سعرها خيالي وما بداخلها لا يُصدق.. شاهد طائرة الملياردير ‘‘الوليد بن طلال’’ التي نقلت ‘‘نيمار’’ إلى السعودية
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
قدم نادي الهلال السعودي، يوم أمس السبت، لاعبه الجديد، البرازيلي نيمار، في ملعب الملك فهد شرقيّ الرياض، بعد وصوله المملكة، على متن طائرة الوليد بن طلال المعروفة بـ”القصر الجوي”.
وكشفت تقارير صحفية، تفاصيل خيالية عن مواصفات طائرة الوليد بن طلال التي أقلت نيمار إلى السعودية.
تعد طائرة الأمير السعودي، الوليد بن طلال، من طراز “إيرباص A380”، ويبلغ سعرها 500 مليون دولار، وتلقب بـ”القصر الجوي”، لما تحتوي عليه من مميزات جعلتها أغلى طائرة في العالم.
وبحسب التقاير، يمكن أن تستوعب الطائرة عادة نحو 600 مسافر. وهي مجهزة للأمير السعودي بشكل خاص، وتحتوي على غرفة استراحة تستوعب 25 شخصا من مساعديه، و5 أجنحة ملكية. وغرفة صلاة مع سجاد إلكتروني بحيث تكون دائما موجهة نحو مكة. وحمام تركي، وقاعة للحفلات الموسيقية، ومكان ركن للسيارات.
اقرأ أيضاً سلطنة عمان تنقذ مليشيا الحوثي وتمنحها المخرج المناسب وتمتص غضب اليمنيين أول ظهور لوالدة ”نيمار” في السعودية بعد انضمامه للهلال وصديقته تنافس ”جورجينا” بملابسها ”شاهد” وصول 100 شاحنة إغاثية من السعودية إلى منفذ الوديعة لتوزيعها على عدد من محافظات اليمن بينها صعدة الحزن يعم مواقع التواصل في السعودية عقب وفاة ”عروس حائل” خلال قضائها ”شهر العسل” السعودية تعلن ضبط مئات المخالفين من الجنسية اليمنية المرور السري السعودي يطارد سيارة يقودها مقيم يمني بعد الاشتباه فيه .. وعند تفتيشها كانت المفاجأة الصادمة (فيديو) مليشيا الحوثي تلوح بالحرب.. وتكشف طبيعة المفاوضات مع الوفد العماني التحالف يحزم حقائبه ويغادر اليمن.. ووضع اللمسات الأخيرة لإعلان اتفاق نهائي وفاة وإصابة 4 مواطنين إثر تصادم سيارتهم مع مجموعة من الإبل شرقي اليمن محمد علي الحوثي يمدح زعامة ومكانة السعودية في العالم: قوة لا تُقارن شاهد لحظة وصول اللاعب البرازيلي ”نيمار” إلى العاصمة السعودية الرياض بعد انضمامه للهلال الرياض تنجح في إمتلاك أدوات القوة الناعمة التي امتلكها اعداؤهاتستوعب الطائرة نحو 600 مسافر، ولديها القدرة على الطيران لمسافة تقدر بـ 15200 كيلومترا. أي أنها تستطيع الطيران من هونغ كونغ في الصين إلى بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية. وتبدأ سرعتها الفعلية من 900 كم/ساعة، وفق "العربية".
وماس الجمعة، وصل نيمار إلى الرياض رافعًا الوشاح الأزرق الملون بألوان قميص الهلال السعودي.
المصدر: المشهد اليمني
كلمات دلالية: الولید بن طلال
إقرأ أيضاً:
المدينة الآثمة بوصفها سردية العار المؤسس: الوليد مادبو وتفكيك الجنسانية السلطوية
(( المدينة الآثمة: "حديث الجنسانية" للدكتور الوليد مادبو نص يتجاوز التنظير إلى مساءلة الذات السودانية من خلال تشريح علاقتها بالجنسانية والجسد والسلطة )).
