سوريا أخيرا.. القصة والرابحون والخاسرون..
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
الدكتور عبد الرزاق مقّري
بدأت الحديث عن الوضع السوري في مقال سابق بعد زحف المعارضة المسلحة وقبل سقوط دمشق، وشرحنا أسباب عدم دعم إيران للنظام على نحو ما كان عليه سابقا، وركزنا على التحولات الداخلية لهذا البلد، ثم تطرقنا بعد سقوط دمشق إلى الموقف الروسي وأسباب تراجعه عن نجدة آل الأسد، ونكمل الحديث في هذا المقال الطويل بالتطرق إلى الموقف التركي، وعلاقة الولايات الأمريكية المتحدة والكيان الصهيونى بالموضوع من خلال ما لدينا من معلومات، كثير منها معلوم للجميع، ومن خلال تحليل هذه المعلومات، لنركز في الأخير على تحديد الجهات الرابحة والجهات الإقليمية والدولية الخاسرة في الوضع الجديد في سوريا.
لا توجد دولة يهمها ما كان يحدث في سوريا قبل الحسم مثل الدولة التركية، ذلك أن التطورات الداخلية السورية باتت مؤثرة تأثيرا بليغا في الوضع الداخلي التركي، سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا وفي السياسة الخارجية التركية، وذلك من زاويتين. الزاوية الأولى تتعلق بهجرة الملايين من السوريين إلى الأراضي التركية، طوعيا خوفا من الاضطهاد، أو بسبب التهجير القسري. والزاوية الثانية تتعلق باستحواذ قوى "سورية الديمقراطية الكردية" (التي يسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردي المرتبطة بحزب العمال الكردستاني) على مساحات واسعة في شمال شرق سوريا بدعم أمريكي بتعلّة قتال مسلحي "داعش" الذين تخترقهم وتستخدمهم العديد من مخابرات الدول الإقليمية والدولية وعلى رأسها الأمريكان، وكذلك عبر مفاهمات معقدة بين الحين والحين مع الروس والنظام السوري لمواجهة النفوذ التركي.
تسبب مكوث قرابة أربعة ملايين مهاجر سوري في تركيا بشكل رسمي، وقرابة ثلاثة ملايين بشكل غير رسمي (ينتظرون تسوية أوضاعهم أو لمحاولة المرور إلى دول أخرى)، في صعود موجة كبيرة من الحساسية من الأجنبي وبروز موجات عنصرية استُغلت أسوء استغلال في المنافسة الانتخابية أضرت بحزب العدالة والتنمية التركي كثيرا، وساهمت في خسارته للعديد من المجالس البلدية، في الانتخابات الأخيرة. كما أن تحول مناطق واسعة على الحدود السورية تشمل أجزاء من محافظات الحسكة والرقة وحلب ودير الزور إلى إدارة ذاتية تحكمها القوى السورية الديمقراطية (قسد) يشكل خطرا كبيرا على الأمن القومي التركي من حيث أن هذه الإدارة الذاتية أخذت تُستعمل كقاعدة خلفية لحزب العمال الكردستاني الذي تأسس لإنشاء دولة كردية في المنطقة كلها ويعتمد العمل المسلح في تركيا.
بعد أن ظهر للعالم وكأن بشار الأسد قد استتب له الأمر وأن مختلف القوى المعارضة السياسية والمسلحة غير قادرة على الإطاحة به، وأن الجزء الشمالي الذي دخله الأتراك عسكريا لم يكن كافيا لعودة السوريين ورآه الكثير من هؤلاء السوريين أنه لجوء في محتشدات في أرضهم، غيّر أردوغان توجهاته تجاه بشار ولم يعد يُظهر إنكارا لشرعيته واتجه بشكل علني لطلب الحوار معه من أجل أن يقبل رجوع أعداد كبيرة من السوريين اللاجئين في تركيا إلى بلدهم وأن يقدم ضمانات لعدم قمعهم حتى يتشجعوا على العودة، واتجه إلى معالجة الخطر الكردي بتفاهمات بين مختلف الأطراف.
استعان أردوغان لطلب الحوار مع بشار الأسد بالروس، وأظهر الروس تجاوبا لذلك وحاولوا إقناع بشار بالأمر، ولكن لم يعر هذا الأخير اعتباراً لخطوة الرئيس التركي، واشترط خروج الأتراك من الأراضي التي دخلوها في الشمال عسكريا لكي يحاور، خلافا لقبوله بالوجود الروسي والإيراني على الأراضي السورية، بل حتى بالوجود الأمريكي من حيث التفاهمات التي كانت تبرم بينه وبين الأكراد. كما عدّ اللاجئين السوريين الذين هجّرهم أنهم غير سوريين لأنهم خرجوا بلا قانون ـ حسبه.
في هذه الأثناء كانت المعارضة المسلحة في إدلب تعد نفسها، عسكريا ومدنيا، لتملك القدرة على رد العدوان المتكرر عليها من قبل النظام، خلافا لتفاهمات استانا، حتى أخذ منهم 30% من الأراضي التي كانت تحت سيطرتها، مع أمل دائم يحدوهم لإسقاط النظام السوري الظالم إذا أتيحت الفرصة، وإنهاء السيطرة الطائفية على أغلبية البلد السنية ووقف معاناة السجناء وتبيان وضع المفقودين. غير أن الأتراك كانوا متوجسين من أي عمل عسكري ضد النظام، وقد يكون ذلك التوجس حسب ما سمعنا من بعضهم، أن تكون الخطوة غير محسوبة وتؤدي بدعم روسي وإيراني إلى السيطرة على إدلب وكل الشمال السوري فتتجه موجة أخرى من اللاجئين إلى تركيا يكون فيها حتف تركيا كلها، وإسقاط أردوغان وحزبه من الحكم بطريقة دراماتيكية.
