مصر و السودان و العلاقة بين مرحلتين
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
أن أية علاقة متطورة بين دولتين تتوقف على ترقية المصالح المشتركة بينهما، و التفاهم المستمر بين القيادة السياسية في البلدين بهدف ترقية العلاقة لخدمة مصالح الشعبين، و الملاحظ أن التغييرات السياسية في كلا البلدين التي تؤدي إلي تغيير في صناع القرار، دائما يكون لها أثرا سالبا أو إيجابيا يتوقف على رؤية القيادات الجديدة في كلا البلدين.
في مصر دائما تحدث تغييرات في هرم السلطة، و هذا التغيير لا يؤدي إلي تغيير في السياسات العامة للدولة إلا طفيفا، بينما التغيير الذي يحدث في السودان يحاول صناع القرار الجدد أن يكون التغيير مغايرا تماما للنظام السابق، مما يشير لعدم الرسوخ في المؤسسات السودانية، خاصة محاولات التغيير التي تطال الخدمة المدنية و بقية المؤسسات السيادية.. مثالا لذلك تجد أن مؤسسة المخابرات المصرية لا تتأثر تأثيرا كبيرا بالمتغيرات السياسية الجارية في الدولة لذلك تجد أن مؤسسة المخابرات المصرية و الجيش المصري يمثلان العمود الفقري للدولة الذي يحافظ على سياسات الدولة خاصة مع الدول الأخرى، لكن في السودان نجد أن عدم الاستقرار السياسي له نعكاسات سالبة على مؤسسات الدولة، لذلك تجد أن التغيير في السودان يجعل القيادات الجديدة تتعامل في علاقاتها مع الدول من الصفر لأنها تلغي كل الانجازات السابقة و تبدأ بتصورات جديدة..
أن التغييرات الجوهرية التي تحدث في السودان، تجعل القيادة المصرية تمد جسور العلاقة مع القوى السياسية السودانية ذات القواعد الاجتماعية العريضة باعتبار أنها لن تكون بعيدة عن صناعة القرارات، و الهدف من ذلك ييسر لها طريق تحقق مصالحها.. لكن القيادات السياسية في السودان لا تميل لخلق علاقة وطيدة مع الأحزاب المصرية في اعتقاد أن الأحزاب المصرية تتواجد في المؤسسات التشريعية، و لا تتواجد في الهيئة العليا لصناعة القرار.. أن التغيير في السياسات في البلدين هي التي تؤثر في العلاقة.. و أيضا كانت مصر حريصة في علاقتها مع الرموز السودانية التي لها دور اجتماعي كبير في السودان، لكن هذه السياسة قد أختلفت كثيرا عند رئاسة الرئيس عبد الفتاح السياسي.. حيث أصبح دور المخابرات المصرية مخطط للسياسة و ليس منفذا لها، حيث أصبح هناك دورا أكبر لوزارة الخارجية، و يعتمد دورها على فاعلية العناصر التي تعتقد إنها يمكن أن تخدم المصالح المصرية بعيدا عن العلاقات التقليدية السابقة.. و نرى ذلك في التعامل مع شخصية مثل أحمد الطيب زين العابدين خادم السجدة السمانية و كانت له علاقات وطيدة مع قطاع كبير من شباب لجان المقاومة، إلي جانب انتمائه الداعم للتيار الاتحادي ترفض الأجهزة المصرية منحه تأشيرة دخول لزيارة أسرته في القاهرة.. مما يؤكد أن مصر من خلال وزارة الخارجية بدأت تحدث تغييرا كبيرا في سياستها، و تعتقد أن التغيير سوف يخدم مصالحها.. لكن في ذات الوقت تراهن على القيادات التي تعتقد أنها يمكن أن تلعب دورا مهما في مستقبل السياسة لذلك تجعل لهم الأولوية في الاستشارة، خاصة بعد ما تأكد لها أن القوى التقليدية عاجزة أن تسهم في أية مبادرات مفيدة..
أن زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي لبورسودان، و إلتقاءه بعدد من القيادات في السلطة، و على رأسهم رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، و إعلان نتائج الزيارة "الاتفاق بين البلدين على عقد لجنة التشاور السياسي" لكن الاتفاق لم يبين ما هو الهدف من لجنة التشاور السياسي، و ما هي الأجندة التي تريد النظر فيها؟ هل هي أجندة تتمحور فاعليتها حول العلاقات بين البلدين، أم لها أبعاد أخرى في المنطقة ؟ و هنا أخص دولة الأمارات.. الدولة الداعمة للميليشيا بالسلاح و المال و التي عجزت جامعة الدول العربية و كل الدول العربية أن تدين فعلتها، و لكن أدانت الجيش السوداني عندما كذبت الأمارات أن الطيران قصف بيت السفير الأماراتي..
