بدايات وعهود متجدّدة للبنان زاهر
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
يعيش لبنان تغيّرات متلاحقة، لعلّ أهمّها انتخاب الرئيس الرابع عشر للبلاد، الذي يفتح صفحة جديدة ومتفائلة لبلدٍ كان يعاني من منزلق خطير سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا. فمنذ حوالى الشهرين، أتت الأخبار المفاجئة الواحدة تلو الأُخرى ضمن تغييرٍ جذريّ في المشهد الجيوسياسيّ لمنطقة الشرق الأوسط. وهو ما يتطلّب من لبنان التعامل مع التغيير الداخليّ كما الخارجيّ.
فبداية، يشهد العالم تسارعا في التقدّم التكنولوجيّ، وتغيّرا في هيكلة الاقتصاد العالميّ، ناهيك عن التحدّيات البيئيّة. ويضاف إليه في لبنان الصعوبات الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تفاقمت في إثر الحرب التي تكثّفت في جنوبه وبقاعه، الأمر الذي خلّف دمارًا في البنية التحتيّة نسعى إلى ترميمه معتمدين على تجديد أواصر الصداقة والعلاقات مع الدول العربيّة والغربيّة.
ينطلق الأمر من تبنّي إصلاحات اقتصاديّة مرنة، وتعزيز الابتكار، وتمكين المواطن والمواطنة كونهم العنصر الأساسيّ نحو الازدهار الإيجابيّ. فقد برهن اللبنانيّ قدرته على الصمود، إذ عبر تحدّيات واختبارات عدّة. واليوم يمنّي النفس بانطلاقة استراتيجيّة مع العام ٢٠٢٥، وأمل في عودة سير الحوكمة شيئًا فشيئًا. فبرع اللبنانيّ بتحويل الشدائد إلى محفّزات للتحوّل والتأقلم والمرونة.
بالإضافة إلى ما ذُكر، يتطلّب الأمر إجراء تعديلات جذريّة تقود البلاد نحو الاستدامة والشفافيّة والشموليّة. فلبنان مدعوّ للتعامل مع السوق المحلّيّة الصغيرة والموارد الطبيعيّة المحدودة، وأن يستثمر في البنية التحتيّة والابتكار، والرأس المال البشريّ المثقّف وذي المستويات التعليميّة العالية.
كما أنّ أحد ركائز الاستدامة الاقتصاديّة يكمن بتنويع الصناعات وتعزيز الابتكار، والتخفيف من الاعتماد على القطاع المصرفيّ والعقاريّ، بوجه يضمن الثبات والمرونة على المدى الطويل، والاستثمار في القطاعات الفتيّة كالتكنولوجيا والطاقة المتجدّدة، وغيرها من الصناعات الإبداعيّة.
وفي انتظار عودة التنقيبات النفطيّة في البحر المتوسّط، لا يمكن للبنان أن يبني اقتصادًا حالمًا على الموارد النفطيّة، بل يبني على موارده الملموسة في مجالات السياحة أسوة بالدول النفطيّة في المنطقة التي نوّعت نقاط ثقلها الاقتصاديّة في العقود الأخيرة. من دون أن ننسى إرثه الثقافيّ النابض بالحياة، وروح ريادة الأعمال التي يتّسم بها أبناؤه وبناته في لبنان وخارجه.
في مشهدٍ موازٍ، لا بدّ من تعزيز القطاع الزراعيّ وتطوير التكنولوجيا الزراعيّة، على أمل اتّساع المساحات الزراعيّة بعد أن كبّلتها "الزراعات غير القانونيّة"، وأن نسعى لوضع خطط تصدير للدول المجاورة، خصوصًا مع ترميم علاقاتنا الديبلوماسيّة، وضبط الحدود، وإحياء رونق المنتوجات الزراعيّة اللبنانيّة، بعد أن "اندسّت" فيها المواد غير الشرعيّة، بما يُعيد الاعتبار للتنمية المحلّيّة السليمة وخصوصًا في المناطق الريفيّة وعدم تجاهلها في الاستراتيجيّات الوطنيّة.
وأخيرًا وليس آخرًا، تبقى التربيّة القائمة على المعرفة والازدهار بالتقدّم التكنولوجيّ حجر الزاوية للنهوض في كل القطاعات، وتأسيس اقتصاد لبنانيّ مستدام. فالأمران مترابطان بشكلٍ متين، إذ أثّر عدم اليقين الاقتصاديّ على هجرة الشباب والشابات، فلبنان يؤهِّل ويدرِّب، والخارج يستفيد ويوظِّف. فنحن من ناحية نرجو تحديث المناهج التربويّة مع الاقتصاد العالميّ، بما فيها التحوّل الرقميّ، والتنمية المستدامة، والاقتصاد الأخضر، والسعي نحو استقرارٍ اقتصاديّ-سياسيّ داخليًّا وخارجيًّا بتطبيق الحياد الإيجابيّ، وبناء العلاقات الدوليّة المثمرة.
