سودانايل:
2025-04-17@13:54:41 GMT

مجزرة الكامب الخامس – الوجه الحقيقي للحرب

تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT

لقد كشف انسحاب قوات الدعم السريع من ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، الوجه الحقيقي للحرب الذي ظل الطرف المعتدى عليه يصرف النظر عنه، طمعاً في تماسك اللحمة الاجتماعية، وذلك بارتكاب مليشيات الاخوان المسلمين المختبئين خلف راية الجيش، لأبشع المجازر البشرية في تاريخ السودان الحديث والقديم، بذبح المواطنين ونحرهم نحر البعير في الكامب الخامس، واطلاق النار على المدنيين العزل ورميهم في النهر، في إعادة للسيناريو الأكثر قسوة لجريمة فض الاعتصام، بربط أقدام المعتصمين بالطوب البلوك واسقاطهم في مياه النيل الأزرق، فالقوم هم القوم لم يتبدلوا ولم يخرجوا من نفق الإرهاب والقتل خارج نطاق القانون، وهذا المسلك المتجاوز لأبسط قواعد الاشتباك في الحروب قد لفت انتباه الكثيرين ممن غيب وعيهم الإعلام المضلل لفلول النظام البائد، لخطورة التماهي مع من نصبوا أنفسهم حماة للوطن في حربهم المنزوعة الكرامة، ومن أهم ردود الأفعال الغاضبة التي سوف تقلب الطاولة على وجه حراس النظام القديم، فقدان المختطفين لسيادة الدولة للسند السياسي والأخلاقي، للمضي قدماً في الادعاءات والمزاعم التي خدعوا بها البسطاء من الناس، فجرائم الحرب المرتكبة من قبل المليشيات التابعة لهم بود مدني، سحبت البساط من تحت أقدامهم وعرّت مشروعهم الجهوي المستهدف لقطاعات اجتماعية عزيزة، من المواطنين السودانيين الذين فرض عليهم الظرف الاقتصادي الاستقرار في أواسط البلاد، من أجل العمل وكسب العيش، ومن ارهاصات هذا الاستهداف الجهوي أنه لا أحد يمكنه أن يضمن سلامة المقيمين في الجغرافيا التي قدم منها سكان الكامب الخامس بالجزيرة، فالنظام القديم السارق لجهاز الدولة قد دشن حملات الكراهية منذ اندلاع الحرب، وختمها بالمذابح العرقية قصداً منه مع سبق الإصرار والترصد جر الناس للصراع العرقي والجهوي الصارخ.


