مجزرة الكامب الخامس – الوجه الحقيقي للحرب
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
لقد كشف انسحاب قوات الدعم السريع من ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، الوجه الحقيقي للحرب الذي ظل الطرف المعتدى عليه يصرف النظر عنه، طمعاً في تماسك اللحمة الاجتماعية، وذلك بارتكاب مليشيات الاخوان المسلمين المختبئين خلف راية الجيش، لأبشع المجازر البشرية في تاريخ السودان الحديث والقديم، بذبح المواطنين ونحرهم نحر البعير في الكامب الخامس، واطلاق النار على المدنيين العزل ورميهم في النهر، في إعادة للسيناريو الأكثر قسوة لجريمة فض الاعتصام، بربط أقدام المعتصمين بالطوب البلوك واسقاطهم في مياه النيل الأزرق، فالقوم هم القوم لم يتبدلوا ولم يخرجوا من نفق الإرهاب والقتل خارج نطاق القانون، وهذا المسلك المتجاوز لأبسط قواعد الاشتباك في الحروب قد لفت انتباه الكثيرين ممن غيب وعيهم الإعلام المضلل لفلول النظام البائد، لخطورة التماهي مع من نصبوا أنفسهم حماة للوطن في حربهم المنزوعة الكرامة، ومن أهم ردود الأفعال الغاضبة التي سوف تقلب الطاولة على وجه حراس النظام القديم، فقدان المختطفين لسيادة الدولة للسند السياسي والأخلاقي، للمضي قدماً في الادعاءات والمزاعم التي خدعوا بها البسطاء من الناس، فجرائم الحرب المرتكبة من قبل المليشيات التابعة لهم بود مدني، سحبت البساط من تحت أقدامهم وعرّت مشروعهم الجهوي المستهدف لقطاعات اجتماعية عزيزة، من المواطنين السودانيين الذين فرض عليهم الظرف الاقتصادي الاستقرار في أواسط البلاد، من أجل العمل وكسب العيش، ومن ارهاصات هذا الاستهداف الجهوي أنه لا أحد يمكنه أن يضمن سلامة المقيمين في الجغرافيا التي قدم منها سكان الكامب الخامس بالجزيرة، فالنظام القديم السارق لجهاز الدولة قد دشن حملات الكراهية منذ اندلاع الحرب، وختمها بالمذابح العرقية قصداً منه مع سبق الإصرار والترصد جر الناس للصراع العرقي والجهوي الصارخ.
مجزرة الكامب الخامس أرسلت رسالة واضحة المعالم للحركات المسلحة الخارجة عن الحياد، والمقاتلة جنباً إلى جنب مع كتائب الاخوان المسلمين المختطفين لقرار الحكم، وأحرجتهم مع مناصريهم ومستنيريهم الذين ينتمي جلهم لحركات البان أفريكانزم والآفريكان سنترزم، وما يثير قلقهم المشروع الاستئصالي الصريح الذي يسوقه فلول النظام البائد، وهو التطهير العرقي للمجموعات الزنجفونية القاطنة لمراكز المشاريع الزراعية بوسط البلاد – الجزيرة، وهذا المشروع بالضرورة يصب في المشروع الأمني والاستراتيجي الكبير لمصر داعمة فلول النظام البائد في حربهم ضد السودان، فإنّ الكيانات الاجتماعية المتمسكة بإرثها الإفريقي، غير الخاضعة للتعريب والاستلاب، تمثل أكبر عائق يقف أمام أطماع الجارة الشمالية في حصة السودان من مياه النيل، وخططها المستقبلية لتكريس بقاء البلاد كمزرعة خلفية (جبراكة)، ومن الرسائل الأكثر بلاغة من جريمة التطهير العرقي لسكان الكامب الواردة في بريد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، انقشاع السحابة الرومانسية التي كانت تظلل هذا التحالف المدني، وتساقط زخات مطر الفرز العرقي الذي يباركه بعض ممن طرحوا أنفسهم أيقونات لتحقيق هدف دولة المواطنة، فانسحاب قوات الدعم السريع من مركز الجزيرة نقل الحرب لمربعها الأخير، والآن أمسى الحياد عار وخطيئة لكل فاعل سياسي، فالطرق جميعها التقت عند طريقين لا ثالث لهما، الأول طريق التحرير والاستقلال، والثاني الركون وإعادة انتاج الدولة الثيوقراطية الراديكالية الداعشية القديمة، لو تخاذل أنصار الطريق الأول، فظهور كتائب الإرهاب وهي تحمل رايات الوعيد والانتقام السوداء، أنهى جدوى الأحزاب والتنظيمات القديمة الساكتة عن الحق.
