غلاء الإيجارات في تعز… بين لهيب التكاليف ومخاطر مناطق التماس
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
يمن مونيتور/هبة التبعي
يجلس علي سعيد على كرسي مهتري بجانب نافذة مكسورة سبقت أن اخترقته قذيفة الحرب قبل سنوات، لم يجد منزل للعيش سوا هذا المنزل المتهالك في منطقة الجحملية شرقي تعز القريبة جدًا من جبهات الصراع الشرقية، قائلًا:” السكن هنا لم يكن اختياريًا، بل أن مجبر لأن هذا المنزل الذي أستطيع تحمله ماليًا، ظروف الحياة وغلاء الايجارات في وسط المدينة أو المناطق الأمنة تجبرنا على السكن في مناطق نموت فيها ألف مرة”.
” عشتُ هنا أيام وسنوات مرعبة جدًا قبل الهدنة، اسمع الانفجارات يوميًا وتصل القذائف التي تهز الأرض من تحت قدمي. كل طلقة، كل قذيفة، تحمل احتمالا أن تكون الأخيرة التي نسمعها”، يضيف على لموقع ” يمن مونيتور”.
أما بعد الهدنة منذ عام 2022. هدأت الحرب وخف القنص والقذائف، إلا أن حياتهم مازالت محفوفة بالمخاطر. وأول تقدم لأي طرف من أطرف الصراع ستكون على رأس السكان في مناطق التماس. الذين لجوا إلى هذه المناطق إما عودة لمنازلهم الاصلية التي كانوا قد هجروها بسبب الحرب وذهبوا للسكن في مناطق أكثر أمان، أو لأن ايجارها يعد أقل نسبيًا من المناطق الأخرى.
ويضيف علي للموقع:” لا نستطيع الوصول للماء بسهولة، الطاقة الشمسية التي نملكها أصبحت متهالكة، ولا نستطيع فتح أغلب النوافذ لأنها مقابل لقناص الحوثي، الأطفال يلعبون في الأزقة ولا يمشون في ساحة مكشوفة، في الليل، لا أستطيع النوم. أفكر في أسرتي، في ابني الذي يسألني: لماذا لا ننتقل إلى مكان أفضل؟ ولا أجد إجابة سوى الصمت”.
وتصل ايجارات المنازل في مدينة تعز إلى 300 ألف يمني، ولكنها بالعمل الأجنبية، (السعودي، الدولار)، بينما تنخفض الإيجارات في مناطق التماس والقريبة من جبهات القتال أو قناصة الحوثي (50_100) ألف ريال يمني.
أسباب ارتفاع الايجارات
يرى عبد الرحمن البحر، خبير اقتصادي، أن ارتفاع الإيجارات في مدينة تعز يعود اولًا لعدم الإنشاء العمراني والتوسع الصناعي منذ بداية الحرب بسبب التدهور الاقتصادي الذي نعيشه نتيجة الحرب، مع زيادة الطلب على السكن نتيجة النزوح الداخلي من المناطق الخطيرة إلى المناطق أكثر أمانًا.
ويشير البحر إلى أن الحرب دمرت العديد من المباني والمنازل وعدم وجود مشاريع اسكانية تعوض هذا النقص بسبب ارتفاع تكاليف البناء التي تأثرت بسبب ارتفاع أسعار العملات الأجنبية، في ظل غياب السياسات المنظمة لسوق الإيجارات ادى إلى استغلال المُلاك للوضع ورفع الأسعار بشكل مفرط”، يواصل البحر.
حياة خطرة
تسكن سهيلة أم لثلاثة أبناء في عصيفرة شمال مدينة تعز، وهي أول نقطة تحت سيطرة الحكومة الشرعية حيث لا يبعد منزلها سوا بعض خطوات إلى مناطق الحوثي المهجورة، والتي يتمركز بها قناص متحوث قد ألتهم الكثير من أرواح أطفال هذا الحي منذ بداية الحرب.
تواصل حديثها سهيلة وهي أرملة: لا أستطيع أن أشعل النور الخافت بهذه الغرفة وتشير بيديها إلى الغرفة الاوسع في المنزل، بل لا نستطيع حتى النوم، القناص يرمي طلقته فورا إن رأى أي ضوء، لقد سبق وقنص جارنا إلى دخل المنزل فور إشعاله النور، وقد غادروا جميعهم إلى الريف ونزح الكثير من هنا، لكنهم بدأوا يعودون بسبب ارتفاع الايجارات في وسط المدينة”.
وتظل سهيلة خائفة جدًا عند ذهاب ابنتيها إلى المدرسة إلى أن يعدن، لقد سبق ولم يعد العديد من الأطفال من مدارسهم أو من الأماكن التي يجلبوا منها الماء، إما بسبب القناص، أو القذائف العشوائية أو الألغام، أما ابنها الأكبر الذي كان يحلم أن يصبح طبيبًا أصبح يجمع علب البلاستيك ليساعد اباه الذي يعمل في قيادة دراجة نارية ليصرفا على العائلة.