مجزرة الكامب الخامس أرسلت رسالة واضحة المعالم للحركات المسلحة الخارجة عن الحياد، والمقاتلة جنباً إلى جنب مع كتائب الاخوان المسلمين المختطفين لقرار الحكم، وأحرجتهم مع مناصريهم ومستنيريهم الذين ينتمي جلهم لحركات البان أفريكانزم والآفريكان سنترزم، وما يثير قلقهم المشروع الاستئصالي الصريح الذي يسوقه فلول النظام البائد، وهو التطهير العرقي للمجموعات الزنجفونية القاطنة لمراكز المشاريع الزراعية بوسط البلاد – الجزيرة، وهذا المشروع بالضرورة يصب في المشروع الأمني والاستراتيجي الكبير لمصر داعمة فلول النظام البائد في حربهم ضد السودان، فإنّ الكيانات الاجتماعية المتمسكة بإرثها الإفريقي، غير الخاضعة للتعريب والاستلاب، تمثل أكبر عائق يقف أمام أطماع الجارة الشمالية في حصة السودان من مياه النيل، وخططها المستقبلية لتكريس بقاء البلاد كمزرعة خلفية (جبراكة)، ومن الرسائل الأكثر بلاغة من جريمة التطهير العرقي لسكان الكامب الواردة في بريد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، انقشاع السحابة الرومانسية التي كانت تظلل هذا التحالف المدني، وتساقط زخات مطر الفرز العرقي الذي يباركه بعض ممن طرحوا أنفسهم أيقونات لتحقيق هدف دولة المواطنة، فانسحاب قوات الدعم السريع من مركز الجزيرة نقل الحرب لمربعها الأخير، والآن أمسى الحياد عار وخطيئة لكل فاعل سياسي، فالطرق جميعها التقت عند طريقين لا ثالث لهما، الأول طريق التحرير والاستقلال، والثاني الركون وإعادة انتاج الدولة الثيوقراطية الراديكالية الداعشية القديمة، لو تخاذل أنصار الطريق الأول، فظهور كتائب الإرهاب وهي تحمل رايات الوعيد والانتقام السوداء، أنهى جدوى الأحزاب والتنظيمات القديمة الساكتة عن الحق.
كرنفالات الفرح الأسطوري التي عمت قرى وحضر وشتات الذين (كانوا) يتمتعون بامتيازات جهاز الدولة حصراً، وهم بالضرورة رموز دولة السادس والخمسين، من العاضين بالنواجذ على إرث الدولة القديمة، والمكرّسين للطبقية والممكّنين للبرجوازية وسطوة الأقليات والرأسمالية الطفيلية، ودخول الفلول عاصمة الجزيرة بعد انسحاب الأشاوس منها يؤرخ لمرحلة قاتمة من مراحل الحرب، ويؤكد على جديّة الحرب لا هزلها، وأن الواقع لن يكون كما يحلم المناصرون لقوات الدعم السريع، بأن الحمامة البيضاء سوف يطلق سراحها، وأن بيارق السلام سترفرف قريباً على أسطح المنازل، وأن اللحمة المجتمعية ستعود على أقل تقدير لما كانت عليه، فعلى عكس ذلك تماماً قد بدأ فصل جديد من فصول الحرب، الذي الغى كل الخطوط الحمراء المرسومة رأفة بالناس والضامنة لخروجهم لبراح الأمن، والجاعلة الطرق البرية والجوية والبحرية ميسورة، للوصول إلى البيوت والمكاتب والساحات والميادين العتيقة، فبعد إحدى وعشرين شهرا من تنفيذ الفلول لقرار الحرب المتخذ منذ إسقاط رأس النظام، ينقلون الحرب للمربع الذي أرادوه، ألا وهو (الحرب العرقية)، فهم يعلمون دون غيرهم، لو أنهم استجابوا للتغير سيكون مآلهم مآل من سبقهم من الطغاة، لذلك قرروا نحر الدولة، ونحر الدولة لا يكون إلّا بنحر العرق وذبح الإنسان الذي هو رأس مال الدولة، وهو ما حدث بالضبط في الكامب الخامس، ومن حسن حظ المجتمعات المستهدفة بالذبح والنحر أن جهابذة مشروع النهر (النحر) لم يخفوا أجندتهم، وقالوها صراحة في الماضي القريب، واليوم يطبقونها دون خفقة قلب ولا إنابة ضمير، فهو مشروعهم الاستراتيجي، فهل استوعب المقهورون الدرس؟، وهل حددوا مع من سوف يقفون؟.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الحرب في عامها الثالث.. ما الثمن الذي دفعه السودان وما سيناريوهات المستقبل؟

اتفق محللان سياسيان على أن الصراع المستمر في السودان منذ أكثر من عامين قد وصل إلى مرحلة حرجة، حيث تتفاقم الكارثة الإنسانية وسط تدخلات خارجية معقدة وفشل واضح للمجتمع الدولي في تحقيق أي اختراق لوقف الحرب، في حين يشهد الميدان العسكري تغيرات متسارعة.

وحسب أستاذ الدراسات الإستراتيجية والأمنية، أسامة عيدروس، فإن الحرب في السودان اتسمت منذ يومها الأول باستهداف مباشر للشعب السوداني، متهما الدعم السريع ومنذ بداية الحرب باقتحام بيوت المواطنين رفقة مليشيات مرتزقة، وتنفيذ "سلسلة ممنهجة من التهجير القسري واغتصاب النساء ونهب البيوت والمرافق الحكومية والبنوك".

ورأى عيدروس أن استهداف البنية التحتية كان مخططا له ومقصودا لجعل الحياة في العاصمة الخرطوم "غير ممكنة" ودفع سكانها قسرا للخروج منها، مؤكدا استمرار هذا النمط حتى الآن، ودلل على ذلك باستهداف الدعم السريع قبل 3 أيام محطات الكهرباء ومحطة المياه في نهر النيل في مدينة عطبرة وقبلها في سد مروي، وفي دنقلا في الولاية الشمالية، على حد ذكره.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد أكد مؤخرا أن الحرب التي دخلت عامها الثالث قبل أيام قد جعلت السودان عالقا في أزمة ذات أبعاد كارثية يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى، ودعا لوقف الدعم الخارجي ومنع تدفق الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة.

إعلان

فشل أممي

وفي السياق نفسه أكد الكاتب والباحث السياسي، محمد تورشين، بأن الوضع الإنساني في السودان قد وصل إلى مستويات كارثية، مشيرا إلى وجود عدد كبير جدا من اللاجئين السودانيين في تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا.

وانتقد تورشين فشل الأمم المتحدة في إيصال المساعدات، قائلا إن الأمم المتحدة ممثلة بالوكالات الإغاثية فشلت تماما في إيصال الاحتياجات والمساعدات لمن هم بحاجة إليها.