اتجهت الأمور بعكس مخاوف الأتراك، فساهمت ظروف كثيرة إلى تحريك العملية العسكرية ضد النظام السوري، منها ما شرحناه بخصوص التحولات الداخلية في إيران، ووضعها الجديد في المواجهة مع الكيان الصهيوني، ومنها الضربات التي تلقاها حزب الله وما وقع له من خذلان من قبل نظام بشار الأسد بعدم قبول توجيه أي ضربات صاروخية من الداخل السوري على القوات الصهيونية في الجولان السوري المحتل رغم الضربات المتتالية التي وجهتها هذه القوات لسوريا أثناء الحرب القائمة ـ خلافا لما كان على الجبهة العراقية واليمنية ـ وما رشح من معلومات عن نشاط استخباراتي سوري ضد حزب الله ذاته.
يضاف إلى ذلك وضع الروس في حربهم بأوكرانيا وخوفهم من التوغل في جبهة أخرى في سوريا تكون بمثابة الفخ الذي يجعلهم يخسرون الحرب في الجبهتين، وكذلك التقارب التركي الروسي الإيراني بسبب التداخل الاقتصادي و التهديد المشترك الذي يأتيهم من الوجود الأمريكي عن طريق الجبهة الكردية ومواقع المعارضة السورية في الجنوب السوري الموالية لبعض الدول العربية وللأمريكان، والذي كان من ثماره من قبل مسار آستانة من أجل حفظ التوتر بعد 2015، مما ساعد على إقامة شبه دولة في إدلب تقودها هيئة تحرير الشام.
إن ما أدى إلى سقوط نظام بشار الأسد هو الانهيار السريع لجيشه، وأسباب الانهيار منطقية مفهومة، فهو لم يصمد في بداية الثورة الشعبية السورية إلا بتدخل إيران وحزب الله في البداية، ولم يسمح هذا التدخل إلا بتوازن القوى ولم يحسم الأمر لصالح بشار إلا بتدخل الطيران الروسي، ولم تسع أو تسمح أي قوة إقليمية أو دولية آنذاك بأن تتسلح المعارضة السورية بالسلاح المضاد للطائرات كما كان الحال في زمن الحرب ضد الروس في أفغانستان.كل هذه الظروف شجعت المعارضة السورية المسلحة على اتخاذ قرار رد العدوان، وكان اسم المعركة "رد العدوان" مؤشرا على أنها معركة جزئية لوقف اعتداءات الجيش السوري النظامي على مناطق وقف التصعيد وفق تفاهمات أستانا، مع أنه قد يكون الاسم للتمويه على معركة تحريرية شاملة.
كان الكثير، بما فيها الأتراك، يعتقد أن معركة رد العدوان إن نجحت ستتوقف عند حلب، وحلب مهمة للأتراك، والمساحة المحررة وصولا إليها ستكون كافية بالنسبة إليهم لعودة جزء كبير من اللاجئين وتوسيع الإدارة الذاتية المستقلة المتمركزة في إدلب، بعد رفض بشار الأسد الحوار معهم، وسيمثل ذلك كذلك إحاطة استراتيجية جيدة في مواجهة الخطر الكردي في الشمال الشرقي، فلا غرابة أن يمدوا يد العون للمعارضة السورية.
غير أن الانهيار السريع للجيش النظامي السوري دفع قوات المعارضة الى مواصلة زحفها إلى غاية دمشق. لم تكن المؤسسات الأمنية التركية متحمسة لاستمرار زحف المعارضة إلى دمشق ولكن أردوغان تجاوز حسابات أجهزته وكسر حالة التردد بتشجيعه المعارضة على ما كانت مقدمة عليه، ووفر لها الحماية بالعمل الدبلوماسي في أستانا 2 بقطر، ثم كان فرار بشار الأسد بمثابة الإعلان الرسمي عن نهاية عهد حكمه وحكم عائلته.
إن ما أدى إلى سقوط نظام بشار الأسد هو الانهيار السريع لجيشه، وأسباب الانهيار منطقية مفهومة، فهو لم يصمد في بداية الثورة الشعبية السورية إلا بتدخل إيران وحزب الله في البداية، ولم يسمح هذا التدخل إلا بتوازن القوى ولم يحسم الأمر لصالح بشار إلا بتدخل الطيران الروسي، ولم تسع أو تسمح أي قوة إقليمية أو دولية آنذاك بأن تتسلح المعارضة السورية بالسلاح المضاد للطائرات كما كان الحال في زمن الحرب ضد الروس في أفغانستان. لقد كان التدخل الروسي حاسما في إضعاف المعارضة بل تحول الطيران الروسي والبراميل المتفجرة النظامية إلى أهوال مدمرة ضد المدنيين في الحواضن الاجتماعية التي اعُتقد أنها موالية للمعارضة.
أظهرت الأحداث أنه لا يمكن لنظام عائلة الأسد أن يثبت بغير الدعم الإيراني والروسي، فهو نظام طائفي يعتمد على الطائفة العلوية النصيرية التي لا تمثل سوى 10 إلى 15 % من سكان سوريا، ولم يعرف نعيم الحكم من الطائفة العلوية سوى النخب الحاكمة التي دفعت بباقي مكونات الطائفة إلى الفقر حتى لا يكون لهم من مجال للاسترزاق غير الجيش والأسلاك الأمنية فيبقوا أبديا في خدمة عائلة الأسد والمقربين منها. وحيث أن 80 % من السكان من السنة لا تصلح الخدمة العسكرية الإلزامية أن تكون سندا لنظام طائفي ذي أقلية. وإذا كان الهروب إلى لبنان ومختلف دول العالم بأعداد هائلة لدى المطلوبين للخدمة الإلزامية من الذين لا يقدرون على دفع بدل المال المنصوص عليه في القانون فكيف يُستغرب أن يكون الهروب جماعيا من قبل المجندين إلزاميا حين يشعرون بأن زمن الخلاص ممن يُكرههم على قتال أهلهم وفي مواجهات يُقتلون فيها لمقصد غير نبيل.
