شبكة اخبار العراق:
2025-01-16@13:06:32 GMT

التعدد القرائي وتشكّلات الدلالة

تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT

التعدد القرائي وتشكّلات الدلالة

آخر تحديث: 16 يناير 2025 - 1:14 مجاسم خلف الياس يبدو لي أن التعددية في فضائها المعرفي، وحراكها الواقعي، لم تؤسس وجودها في الحقل السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي فحسب، وإنما استطاعت بفعل التحوّلات النقدية، ومغادرة صنع الدلالة – اعتمادا على المؤلف، والانتقال إلى النص ولا شيء خارج النص، وصولًا إلى الفاعلية القرائية في إنتاج عدد لا نهائي من الدلالات في النص الواحد- أن تؤسس وجودها في الخطاب النقدي أيضا، وهي تحرر القارئ من سلطتي المؤلف والنص، وتفتح أمامه باب المغايرة التي قادت اليقين المقيّد إلى النسبي المتحرر، عبر آليات معينة، واستراتيجيات مخصصة، تجذبها اتجاهات نقدية معاصرة، لتمنح القارئ شرعية الإسهام في التدليل الذي يعتمد على التعدد القرائي وتشكّل الدلالات.

ومن أنشط تلك الاتجاهات التي منحت القارئ تلك الشرعية “جمالية التلقي”. وقبل تناول هذا الاتجاه وعلاقته بالقارئ، لا بد من تناول اتجاهين أفاد منهما الاتجاه الأهم، وهما “الهرمنيوطيقا والظاهراتية”. وربما يتساءل أحدنا، ولماذا هذه الاتجاهات دون غيرها؟ وبعيدا عن الجذور التاريخية لكل اتجاه، وأطره المعرفية، ومفاهيمه ومصطلحاته إلا ما نحتاجه لتعزيز رأي أو توثيق رأي، سوف أجيب بما تسمح به هذه المقاربة التنظيرية المحدودة نسبيًا، فأقول: إنّ الاتجاهين “الهرمنيوطيقي والظاهراتي” وضمن آفاقهما المعرفية ومحدداتهما المنهجية، وفرادتهما النقدية، عملا على وضع الفرشة النقدية التي سار عليها الاتجاه الثالث “جمالية التلقي”، إذ استثمر نقاد هذا الاتجاه النتائج التي توصل إليها نقاد الاتجاهين السابقين، وعضّدوا افتراضاتهم في شرعية إسهام الذات القارئة في بناء المعنى، فوظّفوا ما جاؤوا به لمصلحة نظريتهم أفضل توظيف “ينظر: المصطلحات الأدبية الحديثة”. ويعدّ إلغاء دور المؤلف البداية الجريئة لنقاد “الهرمنيوطيقا”، وبوابة العبور إلى المعنى الخفي في النص، وهذا الفعل القرائي يحتاج إلى الدهاء والاستبصار اللذين يؤهلان القارئ للتوغل في مظان النص، وكشف أسراره، وفك شفراته، وتأويل رموزه، وتحليل علاماته، فالنص حسب هذه النظرية “عالم مكتف بذاته”، ولا يستطيع القارئ معرفة هذا العالم أو الوصول إلى دلالاته إلا إذا تعامل مع النص من داخله، وهذا يحتاج بدوره إلى تفعيل عالمه الشعوري، وتأملاته التي تمنحه القدرة على التفكّر والدراية، والتخييل بوصفه أهم الأدوات الإجرائية في الفكر البلاغي والنقدي ومقاربته لمستويات النص الجمالية واشتراطاته الأسلوبية، وهذه الأفعال النقدية مهّدت للقارئ الطريق أخذ دوره الحقيقي في فهم النصوص وانتاج المعنى. ولعلّ دائرة شلايرماخر الهرمنيوطيقية من أهم المقدمات النقدية التي اجترحها هذا الاتجاه، لا بل يمكننا عدّها المقدمة الأولى، إذ تحتّم على القارئ أن يكون على دراية كاملة باللغة من ناحية، وبخصائص النص من ناحية أخرى، وهي تعني عدم وجود نقطة محددة للبدء أو الانتهاء داخل الدائرة “المذاهب النقدية الحديثة”. أمّا المقدمة النقدية الثانية من حيث الأهمية فهي “الصور الأولية للفهم، والصور العليا للفهم” عند دلتاي، وما يتعلّق بالمخيّلة، على الرغم من عدم الاتفاق مع شلايرماخر في أنّ النص نشاط لغوي، وربما لا أجانب الصواب لو قلت إنّ هرمنيوطيقا دلتاي بهذا المفهوم تشكّل تراجعًا في إعطاء القارئ فاعلية في قراءة النصوص، ولعلّ ما زاد من التراجع باتجاه فاعلية القارئ هو تمادي أي. دي. هيرش في حصر هدف النص في البحث عن قصد المؤلف، في حين أنقذ مارتن هيدجر الهرمنيوطيقا من هذا التراجع، وأكّد على أنّ “الفهم أحد أشكال الوجود الإنساني” وأنّ اللغة “مأوى