههم لمذهب بعينه، بل ينصب الهدف على إيصال الرسالة السامية للإسلام. كانت هذه المبادرة تمثل تجسيدًا عمليًا لمعاني التسامح والاعتدال التي تُعرف بها عُمان.
إلى جانب ذلك، تحيط الجامع حدائق أندلسية تأسر القلب بجمالها وتناسقها، حيث تجتمع النباتات والأشجار في لوحة فنية متناغمة تُشعرك وكأنك في أحد قصور غرناطة. أما الزخارف في الجامع، فهي قصة بحد ذاتها؛ أنماط هندسية دقيقة تتشابك مع الخط العربي الأنيق لتخلق مشهدًا بصريًا يخطف الأنفاس.
صرح الثقافة والفن
لا يمكن أن أنسى زيارتي لدار الأوبرا السلطانية، هذا المكان الذي يجسد الفخامة والإبداع الفني. كانت أمسية استثنائية، حيث حضرت عرضًا موسيقيًا للفرقة الموسيقية العسكرية، بحضور جلالة الملك الأجواء كانت ساحرة، والمكان بحد ذاته تحفة معمارية تُبرز اهتمام عُمان بالفنون والثقافة.
ما شدني بشكل خاص في دار الأوبرا هو الزخارف المبهرة التي تزين جدرانها وسقفها، حيث تعكس مزيجًا متناغمًا من التراث العُماني واللمسات العصرية. الزخارف تحمل روح الأصالة، مستوحاة من الهندسة الإسلامية والنقوش التقليدية، لكنها تُقدَّم بأسلوب حديث يليق برقي المكان. شعرت بالفخر أن تكون لدينا في المنطقة مثل هذه الصروح التي تعكس حضارتنا.
ويكفي الوصف الذي وصفها به جلالة الملك في كلمته بسجل كبار الزوار بأنها "تمثل تجسيدًا حقيقيًا للفن والثقافة في سلطنة عمان الشقيقة، إن هذه الدار تمثل رمزًا للارتقاء والتعبير عن الهوية العمانية الغنية بالثقافة والإبداع والتجديد"..
العشاء السلطاني
أما قصر العلم، فهو لوحة معمارية فريدة تتجلى فيها الفخامة والجمال. زخارفه تأسر العين، حيث يبرز اللون البني في تصميمه، ممزوجًا بارتفاع أسقفه وإضاءاته المذهّبة التي تعكس رقي المكان وعظمته. كان العشاء السلطاني الذي أقامه جلالة السلطان لأخيه جلالة الملك المعظم في قاعة مهيبة داخل القصر، حافلًا بالحفاوة البالغة والضيافة الرفيعة.
كانت مراسم العشاء دقيقة ومنظمة، حيث تجلَّت أبهى صور المراسم السلطانية، بدءًا من انسيابية الحركة والسير المنتظم، وصولًا إلى الترحاب الدافئ الذي يملأ الأجواء. لن أنسى "الكنعد" العُماني، هذا الطبق الفريد الذي لا يزال مذاقه العذب على لساني.
وكان لي وافر السعد أن جلست بجوار سفراء موقّرين من الخارجية العُمانية ”مبارك الزكواني“ و“خالد الجرادي“. أبهرتني أحاديثهم التي تنم عن ثقافة واسعة وروح عُمانية أصيلة. حتى أننا في بعض الأحيان كنا ننسى الأطباق التي أمامنا، غارقين في حديث يفيض بالمعرفة والإلهام.
ختام المذكرات: أثر عُمان في نفسي
لا تكفي كلمات الشكر والثناء عرفاناً بالحفاوة والضيافة التي غُمرنا بها من لدن جلالة السلطان هيثم بن طارق، ومن هذا الشعب الغالي جداً على قلوبنا، وماهو إلا تقديراً وإجلالاً لمقدم جلالة الملك المعظم وترحيباً بزيارته التاريخية لهذا البلد العريق.
زيارتي لعُمان تجربة فريدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أعود إلى البحرين محملاً بالذكريات الجميلة واليقين بأن هذه الزيارة ستكون فصلاً جديداً في سجل التكامل والتعاون بما يعود بالخير والنماء على بلدينا العزيزين.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جلالة الملک الع مانی التی ت
إقرأ أيضاً:
جلالة السلطان وملك البحرين يعقدان لقاءً أخويًا بقصر البركة العامر
مسقط - العمانية
عقد حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظّم وأخوه جلالة ملك البحرين /حفظهما الله ورعاهما/ لقاءً أخويًّا بقصر البركة العامر، أكّدا خلاله تطلّعهما المستمر وحرصهما الدائم للدفع بمسيرة العلاقات التاريخية المتجذرة التي تربط البلدين نحو آفاق أرحب في شتى المجالات بما يعود بالنفع والخير والنماء على شعبيهما الشقيقين.