كثير من الكلام قيل عن لعبة أمريكية إسرائيلية تكون قد حيكت مع الأتراك والمعارضة للزحف على دمشق وإسقاط نظام بشار وضرب محور المقاومة وطوفان الأقصى. ثمة معطى واحد يكفي لإلغاء هذه التخّيلات، وهو هل أعطت الولايات الأمريكية المتحدة الأمر لروسيا لكي لا تتدخل من أجل إنقاذ بشار، أم أن دولة الكيان هي التي طلبت من إيران أن تتوقف عن نجدة الرئيس السوري الهارب وتسحب قواتها من الأراضي السورية. ثم ألم تكن تفاهمات أستانا بين تركيا وروسيا وإيران هي التي مهدّت لبقاء هيئة تحرير الشام في إدلب وإعداد العدة لمعركة رد العدوان ثم تحرير دمشق؟ أين أمريكا في كل هذا؟ ألم يعلم كثير من قادتهم والمحللين في مراكز الدراسات أن العمليات التي أدت إلى إسقاط الأسد كانت مفاجئة وسريعة وغير متوقعة؟
لو وقع هجوم المعارضة السورية على دمشق في وقت المواجهة بين حزب الله والكيان الإسرائيلي لقلنا بأنها طعنة في الظهر ، أما وقد كان ذلك بعد أن قرر حزب الله وقف القتال بإرادته دون اشتراط وقف العدوان الاسرائيلي على غزة فلا معنى في التشكيك في موقف فئة مظلومة لم تضع السلاح على كاهلها مدة 14 سنة، كانت هي الأخرى متهمة بالإرهاب مثلها مثل حزب الله وحركة حماس. ثم كيف يمكن للولايات الأمريكية المتحدة أن تقبل بصناعة وضع جديد يهدد حليفها الكردي المسيطر على أهم آبار النفط السورية، ويضع السجون الستة وعشرين التي يقبع فيها عشرات الآلاف من عناصر داعش خارج سيطرتها، علما بأن تلك السجون التي تسيرها قوى "قسد" تحت إشراف أمريكي هي بمثابة سلاح فتاك في يد من يسيطر عليها، وقد تتحول إلى سيل من البلاء الشديد على سكان المنطقة كلها، لو فتحت السجون بقدرة قادر على مصراعيها ليكون ضمن السجناء وحوشٌ صُنعوا من أجل خلق الفتنة وقلب الأمور على رأسها إن لم يمش الحكام الجدد لسوريا وفق ما يريده حكام أمريكا.
ولتقريب المعاني وتشكيل التصورات الأقرب إلى الحقيقة، نختم المقال بوضع قائمة عن الرابحين والخاسرين من الوضع الجديد في تركيا إذا استقرت الأوضاع للمعارضة المنتصرة التي صارت هي السلطة الحاكمة، وذلك على النحو التالي:
الرابحون الآن وفي المستقبل:
ـ الرابح الأساسي هو الشعب السوري، فلا رابح أكثر منه إذ انفتح الأفق أمامه فجأة بعد أن انقطعت أسباب الأمل عنده وهو مهجّرٌ بالملايين في أصقاع الأرض، قد أخرِج من دياره وأخِذت أملاكه، ما من أحد من أفراده إلا وعنده من أقربائه أو جيرانه من قد قتل بالإعدام في السجون وميدانيا أو تحت التعذيب، أو حرة، أما أو بنتا أو أختا أو زوجة، قد اغتصبت وولدت في سجنها أولاداً من زبانيتها الملاعين. ومهما كانت السيناريوهات المستقبلية فلن تكون عذابات الشعب السوري كالتي سلطها عليه النظام المجرم لآل الأسد التي بانت قصصها المرعبة بعد فتح السجون كما لم تر البشرية مثلها أبدا. وكل المؤشرات تدل بأن هذا الشعب المظلوم سيذوق طعم الحرية وينعم بالعيش المشترك في إطار القانون، وأن إبداعات رجل الشام ستبهر العالم في مجالات العلم والاقتصاد والتجارة.
ـ والرابح الثاني في الحاضر والمستقبل هي المعارضة السورية التي انتصرت على النظام السوري. وقد جمع الله لهذه المعارضة عدة أسباب يسرت لها سبل التمكين خلافا لتجارب الإسلاميين الآخرين بعد ثورات الربيع العربي ومنها:
ـ أن هذه المعارضة لم ينقطع أمرها بعد كسر زحفها من قبل الإيرانيين والروس وضمن أجواء الثورات المضادة، فقد بقيت تُراكم تجاربها العسكرية والمدنية في الأراضي التي تحت سلطتها حتى أقامت دولة صغيرة في إدلب تعداد سكانها قرابة أربعة ملايين ساكن، أكثر عددا من العديد من الدول المعترف بها في الأمم المتحدة، أقامت فيها كليات عسكرية وأمنية، وصناعة سلاح وتعليم، ومؤسسات خدمية رسمية، واقتصاد حقق نجاحات أفضل من اقتصاد النظام السوري آنذاك.
ـ أن هذه المعارضة بقيت مسلحة تحافظ على هدف تحرير كل سوريا من قبضة عائلة الأسد، تعد العدة دون توقف، وقد كانت المعارضة المسلحة في إدلب بقيادة هيئة تحرير الشام وزعامة أحمد الشرع أكثر جدية وفاعلية من غيرها، ومن إنجازاتها أنها استطاعت أن توحد العديد من الفصائل الأخرى تحت قيادتها.
