القبيلة اليمنية حضورها مشرف عبر التاريخ
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
تختلف القبيلة اليمنية عن بقية القبائل التي ظهرت في الجزيرة العربية، حيث أنها كيان منظم، تحكمه أعراف واسلاف تعتبر صورة أولية عن القوانين الوضعية المعروفة اليوم، وقد أظهرت النقوش السبئية والحميرية التي تم العثور عليها جزءا من هذه الأعراف والاسلاف التي غطت كافة جوانب الحياة الأمنية والعسكرية والإدارة والقضاء، والزراعة والتجارة وغيرها، ولا تزال القبيلة اليمنية تحتفظ بهذه الأعراف والاسلاف وتمارسها حتى اليوم، ولم تكن القبائل اليمنية قبائل فوضوية تعيش في الصحراء، وتنتقل من منطقة إلى أخرى، وتتقاتل فيما بينها على ناقة أو جمل، كما هو حال القبائل في الجزيرة العربية في الجاهلية، وكانت القبيلة اليمنية تمتلك نظاما خاصا بالحكم يبدأ من الملك وينتهي بشيخ العزلة والقرية، وكانت ديانة اليمنيين قبل الإسلام هي الديانة الإبراهيمية قبل أن تفرض عليهم الديانة اليهودية في عهد الملك ذي نواس أواخر عهد الدولة الحميرية، ولم يكونوا يعرفون الأصنام التي عرفها العرب في الجاهلية، بل كانوا يعبدون الله وحده، ومن يقرأ النقوش اليمنية القديمة المكتوبة بخط المسند سيجد أن اليمنيين عرفوا الصلاة والزكاة والحج قبل أن تشرع في الإسلام، ولذلك حينما اقتربت بعثة الرسول صلوات الله عليه وعلى آله هاجرت قبيلتان يمنيتان هما الأوس والخزرج من اليمن إلى المدينة المنورة(يثرب) سابقا لمناصرته عند ظهوره، وهذا ما حدث فعلا، فهما القبيلتان العربيتان الوحيدتان اللتان ناصرتا رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله بداية ظهور الإسلام، ومع انتشار الإسلام أرسل رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الإمام علياً -عليه السلام- إلى اليمن لدعوة اليمنيين إلى الإسلام، ولأن ديانتهم هي الإبراهيمية استجابت له كافة القبائل اليمنية بسرعة، وظلت علاقتها بالإمام علي -عليه السلام- خاصة وذريته من بعده قوية ومتينة وراسخة لقرون طويلة، وهناك قبائل يمنية كثيرة ذكرها الإمام علي -عليه السلام- في شعره ونثره ومنها(همدان وارحب وخولان) وغيرها، وحينما بدأ الإسلام يتوسع انطلقت القبائل اليمنية بأعداد كبيرة في الفتوحات الإسلامية، واستوطنوا الكثير من الأمصار والبلدان التي فتحوها، ولذلك لا نجد بلدا من البلدان أو شعبا من الشعوب العربية والإسلامية إلا وفيها قبائل تعود أصولها إلى اليمن، وحينما انحرف بنو أمية وبنو العباس بالخلافة الإسلامية وحولوها إلى وراثة ملكية، استقلت اليمن عنها قبل غيرها من البلدان الأخرى، ففي نهاية القرن الثاني الهجري تقريبا ذهبت بعض القبائل اليمنية إلى المدنية المنورة، وبايعت الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين -عليه السلام- على السمع والطاعة، وكان أول إمام من أئمة أهل البيت -عليهم السلام- يحكم اليمن، وكان نظام