“الحال يُغني عن المقال”، يقول مواطن تونسي في الذكرى الـ14 لانهيار نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وسط تدهور اقتصادي واجتماعي وحقوقي تشهده البلاد منذ سنوات.

ففي ليلة 14 يناير 2011، ألقى زين العابدين بن علي خطابه الأخير للشعب التونسي في محاولة منه لامتصاص غضب الشارع وكبح جماح الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في 17 ديسمبر 2010.

لكن هذا الخطاب لم يحل دون اتساع رقعة الاحتجاجات لتشمل مختلف محافظات تونس، مما دفع بن علي إلى الفرار إلى السعودية، مُعلناً بذلك سقوط نظامه الذي امتد لنحو 23 سنة.

ويُعبر النادل في إحدى مقاهي تونس العاصمة، عبد الباسط التليلي، عن استيائه من الأوضاع بمناسبة الذكرى الـ14 لانهيار نظام بن علي.

ويقول، لموقع “الحرة”: “الحال يُغني عن المقال، لو كنا نعلم بما ستؤول إليه الأوضاع في تونس، لما خرجنا للمطالبة برحيل نظام بن علي وما كنا لنرفع شعار: شغل، حرية، كرامة وطنية”.

ويضيف: “الأوضاع ازدادت سوءاً، والأحزاب هي من استفادت من الثورة، لا السواد الأعظم من التونسيين”.

ويرى عبد الباسط أن “الفقر والبطالة واليأس في تونس كان ما قاد إلى الاحتجاجات التي أطاحت بنظام بن علي، لكن الأوضاع سارت بعد ذلك على نحو خابت فيه آمال التونسيين في تحسين معيشتهم، لذلك بتنا نشعر بالندم على اندلاع الثورة”.

وتأتي الذكرى الـ14 لسقوط نظام “التجمع الدستوري الديمقراطي” (حزب الرئيس بن علي) في ظرف تشهد فيه البلاد أوضاعاً اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة، وسط إجماع على فشل الحكومات المتعاقبة في تحسين حياة التونسيين.

يقول المحلل السياسي خالد كرونة: “لا شك أن لفيفاً من التونسيين يساورهم الندم، وهو ما نعزوه إلى شعور عام بخيبة الأمل من الطبقة السياسية التي أدارت المرحلة اللاحقة لفراره. فتحطم أحلام التشغيل والكرامة واستفحال الأزمات وتنامي الإرهاب ترك انطباعاً لدى جزء من الشعب، وبخاصة المهمشين اقتصادياً وثقافياً، بأن البلد استجار من الرمضاء بالنار”.

ويضيف لموقع “الحرة”: “رغم وجاهة بعض الدفوعات، يظل هذا التشخيص قاصراً عن إدراك أن سقوط بن علي كان سببه ذات الأزمات التي استمرت، وأن تحولات دولية وإقليمية كبيرة تُفسر الخيبات اللاحقة”.

ويردف قائلاً: “هناك من ينفخ في نار الالتفات إلى الماضي، متجاهلاً أنه لا يمكنه، في مطلق الأحوال، أن يصنع المستقبل”.

وتعاقبت على تونس منذ الثورة في 2011 خمس عشرة حكومة، من بينها اثنتا عشرة حكومة تم تشكيلها قبل إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021، وثلاث حكومات بعد هذا التاريخ.

ويرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن السبب الرئيسي لـ”تحسر التونسيين” على نظام بن علي هو غياب الاستقرار السياسي والاجتماعي بعد الثورة، مؤكداً أن النظام السابق اتسم بالاستقرار النسبي على امتداد عقود، وحتى اللحظات الأخيرة قبل انهياره.

ويوضح الجورشي، في حديثه لموقع “الحرة”، أن المستوى الاقتصادي والاجتماعي في تونس قبل الثورة كان أفضل بكثير مما هو عليه بعدها، وهو عامل أساسي يجعل شريحة واسعة من التونسيين تساورها “نوستالجيا” إلى تلك الفترة بالنظر إلى أهمية المستوى المعيشي آنذاك.

في السياق ذاته، يعتبر الجورشي أن الحنين إلى الماضي حالة طبيعية توجد في معظم الثورات التي حدثت، مؤكداً أنه بعد كل ثورة تأتي عملية اهتزاز وارتباك يحتاج فيها المجتمع إلى فترة طويلة للعودة إلى الاستقرار.

ويشير إلى أنه “ليس كل التونسيين يحنون إلى عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي”.

