هل التغيير يأتي من البشر أم من المولى عز وجل؟ ..علي جمعة يرد
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
اجاب الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، عن سؤال ورد اليه مضمونة:"هل التغيير يأتي من البشر أم من المولى عز وجل؟".
ليرد جمعة، موضحا: ان الله عز وجل يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}. إذًا، هي دائرة؛ فهناك أشياء يفعلها البشر، وما يفعله البشر يدور بين الإيجاب، مثل الحب والرحمة، وبين السلب، مثل التدمير، والتفجير، والتكفير، والكراهية، والغضب.
فإذا كان الإنسان يسير على الحلال ويسير على مجموعة الأخلاق التي تزكي النفس؛ فإن الله يغيره من حال إلى حال أفضل منه. والتغيير الإلهي يختلف عن التغيير البشري؛ فالتغيير البشري مناطه الاختيار، أما التغيير الإلهي فمناطه الخلق.
من المفروض أن أكون دائمًا، وأنا أسير في رحلة حياتي، حريصًا على التفكير في الخير، لأن الله تعالى هدانا إلى طريقَي الخير والشر، حيث قال: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ}.
إذًا، الله تعالى أمرنا بكل إيجابية، وأمرنا بكل ما هو مليح؛ أمرنا بالصلاة، والبر، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والانتهاء عن كل سلبية. فإن فعلنا هذه الأوامر، غيَّر الله حالنا من الحال التي نحن عليها إلى أحسن منها.
لننظر إلى حال المسلمين في مكة في بداية الأمر، عندما رأى الله حالهم الإيجابي، غيَّر حالهم إلى الحبشة، حيث وجدوا الأمن بعد الاضطراب، والاستقرار بعد القلق النفسي. وبعد ذلك، زاد تمسكهم وارتباطهم بخالقهم سبحانه وتعالى، فغيَّر الله حالهم من الحبشة إلى المدينة، حيث تأسست دولتهم وبدأت فتوحاتهم وتوسعاتهم من الشرق إلى الغرب وسادوا العالم.
قال الله جل شأنه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}. بالفعل، غيَّر الله حالهم إلى أفضل مما كانوا عليه.
على سبيل المثال، نجد عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - عندما قال له سعد بن الربيع - رضي الله عنه -: "اختر ما شئت من مالي وزوجاتي"، أجابه عبد الرحمن بن عوف: "بارك الله لك في زوجاتك وفي مالك، ولكن أرشدني إلى السوق". فأرشده إلى السوق. وكان عبد الرحمن بن عوف تاجرًا ناجحًا، حتى إنه عندما توفي لم يتمكنوا من حصر ثروته لكثرتها.
وقد قال النبي ﷺ: "إن عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً". فقال بعض أصحاب النظرة القاصرة والقلوب القاسية: إن عبد الرحمن بن عوف لكثرة ماله لم يكن الله راضيًا عنه.
ولكن أهل العلم والبصيرة فسَّروا ذلك تفسيرًا رائعًا وجميلاً، فقالوا: إن الذي يحبو هو الطفل الصغير، فكأن عبد الرحمن بن عوف سيكون في براءة الأطفال، ليس عليه شيء يُؤاخذ عليه عند دخوله الجنة.
هذا التفسير الذي أدركه أهل الله جاءهم عن طريق البصيرة التي رزقهم الله إياها.
فالتغيير الذي يتم من قِبَل الخلق مناطه الاختيار، أما التغيير الذي يتم من الله فمناطه الخلق. فالله سبحانه هو المحيي المميت، وهو الخالق، وهو الموفق. وكلما اتقينا الله وخشيناه وغيرنا أنفسنا، غيَّر الله حالنا إلى أحسن حال، وفتح لنا أبواب الخير، والسعة، والأمن، والأمان.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة الأمر بالمعروف المزيد ر الله
إقرأ أيضاً:
ليبيا.. مَن يأتي أولا المصالحة السياسية أم الاجتماعية؟
طرابلس- "المصالحة الوطنية" كلمة دلفت إلى الأزمة الليبية منذ 14 عاما، وجرى تداولها بكثافة بين الشركاء والخصوم، حتى أن هناك مشروعين متعارضين في ليبيا للمصالحة الوطنية، الأول أطلقه المجلس الرئاسي عام 2021 والثاني أقرهُ مجلس النواب الليبي في يناير/كانون الثاني الماضي.