ليست هذه المدينة التي يصفها الوليد مادبو مكانًا بعينه، بل وعيًا مكسورًا يمشي على قدمين. مدينة لا تُبنى من حجارة، بل من وجوه، من نفاقات صغيرة، من خيانات ناعمة، من تلك الجُمل التي نتلفّظ بها ونحن نُخفي رغبتنا ونبتسم، من اللغة نفسها وقد صارت خادمة للسلطة وأداة للتبرير. المدينة الآثمة ليست هي الجغرافيا، بل هي المعجم حين يصير في خدمة القهر. إنها التجلي اللغوي للعار حين يُصبح نظامًا، للذة حين تتحول إلى حقل ألغام، وللأجساد حين تُعاد صياغتها لا بوصفها كيانات تشتهي وتُحب، بل كأوعية للسلطة، وساحات للعقاب.
في هذا النص المدهش، لا يكتب مادبو عن الجنسانية كما يُكتب عنها عادة، بوصفها تيمة بيولوجية أو مجازًا اجتماعيًا، بل بوصفها العقدة العصبية التي تتقاطع فيها السياسة، والدين، واللغة، والتاريخ، والطبقة. كتابه أشبه بتشريحٍ حارٍّ لجسدٍ مصلوب في قلب مدينة بلا قلب. جسد لم يُمنح أن يتكلّم، بل أن يُقال عنه، أن يُقرأ من أعلى، أن يُفسَّر دائمًا بغير لسانه، وأن يُطوى داخل أخلاق ملفّقة ليست سوى تجميل للهيمنة، وإعادة إنتاج للسيطرة.
في فضاء مثل الفضاء السوداني، حيث الجنسانية تُختزل في “الحياء”، ويُدار الجسد كملف أمني، ويُحوَّل الجمال إلى إثبات إدانة، فإن الكتابة عن الجنس ليست تجرؤًا، بل مساءلة للبنية الأخلاقية نفسها. مادبو لا ينطلق من فضيحة، بل من سؤال: من الذي يحق له أن يعرّي من؟ من يملك تعريف الحياء؟ من يصوغ اللغة التي نعبّر بها عن رغبتنا؟ ولماذا تكون الفحولة، حين ترتدي بزّة العسكر أو جبّة الإمام، محلّ احترام، بينما الحنان يُعدّ هشاشة؟ لماذا الفجور المنظَّم هو ما تمنحه المدينة شرعيتها، بينما الحب المتلعثم هو ما تسخر منه؟
هنا، تستدعي أطروحة مادبو استبصار بيير بورديو في “العنف الرمزي”، حيث تتحول أدوات التعبير إلى أدوات للهيمنة، وتُعاد صياغة الرغبة ضمن شروط السلطة. الجسد لا يُمنَع فقط، بل يُعلَّب. لا يُراقب فحسب، بل يُحتَقر.
لا يُخنق فحسب، بل يُختزَل. ولذلك، فإن اغتصاب النساء والأطفال – الذي يناقشه النص بشجاعة وصرامة – ليس انحرافًا فرديًا، بل ذروة نظامية لانهيار الرمز، وانكشاف الكبت كأداة سلطوية تُمارس بوَجهَيْن: الطهارة المدّعاة في العلن، والتوحش المؤسسي في الظل.
لكن ما يستدعي وقفة أطول في نص مادبو هو اشتغاله على اللغة ذاتها، لا بوصفها حاملًا للمعنى، بل بوصفها بُنيةً تشريحيةً للجسد الاجتماعي. هنا، لا يكون النص تفكيكًا لما هو مفعول به في الواقع فحسب، بل أيضًا لما هو مفروض علينا في المعجم. إذ لا يمكن للجنسانية أن تتحرّر ما دامت مفرداتها تُصاغ من داخل مخيلة القامع، ولا للجسد أن يسترد حقه في اللذة ما دام يُكتب بلغة العار.
في هذا السياق، يبرز استخدام لفظ “النياكة” بوصفه مركزًا دلاليًا يُلخّص كيف تتحوّل اللغة نفسها إلى أداة من أدوات الإخضاع.