وعلى امتداد 14 سنة، شهدت تونس عدة أزمات سياسية، من ضمنها تلك التي أعقبت اغتيال قياديين اثنين في أحزاب اليسار عام 2013، مروراً بالأزمة السياسية في 2016 التي أفضت إلى حوار في قصر قرطاج الرئاسي، ووصولاً إلى أزمة 2021 التي تلت إعلان الرئيس سعيد حل الحكومة والبرلمان والتأسيس لما سماها مرحلة “الجمهورية الجديدة”.

وبالعودة إلى مقارنة المؤشرات الاقتصادية بين فترة ما قبل الثورة التونسية وما بعدها، وفقاً للإحصائيات الرسمية، فقد قفز الدين العام لتونس من 40.7% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2010 إلى ما يفوق 82% سنة 2024، فيما تراجعت نسبة النمو من أكثر من 4% إلى 1.6%.

أما نسبة البطالة، فقد كانت في حدود 13% قبل اندلاع الثورة، ووصلت إلى 16% خلال العام الماضي، فيما ارتفعت نسبة التضخم من 4.5% في ديسمبر 2010 إلى 6.2% في ديسمبر 2024.

وفي تحليله لواقع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في تونس في فترة ما قبل الثورة وما بعدها، يقول الخبير الاقتصادي محمد صالح الجنادي لموقع “الحرة”: “الفوارق شاسعة نتيجة تواصل الانهيار على هذين الصعيدين على امتداد 14 سنة”.

ويشدد الجنادي على أن الحكومات المتعاقبة ركزت على الانتقال السياسي وأهملت الانتقال الاقتصادي والاجتماعي، مما أدى إلى تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين وتراجع الاستثمار وارتفاع البطالة، فضلاً عن إثقال كاهل الاقتصاد بالاقتراض الموجه لسداد الأجور.

ويدعو الحكومة التونسية إلى ضرورة القيام بإصلاحات جذرية تشجع على الإنتاج ودفع الاستثمار، وتعيد للدولة دورها الاجتماعي في تحسين أوضاع التونسيين وحفظ كرامتهم.

وتتوقع الحكومة تحقيق نسبة نمو اقتصادي في حدود 3.2% في أفق 2025، وأن ينخفض الدين العام إلى 80.46% هذا العام، ويواصل الانخفاض إلى 76.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2027، مع توقع انخفاض عجز الميزانية أيضاً ليصل إلى 3.6% بحلول العام نفسه.

الحرة

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: فی تونس

إقرأ أيضاً:

فعالية “البداية” بدمشق… عروض فنية تستعيد روح الثورة السورية وقصص المختفين قسراً

دمشق-سانا

لأجل الثورة السورية ومبادئها السامية، انطلقت في دمشق القديمة اليوم تظاهرةً ثقافية بعنوان: “البداية”، تحمل في جعبتها معارض فنية، وأفلاماً سينمائية، وعرضاً موسيقياً لذكرى الثورة، وصور المظاهرات والمعتقلين والمختفين قسرياً، وقصصاً من معاناة السوريين وأوجاعهم ونضالهم ضد النظام البائد.

الفعالية التي حملت عنوان: (لتكن بداية الحياة والسلام لسوريا)، تستمر لغاية ال28 من الشهر الجاري نُظمت في مقر مدنية بيت فارحي بحي الأمين، حيث جمعت تحت سقفها في افتتاحيتها أربعة معارض من رحم الثورة، وهي (تصاميم ولافتات الثورة)، و(ملصقات الثورة للفنان منير الشعراني)، و(البعث) للفنان المغترب جابر العظمة، و(طوابع الثورة) للفنان المغترب عمار البيك، فيما تميّزت الفعالية بحضور عدد كبير من الأجانب.

وقد عكست التصاميم واللافتات مشاهد من الثورة السورية، بما فيها لافتات المظاهرات وتنظيمها، حسب أسماء أيام الجمعة، حين اندلعت الشرارة الأولى لها، ومشاركة النساء بقوة فيها، والشعارات التي تطالب بالمعتقلين والمغيبين قسرياً، فيما عبّرت الملصقات زخرفياً عن المدن والبلدات والمناطق التي قصفها النظام البائد.

وتميز معرض “البعث” بتقديم صور لأشخاص وفنانين سوريين تحمل جريدة “البعث” بطرقٍ متنوعة ما بين جريدة محترقة، ومدماة، والصور الكاذبة، وتزوير الوقائع التي كان يقوم بها النظام.