كرنفالات الفرح الأسطوري التي عمت قرى وحضر وشتات الذين (كانوا) يتمتعون بامتيازات جهاز الدولة حصراً، وهم بالضرورة رموز دولة السادس والخمسين، من العاضين بالنواجذ على إرث الدولة القديمة، والمكرّسين للطبقية والممكّنين للبرجوازية وسطوة الأقليات والرأسمالية الطفيلية، ودخول الفلول عاصمة الجزيرة بعد انسحاب الأشاوس منها يؤرخ لمرحلة قاتمة من مراحل الحرب، ويؤكد على جديّة الحرب لا هزلها، وأن الواقع لن يكون كما يحلم المناصرون لقوات الدعم السريع، بأن الحمامة البيضاء سوف يطلق سراحها، وأن بيارق السلام سترفرف قريباً على أسطح المنازل، وأن اللحمة المجتمعية ستعود على أقل تقدير لما كانت عليه، فعلى عكس ذلك تماماً قد بدأ فصل جديد من فصول الحرب، الذي الغى كل الخطوط الحمراء المرسومة رأفة بالناس والضامنة لخروجهم لبراح الأمن، والجاعلة الطرق البرية والجوية والبحرية ميسورة، للوصول إلى البيوت والمكاتب والساحات والميادين العتيقة، فبعد إحدى وعشرين شهرا من تنفيذ الفلول لقرار الحرب المتخذ منذ إسقاط رأس النظام، ينقلون الحرب للمربع الذي أرادوه، ألا وهو (الحرب العرقية)، فهم يعلمون دون غيرهم، لو أنهم استجابوا للتغير سيكون مآلهم مآل من سبقهم من الطغاة، لذلك قرروا نحر الدولة، ونحر الدولة لا يكون إلّا بنحر العرق وذبح الإنسان الذي هو رأس مال الدولة، وهو ما حدث بالضبط في الكامب الخامس، ومن حسن حظ المجتمعات المستهدفة بالذبح والنحر أن جهابذة مشروع النهر (النحر) لم يخفوا أجندتهم، وقالوها صراحة في الماضي القريب، واليوم يطبقونها دون خفقة قلب ولا إنابة ضمير، فهو مشروعهم الاستراتيجي، فهل استوعب المقهورون الدرس؟، وهل حددوا مع من سوف يقفون؟.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
WP: كم هو الثمن الباهظ الذي يمكن أن تدفعه غزة بعد تهديدات ترامب؟
سلطت صحيفة "واشنطن بوست" الضوء على تهديدات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، والتي قال فيها: "إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن المتبقين في أسر حماس في غزة بحلول الوقت الذي يتولى فيه منصبه، فسيكون هناك ثمنا باهظا يُدفع".
وأشارت الصحيفة إلى أنه في المحصلة دمرت أكثر من 15 شهرا من الحرب المتواصلة الأراضي الفلسطينية، ودمرت الكثير من بنيتها التحتية المدنية وأفقرت مليوني شخص، منوهة إلى أن الاعتقاد السائد أن هناك 100 أسير إسرائيلي متبقي في غزة، وثلثهم قد ماتوا، لكن لا تزال جثثهم محتجزة لدى "حماس".
وذكرت أن محادثات وقف إطلاق النار انتعشت هذه الأيام قبيل تنصيب ترامب في البيت الأبيض، وأجرى مبعوثه إلى الشرق الأوسط تسيف ويتكوف مباحثات حول الصفقة، ما أدى إلى إحراز تقدم كبير.
ماذا لو يتم التوصل إلى اتفاق؟
وتساءلت الصحيفة: "ماذا لو لم يتم التوصل إلى اتفاق كبير؟"، مؤكدة أن "إعلان ترامب الأسبوع الماضي بأن الجحيم سوف يندلع في الشرق الأوسط، يثير تساؤلات حول الأدوات الفعلية التي يمتلكها".
وكما كتب مايكل كوبلو من منتدى السياسة الإسرائيلية في مقال مؤخرا، فإن الرئيس الذي خاض حملته الانتخابية على أساس سحب الجنود الأمريكيين من الشرق الأوسط من غير المرجح أن ينشر المزيد من القوات الأمريكية في مناطق الحرب هناك، ولن تحقق حملة القصف الأمريكية نتائج مختلفة عن تلك التي حققتها أصلا أشهر من القصف الإسرائيلي.