لابد للشعب السوداني أن يشكر مصر و شعبها على استقبال ميئات الآلاف من النازحين السودانيين، و دورها في إجهاض مؤامرة عدد من الدول الأفريقية، خاصة عدد من دول الجوار التي كانت تهدف لنزع الشرعية من السلطة في السودان، و مدت الميليشيا بالمرتزقة، و التي جعلت أراضيها معبرا للدعم الأماراتي للميليشيا، و الشكر أيضا لمجهودات وزارة الخارجية المصرية من أجل رفع تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، و أيضا وقوف مصر إلي جانب السودان و شعبه في المنظمات العالمية، و دور مصر في اجهاض مؤامرة العون الدولي بالغذاء التي يراد بها تمرير أمدادات عسكرية للميليشيا.. حقيقة أن أية تشاور بين القيادة السودانية و المصرية مطلوب مستقبلا .. باعتبار أن الحرب لابد أن تحدث تغييرا جوهريا في سياسة السودان الخارجية، و التي يجب أن تبنى على المصالح المتبادلة بين الجانبين.. و للحقيقة ليست دولة الأمارات وحدها التي كانت تقف مع انقلاب الميليشيا و جناحها العسكري هناك أيضا دول أخرى عربية خليجية كان لها دور و لكنها انسحبت بعد فشل الانقلاب مباشرة..
قال الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في زيارته الأخيرة لعدد من الدول الأفريقية أن ( علاقة السودان بعد الحرب مع القوى السياسية في الداخل و مع الدول ستكون مبنية على المواقف الحالية).. أن موقف الأمارات الداعم للميليشيا الذي وجد الصمت المطلق من جميع الدول العربية سوف يكون علامة سوداء بارزة في مستقبل علاقات السودان مع أغلبية الدول العربية التي لزمت الصمت.. و سارعت بالإدانة للسودان بإدعاء كاذب من قبل الأمارات أن الجيش قصف بيت سفيرها.. في الوقت الذي أكدته الأمم المتحدة و الكونجرس الأمريكي و العديد من المنظمات العالمية و الإعلام الغربي دور الأمارت في إطالت أمد الحرب و صمتت الدول العربية و الجامعة العربية.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدول العربیة السیاسیة فی فی السودان أن التغییر
إقرأ أيضاً:
جامعة الدول العربية.. تاريخ حافل بالإنجازات والتحديات
تحتفل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية اليوم السبت بمرور ٨٠ عاما على تأسيس المنظمة الجامعة لدول العالم العربي ال ٢٢، وسط تحديات إقليمية ودولية موغلة في التعقيد مع بلوغ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ذروة المواجهة جراء حرب الإبادة الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يواجه أقسى الجرائم والمجازر على مرأى العالم الصامت وعجز عربي واضح في لجم إرهاب دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين، رغم المساعي العربية للضغط بتجاه وقف العدوان ورفض الخطط الأمريكية الإسرائيلية لتهجير الغزيين من القطاع، وذلك من خلال اتخاذ الجامعة العربية لقرار موحد يرفض أي مخطط لتهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم العادلة وتمرير مشاريع استعمارية في المنطقة، إلا أن هذا القرارات رغم أهميتها تبقى رهينة مقدرة الدول العربية على مواجهة الضغوط الأمريكية في هذا الصدد.
ورغم الإنجازات التي حققتها جامعة الدول العربية منذ تأسيسها قبل ثمانية عقود من خلال تعزيز وحدة الصف والتضامن العربي ودعم حركات التحرر الوطني في الأقطار العربية لنيل الاستقلال والتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، إضافة إلى إبراز الهوية العربية المشتركة، إلا أن هناك تحديات واجهت المنظمة العربية ولا زالت تواجهها، والتي شكلت بدورها عقبة أمام أي دور إقليمي ودولي عربي فاعل، حيث أدى تباين المواقف بين الدول الأعضاء في بعض القضايا الإقليمية دورا مهم في تكريس هذه التحديات، إضافة إلى عدم وجود آليات واضحة وملزمة لتنفيذ القرارات الصادرة عن الجامعة العربية، كما أججت التدخلات الخارجية من تعقيد المشهد السياسي في المنطقة، إضافة إلى استمرار الصراعات الداخلية في بعض البلدان العربية.