ولأول مرة منذ 14 عاماً عرض الفنان منير الشعراني أعماله التي نطقت بجرائم القتل والقمع والانتهاكات، مؤكداً لـ سانا الثقافية أن مشاركته بلوحات وملصقات أنتجها خلال الثورة تعبّر عن رفض النظام الديكتاتوري المجرم، وكذلك رؤيته لسوريا التي يطمح إليها الجميع، مشدداً على ضرورة استكمال مسيرة التغيير نحو الديمقراطية وتعزيز الوحدة الوطنية.

الفنان رسام الغرافيك فادي عساف أشار لـ/سانا/ إلى أن المعرض يهدف للتذكير بالمبادئ التي خرجت من أجلها الثورة عبر اللافتات والبوسترات والملصقات التي وثقت أهم المجازر والأحداث من بانياس والحولة إلى مجازر الكيماوي.

وأضاف عساف: “كنتُ اليوم مشرفاً على معرضي الفنانين عمار البيك وجابر العظمة، وسررت جداً بالحضور الكثيف، خصوصاً من فئة الشباب، وهو ما يدل على أن عجلة الثقافة دارت من جديد، ويبشر للمستقبل، إذ إننا بحاجة إلى دعم الحياة الثقافية أمام التعطش الحقيقي لدى الشباب السوري لها، ولا سيما مع إقبال المغتربين والأجانب على حضور الفعالية، ما يؤكد أن العالم يعرف كل حقائق ووقائع الثورة التي سعى النظام عبثاً لإخفائها وتشويهها.

ولمدة 75 دقيقة تابع الجمهور بشغف وتفاعل الفيلم الوثائقي (عيوني) للمخرجة ياسمين فضة، والذي يركز على تصوير بداية اندلاع الثورة، وكيفية نقل الشهود للحقائق للعالم الخارجي، ثم يتكلم عن جريمة الإخفاء القسري.

وأوضحت المخرجة فضة لـ سانا أن فيلمها يتحدث عن قضية المغيبين قسراً، بما فيها قضيتا الأب باولو دالوليو، الذي اختُطف في الرقة، والناشط باسل الصفدي الذي قتله النظام بمعتقلاته.

وقالت فضة: “أنهيتُ الفيلم منذ خمس سنوات بعد سبع سنوات من العمل المتواصل، ورغبتُ اليوم بعرضه للمرة الأولى في دمشق لتسليط الضوء على معاناة السوريين مع هذه الجريمة الإنسانية”، مؤكدةً أن الفيلم يهدف إلى فتح نقاش عام حول قضية المختفين.

ساشا أيوب، المنتجة السينمائية وممثلة مؤسسة “ستوريز فيلم”، أوضحت بتصريح مماثل أن المؤسسة نظمت سلسلة عروض يومية للأفلام من ال22 حتى ال26 من الشهر الجاري، وفعالية اليوم تركز على انطلاقة الثورة وقضايا التهجير والاعتقال القسري، مشيرةً إلى الحضور الكثيف من فئة الشباب الذين لم يعيشوا بدايات الثورة.

وأكد عدد من المشاركين أن الثقافة والفن يشكلان ركيزة أساسية لإعادة بناء المجتمع السوري، وأن تكريس مبادئ الثورة ضرورة لحماية مستقبل البلاد، وهو ما ظهر في تظاهرة اليوم.

تابعوا أخبار سانا على 

مقالات مشابهة

  • اليابان تنسخ نظام “إيستا” الأمريكي لتنظيم عمليات دخول السواح لأراضيها
  • مسير ومناورة لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في جحانة بصنعاء
  • جريدة الثورة وموقع “نبض” للأخبار العربية يوقعان اتفاقية تعاون مشترك ‏
  • “البداية”… تظاهرة ثقافية في دمشق تستعيد روح الثورة السورية وقصص المختفين قسراً
  • بحث الجانبان أوجه التعاون.. “الربيعة” يلتقي عددًا من المسؤولين في القطاع الصحي التونسي
  • حماية الإعلام الحر في السودان- “السودانية 24” بين مطرقة السلطة وسندان الحقيقة
  • غليان ضد قيس سعيد.. الثورة الجديدة وترتيبات اليوم التالي في تونس
  • “الموانئ والجمارك دبي” تطلق إستراتيجيتها الشاملة للذكاء الاصطناعي
  • فعالية “البداية” بدمشق… عروض فنية تستعيد روح الثورة السورية وقصص المختفين قسراً
  • “يافا”.. التسمية التي أظهرت غيظ نتنياهو