الرابح الأساسي هو الشعب السوري، فلا رابح أكثر منه إذ انفتح الأفق أمامه فجأة بعد أن انقطعت أسباب الأمل عنده وهو مهجّرٌ بالملايين في أصقاع الأرض، قد أخرِج من دياره وأخِذت أملاكه، ما من أحد من أفراده إلا وعنده من أقربائه أو جيرانه من قد قتل بالإعدام في السجون وميدانيا أو تحت التعذيب، أو حرة، أما أو بنتا أو أختا أو زوجة، قد اغتصبت وولدت في سجنها أولاداً من زبانيتها الملاعين.ـ أن لها ظهيرا خارجيا قويا، تتشابك بينها وبينه المصالح، وهي الدولة التركية التي وجدت في هذه المعارضة القوة التي تنهي معها أزمة اللاجئيين السوريين في تركيا، وتتحالف معها لإنهاء الخطر الانفصالي الكردي على حدودها. وهي دولة تتعدد جوانب قوتها التي يمكن أن تسخرها لصالح حكام دمشق الجدد، ومنها القوة العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية والاقتصادية، علاوة على التقارب الثقافي الإسلامي.
ـ أن هذه المعارضة تحلّت بكثير من المرونة والحكمة وأقامت مراجعات عميقة في فكرها القديم، طبقت فحواها أثناء حكمها في إدلب، وتوسعت فيها بعد انتصارها على النظام السابق.
ـ أن الدول العربية وجدت نفسها مجبرة على التعامل معها خوفا من أن تستفرد بها تركيا، وأن تتحول سوريا كلها الى تهديد لها خصوصا الدول ذات الحدود المشتركة والقريبة.
ـ أن الانفلات العام، في حال فشل التحول السياسي، لن يكون لصالح أي دولة من دول المنطقة، بل لن يكون لصالح القوى الإقليمية والدولية المحيطة المحيطة بسوريا.
وكل هذه العناصر الإيجابية إن هي إلا توفيقات سننية ربانية سخرها الله لسوريا ولهذه القوى الإسلامية المنتصرة ضمن التحولات السننية الكبرى التي أجراها الله بطوفان الأقصى. إن كل الذي قام به أولئك السوريون المظفّرون أنهم أعدوا العدة بالقدر الذي يستطيعون كما أمرهم الله، فسخر لهم ظروفا أخرى أكثر بكثير من قدراتهم، فهم يمثلون حقا "نظرية المكان المناسب" حيث وضعوا أنفسهم في المكان الذي وجدتهم فيه التحولات السننية في طريقها فحملتهم.
ـ أما الرابح الثالث اليوم وغدا: فهي تركيا حيث أنها وجدت الطريقة التي حلت بها مشكل اللاجئين السوريين على أرضها إذ سيعودون إلى أرضهم آمنين معززين مكرمين، وستحل مشكل القوى الكردية الموالية للأمريكان في إطار الشرعية بالتعاون مع الحكومة السورية. وسيكون لها الحظ الأوفر في الشراكة الاقتصادية، في إعادة الإعمار والاستثمار والأسواق والموارد، وستحظى بميزات كبيرة في الجوانب الجيوستراتيجية والدبلوماسية فلن ينسى الشعب السوري ما قدمته لهم تركيا أردوغان سواء كلاجئين بالملايين أو كدعمٍ بأشكال عدة لثورتهم الموفّقة.
ـ وستكون قطر من الرابحين الحاليين وفي المستقبل إذ بقيت في الجامعة العربية ثابتة في إدانة النظام السوري المنهار والتحفظ على عودته للمنتظم العربي رغم عدم عرقلتها الإجماع العربي بهذا الخصوص، وسارعت منذ اللحظة الأولى للاعتراف بالمسؤولين الجدد، وكانت أول طائرة حطت بمطار دمشق طائرة قطرية، وباكورة الوعود بالدعم الإنساني والاقتصادي قطرية، ولا يخفي المسؤولون السوريون الجدد امتنانهم وشكرهم لقطر، ولذلك قد يكون لهذا البلد حظوة كبيرة تجاه الفرص الاقتصادية والسياسية ومجالات أخرى.
ـ الأمة العربية والإسلامية وذلك من عدة زوايا، ومنه أن نجاح الثورة السورية يعطي دفعة أمل في التغيير والتخلص من الاستبداد. وبما أن الاستبداد هو السبب الرئيسي في التخلف الذي تعيشه الأمة، وهو الباعث للهوان وضياع السيادة والتبعية للقوى الاستعمارية، وهو الخلفية الجوهرية للفساد وضياع فرص التنمية وتعطيل الفاعلية والإبداع والتنافس على النجاح والتميز الفردي والجماعي، فإن أي حدث يعيد الأمل في التغيير يكون لصالح العرب والمسلمين، لا سيما في ظل انغلاق الأفق الذي يعرفه العالم العربي وتحكم الأنظمة التسلطية كما لم يحدث من قبل، وانهيار قوى المقاومة السياسية والمجتمعية والاستسلام للأمر الواقع، وقد بيّن الخذلان العام الذي أحاط بطوفان الأقصى خطورة الاستبداد ودوره في التفريط في فلسطين.