واتفق المحللان على وجود تدخل خارجي واضح في الصراع السوداني، وقال عيدروس إن الراعي الإقليمي للدعم السريع أمده بتقانات عسكرية متطورة خصوصا المسيرات ومنظومات الدفاع الجوي، مؤكدا أن الدعم السريع يفتقر إلى أي مشروع سياسي حقيقي، ما يعني أن ما يجري هو عبارة عن "مخطط مصنوع من الخارج" حسب رأيه.

وفيما يتعلق بالتطورات الميدانية على الأرض أوضح عيدروس أن الدعم السريع تمدد حتى وصل مدينة الدندر في الشرق، لكن الجيش السوداني تمكن مؤخرا من تحرير الدندر والسوكي وسنجة وولاية سنار وولاية الجزيرة، بالإضافة إلى تحرير ولاية الخرطوم كاملة وفتح الطريق إلى الأبيض مرورا بتحرير مدن أم روابة والرهد وغيرها.

وأكد أن القوة الصلبة للدعم السريع انكسرت، وقيادتهم تشتتت وليس لديهم سيطرة على قواتهم، مشيرا إلى أن قوات الدعم في كردفان تشتكي من أنها تركت تقاتل وحدها والجيش السوداني يتقدم في مساحات واسعة.

ومع أن تورشين رجح بأن تكون قوات الدعم السريع قد تلقت ضربات موجعة أضعفت مقدرتها العسكرية وتسببت بانسحابها من الكثير من المناطق، فإنه لم يستبعد أن تكون هذه القوات مازالت تمتلك العديد من القدرات والإمكانيات التي تمكنها من تهديد أمن واستقرار المناطق الآمنة.

واستبعد انتهاء الصراع المسلح قبل أن يتمكن الجيش من امتلاك آلة عسكرية أكثر تطورا من تلك التي بحوزة الدعم السريع، خصوصا المسيرات وأجهزة التشويش.

إعلان

الحل السياسي

وفيما يتعلق بالحل السياسي، رأى عيدروس أن السودان "يتعرض لعدوان" وأنه إذا لم يتم صد العدوان وتأمين المواطن السوداني في كل بقعة من بقاع السودان، فإنه لا يمكن الحديث عن مرحلة الحل السياسي. ووجه انتقادا للقوى السياسية السودانية، قائلا إنها استقالت من مهامها الحقيقية ولم تستطع تقديم توصيف حقيقي لما يجري على الأرض.

وشدد على أن الحكومة الحالية هي حكومة الأمر الواقع وأنها تملك فقط حق إدارة الأزمة الموجودة حاليا وليس من حقها التقرير نيابة عن الشعب السوداني في شأن مستقبلي.

أما تورشين، فرأى أن الحل السياسي يتمثل بدمج قوات الدعم السريع وكافة المليشيات الأخرى في جيش وطني واحد مع ضرورة إجراء عملية إصلاح واسعة بالبلاد، ثم البدء بحوار سوداني- سوداني بمشاركة كل الأطراف للاتفاق على مرحلة انتقالية بكافة تفاصيلها، محذرا من فكرة تكوين حكومة مدنية في الظروف الحالية، باعتبار "أن الأوضاع غير مواتية، وأنه لا صوت يعلو فوق صوت البندقية".

وتوقع المتحدث نفسه أن يشهد مستقبل السودان السياسي تغييرا جذريا، على يد شرائح كثيرة من الشباب السوداني الذين لديهم انتقادات كثيرة على أداء الإدارات السابقة، ويحلمون بإنشاء منظومات سياسية بأفكار جديدة.

مقالات مشابهة

  • الحرب في عامها الثالث.. ما الثمن الذي دفعه السودان وما سيناريوهات المستقبل؟
  • مجموعة السبع تدعو إلى وقف فوري للحرب في السودان
  • في الذكرى الثانية للحرب .. هل ينتعش اقتصاد السودان؟
  • قائد الدعم السريع يعلن قيام حكومة موازية في السودان تمثّل الوجه الحقيقي .. سودانايل تنشر نص خطاب حميدتي
  • في الذكري الثانية للحرب: من أطلق الرصاصة الأولي؟
  • حمدوك يطالب باجتماع لمجلس الأمن بحضور البرهان وحميدتي والجيش يستهل العام الثاني للحرب بإعلان تقدم جديد في أم درمان
  • رسالة الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السابق ورئيس تحالف صمود في الذكرى الثانية للحرب
  • رسالة الدكتور عبدالله حمدوك إلى الشعب السوداني في الذكرى الثانية للحرب
  • كيف يحمي النظام البيئي الجبلي التنوع البيولوجي في الدولة؟
  • مؤلم ما يحدث في الفاشر مثلما كان مؤلما حينما حصل في قرى الجزيرة والدندر والخرطوم