لا يمكن لأحد أن يقلل من الجهد الأسطوري الذي بذلته كل من مصر وقطر والولايات المتحدة على مدى 15 شهرا لإنجاح اتفاق غزة. وربما لأول مرة في التاريخ تستمر جهود الوساطة بشكل متواصل طوال هذه المدة دون انقطاع، ما شكل ضغطا هائلا حتى ظهر الاتفاق للنور والذي يبدأ تنفيذه الأحد 19 يناير الجاري.

وإذا كانت قد تكشفت العديد من التفاصيل حول الاتفاق، والذي يمتد على 3 مراحل، المرحلة الأولى مدتها 6 أسابيع وتشمل الإفراج عن 33 رهينة إسرائيلية، فيما ستفرج إسرائيل في المقابل عن 30 معتقلا فلسطينيا مقابل رهينة مدنية ونحو 50 معتقلا فلسطينيا مقابل كل جندية إسرائيلية، فيما يشمل الاتفاق عبر مراحله الثلاثة تسليم كل الرهائن الأحياء ثم يتم تسليم الرفات والجثث على الجانبين في المرحلة الثالثة والأخيرة منه، ويتم تدريجيا الانسحاب من قطاع غزة، بشرط إقامة منطقة عازلة على طول الحدود مع القطاع يصل عرضها لنحو 700 متر باستثناء 5 مناطق، وفق ما نشرته العربية، علاوة على الانسحاب التدريجي من ممر فيلادلفيا – محور صلاح الدين على الحدود مع مصر، وإدخال المئات من شاحنات المساعدات الإنسانية يوميا إلى القطاع.

والحاصل، إنه لا يمكن لأي طرف من الطرفين أن يدعي أنه حقق انتصارا ساحقا على الطرف الآخر، لكن المؤكد للجميع، أن الشعب الفلسطيني دفع الثمن الأغلى والأفدح في هذه الحرب المريرة، التي لم يكن لها من الأساس أي مبرر، وجرت الخراب الواسع على قطاع غزة.

ويكفي ما ظهر عبر تقارير الأمم المتحدة من تقديرات مرعبة لما حل بالقطاع طوال 15 شهرا ويمكن إيجاز بعضه كالتالي:-

-دمار ما بين 60-70% من مباني غزة دمارًا كاملا وتصل النسبة لـ 80-100% في شمال القطاع.

-إعادة الاعمار في القطاع مع استمرار الاحتلال تحتاج 80 عاما، أما لو تم تخفيف القبضة وانسحبت إسرائيل كاملة من القطاع كما كان قبل طوفان الأقصى، فإن المدة ستستمر عقودا ولو هناك تسريع فإنها ستتجاوز 15 عاما وحتى 2040. ما العلم أنه لم يتم الاتفاق على من سيدفع لإعمار غزة هذه المرة؟ أو من أين تتدفق الأموال؟ أو الضمان لعدم تكرار هذا الجحيم ثانية.

-لا يمكن في رأيي تبرير ما حدث من دمار مروع في قطاع غزة، دفع ثمنه نحو 46 ألف شهيد ونحو 150 ألف جريح، بأن السبب وراء ذلك كان الرغبة في الإفراج عن 1000-1500 أسير فلسطيني في السجون الاسرائيلية أو حتى ضعف هذا العدد، فقد كان بالإمكان الضغط على إسرائيل بطريقة أخرى،  وحتى لو بطريقة عسكرية مثلما حدث مع الجندي جلعاط شاليط ودون كل هذا الثمن الفادح والمؤلم.

-الهدنة مهمة وحيوية، وستمتد على مدى أسابيع وأزعم أن إسرائيل ستلتزم بها حرفيا هذه المرة، لأنه لم يعد هناك طريق آخر لاستعادة 130 رهينة إسرائيلية باقية لدى حماس سوى بهذه الطريقة، أو إبادة القطاع عن آخره، بما يضاف لسجل جرائم الحرب المروعة.

-فالهدنة التي ستطول لنحو 3 أشهر سيتم تنفيذها والالتزام بها، على الأقل كما قلت من جانب إسرائيل لضمان عودة كافة الرهائن، لكن المشكلة في رأيي وهو ما لم تنص عليه الصفقة صراحة هو ماذا بعد؟

-ما القادم في القطاع بعد انتهاء الهدنة وتبادل الأسري والرهائن؟ هذا سؤال شائك وهو ما تجنبته الصفقة حتى لا تفشل مجددا.