ومن جهة أخرى ستكون الأمة الإسلامية مستفيدة في الحين وفي المستقبل من نجاح الثورة السورية، لأن بلاد الشام أرض مباركة، باركها المصطفى عليه الصلاة والسلام في أحاديث عديدة منها قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة"، وعليه حين يتقهقر الفاسدون والظالمون في بلاد الشام، التي منها سوريا وفلسطين، وتكون الصدارة والقيادة والنصر للصالحين تكون الأمة كلها في أمان. وكذلك ما ورد في الحديث الصحيح: "عليك بالشام فإنها خيرة الله في أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده"، فإذا أمنت الشام وتوجه إليها خيرته سبحانه لإقامة أمر الله وصناعة الخير ودعم نهضة الأمة وسؤددها معنى ذلك أننا نعيش تحقق نبوة الحبيب الأكرم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وقد علّمنا التاريخ أن مسار بناء مجد الأمة يمر بالشام، فرسول الله صلى الله عليه لم يرسل من جيوشٍ في حياته خارج جزيرة العرب سوى لبلاد الشام، عبر غزوة مؤتة، وتبوك وبعث أسامة، وأول الجيوش التي تحركت بعد وفاته ونهاية حروب الردة هي الجيوش الأربعة التي أرسلها أبو بكر الصديق رضي الله عنه الى بلاد الشام، ولم يتحرك خليفة المسلمين عمر بن الخطاب لاستلام مفاتيح بلدة فتحت سوى فلسطين أرض الإسراء في بلاد الشام. وعليه حينما تتحرك الملاحم السننية لصالح الفكرة الإسلامية في بلاد الشام معنى ذلك أن الأمة تسير نحو الخير بإذن الله تعالى. ذلك الذي بينته استراتيجية نور الدين زنكي باتجاهه إلى الشام في طريقه لتحرير القدس، ولم يحقق صلاح الدين الحلم إلا بعد توحيد مصر والشام. كما أن تاريخ غير المسلمين بيّن أن من حطّ رحاله في الشام، من قادة الإمبراطوريات الكبرى، فُتحت له الدنيا كلها.
المستفيدون حاليا الخاسرون غدا
تنطبق هذه الحالة بالذات على الكيان الصهيوني، ذلك أن ضعف الدولة السورية على حدود فلسطين المحتلة وفقدان إيران وحزب الله نفوذهما في سوريا هو لا شك في صالح دولة الكيان، ولكن المستقبل مرعب حسب ما الاستراتيجيون الإسرائيليون أنفسهم، وعبّر عنه بعض هؤلاء بوضوح في وسائل الإعلام، وكذلك هذا الذي يدل عليه مسارعة جيش الاحتلال لتوسيع احتلاله للجولان والتقدم في الأراضي السورية. إن المستقبل قاتم في سوريا بالنسبة للإسرائليين في كل الأحوال، لو فشل التحول السياسي واتجهت سوريا نحو الفوضى والاحتراب على نحو ما وقع في اليمن وليبيا مثلا، سيمثل ذلك خطرا على الكيان إذ ستتحول الأرض السورية الى موقع انطلاق حر للمقاومة ضد الاحتلال وسيمكن لأي قوة معادية للكيان أو توجه له ضربات صاروخية وتتوجه نحوه عمليات دون ضابط ولا رقيب.
ستكون قطر من الرابحين الحاليين وفي المستقبل إذ بقيت في الجامعة العربية ثابتة في إدانة النظام السوري المنهار والتحفظ على عودته للمنتظم العربي رغم عدم عرقلتها الإجماع العربي بهذا الخصوص، وسارعت منذ اللحظة الأولى للاعتراف بالمسؤولين الجدد، وكانت أول طائرة حطت بمطار دمشق طائرة قطرية، وباكورة الوعود بالدعم الإنساني والاقتصادي قطريةوإذا نجح التحول السياسي وبُنيت دولة سورية قوية يقودها ساسة ذوو خلفية إسلامية فإن الكيان لن يأمن على نفسه أبدا. كما أن الإسرائيليين يرون أن استبدال النفوذ الإيراني في سوريا بالنفوذ التركي خطر استراتيجي كبير على المدى البعيد، بل دعا بعض قادة الاحتلال ومفكروه الى الاستعداد لحرب مقبلة مع تركيا. علاوة على أن المكسب الكبير الذي سيُجمع السوريون عليه بعد إزاحة النظام القمعي الاستبداديّ هو الحرية، وأي مجتمع مسلم حر لن يكون لصالح الاسرائيليين.
إنه لا أحد يطلب من القيادة السورية الجديدة أن تدخل في مواجهة مع الكيان الصهيونى في هذه المرحلة، وذلك أمر بديهي، وواجبها الأساسي اليوم هو بناء سوريا القوية لصالح السوريين وضمن رؤية مستقبلية لتحرير الأراضي المحتلة وتحرير فلسطين، ومهما كانت الضغوطات التي ستمارس عليها فلن تتورط في السياسات التطبيعية، وذلك بسبب خلفيتها الإسلامية الجهادية وبسبب أن المقاومة المجتمعية ستكون عظيمة ضد التطبيع، وأن خطوة آثمة مثل هذه ستعطي لفلول النظام مبررات أخلاقية للمقاومة ومحاولة الرجوع، كما ستواجه هذه المحاولة بصد كبير من الفلسطينيين ذوي الأعداد الهائلة في سوريا، خصوصا أولئك الذين قاتلوا مع المعارضة وحُشدوا في السجون وتعرضوا للتعذيب الشديد ولم يرجع لهم أمل الحياة إلا بانهيار النظام وفتح السجون عليهم. وفي كل الأحوال هذا الاحتمال مستبعد ولا يتصور.
ـ الغرب والولايات الأمريكية المتحدة: تمثل سوريا بالنسبة لكل القوى الإقليمية والدولية أهمية استراتيجية كبيرة بسبب موقعها الجغرافي المنبسط المؤدي إلى كل القارات والدول المهمة في المنطقة، وكممر حيوي للطاقة والمسالك البرية والبحرية التجارية. ولا شك أن امتداد النفوذ التركي إلى سوريا وقلب العالم العربي ليس في صالح الولايات الأمريكية المتحدة، كما أن تهديد تحالفها مع منظمة ( قسد) الكردية يقلقها، ووضع يد النظام السوري الجديد بدعم تركي على السجون التي يقبع فيها عناصر منظمة داعش يفوت عليها فرص المناورة والابتزاز باسم الإرهاب، خصوصا أن استعمال المعالجة الفكرية باسم الإسلام التي يقدر عليها الحكام الجدد قد تحول أعدادا كبيرة من مسجوني داعش لصالح الوضع الإسلامي الجديد.