الحكم في اليمن يقوم على مبدأ الرأي والمشورة، فمن تتوفر فيه شروط الحكم(الإمامة)، ويجمع عليه أهل الحل والعقد من العلماء والمشائخ والوجهاء هو من يحكم اليمن، ولم يكن نظام الحكم ملكيا كما هو الحال في نظام بني أمية وبني العباس، ولذلك قامت ثورة في اليمن على الإمام يحيى حميد الدين حينما عيَّن أبنه أحمد وليا للعهد، رغم انه كان من أشجع وأعلم أهل عصره، وتتوفر فيه من الشروط ما لم تتوفر في غيره، وتعتبر اليمن أول بلد عربي تقريبا عرف نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات، فكل قبيلة يمنية هي من تدير شؤونها، وتحفظ امنها، وتحل خلافاتها، يرأسها شيخ من أبنائها هو المسؤول عنها أمام الحكومة في صنعاء المعنية بالشؤون الخارجية والعلاقات الدولية، وحينما كانت تضعف الحكومة أو تتعرض صنعاء لتهديدات خارجية كانت القبيلة اليمنية هي من تتصدر المواجهة، لذلك لم يتمكن أي غاز أو معتد من احتلالها عبر التاريخ، فهي تملك ما تملكه الدول من المقاتلين والسلاح وغيره، ولم تضعف القبيلة اليمنية إلا خلال النظام السابق الذي أوجد الخلافات والأحقاد والثأرات بين كافة القبائل اليمنية، ليتمكن من السيطرة عليها، وإخضاعها للقوى الإقليمية والدولية، ومع قيام ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، ظهرت قيادة وطنية مخلصة التفت حولها كافة القبائل اليمنية، ووقفت بمفردها إلى جانب القيادة الثورية والسياسية في صنعاء للدفاع عن اليمن في وجه التحالف الإقليمي والدولي للعدوان عليها، وقدمت القبيلة اليمنية خيرة أبنائها شهداء في سبيل الله، وقدمت القوافل الكبيرة والكثيرة من المال والرجال على مدى عشر سنوات، فبعد سقوط الحكومة في صنعاء في سبتمبر 2014م، وانهيار كافة الوحدات العسكرية والأمنية، والتحاق أغلب القيادات اليمنية السابقة السياسية والحزبية والعسكرية والأمنية وغيرها لم يتبق للدفاع عن اليمن سوى القبيلة اليمنية، ومع ذلك انتصرت القبيلة اليمنية، وانتصرت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، وانتصر الجيش واللجان الشعبية، وانتصر الشعب اليمني كافة رغم التضحيات الكبيرة، وها هي القبيلة اليمنية تؤكد مجددا جهوزيتها العالية للدفاع عن اليمن في وجه الأطماع الأمريكية والصهيونية وأدواتهما المحلية، وتستعرض جزءا بسيطا من قوتها البشرية والعسكرية خلال وقفاتها الشعبية المسلحة التي نفذتها وتنفذها خلال معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، وهذا ما دعا اليوم قائد الثورة -حفظه الله- إلى الثناء على القبيلة اليمنية، والإشادة بدورها وجهوزيتها العالية خلال خطابه الموجهة لكافة الشعوب العربية والإسلامية الذي يدعوها فيه للقيام بدروها وواجبها في نصرة القضية الفلسطينية، ورفع الظلم والمعاناة التي حلت بسكان قطاع غزة، حتى لا تتعرض لما تعرض له الشعب الفلسطيني، فالعدو لن يردعه ويوقفه عند حده إلا الجهاد في سبيل الله .