أما في الشان الاقتصادي ورغم أن الجامعة سعت لتعزيز التكامل الاقتصادي العربي من خلال إنشاء مجلس الوحدة الاقتصادية العربية عام 1957، وتوقيع اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى عام 1997، إلا أن التجارة البينية بين الدول الأعضاء لا تزال ضعيفة مقارنة بالمناطق الاقتصادية الأخرى في العالم.
بروتوكول الإسكندرية
تأسست جامعة الدول العربية في 22 مارس 1945 بناءً على بروتوكول الإسكندرية - وهو الوثيق التأسيسية التي مهدت لإنشاء المنظمة العربية وتم توقيعها في السابع من أكتوبر 1944 بمدينة الإسكندرية خلال اجتماع ضم ممثلين عن سبع دول عربية مستقلة آنذاك وهي (مصر، والعراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، والسعودية، والأردن "شرق الاردن آنذاك") -، لتتوسع لاحقا وتشمل 22 دولة، لتكون أول منظمة إقليمية من نوعها تهدف إلى تحقيق التنسيق والتعاون والتكامل بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات، وتعزيز التضامن والوحدة في مواجهة التحديات المشتركة.
ونص ميثاق الجامعة على مجموعة من الأهداف التي تسعى المنظمة لتحقيقها، نبرز أهمها:
- تعزيز الوحدة والتضامن العربي والتأكيد على الروابط الثقافية والتاريخية المشتركة.
- التنسيق السياسي والدبلوماسي من خلال توحيد المواقف العربية في المحافل الدولية.
- التعاون الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز التجارة البينية بين الدول الأعضاء ودعم مشاريع التكامل الاقتصادي العربي.
- التعاون في مجال الأمن والدفاع من خلال وضع سياسات دفاعية مشتركة لحماية الأمن القومي العربي من التهديدات الخارجية والتدخلات الأجنبية.
- دعم التنمية والبحث العلمي وتعزيز التعاون في مجالات التعليم والثقافة.
الهيكل التنظيمي
تتكون جامعة الدول العربية من عدة أجهزة رئيسية، يأتي في مقدمتها مجلس الجامعة، وهو أعلى سلطة، ويتكون من ممثلي الدول الأعضاء، وتتخذ قراراته بالإجماع أو الأغلبية.
ثانيا، الأمانة العامة، ويرأسها الأمين العام، وتُعد الجهاز التنفيذي للجامعة. ثالثا، المجالس الوزارية، وهي اجتماعات وزارية تصنف حسب الموضوعات المطروحة.
الأمناء العامين للجامعة
تولى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية عدة شخصيات بارزة منذ تأسيسها حيث احتفظت مصر بالمنصب باستثناء الفترة ما بين 1979 و1990، حيث شغل عبدالرحمن عزام باشا منصب أول أمين عام للجامعة ما بين الفترة (1945 - 1952)، ثم تولى الدبلوماسي المصري البارز محمد عبد الخالق حسونة المنصب خلال الفترة (1952 - 1972) وهو أطول من شغل المنصب لمدة 20 عامًا. وشهدت فترته الوحدة بين مصر وسوريا 1958 ثم انفصالها، ونكسة 1967.
وما بين الفترة (1972 - 1979) شغل محمود رياض المنصب، حيث شهدت فترة مسؤوليته حرب أكتوبر 1973، وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل 1979، نقل مقر الجامعة إلى تونس إثر مقاطعة العرب لمصر بسبب توقيعها اتفاقية السلام مع إسرائيل، وتم تعيين التونسي الشاذلي القليبي حتى العام 1990، حيث عاد مقر الجامعة العربية إلى القاهرة بعد المصالحة مع مصر، وتولى أحمد عصمت عبد المجيد (1991 - 2001) منصب الأمين العام.
وبين العام (2001 - 2011) تولى الدبلوماسي المصري البارز، عمرو موسى المنصب، حيث أطلق مبادرات عدة لإصلاح الجامعة العربية.