ويضاف إلى ذلك أن التفاهمات التركية السورية الروسية بخصوص إمكانية بقاء قاعدة طرطوس وإعادة بناء علاقة سوريا بروسيا بما يلغي التبعية ولكن يحافظ على المصالح الروسية وبما يحقق التوازن مع الولايات الأمريكية وأوربا لن يرضى عنه هؤلاء ولكن لن يستطيعوا معارضته من حيث أنه مسألة سيادية، ولن يتجه الغرب إلى خسارة كل شيء في سوريا أبدا وإنما سيضغطون بالقدر الذي يوصل إلى التوازن وليس السيطرة.
علاوة على أن وجود نظام سياسي بخلفية إسلامية على حدود الدول العربية الموالية للأمريكان موجع كثيرا للسياسات الأمريكية. وسقوط ورقة التحشيد الطائفي في سوريا ليس لصالح استراتيجيات صناعة الأزمات والتفريق بين المسلمين التي يحسن لعبها الأمريكان والدول الأوروبية.
وما يقال عن الولايات الأمريكية المتحدة يقال عن الدول الأوروبية، ويضاف إليها خطورة الجوار الجغرافي، والحساسية الثقافية والسياسية المفرطة في أوروبا اللائكية من الوجود السياسي الإسلامي على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، ومسألة اللاجئين السوريين في أوربا كيف يكون مصيرهم، وما طبيعة العلاقة التي ستربطهم ببلدهم المتجه إسلاميا، من بقي منهم في أوربا، خصوصا الأجيال القادمة.
المتضررون اليوم الرابحون غدا
محور المقاومة: لا شك أن محور المقاومة قد تضرر في الفترة الراهنة، في فلسطين أولا، حيث أن إيران وحلفاءها، خصوصا حزب الله، كانوا يمثلون دعما استراتيجيا متصلا من حيث المد بالمال والسلاح، وتوحيد ساحات المواجهة مع الكيان الصهيوني، وسيكون تقليص هوامش المناورة لديهم بسبب خروجهم من سوريا، مؤثرا على إعادة البناء الفوري لما ضاع من المقدرات العسكرية والقيادية في غزة، وقد تتجه المقاومة في غزة إلى فقدان الظهير الخارجي المتمثل في إيران وحزب الله، بسبب ما أصابهما من ضرر في المواجهة وبسبب التحولات الداخلية في إيران نحو سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، التي عمقها الخروج من سوريا، والتوجه نحو تحالفات دولية مع روسيا وربما الصين بعيدا عن القضية الفلسطينية، والتحولات السياسية في لبنان بانتخاب رئيس يريد أن يجعل السلاح محتكرا لدى الجيش. غير أن ما خسرته المقاومة الفلسطينية سيخسر مثله الكيان الصهيونى في سوريا على نحو ما ذكرناه أعلاه، علاوة أن المتوقع أن هامش العمل والإعداد في سوريا الجديدة قد يكون أفضل لصالح فلسطين، على الأقل على المستوى الشعبي في مختلف القضايا المدنية. والمدد مستقبلا - على الحدود المباشرة مع فلسطين المحتلة - لن يكون من إيران فقط بل من العالم الإسلامي كله.
أما المقاومة في لبنان فقد خسرت كثيرا حقا، فعلاوة على اغتيال رمزها الأهم حسن نصر الله، وطبقة قيادية عريضة في كتيبة الرضوان والمجلس العسكري، والأضرار الكبيرة في حاضنته الاجتماعية، وفي التحولات في الموازين السياسية في لبنان لغير صالحه، فإن تغيّر الأوضاع في سوريا سيحرمه من سرعة ترميم خسائره، غير أن مساهمته في المعركة ستبقى تشّرفه عبر الأجيال.
وباعتبار أنه أعجز الجيش الإسرائيلي من أن يدخل لبنان وينهي وجوده المسلح ويدمر بنيته فإنه في المحصلة منتصر وسيبقى رقما صعبا في لبنان، وسيجعله ابتعاده عن التغييرات السياسية الجارية متخففا من تبعات الشأن الحكومي وفي أي انتخابات مقبلة سيكرر فوزه من خلال استمرار احتضان طائفته له وما يمكن أن يأخذه من دعم من القوى الانتخابية المؤمنة بالمقاومة، وإذا ما أصلح صورته عند عموم أهل السنة وعالج ذكريات السوريين عن تورطه في ما صُب عليهم من بلاء، وصار انتماؤه للمقاومة ضمن رؤية عامة للأمة فإنه لن يُحرم من الإيجابيات التي ستستفيد منها المقاومة الفلسطينية، وسيكون طوفان الأقصى هو بداية مشروع عام لتحرير فلسطين تشارك فيه كل الطوائف والأعراق في العالم الإسلامي بإذن الله تعالى.