الوجود” الذي ينفعل بثنائية “الكشف/ الحجب”، فتصبح مهمة الفهم والتفسير عنده كشف المحتجب والمتستر عبر الحوار الذي يقيمه القارئ مع النص “المذاهب النقدية الحديثة”. ويعزّز هانز جورج جادمير هذه الرؤية النقدية، بجعل عملية الفهم “جوهر وجودنا في العالم”، وهو يميّز بين نوعين من الفهم، الفهم “الجوهري” المتحقق عند قراءة النص، و”القصدي” الذي من أجله تم تأليف النص، مع التأكيد على أفكار القارئ المسبقة التي تشكّل محورا أساسيا في أي حوار بين النص والقارئ من أجل الوصول – عبر التشكيل- إلى التدليل. وهذا ما ركّزت عليه هرمنيوطيقا بول ريكور التي فرضت على النص قدرة الانفتاح خارج ذاته من أجل توليد عالم غير محدود من الدلالات “من النص إلى الفعل”. ولا نجانب الصواب أيضا لو قلنا إنّ الفكر الظاهراتي أيضا يشكّل جوهر الأصول المعرفية لنظريات القراءة، عبر تعالق الذات بالموضوع، وهو ما ينطبق على التعالق بين النص والقارئ حسب ادموند هوسرل، وتلميذه رومان انجاردن على الرغم من الاختلاف بينهما في بعض المفاهيم، التي لا مجال لذكرها بالتفصيل مثل “التعالي والقصدية واللاحسم أو اللاتحديد”، إذ فتح المفهوم الأخير الباب واسعا أمام نظريات التلقي وهو يحدد العلاقة بين النص والقارئ، فالنص لا يأتي كاملًا من مؤلفه، بل هو مشروع دلالي جمالي يكتمل بالقراءة النشطة التي تملأ ما في النص من فراغات كما جاء في دليل الناقد الأدبي. وعلى أساس ما تقدّم فإنّ التوجهات النقدية للهرمنيوطيقا والظاهراتية شكّلت التوجهات الفكرية التي استندت عليها فيما بعد نظريات القراءة المتمثّلة في “جمالية التلقي” و “نقد استجابة القارئ”، وهما متفقتان على أنّ النص وجد من أجل القارئ، كي يقوم بإدخال معرفياته المسبقة، وتوقعاته المفترضة، وتأويلاته المحتملة، عند قراءة أيّ نص منفتح على آفاق لا حدّ لها، فالقراءة في هذين التوجهين تأخذ من منبعين متعاكسين، ولكنهما يكوّنان مصبّا واحدًا، المنبع الأول: من النص إلى القارئ، والمنبع الثاني: من القارئ إلى النص، وهذا يتطلب منّا أن نسوّغ لـ “ترسبات الخبرات القرائية” و “مفهوم أفق التوقع” و “المسافة الجمالية” و”الفجوات/ الشواغر/ البياضات” الاشتغال في تحليل النص. وإذا كان هانز روبرت ياوس قد فعّل هذه المقولات النقدية بشكل واسع فإنّ كارل بوبر ولايفوس جمبرش قد استعملا “التوقع” أو “الافتراض” قبله، إذ هجّر المفهوم من حاضنته الفلسفية إلى الحاضنة القرائية، فما التوقع الذي يحدث عندما يُقرأُ العمل الأدبي؟ وهنا نحتكم إلى إجابة ياوس: هو توقع يمكن كلّما تقدمت القراءة، أن يمتد أو يعدّل أو يوجّه وجهة أخرى أو يوقف بالسخرية بحسب قواعد عمل كرستها شعرية الأجناس والأساليب الصريحة والضمنية “جمالية التلقي”. ولكن ياوس لا يكتفي بأفق التوقع، وإنما يجترح مفهومًا آخر يعزز من نظريته “جمالية التنلقي” وهو “المسافة الجمالية” ويعتمد هذا المفهوم على التجاوز والمغادرة لكل ما هو مألوف وعادي، فإذا كسرت أو خيّبت القراءة أفق توقع القارئ فالعمل الأدبي متجاوز ومغادر لما قبله، وهنا تتحقق المتعة الجمالية، وإذا تطابقت القراءة مع أفق توقع القارئ فالعمل الأدبي مألوف وثابت، وهنا تنتفي المتعة الجمالية. أمّا إيزر فلا تتحقق جمالية التلقي عنده إلا بتحقق الاتصال بين بنية النص وبنية الفهم لدى القارئ، فالنص لا يستطيع أن يقول كل ما يعنيه، بل يحتاج إلى من يظهر معناه، وهذا يحدث بواسطة القارئ، وبملء فجوات النص يتحرر القارئ من السلبية إلى الإيجابية”الأصول المعرفية لنظرية التلقي”. فالفجوات التي تحتاج إلى قارئ يملأها هي التي تثري الدلالات. واجترح إيزر توصيفًا مغايرًا للتوصيفات الخاصة بالقارئ، وهو “القارئ الضمني” بعيدًا عن توصيفات “القارئ النموذجي” أو “القارئ المثالي” وهو “بنية نصّية تتوقع وجود متلقٍ من دون أن تحدده بالضرورة” “فعل القراءة”.

