ركن البادية رحلة إلى الأصالة والتراث في ليالي مسقط بمتنزه العامرات
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
يبرز "ركن البادية" ضمن فعاليات مهرجان "ليالي مسقط" في إحدى زوايا متنزه العامرات، ليأخذك في رحلة إلى جانب من حياة الأصالة والتراث، حيث تفوح رائحة القهوة العمانية التقليدية التي يصنعها صاحب العزبة صالح بن ناصر السنيدي بمهارة وإتقان، حين يُحمّص البن والهيل على نار هادئة، وسط إشعال الضوء أو النار، مما يضيف جمالاً ودفئاً على المكان لافتةً أنظار الزوار والسياح، حيث تجد البعض يتذوق القهوة بشغف، بينما ينشغل آخرون بتوثيق المشهد البدوي الساحر بالكاميرات، مستمتعين بأجواء المجلس -الذي يعكس كرم الضيافة العمانية- ولشدو الفنون الشعبية العمانية التي يتغنى بها أهل البادية، مستطربين بلحن الربابة الحزين.
كما شهد "ركن البادية" حضورًا لافتًا للمجلس الأدبي للشعر والموروث الشعبي، حيث قدم أبرز الشعراء الشعبين والفنانين لوحات فنية تراثية عكست جمال الموروث العماني، فقد تألق الشاعر محمد بن حميد الحارثي بفن التغرود، بينما أبدع عبيد بن ناصر الحجري في فن الطارج والنشدان (وهو جمع نشيد)، وشارك عبدالله بن عامر الغنيمي بفن الرزحة والتغرود، ليضيفوا أجواء من الحماس والحياة إلى المكان، أما القصائد الشعبية، فقد كان لها حضور مميز بصوت سليم بن مبارك الحارثي، فيما قدم طلال بن سالم الخنجري فن الميدان.
أدار جلسة الشعر والموروث الشعبي الشاعر أحمد بن خلفان الغسيني، الذي ربط بين الفنون التراثية المختلفة، مضيفًا براعته في حفظ الكثير من القصائد التي اقترحها على الشعراء ليستذكروها جميعا وتطرب أذن الحضور.
وأكد ربيع بن ملاح الهديفي، نائب رئيس المجلس الأدبي للشعر والموروث الشعبي، أن المجلس تأسس في عام 2022 وتم إشهاره رسميًا في مارس 2023، ويضم أكثر من 30 عضوًا من الشعراء والإداريين من مختلف ولايات ومحافظات سلطنة عمان الذين يسعون جاهدين لتنظيم وتسيير أنشطة المجلس بما يخدم الموروث العماني ويعزز حضوره.
وأشار الهديفي إلى أن المجلس قد نظم العديد من الملتقيات والفعاليات في معظم ولايات السلطنة، إضافة إلى عقد جلسات شهرية تتناول شروحات موسعة حول العادات والتقاليد والسنن والأعراف العمانية، مما يعكس اهتمام المجلس بالحفاظ على الهُوية الثقافية العمانية، كما يحرص المجلس على جذب جميع الفئات العمرية، حيث تحضر الجلسات الأسر والعائلات من كبار السن والشباب والصغار، بهدف تبادل المعرفة والاستفادة المتبادلة.
وأوضح الهديفي أن من أبرز أهداف المجلس هو إبراز الفنون الشعرية والتراثية العمانية بما فيها الألعاب الشعبية، والبحث عن الشعراء الشعبيين، إضافة إلى التعمق في أعمال الشعراء القدامى بهدف حفظ إرثهم الأدبي، موضحاً أن المجلس يهدف إلى إصدار كتب توثق هذا الموروث الثقافي، لتفادي اندثاره وضمان نقل هذا التراث الثمين إلى الأجيال القادمة.
فمشهد "ركن البادية" في "ليالي مسقط" لا يقتصر على كونه عرضًا ثقافيًا للتراث، بل محطة يوجد فيها الزائر نفسه لصناعة مشهد من الذكريات التي عاشها الآباء والأجداد وتعكس روح الثقافة العمانية الأصيلة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
العلاقات العمانية البحرينية.. النموذج الذي يحتاجه العرب
عندما يزور قائد عربي دولة عربية شقيقة يتنامى الحس العروبي، وتشعر الجماهير العربية التي تقرأ الخبر أو تسمع عنه بكثير من الفرحة، حتى لو كانت بعيدة عن المشهد وتفاصيله؛ ولكنّ الشعور العروبي يتحرك في الدماء العربية.
ورغم أن العلاقات العمانية البحرينية لم تكن في يوم من الأيام إلا في ذروة مجدها فإن زيارة جلالة الملك حمد بن عيسى لبلده الثاني سلطنة عمان تشعرنا في عُمان وتشعر إخوتنا العرب بكثير من الفرح وتنامي حس التضامن العربي الذي ناله بعض الخفوت في بعض المساحات العربية بسبب الأحداث التي شهدتها المنطقة في العقدين الماضيين.