وفي خضم التجاذبات السياسية بين الغريمين، تمكن الاتحاد الأفريقي -أخيرا- من إحراز اختراق بملف المصالحة الوطنية في ليبيا عبر توقيع بعض الأطراف الليبية على ميثاق للمصالحة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، غير أن هذا الإجراء انطوى على التباين والالتباس.
فميثاق غابت عنه الأطراف الرئيسة في الأزمة، وُقع بين من ومن؟ ولماذا أثار الانتقادات؟ وعلى ماذا استند؟ ثم ماذا يأتي أولا المصالحة السياسية أم المصالحة الاجتماعية؟
وللوقوف على أسباب غياب الأطراف الفاعلة عن التوقيع، ولرصد تباين الآراء حول ميثاق المصالحة، وجّهت الجزيرة نت أسئلة إلى بعض الشخصيات الليبية الوازنة.
يعزو عضو مجلس النواب جبريل أوحيدة، في حديثه للجزيرة نت، غياب بعض الأطراف الفاعلة عن ملتقى المصالحة لإدراكها بأن القضية لم تعد مصالحة حقيقية، بل مجرد إعادة توزيع للسلطة.
إعلانأما المحلل السياسي كامل مرعاش، فلا يتفق أساسا مع حضور أطراف النزاع لملتقيات المصالحة، ويشدد على أن المصالحة الحقيقية ينبغي أن تكون عملية اجتماعية وحقوقية، بعيدة عن التسييس والمحاصصة.
وأوضح، في تصريح للجزيرة نت، أن حضور الأطراف السياسية المتخاصمة يحولها إلى ساحة صراع لتسجيل النقاط، بدلا من أن تكون خطوة نحو الوحدة الوطنية.
وصرّح موسى إبراهيم عضو فريق المصالحة الوطنية الممثل لسيف الإسلام القذافي، نجل العقيد الراحل معمر القذافي، للجزيرة نت، بأن ميثاق المصالحة الوطنية هو ثمرة جهود استمرت لسنوات، ساهمت مختلف الأطراف الليبية في صياغته، بما في ذلك من لم يوقعوا عليه، موضحا أن الميثاق يشكل فضاء ليبيا جامعا للمصالحة، ومفتوحا أمام الجميع للانضمام والمساهمة في تعديله وتطويره.
في حين يرى عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة أن ما يُسمى ميثاق المصالحة الوطنية هو في الواقع "مجرد ميثاق لتقاسم السلطة"، فالأطراف الرئيسة في ليبيا تتنازع على المال والسلطة، لا على المصالحة، وفق تصريحاته للجزيرة نت.
وأردف بن شرادة أن المجلس الرئاسي نفسه منقسم على نفسه بين رئيسه ونائبيه، ومجلس الدولة يعاني من الانقسامات، ولدينا حكومتان في الشرق والغرب: "إذن، عن أي مصالحة نتحدث؟".
وكان النائب في المجلس الرئاسي موسى الكوني، قد أعرب عن أسفه بشأن ما وصفه بتقاعس القيادات السياسية عن حضور توقيع ميثاق المصالحة الوطنية في أديس أبابا الجمعة، مما أفشل المبادرة، وفق تدوينة له على منصة إكس.
لكن موسى إبراهيم، أكد في حديثه للجزيرة نت، أن إجراء "حوار بنّاء" مع ممثلي المجلس الرئاسي بعد انسحاب موسى الكوني، أدى في نهاية المطاف إلى انضمام ممثلي الرئاسي إلى الميثاق لاحقا".
من جهة أخرى، يرى المحلل السياسي فرج فركاش أن الاتحاد الأفريقي لم يدرس الحالة الليبية بكل تعقيداتها وتشعباتها كما ينبغي. وكان الأجدر به التروي وعدم التسرع، للخروج بميثاق عملي قابل للتنفيذ، يأخذ بعين الاعتبار مبادئ العدالة الانتقالية، وجبر الضرر، ورد الحقوق.