ختامًا، نأمل من المواطنين ابداء نضجٍ مسؤول عن طريق تأدية دورهم المدنيّ بالمطالبة بإصلاحاتٍ تعزّز الشفافيّة وتحدّ من الفساد. ولن يكون ذلك ممكنًا ما لم تترسّخ الثقة المتبادلة مع المؤسّسات الحكوميّة، والسلطات التشريعيّة والقضائيّة والتنفيذيّة، في عامٍ جديد وعهدٍ جديد. فلا بد من ترجمة خطاب القسم التاريخيّ، الذي ينتظره اللبنانيّون، إلى أفعال تساعد على إعادة بناء لبنان بحسب خطّة طريق واقتراحات استراتيجيّة تساهم في ازدهار البلد تكنولوجيًّا، واقتصاديًّا، وزراعيًّا، وسياحيًّا، وتربويًّا.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
عون أكد أمام لازارو ادانته للاعتداء الذي تعرض له اليونيفيل: : الامن خط احمر
نوّه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بالجهود التي بذلها سفراء اللجنة الخماسية في انجاز الاستحقاق الرئاسي، مقدراً للدول التي يمثلونها وقوفها الى جانب لبنان ودعمه في المجالات كافة.
موقف الرئيس عون جاء خلال استقباله قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا أعضاء اللجنة: سفير فرنسا هيرفيه ماغرو، السفير السعودي وليد بخاري، سفيرة الولايات المتحدة الأميركية ليزا جونسون، سفير جمهورية مصر العربية علاء موسى، سفير دولة قطر سعود بن عبد الرحمن آل ثاني، الذين هنأوا الرئيس عون بانتخابه رئيسا للجمهورية ثم عرضوا عمل اللجنة ومواقف دولهم من الأوضاع الراهنة، مؤكدين جميعا على وقوف بلدانهم الى جانب لبنان واستمرارهم في العمل لمساعدته في مواجهة الاستحقاقات المنتظرة ودعم الجيش.
ورد الرئيس عون شاكرا لاعضاء اللجنة، مؤكدا العمل على تحقيق ما ورد في خطاب القسم وما سيتضمنه البيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام، مشددا على أهمية الإصلاحات التي باتت مطلبا داخليا وخارجيا وستكون من أولويات عمل الحكومة بعد نيلها الثقة، ما سينقل البلاد الى مرحلة جديدة.
واكد الرئيس عون ان الدولة لن تسمح بحصول أي عبث بالوضع الأمني وسيكون الرد حازما على كامل الأراضي اللبنانية، لافتا الى ان القضاء وضع يده على الاحداث التي وقعت على طريق المطار واصدر مذكرات توقيف بحق عدد من الذين اعتدوا على موكب "اليونيفيل". وأضاف :"ان حرية التعبير والمعتقد مصانة لكن الامن خط احمر وممنوع المساس به واعمال الشغب غير مسموح بها." وابلغ الرئيس عون السفراء ان الجيش قادر وجاهز للانتشار في القرى والبلدات التي سوف ينسحب منها الإسرائيليون، وعلى الدول التي ساعدت في التوصل الى الاتفاق ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا في 27 تشرين الثاني الماضي ان تضغط على اسرائيل للانسحاب وتنفيذ الاتفاق.
وابلغ الرئيس عون اعضاء اللجنة انه بعد انجاز الانسحاب الاسرائيلي سوف تبدأ اللقاءات في مقر القوات الدولية في الناقورة للبحث في استكمال بنود الاتفاق واهمها ترسيم الحدود والبحث في النقاط المختلف عليها في الخط الازرق.
وشدد الرئيس عون على ان مهمة الجيش بعد انتشاره ستكون حماية الحدود في الجنوب، كما يحمي الجيش كل الحدود في الشمال والبقاع والحدود البحرية "ونريد مساعدة دولكم الشقيقة الصديقة فلا عودة الى الوراء والامن خط احمر".
وبعد اللقاء، ادلى السفير المصري بالتصريح التالي الى الصحافيين: "اليوم حظينا، كخماسية بلقاء فخامة الرئيس جوزاف عون. وهذا هو اول لقاء للخماسية بعد إنتخاب فخامته. وربما تأخرنا في الموعد معه لكي نترك الفترة المناسبة لعدد من الاستحقاقات التي كان من بينها تشكيل الحكومة. وإرتأينا ان الوقت بات مناسبا للقاء فخامته."
أضاف: "كان اللقاء إستمرارا لدعم الخماسية للمرحلة الجديدة التي يمر بها لبنان ولما هو قادم من إستحقاقات وتحديات تمر بها الدولة اللبنانية، وفرصة للتأكيد ان موقف الخماسية ثابت والتزامها كامل بالوقوف الى جانب لبنان في كل ما يمر به من أمور في الفترة القادمة. ولقد إستغلينا الفرصة للإستماع من فخامته لتقديره لبعض الأمور والاحداث التي مرت خلال الأيام الماضية. واكد فخامته ان الدولة اللبنانية عازمة على بسط يدها الأمنية على كل ربوع الدولة اللبنانية. وهناك التزام بأن الجميع يخضع للقانون ولا مجال للخروج عنه او تعكير الصفو العام."