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

تفكير المؤلف المبدع بالسينوغرافيا

فـي سياق إقامة الدورة الخامسة عشرة لمهرجان الهيئة العربية للمسرح بالسلطنة، ووجود عروض مسرحية عربية (الملجأ، ذاكرة صفراء، المؤسسة، سيرك، هاجّة (بوابة 52) ماكبث المصنع، البخارة، عد عكسي، بين قلبين، هُم، نساء لوركا، كيف نسامحنا؟، ريش، وغصة عبور)، وعرض عماني واحد هو (أسطورة شجرة اللبان)، تسير العروض جميعها فـي مسارين؛ الأول تتنافس فـيه على جائزة صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي، والمسار الثاني خارج التنافس، تنافست العروض على تقديم رؤى إخراجية بصرية جاذبة، راهنت على بقاء المتفرج طيلة العرض، بينما أصاب بعض العروض الترّهل والفوضى الإخراجية والبصرية.

شغلني هذا السؤال: كيف يُفكر المؤلف الدرامي المسرحي فـي السينوغرافـيا؟ أين مكانه فـي جوهر هذا الاشتغال؟ جرت العادة فـي البداية أن التفكير فـي السينوغرافـيا هو شأن يخصّ مخرج العرض المسرحي. وهذا صحيح إلى حد كبير. أما سؤالي السابق فلا يناقش، وذلك انطلاقا من جدلية ثابتة أن علاقة المؤلف مع نصّه تنتهي بمجرد وصول النص إلى المخرج. وعلى ذلك الأساس يتمحوّر اشتغال المخرج مع مصمم السينوغرافـيا والدراماتورغ لتقديم رؤية فنية تشكيلية وبصرية فـي فضاء العرض المسرحي وغيرها من الفضاءات.

إن السينوغرافـيا علمٌ وفنٌ قوامه تبئير فنون عدة هي: الديكور والإضاءة والزّي والإكسسوار والأقنعة والمؤثرات الخاصة من إضاءة ومؤثرات سمعية وبصرية فـي رؤية زمكانية وفلسفـية وصوفـية للعالم. وأقصد بالرؤية الزمكانية هي (الآن-هنا)، أما الرؤية الفلسفـية فهي مجموع تصورات النصّ الدرامي المسرحي ومنطلقاته الفكرية وأسئلته حول العلاقات الإنسانية المعقدة، أما الرؤية الصوفـية فهي السير بالصورة المشهدية إلى جماليات يتجلى من خلالها الإخراج المسرحي كتلة واحدة لفضاء العرض الدرامي.

تنبع فعالية السينوغرافـيا وقيمتها الأساسية كما يعرّفها المعجم المسرحي من قيامها ببحث «علاقة الإنسان (الممثل والمخرج) بالفضاء المسرحي. وعلاقة العناصر المسرحية بعضها ببعض بما فـيها الخشبة والصالة». وانطلاقا من هذا فإن المؤلف المبدع يعتبر السينوغرافـيا عنصرًا مهما من عناصر العرض المسرحي، وأهميتها لا تقل عن أهمية القيم الدراماتيكية للنصّ الدرامي.