* أمين عام مجلس الشورى
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
بحضور ملك البحرين.. شيخ الأزهر: الفرقة جعلتنا مطمعا للغير وآن الآوان للتضامن
قال الدكتور أحــمَد الطَّـيِّــب شَـيْخ الأزهــر، إنَّ التاريخ يُحدِّثُنا بأنَّ أُمَّتَنا الإسلاميَّة لم تَجْنِ من الفُرقة والتّشَرذُم وتدخُّلِ بعض دولها في الشؤون الداخليَّة لبعضِها الآخَر، أو الاستيلاءِ على أجزاءٍ من أراضيها، أو استغلالِ المذهبيَّةِ والطائفيَّة والعِرقيَّة لزرعِ الفِتَن بين أبناء الوطن الواحد، أو محاولات تغيير المذاهب المستقرَّة بالتَّرغيبِ وبالتَّرهيبِ، كلُّ ذلك لم تَجْنِ الأمَّةُ منه إلَّا فُرقةً ونزاعًا وصراعًا أسلَمَها إلى ضعفٍ وتَراجُع أطمعَ الغيرَ فينا وجَرَّأه علينا، حتى رأينا وسمعنا مَن يُطالبُنا بتهجيرِ شعبٍ عريقٍ وترحيلِه من وطنه ليُقيم على أرضِه منتجعًا سياحيًّا على أشلاءِ الجُثَث وأجسادِ الشُّهداء مِن الرجالِ والنِّساءِ والأطفالِ مِن أهلِنا وأشقَّائنا في غزَّة المكلومة، وبالتأكيد تتفقون معي في أنه آنَ الأوانُ لتضامُنٍ عربيٍّ إسلاميٍّ أخوي خالٍ من كل هذه المظاهر إذا ما أردنا الخيرَ لبلادنا ولمستقبلِ أمتنا.
وتوجه شيخ الأزهر -خلال كلمته بمؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي، بحضور ملك البحرين، بقصر الصخير الملكي- إلى اللهِ تعالى بالدُّعاء أن يُوفِّقَ قادة العرب في قِمَّتهم العربيَّة المُرتقبة في جمهوريَّة مصر العربية، وفي المملكةِ العربيةِ السعودية، وأنْ يجمعَ كلمتهم ويُوحِّد شملهم.
وقدم شيخ الأزهر الشكر لعلماءِ المسلمين وفقهائهم ومُفكِّريهم، لاستجابتِهم الكريمةِ لدعوةِ الأزهر الشريف ومجلسِ حكماء المسلمين، للتشاورِ حولَ تحدِّيات ثقيلة فرضها واقعٌ مؤلم لا يزال يجثم على صدور الجميع، معربا عن تقديره لهذا «المشهد» الاستثنائي الذي لم تَعْتَده أعيُننا بهذا الجمع، والذي تلاقت فيه أطيافُ الأُمَّة، وعلماؤها من السُّنَّةِ والشِّيعة الإماميَّة والزيديَّة، ومن الإباضية، بل من عامَّةِ المسلمين جميعًا مِمَّن وصفهم نبيُّ الإسلام صلوات الله وسلامه عليه، وهو يُحدِّدُ لنا: مَن هو «المسلم» الذي له في رقابِ المسلمين ذِمَّة الله ورسوله، وذلك في قولِه في الحديث الشريف: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَاكم الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ؛ فَلَا تخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ»..
ومن بابِ الحرصِ على استكمالِ المَسيرةِ وتجديد النوايا لخدمةِ الإسلام، أُعلِن شيخ الأزهر أنَّ المحطَّةَ التالية لمؤتمر الحوار الإسلامي – الإسلامي، سوف تحتضنُها جمهوريَّةُ مصر العربيَّة في الأزهر الشَّريف سائلا الله -جلَّ وعلا- أنْ يُوفِّقنا في العملِ لما فيه خير أُمَّتنا، وأنْ يُمكِّن لهذه الأُمَّة كلَّ سُبُلِ التآلُف والتقارُب والوحدة والتقدُّم والرَّخاء.
وعبر شيخ الأزهر عن امتنانه لاحتضانَ الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، لهذه الدعوة المخلصة للحوار بين الإخوة من أجل جمع الكلمة وتوطيد الأخوَّة الإسلامية في مواجهة التحدِّيات المشتركة، وتوفير الإمكانات اللازمة لإنجاحه وإيصال صوته ورسالته إلى العالم كله، سائلا الله أنْ يُديمَ على البَحْرين وسائرِ بلاد المسلمين الأمنَ والأمانَ والسَّلامةَ والاستقرار.