ومع بداية الربيع العربي في 2011 تولى نبيل العربي مسؤولية قيادة المجلس حيث شهدت الكثير من الدول العربية أزمات داخلية واحتجاجات وسقوط أنظمة، كما شهدت تعليق عضوية سوريا في الجامعة.
ومنذ 2016 يشغل أحمد أبو الغيط منصب الأمين العام، وتم التجديد له لفترة ثانية في 2021.
فلسطين: القضية المركزية
ومنذ تأسيسها، وضعت جامعة الدول العربية القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها، واتخذت العديد من القرارات لدعم حقوق الشعب الفلسطيني سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. ففي العام 1945، وحتى قبل إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، قررت الدول الأعضاء مقاطعة المنتجات والشركات الداعمة للصهيونية.
وفي 1951، تم إنشاء مكتب المقاطعة العربي للإشراف على تنفيذ الحظر الاقتصادي على الكيان الإسرائيلي.
كما دعمت جامعة الدول العربية تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وفي قمة الرباط عام 1974 اعترفت الجامعة بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، مما عزز مكانتها في المحافل الدولية.
وبعد النكسة واحتلال الضفة الغربية وغزة عام 1967، دعمت الجامعة المقاومة الفلسطينية وخصصت لها موارد مالية.
كما أطلقت القمة العربية في بيروت عام 2002 مبادرة السلام العربية، التي نصت على انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين مقابل تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل.
ودعمت الجامعة العربية حصول فلسطين على صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة عام 2012، كما عملت على دعم الاعتراف الدولي بدولة فلسطين في المؤسسات الأممية.
وفي 2020 رفضت الجامعة العربية "صفقة القرن" التي أعلن عنها الرئيس الامريكي دونالد ترامب في ولايته الأولى لأنها تجاهلت حقوق الشعب الفلسطيني.
ورغم توقيع بعض الدول العربية اتفاقيات تطبيع مع الكيان الإسرائيلي في إطار صفقة ترامب، إلا أن الجامعة أكدت أن التطبيع لا يمكن أن يكون بديلاً عن حل القضية الفلسطينية، داعية إلى الالتزام بمبادرة السلام العربية كأساس للعلاقات مع إسرائيل.
ومع تولي ترامب لولايته الثانية والتي أتت في خضم حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، أعلن عن خطته المثيرة للجدل والقاضية بتهجير 2.3 مليون غزي من القطاع المنكوب إلى بعض الدول العربية الأمر الذي رفضته الجامعة العربية رفضا قاطعا وتبنت في المقابل خطة مصرية لإعادة إعمار غزة ونشر قوات أممية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي ما يخص دورها في باقي الأقطار العربية، فقد لعبت الجامعة منذ منتصف القرن العشرين دورًا مهمًا في دعم استقلال الدول العربية من الاستعمار، سواء عبر التأييد السياسي أو من خلال الدعم المادي.
كما لعبت على مدار تاريخها دور الوساطة في العديد من الأزمات العربية، حيث نجحت في حلحلت بعضها وفشلت في أخرى وحدت الخلافات بين بعض دول الأعضاء وضعف آليات التنفيذ من فعاليتها في بعض القضايا والأزمات.
ففي الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990)، أرسلت الجامعة قوات ردع عربية في 1976 في محاولة لوقف القتال، كما رعت اتفاق الطائف عام 1989 بين الفرقاء اللبنانيين والذي وضع حدًا للحرب الأهلية.
وفي السودان دعمت الجامعة مفاوضات السلام بين الحكومة والجماعات المسلحة في دارفور عام 2003، كما لعبت دورًا مهما في دعم المفاوضات بين السودان وجنوب السودان بعد انفصال البلدين عام 2011.
ومع بداية أزمة الربيع العربي التي امتدت إلى أقطار عدة في العالم العربي، علّقت الجامعة عضوية سوريا في 2011 بسبب قمع النظام للمظاهرات، كما حاولت التوسط عبر مبادرات سياسية لإنهاء الأزمة لكنها فشلت، واستعادت سوريا مقعدها في الجامعة عام 2023 دون تحقيق حل سياسي شامل.
أما في الأزمة الليبية فقد دعمت الجامعة فرض حظر جوي على ليبيا لحماية المدنيين من نظام الرئيس السابق معمر القذافي، كما أنها ساندت اتفاق الصخيرات 2015 بين الفرقاء الليبيين، والذي لم يفض إلى حال شامل للأزمة حتى الآن.