المؤلف المبدع يَبني نصه الدرامي بالكلمات، وكل كلمة لها دلالات متعددة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السينوغرافـيا لها دلالات كثيرة، إنها توسع من ملفوظ الحوارات لتمنح فضاء العرض أبعادا جمالية للكشف عن طبيعة الشخصيات والصراع والزمان والمكان. بهذا المعنى فالسينوغرافـيا «تعمل على استثمار الفضاء المسرحي كفراغ من أجل إعطاء المسرح بعدا شعريا».

المؤلف المبدع الذي يهتم بفكرة نصّه الدرامي عليه أن يواكب التطور الحاصل فـي السينوغرافـيا وتنوعها من حيث قدرة السينوغرافـي على تكوين الصورة البصرية بأرقى المعاني الجمالية، ويتحقق ذلك عن طريق جسد الممثل فـي الفراغ، واللعب بالألوان والإضاءة والمؤثرات جميعها وخطوط العرض والطول والظل.

يعود الفضل إلى التطور الحاصل فـي سينوغرافـيا العرض المسرحي إلى ثورة التكنولوجيا بدءا مع المخرج فـيسفولد ميرهولد الذي «قدم نظرية بنائية على تناغم الخطوط الأفقية والعمودية فـي فراغ الخشبة للتوصل إلى شكل عرض يقوم على رفض الإيهام». والعبقري جوردون كريغ الذي كان «يحلم بذرات مضيئة تملأ الفراغ المسرحي، وتصطدم ببعضها لتحقق أشكالا وآلافا من النقاط الملونة»، وأدولف آبيا، وصولا إلى السينوغراف التشيكي جوزيف زفوبودا «وتصوره للصورة المسقطة على الشاشات والمسطحات»، والسينوغراف جوزيف شاينا، والمخرج روبرت ولسون «وابتكاره للمسرح البصري المعتمد على التقنيات الحديثة لإسقاط الصورة على خشبة المسرح»، وساحر المسرح روبرت ليباج.

وجود المؤلف المبدع يفترض جدلا وجود المخرج المبدع «الذي قد يستخدم المِقصّ الحّاد لقص مفردات النصّ ليفرض رؤاه الإخراجية على كل صغيرة فـي العملِ أو كبيرة». ولا شك فـي أن وجود المخرج المبدع يَفترض بالضرورة وجود السينوغراف المتطوّر الذي يُجيد التعامل مع الخشبة، وإلا فإنّ جزءا من الفشلِ أو الخَلل سَوف يؤدي إلى إصابة العرض المسرحي بالترّهل واللا انسجام وفقد الإيقاع.

الممثل المسرحي فـي أثناء تأديته للشخصية الدرامية على الخشبة تكون وسيلته هي الفعل والحوار. أما المخرجون والسينوغرافـيون والدراماتورجيون المعاصرون فإنهم -يجيدون فـي عصر هيمنة الآلة والتكنولوجيا والرقميات وعلوم البرمجيات- التضحية بالكلمة وجعلها فـي مرتبة ثانية. إنهم مؤمنون بقدرتهم على خلق عالم جديد أو مغاير لعالم النص الدرامي، ولكلمات المؤلف المسرحي. فتجدهم يؤثثون الخشبة بلغات حركية وتشكيلات ديناميكية وأصوات بشرية وموسيقية غائرة فـي العمق، يطمحون من ورائها إلى تثبيت رؤية معاصرة تصل بين زمنيّ الماضي والحاضر، وبين بعثيِّ الميلاد والموت، وبين شهقتيّ القدوم إلى الحياة أو مغادرتها.

أين هو إذن موقع المؤلف المبدع؟

إن الجهد الذي يبذله العاملون على الخشبة لإخراج العرض المسرحي المبدع، ينطلق من بذرة النص الدرامي الخلاّق. من خلال تجربتي فـي تأليف النص المسرحي وممارسة البحث النقدي، أجد أن النقطة التي ينطلق منها الكاتب المسرحي، وهو يفكر بالسينوغرافـيا يبدأ من اللغة وحوار الشخصيات وتمتع السينوغراف بتأويل الكلمات إلى معاني بصرية.