لا يتحدث مادبو عن هذه المفردة بوصفها فعلًا جنسيًا، بل كمفردة ثقافية، كنظام لغوي متكامل يُعيد تشكيل الجسد ضمن علاقات الخضوع. وحين يستعمل هذا اللفظ، لا يفعل ذلك بهدف الإثارة أو الصدمة، بل ليكشف المسافة الفاجعة بين لغة الرغبة ولغة السيطرة، بين الجسد كحاجة بشرية، والجسد كأداة استعراض سلطوي.
يشير مادبو صراحة إلى أن هذا اللفظ كان ينتمي إلى بنية تعبيرية مشروعة، لكنها أُفرغت من معناها الديني، وصارت تُستخدم لاحقًا للتصنيف والازدراء، كما في قوله: “منيكة ساكت”. وهذا ما يستدعي قراءة سيميائية للنص، لأن اللغة هنا ليست وعاءً بريئًا، بل طرفًا أصيلًا في الجريمة.
إنها اللغة نفسها التي، حين تقول “شرف”، تُخفي اغتصابًا؛ وحين تقول “عفّة”، تُبرّر قتلًا؛ وحين تقول “رجل”، لا تعني نضجًا بل سطوة.
هكذا يتحوّل المعجم من أداة تواصل إلى سلاح تأديب، وتتحول الكلمات من علامات إلى قيود، من رموز للحياة إلى نصوص للعقاب.
المدينة الآثمة، إذن، ليست التي “يحدث فيها الفساد”، بل التي تمنح للفساد لغته النبيلة، وتسميه “مروءة”، وتُنتج خطابًا مخصيًّا، ثم تسميه دينًا. ولذلك، فإن السؤال الجوهري الذي يسكن النص هو سؤال العدالة الرمزية: كيف يمكن أن نعيد للغة بريقها، للأنوثة معناها، وللرغبة لغتها، في مجتمع يجلد الجسد بتواطؤ من النصوص، والشعائر، والميكرفونات؟
أحد أقوى مواضع الكتاب، حين يصف مادبو اغتصاب الأطفال بوصفه “مرآة المدينة” لا استثناءً منها. إنها لحظة سقوط جماعي. لحظة تتكشّف فيها البنية كاملة: الأب الذي لا يُصغي، الأم التي لا تجرؤ، الجار الذي يصمت، الخطيب الذي يحرّض، الدولة التي تبرّر، والصحف التي تهمس.
إنها لحظة تواطؤ لا يمكن تبريره، وهنا يُستدعى تحليل من علم النفس التحليلي الجمعي، حيث يتحول المجتمع إلى “أنا كليّة خائفة” تهرب من اعترافها، وتختبئ خلف قيم مصطنعة. يشبه الأمر ما أشار إليه إريك فروم عن “الشخصية السادية” التي تتلذذ بالسيطرة حين تعجز عن الحب.
ولا يمكن فصل ذلك، كما يرى مادبو، عن سقوط المشروع السياسي ذاته، لا لأن السياسة فشلت في منع الجريمة، بل لأنها أُعيدت صياغتها بوصفها تكنولوجيا للفحولة، حيث السلاح لا يُستخدم لحماية المدينة، بل لإخضاعها. الإنقاذ لم تكن مجرد نظام سلطوي، بل نظام لغوي أيضًا، نظام أعاد تعريف الشرف والخوف والمواطنة والفضيلة، حتى صرنا نُصدّق أن الجمال خطر، وأن المرأة فتنة، وأن العناق خيانة، وأن الجسد عورة، وأن القُبح فضيلة!
وحين يتحدث الكاتب عن زيارته للجنوب، فإن اللغة تهدأ فجأة، وكأن النص يتحول من سِفر الاحتجاج إلى نشيد اعتراف.