الخاسرون حاليا والخاسرون غدا
ـ إيران وحلفاؤها: لا أستطيع أن أقول أن إيران ومشروعها وحلفاءها قد خسروا اليوم كلية، فقد نالوا شرف دعم المقاومة كما لم يفعله غيرهم، ولا يصح أن نقيّم ذلك على أساس مقاصدهم، فمرحبا في منطق الصراع والحروب بكل داعم ومناصر لقضية ولو كان في ذلك مصلحته، هذه هي الحياة وهذا هو تاريخ البشر. ولكن من الناحية الجيوستراتيجية خسرت إيران مكانتها ونفوذها في سوريا ولن تسترجعه في مستقبل الأيام. وكم من مرة قلت لبعض الإخوة السوريين حين كنا نحاول ثنيهم عن التشكيك في نوايا إيران وحزب الله بشأن دخولهم معركة طوفان الأقصى، بأن مشاركة إخواننا الشيعة في الملحمة التاريخية شرف كبير لهم، وهي مشاركة تمثل قمة مراحل مشروعهم في المنطقة، ولكن المشروع سيخرج بعد المعركة ضعيفا قد ضيع قيادة محور المقاومة لصالح المقاومة الفلسطينية، من حيث أن حركة حماس لم تستشر أحدا في انطلاق طوفان الأقصى فوضعت قادة المشروع الشيعي في خيارين كلاهما صعب، إن لم يشاركوا في طوفان الأقصى يخسرون القيمة الأخلاقية التي ربطوا بها مشروعهم المقاوم، وإن شاركوا سيكون الثمن باهضا في زمن تخلى فيه خصومهم في المنطقة عن دعم المقاومة وأهل غزة وتركوهم وحدهم في مواجهة التحالف الصهيوني الغربي دون أمل في أن تتدخل الصين أو روسيا لصالحهم في معركة ليست من أولوياتهما وتُناقض توجهاتهما الحضارية وتصادم علاقتهما مع اللوبيات الصهيونية. وعلاوة على ذلك ساهمت الخسائر التي تكبدتها إيران في لبنان وعلى أرضها في دعم التيار السياسي والمالي في الداخل الإيراني الذي يريد الانكفاء على الذات وفق ما شرحناه سابقا، وقد يكون في ذلك فرصة لبناء دولة قوية لصالح الإيرانيين وتكون جزء مهما في الأمة.
لا أستطيع أن أقول أن إيران ومشروعها وحلفاءها قد خسروا اليوم كلية، فقد نالوا شرف دعم المقاومة كما لم يفعله غيرهم، ولا يصح أن نقيّم ذلك على أساس مقاصدهم، فمرحبا في منطق الصراع والحروب بكل داعم ومناصر لقضية ولو كان في ذلك مصلحته، هذه هي الحياة وهذا هو تاريخ البشر. ولكن من الناحية الجيوستراتيجية خسرت إيران مكانتها ونفوذها في سوريا ولن تسترجعه في مستقبل الأيام.ـ الأنظمة العربية: قبل قرابة سنة ونصف اتفق العرب على إعادة الاعتبار للنظام السوري، وأعادوا له العضوية في اجتماع الجامعة العربية في مايو 2023، ظنا منهم بأن المسألة حسمت نهائيا لصالحه ولا داعي للنظر في الجرائم العظيمة التي اقترفها، من تهجير لنصف الشعب السوري وقتل وسجن وتعذيب مئات الآلاف منه، ولم يستشرف أحد من حكام العرب أن نهاية النظام النظام السوري كانت قريبة، وأن بشار الأسد قد خسر حين ساندوه وأنه سيفر بجلده إلى روسيا بعيدا عنهم . لقد خسروا بذلك اللحظة الراهنة، ورغم التحول السريع في الموقف واتفاق أغلبهم على الاعتراف بالسلطة الجديدة وإحضار وزير الخارجية الجديد في لقاء وزراء الخارجية يوم 12 يناير الحالي بالمملكة العربية السعودية فإن الحكام العرب خسروا الرهان، وأثبتت الأيام أن إرادة الشعوب التي حاربوها من خلال ثورتهم المضادة قادرة على التجلي من جديد وأن نجاح الثورة السورية سيكون ملهما في مختلف الدول العربية.
إن سبب مسارعة الدول العربية للاعتراف بالسلطة الجديدة له عدة أسباب منها منافسة تركيا في النفوذ في سوريا، وملأ الفراغ الذي تركته إيران بنفسها، ولتحقيق بعض المكاسب الاقتصادية، ولتأمين حدودها، ومحاولة خدمة المصالح الأمريكية والصهيونية بالنسبة لبعضها بالمناولة. وثمة سبب آخر مهم وهو أن المشروع الإسلامي المنتصر في سوريا لا ينتمي لتيار الإخوان المسلمين، يمكن اختراقه وتحويله، حسب ظنهم، خلافا للعدو الإخواني اللدود للنظام السياسي العربي، الذي يعرض نفسه البديل الحضاري الشامل والجاهز العابر للدول، والذي رغم انكساره وقبول أغلب تنظيماته السياسية العيش تحت سقوف الأنظمة لا يزال يمثل البعبع المخيف القادر على استغلال أي تحول مستقبل في البلاد العربية، كما فعل مع الربيع العربي الذي لم يكن المبادر لإطلاقه.
غير أن التكيف السريع للأنظمة العربية مع الوضع السوري لن يجعلها تتحكم في الأمر بخلفية السيطرة ومنع نقل التجربة ومنافسة تركيا. تركيا لن تترك سوريا تفلت من حساباتها وسياساتها، لأسباب موضوعية ذكرناها ومنها مشكلة الهجرة والمشكل الكردي، علاوة على المصالح الاقتصادية والجيوستراتيجية الجديدة، ومكانتها في سوريا غير قابلة للمنافسة لأسباب تتعلق بالسبق، وبالعلاقات المتينة مع النظام الجديد، وبالجغرافيا وبالمقدرات الاقتصادية والعسكرية الكبيرة، وبالحليف والرافد المالي والإعلامي القطري. كما أن منع نقل التجربة، كفكرة وليس بالضرورة من الناحية الكيفية، أمر غير متاح. فالله تعالى غني عن أن يربط التمكين للدين بالإخوان المسلمين، وحتى بمنهجهم، وهم قد أكرمهم الله طيلة تضحيات قرن كامل من الزمن ببعث صحوة إسلامية في العالم الإسلامي وكل أنحاء الدنيا، وما يأتي بعده ثمرة منه، وهذا حسبهم، ولئن لم يكتب الله تمكين فكرتهم في الدوائر الرسمية فليس شأنهم ولكن شأن الله تعالى القادر الوهاب الرزاق، الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، كما أن الأفق أمامهم ليس مغلقا إن جددوا أنفسهم، أو بعض منهم، بما يتناسب مع التحولات السننية القادمة، التي منها طوفان الأقصى الذي خرج من رحالهم.