فـي تجربتي لكتابة مسرحيتي (البئر-1997م) التي أخرجها الكاتب المخرج محمد خلفان، تكوّن النصّ من ثماني شخصيات ومجموعة أطفال متفاوتي الأعمار وأغان تراثية مستوحاة من البيئة والألعاب الشعبية الظفارية فـي جنوب عُمان ولافتات كُتب عليها إرشادات بخط طفولي. يغوص النص فـي أبعاد سحيقة للميثولوجيا والتراث الحكائي للمجتمع المحلي. شخصيات المسرحية تعيش فـي عالمين متناقضين، العالم الأول يتكون مما يراه الناس، ويصطلحون عليه كشكل اجتماعي تقليدي بسيط. فالرجال يعملون فـي البحر والنساء يعملن فـي صناعة الخبز وبيعه، وفـي لحظة استعادة الرجال والنساء لماضيهم يتذكرون أنهم كانوا أطفالا يلعبون ويكبرون ويتزوجون فنسوا الغِناء. ويتكون العالم الثاني الباطني من الإيمان العميق بالطقوس والغيبيات والسحر.

انبنى الطموح السينوغرافـي لعرض المسرحية من خلال فضاء خشبة عارية بتعبير بيتر بروك، وممثلين يرتدون قمصانا بيضاء وبناطيل سوداء. كان هناك قماش أبيض بلغ طوله (12- 12) مترا. وَظف المخرج من خلاله شفافـية الأصوات القادمة من البئر: طفولة الماضي، السحرة، الألعاب الشعبية وأغاني الأطفال، والبئر التي سقط فـيها القمر. رغم فداحة مصير الشخصيات وحالات انفصالها عن الواقع واتصالها مع الميثولوجيا، إلا أن الدرس الجمالي للمخرج والسينوغرافـيا جعل الشعور النفسي بالعرض المسرحي متوترا، ومنقادًا إلى نهاية مفجعة.

أما بالنسبة إلى (البئر) فـي المسرحية، فكانت تتمدد فـي الزمان، وفـي الأغاني والأصوات الدالة على بيئات متعددة كاليابسة والبحر، ومجموعة من الأوهام والطقوس التي ستودي بحياة الشخصيات إلى الفقد والبكاء، أو إلى التجمع العائلي والفرح.

إن نغمة ذلك الغناء بنبراته الحزينة يُماثل عمق البياض الذي ظلت تبحث عنه شخصيات مسرحية (البئر)، وهو صوت النغمة التي طغت على أحداث المسرحية، إنها نغمة الأسر أو السجن.

كنتُ أفكر كيف سيحوّل المخرج ومصمم السينوغرافـيا كلمات النص إلى مجاز من الأصوات والظلال والتشكيلات الجسدية والأداءات الدرامية والرموز التعبيرية الدالة على الميثولوجيا. بإيجاز، كيف يجعل السينوغرافـي أعماق (البئر) الإنساني ساحرًا؟ وكيف يتحول هذا السحر إلى مكان واقعي سهل التخيّل؟

فـي (البئر) استخدمتُ كلمات حقيقية، دون أن يحيط بها شيء من الالتباس أو الألغاز. إن للكلمات ذاكرة. إن كل معنى يطلع على خشبة المسرح تكشف عنه جماليات السينوغرافـيا ككل، سواء فـي الإضاءة المتطورة أو المنظور العام، إنما هو ذاكرة الكلمات التي صاغها المؤلف المسرحي؛ كلمات تحتفظ بقوتها التعبيرية المكثفة.

إن الكاتب المسرحي، عندما يكتب مشهده الأول بالكلمات، يعمل على فتح بوابة المسرح/ أو العالم على الأبدية، وعلى الفضاء الحُّر الواسع الممتد اللانهائي، كما يقوم بغلقه. وما على المخرج ومصمم السينوغرافـيا والدراماتورغ سوى البحث فـي علاقة الكلمة وأحوالها الحقيقية أو المجازية فـي معاني الإبداع المسرحي الممكنة.

مقالات مشابهة

  • برج العذراء.. حظك اليوم الخميس 16 يناير 2025: تجنب سوء الفهم
  • النص الكامل لبيان مصر وقطر وأمريكا حول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
  • غزة: إطلاق حملة "الكاش بلزمناش" لمواجهة أزمة السيولة النقدية
  • تفكير المؤلف المبدع بالسينوغرافيا
  • لجنة السياسة النقدية بالمصرف المركزي تعقد اجتماعها الأول
  • بعد تصريحات ترامب حول خططه النقدية القادمة.. تطورات في سوق الذهب عالميا
  • البنك المركزي المصري يحدد مواعيد اجتماعات لجنة السياسة النقدية لعام 2025
  • مجلس النواب يُنهي القراءة الثانية لقانون الموازنة
  • الصفحة الرسمية لوزارة الأوقاف تحيي ذكرى وفاة القارئ الشيخ الشحات أنور