-ما جرى في قطاع غزة مروعا، وأعتقد أن كلا الطرفين مطالبان بمراجعة موقفهما من التسوية السياسة والسلام، وبالمناسبة فإن إسرائيل وحركة حماس يرفضان السلام والتسوية النهائية وهذا معلن، ولذلك فلا سبيل لمنع تجدد مثل هذه الحرب المفجعة ثانية، إلا الانخراط في تسوية سياسية وتسوية ملف حماس مع السلطة الوطنية الفلسطينية والاتفاق على الوحدة، ونبذ الأيديولوجيات المتطرفة والتخطيط للغد في فلسطين وانتهاز فرصة الهدنة، ربما قد تسمح بفرص تسوية سياسية بعدها بدلا من العودة للجحيم.

أخيرا.. الفرحة التي أظهرها الشعب الفلسطيني والدموع التي انهمرت بمجرد الاعلان عن الهدنة كافٍ لأي أحد، للكشف عما تحمله 2 مليون فلسطيني جراء حرب عبثية لم يمكن لها مبرر ولم تنجح في تحقيق هدف استراتيجي حقيقي للقضية الفلسطينية بتحرير أرضه أو التوصل لتسوية شاملة وحقيقية بملامح الدولة الفلسطينية..

قلبنا مع غزة وأهلها، والتقدير التام لما بذلته مصر والقيادة السياسية من جهود مضنية لمساعدة الشعب الفلسطيني سياسيا وإنسانيا وأمام مختلف المحافل الدولية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: حماس الهدنة غزة المزيد قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

باحث سياسي: تعيين «ديرمر» يثير مخاوف من تعقيد المرحلة الثانية لاتفاق الهدنة في غزة

قال أحمد الصفدي الكاتب والباحث السياسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية، من القدس المحتلة، إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتعرض لضغوطات متعارضة، سواء ضغط الإدارة الأمريكية باتجاه إنجاز مراحل الصفقة لمصلحة الإدارة الأمريكية، أو ضغط أهالي الأسرى المتعاظم، بينما يعاكس الضغط وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش واليمين المتطرف الذين يهددون بالانسحاب من الحكومة.

نتنياهو يحاول إرضاء سموتريش واليمين المتطرف

وأضاف «الصفدي»، خلال مداخلة هاتفية عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، أنّ نتنياهو يريد أن يقول بأنه يذهب إلى المرحلة الثانية، لكن تعهد لسموتريش واليمين المتطرف أن أي مرحلة من مراحل الاتفاق سيتم المصادقة عليها من قبل الكابينت الإسرائيلي وإرضاء سموتريش.

خطة لتعقيد المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة بغزة

وتابع: «استبدال رئيس الموساد بوزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر المقرب لنتنياهو، أمر مقلق لأنه يصعب التصور بأنه سيذلل العقبات، بل سيكون مصدر لتعقيد المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة، التي تعد أكثر صعوبة وتعقيدا وحساسية مقارنة بالمرحلة الأولى، إذ أنها متعلقة بأمور سياسية مثل من سيحكم قطاع غزة وموضوع سلاح حماس وقضية إعادة إعمار قطاع غزة».  

مقالات مشابهة

  • اقرأ غدا في عدد البوابة: الهدنة مستمرة.. إسرائيل وحماس تتفقان على تبادل رهائن وتسليم جثث
  • باحث سياسي: تعيين «ديرمر» يثير مخاوف من تعقيد المرحلة الثانية لاتفاق الهدنة في غزة
  • غزة: إسرائيل لم تسمح إلا بدخول 6 معدات فقط بعضها متعطل
  • تصعيد متبادل.. حماس ترفض شروط إسرائيل ونتنياهو يصر على إقصائها من غزة
  • حماس ترد على تصريحات إسرائيل بشأن مستقبل المقاومة في غزة
  • «هدنة غزة» جولة تفاوضية جديدة الأسبوع الجاري
  • نقابات قطاع الصحة مستاءة من تأخر تنفيذ الاتفاق الحكومي
  • قيادي بالشعب الجمهوري: مصر تقود جهود استكمال الهدنة وتتصدى لمخطط التهجير
  • كاتب صحفي: مصر تعمل على تثبيت الهدنة وإحداث التوازن بشأن قضية تهجير الفلسطينيين
  • إسرائيل تستمر بعرقلة شاحنات مساعدات غزة وتؤجل سفر المرضى