سودانايل:
2025-03-26@07:17:31 GMT

ادوارد سعيد في بيت الخليفة

تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT

عبد الله علي إبراهيم

رحل عنا فبل ايام البروفسير ادوارد سعيد (1935)، الأمريكي الفلسطيني واستاذ اللغة الانجليزية بجامعة كولمبيا بنيويورك. وسعيد شيخ مدرسة أكاديمية اشتهرت باسم "دراسات ما بعد الاستعمار". وهي مدرسة لا تصوب نقدها لتركة ومغزى الاستعمار فحسب، بل هي خصم ألد لصفوة الوطنيين التي أخرجت المستعمرين أيضاً.

والقارئ المتأمل لعبدالله الطيب في (من حقيبة الذكريات) سيجد أنه قريب جداً من هذه المدرسة على طريقته الخاصة بالطبع. فقد قال إننا قاومنا المستعمر، ولكننا تعادينا منه. فنحن هو الخالق الناطق. أخرجناه هتافاً غير أنه سكن الطبقة التي تحت الهتاف وكمن. فمن رأي سعيد أننا لم نقف بعد على جلية الاستعمار على طول ابتلائنا به و"تحررنا" منه. وتريد مدرسة سعيد أن تفهم الاستعمار كثقافة تنسرب إلى الوجدان وتبقي. وكان جيل الوطنيين قد فهمه كحكومة أجنبية متى رحلت إلى بلدها لملمت عددها وساقت معاها ولدها (اغنية للفنان العطبراوي). وقال أحدهم إن الاستعمار هو ثقافة في نهاية التحليل. وهي ثقافة مسنودة بالشوكة وانبنت على مفاهيم للعرق والتقدم والحداثة والمرأة والإسلام وغيره.
خصص سعيد كتابه "الثقافة والإمبريالية" (1993) ليتلافى نقصاً معيباً في معرفتنا بالاستعمار. فهو يري أن ضوضاء الجيل الوطني لم تنفذ لمعرفة كيف تقتحم الامبريالية ثقافة الذين تستعمرهم، وكيف تطبعهم بقيمها في حين يظنون أنهم قد صرعوا الاستعمار ونجوا من شره. فقد نقرأ رواية "مانسفيلد بارك" للكاتبة الانجليزية جين اوستن كواحدة من عيون الأدب العالمي الذي لا شاغل له بالسياسة. ومن رأي سعيد أن هذه غفلة. وكشف بصفاء كيف أن الثقافة والسياسية تناصرتا في المشروع الاستعماري. فلم يقتصر المشروع على السيطرة عن طريق العسكر والسلاح، بل عن طريق "استعمار" خيالنا والقبض على زمام الصور والأشكال في حياتنا. وبفضل هذه القبضة المزدوجة خلص المستعمرون لا إلى حقهم في استعمارنا وترقيتنا فحسب، بل إلى أن ذلك واجبهم وقدرهم أيضاً.
لم يكن مثل هذا النقد غائباً في بواكير نشأة الحركة اليسارية في بلدنا. وهي الحركة التي زاحمت جيل الوطنيين إلى عقل وخيال المواطنين. ولتوضيح فكرة سعيد اضرب مثلاً من أدب اليسار الباكر في نقد الاستعمار كنظام ثقافي. وأردنا بضرب هذا المثل التقريب لا المماثلة. فقد زار أحمد علي بقادي متحف بيت الخليفة وكتب عنه في جريدة الميدان (3 يونيو 1957). وقال إنه انقبض لأن المتحف هو رواية الانجليز لفتحهم للسودان. فالصور كلها عن هجوم كتشنر واندحار الخليفة. وتتحدث البطاقات عن "فلول الدراويش" و"هجوم فرقة الكامرون هايلاندرز في موقعة عطبرة". أما القطع الأثرية فهي غنائم أخذها جيش كتشنر من الدراويش. وقصاصات الصور المعلقة تنقل أيضاً خبر نصر الانجليز على الخليفة أو الاستعدادات التي جرت لاستقبال كتشنر فاتح الخرطوم. وانتهي بقادي إلى القول أن "هذا المتحف مكانه لندن. هذا متحف لهزائمنا".
لا اعرف إن كان ما يزال هذا التلقين الاستعماري قائماً في بيت "التبشيع" بالخليفة. ولكنه معرض انطبع به ناشئة السودان طويلاً على هوان شأنهم. وقد أطلعني أحدهم على مشروع فني يسترد بالكومبيتر وجه الخليفة قائماً من رقدته العسيرة المفروضة المشهورة. كما قرأت لأحدهم رسالة قديمة انتقد فيها اللوحات التي "خلد" بها المستعمرون مواجهاتهم مع المهدية مثل صورة طعنة غردون وهو يحتل أعلى الصورة ويبدو الأنصار في السفح كقطيع من الجرذان الدموية.
لقد جعل سعيد من هذه الخاطرات الباسلة علماً رصيناً يسترد به المستضعفون كبرياءهم وخيالهم المستباح.

ibrahima@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

ضمن خطة «عودة الحياة».. افتتاح مدرسة جديدة في«تاغمة»

ضمن خطة “عودة الحياة” لتطوير التعليم، تم تسليم مدرسة جديدة في “تاغمة-يفرن” بسعة 480 طالبا.

وتضم المدرسة “10 فصول دراسية، ومعامل علوم وحاسوب، ومسرح، ومكتبة، ومصلى، ومرافق خدمية، وذلك بحضور مسؤولي البلدية وأهالي المنطقة”.

مقالات مشابهة

  • الاستعمار الجديد.. الحكاية العجيبة للفرنك الأفريقي
  • سعود بن صقر يعزي في وفاة محمد سعيد المالكي
  • بالمنطق..صلاح الدين عووضه.. نعي سعيد !!
  • ضمن خطة «عودة الحياة».. افتتاح مدرسة جديدة في«تاغمة»
  • وصية الفقيه خميس بن سعيد الشقصي الرستاقي
  • فهد الروقي: عبدالرحمن بن سعيد هو المؤسس الحقيقي للهلال
  • بنك يعرض فيلا سعيد النصري للبيع في المزاد
  • والد كييزا: نجلي سعيد جدا في ليفربول
  • الخارجية الفلسطينية ترفض إنشاء إدارة عسكرية إسرائيلية لتسهيل التهجير من غزة
  • أحمد بن سعيد: التزام دبي الراسخ بالاستدامة يدفع عجلة الكفاءة والابتكار