ومع كل الذي قلناه، فإن الفرصة متاحة للأنظمة العربية لتراجع نفسها حتى تكون جزء من نهضة الشام، الذي منه تحرير فلسطين، إن أرادت ذلك ووفقها الله إليه. وفي هذا المضمار ثمة ثلاثة أنظمة العربية يصعب عليها التكيف لأسباب مختلفة، أولها النظام الإماراتي الذي تزعّم الثورات المضادة وأنفق فيها أموالا طائلة واقترف فيها الموبقات فلا يتصور تراجعه، وكل ما سيظهره من تأقلم هو نفاق من أجل الإفساد. والنظام المصري الذي يحمل عقدة الانقلاب العسكري ولا يزال في سجونه عشرات الآلاف من المظلومين والمقهورين، ولكن قد يحدث تحول من داخل النظام نفسه بسبب عمق الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإقليمية، بما يجعل المصريين يفهمون أهمية المحور المصري السوري الذي كان له دور عظيم في التحولات التاريخية الكبرى لصالح الإسلام والمسلمين ومن ذلك القضية الفلسطينية. والنظام العربي الثالث الذي تعامل بالرفض مع التحولات في سوريا هو النظام الجزائري، والذي دفعه لذلك هو العلاقة التقليدية بين الجزائر وسوريا في محور الممانعة والاعتقاد الراسخ عند كثير من أصحاب القرار في الجزائر بأنها لعبة أمريكية تركية صهيونية، دون الاستعداد للتعمق في دراسة الأوضاع. علاوة على الحضور المرضي في العقل الرسمي لأزمة التسعينيات، وتشبيه هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع بالجبهة الإسلامية للإنقاذ وللجماعات الإسلامية المسلحة، خصوصا وأن حكومة إدلب كانت تسمى حكومة الإنقاذ، وأن أحمد الشرع نفسه كان عضوا في جماعات موصوفة بالإرهاب، دون أي استعداد لملاحظة خصوصيات التجربة السورية وقادتها، وخصوصيات الأوضاع الإقليمية والدولية المحيطة.
ولكن لن تجد قد تتجاوز الجزائر صعوبة التكيف بسبب البعد الجغرافي للخطر "المتوقع"، وبسبب أهمية المعطى السكاني من حيث العدد الكبير للسوريين من أصل جزائري الذين سكنوا سوريا عبر هجرات كثيرة منذ بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر في سنوات 1837، 1849, 1854, 1861, 1864, 187, 1871, 1874, 1911 عقب المقاومات الشعبية وما أعقبها من قمع وتهجير من قبل القوى الاستعمارية، وقد وصل عددهم في الخمسينات الى مليون ونصف وكان منهم رئيسا للجمهورية والعديد من المسؤولين والكتاب والفنانين وبإمكان هذا المعطى السكاني أن يكون همزة وصل لمصلحة البلدين لو أتعبت سياسة حكيمة في الموضوع من قبل النظام الجزائري.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير التحولات سوريا السياسة الثورة سوريا ثورة سياسة رأي تحولات أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الحادية عشرة التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة لمساعدة الشعب السوري
المناطق_واس
غادرت مطار الملك خالد الدولي بالرياض، اليوم، الطائرة الإغاثية السعودية الحادية عشرة التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية تحمل على متنها مساعدات غذائية وطبية وإيوائية متجهة إلى مطار دمشق الدولي؛ للإسهام في تخفيف آثار الأوضاع الصعبة التي يمر بها الشعب السوري حاليًا.
أخبار قد تهمك “الإحصاء”: التضخم في المملكة بلغ 1.9 % خلال شهر ديسمبر 2024 15 يناير 2025 - 9:48 صباحًا تراجع أسعار الذهب 15 يناير 2025 - 9:06 صباحًا
يأتي ذلك امتدادًا لدعم المملكة المتواصل للدول الشقيقة والصديقة خلال مختلف الأزمات والمحن التي تمر بها.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط 15 يناير 2025 - 9:50 صباحًا شاركها فيسبوك X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد15 يناير 2025 - 9:04 صباحًا23 ألف زائر لـ”شتاء الباحة” خلال إجازة منتصف العام الدراسي أبرز المواد15 يناير 2025 - 7:54 صباحًااستشهاد خمسة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بمدينة غزة أبرز المواد15 يناير 2025 - 7:49 صباحًازلزال بقوة 3ر4 درجات يضرب إثيوبيا أبرز المواد15 يناير 2025 - 7:47 صباحًاغرفة المدينة تشارك في مؤتمر الحج 2025 “الطريق إلى النسك” أبرز المواد15 يناير 2025 - 7:43 صباحًاحالة الطقس المتوقعة اليوم15 يناير 2025 - 9:04 صباحًا23 ألف زائر لـ”شتاء الباحة” خلال إجازة منتصف العام الدراسي15 يناير 2025 - 7:54 صباحًااستشهاد خمسة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بمدينة غزة15 يناير 2025 - 7:49 صباحًازلزال بقوة 3ر4 درجات يضرب إثيوبيا15 يناير 2025 - 7:47 صباحًاغرفة المدينة تشارك في مؤتمر الحج 2025 “الطريق إلى النسك”15 يناير 2025 - 7:43 صباحًاحالة الطقس المتوقعة اليوم "الإحصاء": التضخم في المملكة بلغ 1.9 % خلال شهر ديسمبر 2024 "الإحصاء": التضخم في المملكة بلغ 1.9 % خلال شهر ديسمبر 2024 تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً اليوم.. “حساب المواطن” يبدأ في صرف مستحقات المستفيدين من الدعم لدفعة يناير الجاري 10 يناير 2023 - 8:12 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2025 | تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق البحث عن: فيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عن