خطر السكن
يفيد أيمن العريقي، وهو باحث في مجال السلام، أن السكن في مناطق التماس يعرض المواطنين لمخاطر الاستهداف المباشر بالقذائف أو النيران العشوائية من قبل مليشيا الحوثي الإرهابية، التي تستهدف بشكل متكرر هذه المناطق المأهولة بالسكان المدنيين. إضافة إلى ذلك، فإن تلك المناطق تعج بالمخلفات الحربية والألغام التي زرعتها المليشيا، مما يشكل خطرًا دائمًا على السكان، خاصة الأطفال.
” تفتقر تلك المناطق إلى الكهرباء، المياه النظيفة، والرعاية الصحية. كما أن الأطفال غالبًا ما يحرمون من التعليم نتيجة انعدام الأمن والبنية التحتية”، يردف العريقي.
العيش في مناطق التماس يسبب ضغطًا نفسيًا كبيرًا للسكان، خاصة للأطفال الذين يعانون من آثار نفسية عميقة مثل الخوف المزمن واضطرابات النوم. الكبار بدورهم يعانون من التوتر والقلق المستمرين، مما يؤثر على صحتهم الجسدية والعقلية، حسب العريقي.
جهود المحلية
يقول العريقي، وهو ناشط سياسي أيضًا:” على الرغم من الجهود التي تبذلها السلطات المحلية ضمن إطار الشرعية، إلا أن الإمكانيات المحدودة تشكل عائقًا أمام توفير حلول مستدامة. المنظمات الإنسانية تقدم مساعدات إغاثية مؤقتة للسكان، لكنها تظل غير كافية لتلبية الاحتياجات طويلة الأمد”.
ويضيف أيمن أن إحدى أهم المشكلات التي تواجه السكان هي استمرار مليشيا الحوثي في استهداف المناطق المدنية وتحويل بعضها إلى خطوط تماس. هذا الوضع يجبر العديد من الأسر على التنازل عن سلامتها والعودة إلى منازلها القريبة من الخطر، أو البحث عن بدائل سكنية أقل تكلفة لكنها محفوفة بالمخاطر.
“لذا، من الضروري تكثيف الجهود لتوفير بدائل سكنية آمنة للسكان الذين يضطرون لمغادرة منازلهم، إلى جانب تقديم الدعم النفسي والصحي لهم، وتعزيز استجابة السلطات المحلية والمنظمات الدولية لمعالجة هذه الأزمة”، وفقًا للعريقي.
وفي خضم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها مدينة تعز، يبقى السكن في مناطق التماس خيارًا يفرضه الواقع الصعب رغم ما يحمله من مخاطر جسيمة.
تتطلب هذه الأوضاع تدخلاً عاجلاً من السلطات المحلية والمنظمات الدولية لتوفير بدائل سكنية آمنة، وضمان وصول الخدمات الأساسية إلى المتضررين. فبدون حلول مستدامة، ستستمر معاناة آلاف الأسر وسط دوامة الفقر والخطر.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: اليمن غلاء الايجارات مدینة تعز
إقرأ أيضاً:
خريطة الطريق التي لا تقود إلا إلى داخل المتاهة
ثمة فرق بين ممارسة السياسة وإنتاج السياسة. الأولى هي صنيع ما يتم في بورتسودان من انتظام جماعات لتأكيد وجودها وفاعليتها وتعزيز فكرة الركون إليها. أما انتاج السياسة فهو نشاط آخر تماما متصل بعالم الأفكار والرؤى والتصورات ليست تلك المستهلكة بل الجديدة كل الجدة والمتجاوزة كل التجاوز لركام الأفكار التي صنعت سودان ما قبل الحرب. وهذا النشاط واجب على الجماعة السودانية كلها لا سيما علمائها ومثقفيها حيثما كانوا للإجابة على سؤال واحد: أي سودان نريد بعد الحرب؟
والإجابة على هذا السؤال هي ما يصنع خريطة الطريق. أما خريطة طريق بورتسودان فهي بالكاد تقطع بك (مفازة هيا) إلى داخل السودان.
إن طرح أسئلة السياسة والحرب قائمة كمن يطرح على جماعة تجهد أنّ تطفيء نارا تمسك بمعظم البيت سؤالا حول كيف نبني البيت؟ ثم يلح عليهم قولوا لي كيف والنار تلسع الوجوه والذين يحاصرهم الحريق بالداخل يطلبون النجدة.
الأسئلة تبقى صحيحة فقط حين تطرح في زمانها ومحاولة البرهان ورهطه في بورتسودان الايحاء بأنهم قد وجدوا خريطة الطريق التي دعوا المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية لدعمها هي ضرب من استصلاح الأراضي السبخة، كثير من الجهد وهدر الطاقة وقليل من الفائدة.
لا خريطة طريق تصلح للاهتداء بها حتى تضع الحرب أوزارها.