وقد تخفف إدارة ترامب القيود القليلة التي فرضتها الولايات المتحدة على النشاط العسكري الإسرائيلي، ولكن كما أشار كوبلو، فإن إسرائيل لم تقم بحربها وهي ترتدي قفازات الأطفال. والخيار الآخر المتاح أمام ترامب هو دعم ما طالب به عدد كبير من الساسة الإسرائيليين اليمينيين منذ فترة طويلة ــ أي فرض المزيد من القيود أو حتى وقف المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى الأراضي التي مزقتها الحرب تماما. ولكن مثل هذه الخطوة تخاطر بتداعيات دولية ضخمة، ولا يوجد سوى القليل من الأدلة التي تشير إلى أن حماس سوف تخفف من مواقفها مع معاناة المزيد من المدنيين الفلسطينيين.
كتب كوبلو: "إن عبارة "سيدفع ثمنا باهظا" مقنعة وجذابة، ولكن ما تعنيه هذه العبارة مهم حقا إذا قررت حماس أن ترامب يخادع. إذا قررت حماس تجريب مدى جدية ترامت واتضح أنه ليس لديه استراتيجية لإجبارها على الدفع، فلن يكون الخطاب العدواني بلا ثمن. بل إنه سوف يأتي بنتائج عكسية ويجعل إطلاق سراح الأسرى أكثر صعوبة".
هناك حواجب مقطبة داخل الدوائر الأمنية الإسرائيلية أيضا. قال مصدر أمني إسرائيلي كبير، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لموقع "المونيتور"، وهو موقع إخباري يركز على الشرق الأوسط: "نحن لا نعرف حقا ماذا يعني الرئيس المنتخب. من الصعب أن نرى أي تهديد يمكن استخدامه ضد حماس الآن بعد القضاء على قيادتها بالكامل تقريبا وقتل عشرات الآلاف من مقاتليها".
حكومة بديلة في غزة
وأشار يوآف ليمور، المراسل العسكري لصحيفة "إسرائيل اليوم" إلى أن التقدم الحقيقي في إنهاء الحرب لن يحدث إلا بعد أن يواجه نتنياهو الترتيبات السياسية في المنطقة التي تجنبها لفترة طويلة لإرضاء حلفائه من اليمين المتطرف. وكتب ليمور: "الحل الوحيد هو حكومة بديلة في قطاع غزة تكون مسؤولة عن القضايا المدنية وتترك لإسرائيل مسؤولية الأمن. لقد امتنعت إسرائيل باستمرار عن الترويج لهذا الحل في محاولة للحفاظ على الائتلاف سليما".
ويقول الكاتب إن بؤس الفلسطينيين العاديين في غزة لا يمكن إنكاره. يبدو أن حوادث الإصابات الجماعية تحدث أسبوعيا وسط القصف الإسرائيلي. وفي حين يسخر المسؤولون الإسرائيليون وأنصارهم من أعداد القتلى التي أحصتها السلطات الصحية المحلية في غزة، وجد تحليل إحصائي تمت مراجعته من قبل أقران في المجلة الطبية البريطانية "لانسيت" أن عدد القتلى في القطاع في الأشهر التسعة الأولى من الحرب ربما كان أقل من العدد الحقيقي بأكثر من الثلث. ولا يزال عدد كبير من الجثث تحت أنقاض الأحياء المدمرة في غزة.
وقد قدر الباحثون، الذين ضموا أكاديميين من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي وجامعة ييل، أن هناك 64,260 حالة وفاة بسبب "الإصابات المؤلمة" خلال تلك الفترة، وهو ما يزيد بنحو 41% عن العدد الرسمي من قبل السلطات الصحية المحلية.
وكان ما يقرب من 60% من القتلى من النساء والأطفال والأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما. ولم يقدم الباحثون تقديرا للمقاتلين الفلسطينيين بين القتلى.
وعندما لا يواجهون القصف الإسرائيلي، يستسلم عدد متزايد من الفلسطينيين، وخاصة الأطفال، لبرد الشتاء القاسي. وقد أدت القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية والافتقار إلى المأوى المناسب لآلاف الأسر النازحة عدة مرات بسبب القتال إلى وفاة الرضع في الخيام، وآباؤهم عاجزون عن حمايتهم.