يعترف: لقد خذلنا الجنوب. ليس لأننا لم نحافظ على وحدته فحسب، بل لأننا صدّرنا إليه وهم الطهر، بينما كنا نغتصب ذواتنا في الخفاء. الجنوب، في هذا المقام، ليس إقليمًا، بل مرآة. مرآة كنا نخاف أن ننظر فيها لأننا سنرى ملامح الوحش الذي صنعناه، وسنسمع صراخ الأنوثة وهي تُسحق تحت عمامة الفقيه، وفوهة البندقية.
وفي لحظة نادرة من الحفر، يربط مادبو بين انهيار الزواج كمؤسسة، وبين تدمير القدرة على الحميمية. ليس لأن العلاقات انتهت، بل لأن الثقة ماتت. لأن المدينة، حين تتحول إلى مراقب، تقتل الحميمية، وحين تُحاكم اللمسة، تزرع فينا الخوف من أن نُحب. ويكتب: “ما عاد بالإمكان القبول بمحاولات الإصلاح التلفيقية”، وكأن كل محاولة للتجميل ليست سوى تجديد لقناع الجريمة، وأن أول خطوة نحو النجاة هي الاعتراف بأن الجسد لا يُصلح من فوق، بل يُحرّر من الداخل، من المعنى، من الرغبة.
في قلب هذا النص، يتبدّى أن الجنسانية ليست مجرد مسألة رغبة أو تابو اجتماعي، بل هي البنية العميقة التي يعيد النظام من خلالها إنتاج نفسه، وتوزيع الخوف، وتمويه الخضوع.
لقد أدرك الوليد مادبو أن الجسد ليس ساحة هامشية في خطاب السلطة، بل هو المسرح الأساسي للعقيدة السلطوية. تمامًا كما ذهب إتين دو لا بويسيه حين قال إن الطغيان لا يحتاج إلى القمع وحده، بل إلى الخنوع المُستبطن. والمدينة الآثمة ليست سوى التعبير المكثّف عن هذا الخنوع وقد صار سياسة، وصار أخلاقًا، وصار ديكورًا يوميًا للحياة.
لماذا لم يُسمّها “المدينة الساقطة”؟ ولماذا اختار “الآثمة”؟ الكلمة نفسها محمّلة برنين لاهوتي، تحيل إلى الخطيئة، إلى الذنب، إلى لعنة مؤسسة. وكأن مادبو يريدنا أن نعيد تأويل نصنا الأخلاقي الجمعي من جديد: أن نعيد تسمية ما نظنه فضيلة، ونُدقق في ما نظنه إثمًا. ليس الآثم من يرغب، بل من يكبت ويقتل. ليس من يُحب هو المجرم، بل من يجرّم الحب ويُشيد حوله أسوار الحذر. في هذه التسمية يكمن البُعد الما-ورائي للنص، حيث المدينة ليست “مدينة دنيوية” فحسب، بل كيان لاهوتي فاسد، كما تصوّرها أدورنو حين قال: “حيث تغيب الرحمة، تبدأ السياسة”.
والرحمة هنا ليست شعورًا فرديًا، بل هي نظام حياة. ولأن الرحمة لا تُمارَس، فإن الجميلات، في هذا النص، لسن مجرد نساء. هن استعارة مكثفة لمفهوم الجمال حين يتحول إلى عبء. الجمال، في المدينة الآثمة، ليس امتيازًا، بل خطر دائم، يُراقَب، يُشتم، يُزدرى، ويُقمع. يكتب مادبو: “الجميلات هن الجميلات”، جملة تتكرر بشكل شبه جنائزي، وكأنها نشيد لجنازة علنية لحق الجمال في أن يُرى دون أن يُنتهك، وفي أن يُعاش دون أن يُحتقر.
في المجتمعات التي تنتج ذكورة مخصيّة، حيث يُربّى الذكر على الخوف من الحنان، والخجل من الاعتذار، والتباهي بالعنف، تصبح الجميلة هي العدو، لأنها تذكّر هذا الذكر بعجزه، وتمنحه مرآة لا يريد أن ينظر فيها. وهكذا، لا يعود الجمال إغواءً للذات، بل فضحًا لخللها، ومصدرًا لاحتقار الذات المُستلبة، كما عند بول ريكور حين يتحدث عن “الشر الذي لا يُغتفر”: أن تكره من يُظهر لك هشاشتك.