إعلان في ضوء الأزمة الليبية، ماذا يأتي أولا، المصالحة السياسية أم المصالحة المجتمعية؟يقول المحلل السياسي كامل مرعاش إن المصالحة يجب أن تبدأ من المجتمع نفسه، بعيدًا عن الحسابات السياسية، وإلا ستظل هذه العملية مجرد أداة في يد الأطراف المتصارعة، لافتًا إلى أن الفشل المتكرر لعمليات المصالحة السابقة يثبت أن إشراك الفاعلين السياسيين فيها يؤدي إلى مزيد من الانقسامات، لا الحلول.
بينما اشترط عضو مجلس النواب جبريل أوحيدة وقف التدخلات الخارجية التي تؤثر على آفاق الحلول وتعمّق الانقسامات السياسية، قبل الحديث عن المصالحة الوطنية، حسب ما أدلى به للجزيرة نت.
وعلى الضفة الأخرى، اعتبر بن شرادة، عضو مجلس الدولة، أن ما يجري الآن ليست مصالحة وطنية، بل إعادة تقاسم للسلطة، موضحا أن الحديث عن المصالحة يجب أن يكون مصحوبا بإجراءات حقيقية تضمن تقديم التنازلات من الجميع لصالح الوطن، وليس مجرد اتفاقات تُعقد في ردهات العواصم الأجنبية.
ويرى نائب مشايخ ترهونة عبد السلام الزائدي، في حديثه للجزيرة نت، أن تحقيق المصالحة ولم الشمل يتطلب تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية، ونبذ الفرقة والخلاف.
في حين استبعد عبد الله عبد الرحمن مدرقي، عضو لجنة المصالحة الوطنية عن مكونَيّ التبو والزوية، إمكانية الوصول إلى توافق حقيقي في ملف المصالحة، مشيرا في تصريحه للجزيرة نت إلى أن ملف المصالحة يستوجب وضع أسس يمكن الاستناد عليها تشمل تحديد الأطراف الفاعلة والمؤثرة وإنهاء الفوضى الأمنية عبر إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية وتوافق رؤى القوى الدولية والإقليمية حول الأزمة في ليبيا.
وإذ أُحمل تقاعس القيادات السياسية شرقاً وغرباً، عن الحضور اليوم لتوقيع ميثاق المصالحة الوطنية في #اديس_ابابا،مسؤولية تأخر #ليبيا عن موعدها مع الصلح ولم الشمل، وكأن ذلك القصد.أشدد بإنه كان ينتظر الوطن عرساً تاريخياً للتصالح، ألتف حوله قادة افريقيا والعالم/ذلكم يبقى الهدف/والامانة. pic.twitter.com/aCfXLuuS76
— موسى الكوني Al Kouni (@Moussa_kouni) February 14, 2025
هل الخصومة في ليبيا سياسية أم أيديولوجية أم جهوية؟يعتبر مرعاش أن الخصومة في ليبيا ليست أيديولوجية ولا جهوية، فالصراع على السلطة والمال منذ 14 عاما يؤكد أنّ الأزمة ليست أزمة أفكار أو مناطق، بل أزمة نفوذ ومصالح.
إعلانبينما نفى جبريل أوحيدة، عضو مجلس النواب، وجود خصومة بين الليبيين، وأن الخصومة محصورة بين النخب السياسية التي تتصارع على المناصب، لكن الخلافات السياسية هي التي صنعت هذا الشرخ، لافتا إلى أن الحل يكمن في الانتخابات، وليس في اتفاقات مصالحة شكلية تتم هندستها لتحقيق مكاسب سياسية، وفق قوله.
أما المحلل السياسي فركاش، فيرى أن الخصومة في جوهرها ليست أيدلوجية أو اجتماعية، بل هي صراع نفوذ على المؤسسات الحيوية، سواء المالية أو النفطية أو القضائية أو الرقابية.
ما أبرز أولويات تيار القذافي في مسار المصالحة الوطنية؟شدّد موسى إبراهيم، عضو فريق المصالحة الوطنية لسيف القذافي على أنّ الرؤية التي ينطلق منها فريق المصالحة التابع لسيف الإسلام القذافي "شاملة وغير مجزأة، ولا تُختزل في مصالح ضيقة أو اعتبارات سياسية محدودة، بل تستند إلى مدرسة فكرية تؤمن بوحدة ليبيا واستقرارها في إطار نظام ديمقراطي متكامل".
وتتمثل أبرز المطالب في الإفراج عن السجناء السياسيين من الأطراف كافة، وعودة المهجرين والنازحين، حسب تصريحه للجزيرة نت.