لا خريطة طريق أيا كانت الجماعة التي أنشأتها تصلح للتسويق الداخلي فضلا عن الخارجي لأنها ببساطة ستكون معبرة عن مصالح الجماعة التي أنشأتها وتلك المصالح ليست بالضرورة هي مصالح بقية الشعب الذي لم يجد من الوقت بل الأمن ليفكر في خريطة الطريق السياسية لأنه ببساطة مستغرق في التفكير حول خريطة الطريق إلى الحياة كالناس في شمال النيل الأبيض وجبال النوبة والفاشر وبقية دارفور.
أجدر بالبرهان أن يصرف طاقته في تحقيق النصر المطلق وأن ينصرف عن (الأكروبات السياسية ) فما أكثر ما جعلت حديث يومه ينقض حديث أمسه وحديث غده خبيء فلتات لسانه لا يعرف أحد ما سيكون منها. شطارة البرهان في الحرب لا مكره في السياسة هي ما سيقربه من الشعب أو يبعده ، ذلك أن للشعب في عنقه دين وهو أن يسلمه البلاد بلا مليشيات في مقدمتها قوات الدعم السريع. فهناك حقيقة واحدة وهي أن أرواح السودانيين وكرامتهم وعروض نسائهم وما ادخروا في سنوات ما كان كل أولئك قرابين على مذبح سلطة يعتليها البرهان بما يسميه ( استئناف العملية السياسية)
ستكون أكبر خيانة في تاريخ الشعب السوداني إذا عادت البلاد إلى المسار القديم عبر من يزينون فكرة السلام عبر الارتماء مرة أخرى تحت سلطان ( القوة الاقليمية ) التي ما يعنيها من سينفذ لها أجندتها (الرجل الأول ) أم (الرجل الثاني) لأن العبرة (بالوظيفة) وليس بمن يؤديها.
والحال كذلك فإن القيمة العملية (لخريطة طريق بورتسودان) لا تتعدى الانتفاع بها في الحركة المرورية داخل المدينة.
وأن الحديث عمن سيشارك ومن لا يشارك في السلطة ( التي بيد البرهان ) هو وعد عجول شاغله توسيع دائرة ( المؤلفة قلوبهم) لقطع صحراء الانتقال. وهذا تفكير في رحلة ليست خاصة بالبرهان بل هي مهمة الشعب كله.
وأن حديث وزير الخارجية عن الانفتاح على المجتمع الدولي فهو (طراد وهم ) والانفتاح على المجتمع لا يكون إلا بقوة لأن المنطق الذي يحكمه هو القوة لا شيء آخر. ولذلك فإن أسوأ لحظة ينفتح فيها السودان هو لحظته الضعيفة هذه التي يعيشها بسبب الحرب.
أين تكمن القوة في السودان؟
القوة في الشعب كل الشعب : لأن الشعب في الأصل هو صاحب السلطة أما البرهان فهو صاحب ( سلطة الأمر الواقع ) وهي سلطة مستندة إلى منطقها وشرعيتها كامنة فيها ( حمدها في بطنها) فليترك البرهان هذا المسعى المرهق له ولشعبه وليتوجه إلى مهمته الأصيلة كقائد للجيش لتحقيق النصر الحاسم والقاطع و أن يبادر إلى تشكيل تكنوقراط بلا حاضنة لتحقيق وظائف الحكومة الأساسية وهي الأمن والصحة والتعليم واستنهاض الاقتصاد.
أما الحواضن المستعجِلة والمستعجَلة فهي ملهاة سياسية في أحسن أحوالها.
أما خريطة الطريق إلى المستقبل فليست إلا تلك التي سيصطنعها الشعب السوداني بعد الحرب في تأن وطول تأمل وتداول لا يستثني أحدا.
وأما القول (باستئناف العملية السياسية) فهو هرج سياسي فيه ما فيه من (انعدام الرؤية والمسغبة الفكرية). أما إذا حملته على أنه (غرض تآمري) يوسوس به من يوسوس به في بورتسودان وقد يجد من يصغي إليه على كثير خشية وخوف فأعلم إنه (الميتة وخراب الديار)
لا استئناف لشيء مما كان بل إنشاء جديد جديد.
لن ترى بورتسودان الطريق واضحة حتى تتخلص من (ممارسي السياسة) وتقبل على (منتجي السياسات والرؤى والأفكار). إنهم علماء السودان وخبراؤه ومثقفوه وهم يشكلون رأسمال البلاد المعرفي وهم وحدهم القادرون على تصور السودان الجديد.. تصوره ليس من خلال الكلام يُلقى على عواهنه ولكن بالفكرة المتدبَرة المقلبة على وجوهها المختلفات وبالتأمل المسترشد بالتجارب طريفها والتالد مما وقع لنا ولغيرنا في سير الحرب والسلام والقيام والنهوض بعد القعود.
فوزي بشرى
إنضم لقناة النيلين على واتساب