وقال: "ما شهدناه نحن في الأيام الماضية وتأكدنا منه هو ان الأجهزة الأمنية تقوم بدورها. وأكدنا ان ما حدث من إعتداء على بعثة اليونيفيل امر غير مقبول ويجب ان تتم محاسبة مرتكبيه. وقد اكد فخامة الرئيس ان الامر يسير في هذا الاتجاه."
وتابع: "تحدثنا أيضا عن عدد من الملفات المتعلقة بما ورد في خطاب القسم، وفخامة الرئيس اكد ان ما ورد في الخطاب سيكون جزء كبير منه في البيان الوزاري. وهذا امر محبب لأنه في الحقيقة يؤكد على التزام الدولة بأن ما هو قادم سيعالج مشاكل كثيرة للمواطن اللبناني."
أضاف: "إن جزءا كبيرا من اللقاء تناول الاستحقاق القادم الخاص بالانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية. وكان هناك التزام من جانب الدول الخمس، وتأكيد لفخامة الرئيس على اننا مستمرون في الدفع بإتجاه إتمام الإنسحاب الإسرائيلي الكامل وفقا لإتفاق وقف الأعمال العدائية. واكد لنا فخامته ان هذا الامر سيساعد كثيرا على استقرار المرحلة القادمة وتركيز الدولة على بسط الجيش اللبناني لإمكانياته وقدراته على كافة ربوع الدولة اللبنانية، ويساعد الدولة كذلك على توجيه كل إهتمامها الى قضايا اخرى هامة خاصة بالمواطن من إصلاح مالي وإقتصادي وخلاف ذلك. واللجنة الخماسية أكدت لفخامته على ان إتصالاتنا مستمرة من اجل الانتهاء من هذا الأمر في أقرب وقت ممكن، وإتمام الانسحاب الاسرائيلي. ومن ناحية أخرى، أؤكد لكم ان مصر تمارس جهودها في هذا الإطار مع كل الأصدقاء والشركاء في المنطقة من اجل إتمام الانسحاب الإسرائيلي في أقرب وقت ممكن."
وقال: "لقد تناول الحديث ملفا من أهم الملفات، وهو إعادة الإعمار. ولقد أكدنا على إلتزام الخماسية بدعم هذا الملف، وشددنا لفخامته على ضرورة ان يتم هذا الملف بالكامل تحت إشراف الدولة اللبنانية لأن هذا يعطي رسالة طمأنة ليس فقط للداخل اللبناني لكن أيضا لشركاء لبنان الإقليميين والدوليين. وهو ما أكده لنا فخامة الرئيس بأن هناك إلتزاما ان تتم العملية في هذا المسار وهذا الشكل."
وختم بالقول: "لقد كان اللقاء طيبا وسعدنا به. وان شاء الله تكون هناك لقاءات قادمة الهدف منها المحاورة والإستماع الى وجهات النظر للبحث عن افضل السبل لما هو قادم من إستحقاقات في لبنان."
وردا على سؤال حول كلامه عن ملف إعادة الإعمار تحت إشراف الدولة اللبنانية، فهل من شرح للآلية، وهل ستكون المساعدات مشروطة، أجاب: "نحن تحدثنا عن الخطوط العامة والأفكار العامة وليس في التفاصيل. إن الخطة والآلية سوف تكونان من قبل الحكومة اللبنانية بشكل حصري وسيتم عرضهما على شركاء لبنان للبحث عن افضل وسيلة لتطبيقهما. ونحن نترك امرهما للدولة اللبنانية التي تضعهما. واتصور انه عقب نيل الحكومة الثقة من البرلمان، وبدء اجتماعاتها سوف يتم وضع هذه الآلية التي ستلقى قبولا وتفاعلا من قبل شركاء لبنان الإقليميين او الدوليين."
الى ذلك، استقبل الرئيس عون قائد القوات الدولية في الجنوب الجنرال ارولدو لازارو واطلع منه على الوضع في الجنوب عشية موعد انسحاب القوات الاسرائيلية وفقاً لاتفاق 27 تشرين الثاني 2024. وجدد الرئيس عون امام الجنرال لازارو الاعراب عن ادانته للاعتداء الذي تعرض له موكب نائب قائد "اليونيفيل" على طريق المطار، مؤكداً ان التحقيقات جارية مع عدد من الموقوفين لكشف الملابسات وانزال العقوبات بحق المرتكبين، ويستمر البحث عن متهمين آخرين لتوقيفهم.
وأكد الرئيس عون للجنرال لازارو ان" لبنان رئيسًا وحكومة وشعبًا يرفض اي اعتداء على عناصر " اليونيفيل" الذين اتوا الى لبنان للمساعدة على تحقيق الامن والاستقرار في الجنوب وتطبيق القرارات الدولية وسقط منهم شهداء قضوا في سبيل الهدف السامي الذي آمنوا به وعملوا على تحقيقه".