ورغم العلاقات التاريخية والعميقة بين عُمان والبحرين الممتدة عبر الأزمنة فإن تعميقها وتحويلها إلى مسار اقتصادي واستثماري أصبح ضرورة ملحّة.. وليس هذا بين عُمان والبحرين فقط، ولكن بين دول الخليج بعضها البعض وبين الدول العربية كذلك، فالاستثمارات العربية أولى بها الدول العربية بل إن الأمر تحوّل إلى خيار استراتيجي وأمن عربي في ظل التحولات الجيوسياسية التي يعيشها العالم الذاهب إلى مزيد من التكتلات الاقتصادية. والتحديات المتزايدة، سواء على صعيد الأزمات الاقتصادية العالمية، أو التغيرات المناخية، أو المنافسة على الموارد الحيوية، تفرض على دول الخليج العربي والعالم العربي عمومًا تعزيز التكامل الاقتصادي والسياسي، والعمل على بناء شراكات مستدامة تضمن الاستقرار والازدهار المشترك.
ودول الخليج العربي واحدة من أكثر المناطق حيوية اقتصاديا في العالم، بفضل ثرواتها الهيدروكربونية وموقعها الجغرافي الذي يجعلها مركزا للتجارة والطاقة العالمية. لكن هذا الاعتماد الكبير على النفط بوصفه مصدرا رئيسيا للدخل يجعل اقتصادات المنطقة عرضة لتقلبات الأسواق العالمية كما حدث خلال العقد الماضي، وكما هو متوقع خلال السنوات الأربع القادمة في ظل تحولات القيادة في بعض الدول الكبرى. ومن هنا، تأتي أهمية تعزيز الاستثمارات البينية بين دول الخليج، ليس فقط في قطاعات الطاقة التقليدية، ولكن أيضًا في قطاعات جديدة مثل الطاقة النظيفة والمتجددة.
ومن غير المنطق أن تبقى دول الخليج العربي التي تملك بعضها رؤوس أموال جيدة مستوردة للسلع التي تستطيع إنتاجها بالفعل أو أن تبقى أسيرة للنفط فيما يمكنها التحوُّل إلى طاقة الهيدروجين الأخضر أو أن تصبح مركزا دوليا للوجستيات في العالم بسبب موقعها على خطوط التجارة العالمية.
وإضافة إلى الطاقة المتجددة فإن دول الخليج العربي بشكل خاص باتت قادرة اليوم على الاستثمار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي وفيه أشباه الموصلات التي تعَد أحد المجالات التي يمكن أن تتحكم بمسارات الصراع في العالم. ومن المهم أن تتكاتف الجهود الخليجية لإنشاء منظومات متكاملة للبحث والتطوير في هذه المجالات، سواء من خلال إنشاء مراكز أبحاث مشتركة أو دعم رواد الأعمال والشركات الناشئة.
ولا بدّ أن تستند العلاقات الخليجية الخليجية والعربية العربية إلى رؤية استراتيجية تتجاوز المصالح الاقتصادية إلى تعزيز الترابط السياسي والاجتماعي بين الدول؛ فالدبلوماسية الاقتصادية، القائمة على تبادل المصالح وتنمية المشاريع المشتركة، يمكن أن تكون أداة فعالة لتحقيق هذا الهدف. وفي هذا السياق، يعَد إنشاء صناديق استثمارية مشتركة وتفعيل اتفاقيات التجارة الحرة خطوتين أساسيتين لتحقيق تكامل اقتصادي حقيقي.
لكنّ التعاون أيضا يمكن أن يتجاوز هذا المسار إلى التكامل في طريق بناء قوة ناعمة خليجية تكون قادرة على تعزيز مكانة هذه الدول والضغط والتأثير على الكثير من القضايا التي تمس المنطقة العربية بشكل عام.
وإذا كانت المنح تأتي من المحن فإن المحن الكثيرة التي مرت بها المنطقة العربية خلال العقدين الماضيين كفيلة بجعل دول الخليج العربي بشكل خاص والدول العربية بشكل عام أن ترى ما حدث فرصة لتوحيد الجهود وبناء شراكات استراتيجية قائمة على رؤية مشتركة للمستقبل.
وتبقى زيارة ملك البحرين إلى سلطنة عمان وعقده قمَّة مع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- فرصة ليتحدث أهل الخليج عن طموحاتهم من الزيارة التي يرون فيها تنامي العلاقات العربية العربية إلى حيث يتمنى العرب أن تصل.. ويرون في العلاقات العمانية البحرينية النموذج الذي يمكن أن تقتفيه العلاقات العربية العربية.