ولعل أكثر ما يُحسب لهذا النص، أنه لا يُحمّل الذكر وحده مسؤولية الخراب، بل يرى أن المنظومة بأكملها ـ من المدرسة إلى المسجد، من الأم إلى الخطيب، من القانون إلى الحي الشعبي ـ قد اشتركت في إنتاج هذا العنف المقنّع. الكل، بدرجات متفاوتة، شارك في تربية الذكر بوصفه مشروع اغتصاب محتمل، والأنثى بوصفها مشروع لوم جماعي. ولهذا لا يتردد مادبو في أن يقول: “لقد ساهم أكثرنا بالأنانية والتجاهل والجبن في تشييدها”؛ المدينة، أي مدينة، لا تُبنى فقط بالحجارة، بل بما نمرره من سكوت، وبما نباركه من لغة، وبما نتغافل عنه من فجور مقنّع.
وهنا يجب أن نستعيد البعد الطبقي للنص. فالمتحرش ليس فقط منتجًا فرديًا لاختلال جنسي، بل ابن نظام طبقي يُشعره يوميًا بوضاعته، وبلا جدواه، وبأن المدينة ليست له. وحين لا يستطيع أن يملك المدينة، يملك الجسد. وحين يُقصى من السلطة، يبحث عن ضحية. هذه ليست سردية لتبرير العنف، بل لتفكيكه. وكما يقول إرنست بلوخ: “حين لا يجد الإنسان معنى، يبدأ في تعذيب مَن حوله”. والسوداني المقموع، كما يصفه مادبو، لا يعذّب فقط، بل يعيد إنتاج العذاب تحت اسم الشرف.
ووسط كل هذا الظلام، لا ينعدم الأمل، بل يتخذ شكلاً مراوغًا. الأمل، في هذا الكتاب، ليس شعارًا، بل فعل مقاومة رمزية، تبدأ من استعادة اللغة، ومن استعادة الحق في الكلام عن الرغبة دون أن نُشعر بالذنب. يبدأ الأمل من الاعتراف، لا من الخطابة. من الحنان، لا من الطهرانية الزائفة. من القدرة على أن نقول إن الجسد ليس مؤامرة، وإن الحب ليس خيانة، وإن الحياء لا يُبنى بالجهل، بل بالمعرفة العميقة بالنفس.
وربما يكون أكثر ما يمكن أن يُقال عن هذا النص، أنه يكتب من نقطة في القلب ليست محايدة. فمادبو لا يُحلل فقط، بل يُحاكم. لا بوصفه قاضيًا أخلاقيًا، بل بوصفه واحدًا من الذين ساروا في شوارع هذه المدينة، سمعوا أنينها، وشاركوا – بدرجة ما – في صمتها، ثم اختاروا أن يتكلموا. أن يضعوا الكلام في مواجهة الخوف، وأن يقولوا إن الجنسانية ليست عيبًا، بل العيب أن نعيش عمرنا نرتجف كلما نطقت الرغبة فينا.
في لحظة ما، وأنت تقرأ المدينة الآثمة، تدرك أن الجنوب، ذلك الذي أفرد له مادبو فصلًا شفيفًا، لا يتكلم. الجنوب يُحكى عنه، يُروى بوصفه مكانًا للحظة استبصار، أو كمرآة تعكس تشوهنا في المركز، لكنه لا يظهر كذات. وهذا ليس سهوًا شكليًا، بل فجوة رمزية، تستحق أن تُقرأ في ضوء تحليل الخطاب. إذ لماذا لا نتخيل الجنوب ناطقًا؟ لماذا نظل نضعه في خانة المتلقي الأبدي للخذلان؟ أليس في هذا التوزيع الصامت للتمثيل، ما يعكس استمرارًا خفيًا لمركزية لغوية تتنكّر لما تدّعي تجاوزه؟
قد يكون هذا الغياب، هو أكثر ما يجعل من نص مادبو نصًا صادقًا: لأنه لا يتجمّل. لا يدّعي العدالة المطلقة، بل يترك في سرده فجوات يمكن أن تدخل منها الأسئلة. وهذا ما يجعلنا نتساءل: ماذا لو كتب هذا النص بجسد جنوبي؟ هل كانت المدينة ستكون آثمة بذات الطريقة؟ هل كان الشرف سيتجلّى كخطاب مخصي بنفس التركيب؟ هذه الأسئلة لا تنقض النص، بل تُتمّه. لأنها تُظهر أن ما لم يُكتب، لا يقل أهمية عن ما كُتب. الصمت ليس فراغًا، بل جزء من المعمار الرمزي.
وعليه، فإن الرهان الأكبر لهذا النص هو على إمكانية الاعتراف. ليس الاعتراف الجنسي، بل الاعتراف بالانحراف البنيوي في فهمنا للذات. حين يتحول الاعتراف من فعل فردي إلى ممارسة جماعية، يصبح الجسد ليس فقط موضوعًا للرغبة أو العار، بل موضوعًا للعدالة. العدالة بوصفها استردادًا للغة. فالذي يُحرم من التعبير عن رغبته، يُحرم من اسمه. ومن هنا نفهم كيف أن المدينة الآثمة لا تقتل بالجسد، بل بالصمت.
ما يطرحه مادبو ليس مشروع إصلاح سلوكي، ولا دعوة لمزيد من التنوير المدرسي. إنما هو دعوة لتغيير جذري في الخيال الاجتماعي. الخيال الذي يشكّل تصوراتنا عن الأنثى، عن اللذة، عن الحياء، عن الحب، عن الذكر، عن الغواية. هذا الخيال – كما يرى كورنيليوس كاستورياديس – لا يتغير بالمواعظ، بل بالثورات الرمزية، بتغيير اللغة، وتكسير الصور، وإعادة رسم المتخيَّل العام. والمدينة لا تُشفى بإصلاح البنية التحتية، بل بإعادة صياغة المعنى الذي نحيا به.
وربما هنا، في هذه النقطة تحديدًا، يصبح لهذا النص ضرورة. لأنه لا يقول لنا فقط أن المدينة آثمة، بل يضعنا، نحن القراء، موضع التورط. نحن لسنا خارج النص. نحن لا نقرأه من علٍ. بل نحن أحد أشكال هذه المدينة. صمتنا جزء منها، حذرنا، تهذيبنا المصنوع، سكوتنا حين يُذكر الجنس، تلك الابتسامة المتواطئة حين تمر امرأة جميلة في شارع مليء بالذكور، تلك الغمزات، تلك النكات، ذلك العجز عن قول “أنا أحتاج” دون أن نخاف من أن نُجرَّم.
لذلك، فإن هذا النص لا يطلب إعجابك، بل يُحرّضك على الخوف من نفسك. لا يطلب التصفيق، بل يجعلك تسأل: هل أنا أحد هؤلاء الذين بنوا هذه المدينة؟ هل كنت فاعلًا أم متفرجًا؟ هل أُحب دون أن أُسيء؟ هل أُرغب دون أن أمتلك؟ هل أستطيع أن أرى جسد الآخر دون أن أختزله؟ هل أملك الشجاعة لأقول إنني أريد، دون أن أُستدعى إلى محكمة الأخلاق؟
وأنت تخرج من هذا النص، لا تحمل حلاً. بل تحمل مرآة. لكن هذه المرآة لا تعكس ملامحك فقط، بل تعكس المدينة بكاملها، وأنت فيها. هذا ليس كتابًا يُقرأ، بل يُنصت إليه كوشوشة آخر الليل، حيث تعود رغباتك القديمة لتقول لك: لم تكن آثمًا حين أحببت. الآثمة كانت المدينة.
هذه المدينة الآثمة لا تحتاج إلى إسقاطٍ جديد، بل إلى اسم جديد للبوح المُحرّر من الوصاية.
zoolsaay@yahoo.com