إبداع.. قصة قصيرة.. القاهرة ١٩٧٧
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
القاهرة 1977
قصة قصيرة بقلم: نور
كان عزيز ساعي البريد أو البوسطجي - كما يقال بالعامية- يستيقظ في السابعة صباحًا، وكان يتجول في حي الدويقة، منطقته البسيطة أو دعني أوضح أنها أكثر من بسيطة.. يتجه نحو عم عماد بتاع الفول بعد أن ألقي التحية على معظم أهل الحارة ثم يتناول الإفطار، ومن ثم بعدها يتجه ليأخذ أول مشروع يقابله كي يهبط في وسط البلد.
يسير عزيز وهو يتأمل المباني والشوارع ويشعر بحزن وكأبة تخرج من تلك الشوارع بعد أن شهدت وسط البلد جنازة العندليب.
يستكمل عزيز السير ويستمر في مشاهدة المباني وهو يشم رائحة العوادم والتراب ويتذكر كم كانت القاهرة جميلة ولكن دمرها أهلها.
يصطدم بأحد السائرين الذي ما لبث أن سبه وكأنه يوقظه ويعيده الي أرض الواقع: مش تفتح يا بهيم!
-لا مؤاخذة يا أخينا ما أخدتش بالي.
لم ينزعج عزيز من كلمات الرجل، فهو يعرف أن الشعب المصري معروف بكرم أخلاقه.
استكمل السير وكانت أشعة الشمس محرقة تكاد تخترق فروة رأسه من شدة لهيبها ولكنه لم ينزعج منها فهو معتاد على السير في أى وقت سواء في الصيف أو الشتاء، وهو يعلم جيدا أنه لا يملك ثمن شراء سيارة، وفي بعض الأحيان لا يملك حتى حق المواصلات ولكنه كان راضيًا بالأمر الواقع، فهو واثق أن القاهرة لا تحتوى سوى أبنائها الأغنياء.
بعد ساعة من المعافرة مع لهيب الشمس، وصل عزيز أخيرًا إلى مكان عمله مكتب البريد. يدخل فيجد أمامه ملاك صديقه الوحيد في هذا المكان. غالبًا، لا يوجد أحد غيرهم يعمل هناك.
كان ملاك جالسًا على مكتبه بحجمه الضخم وعينيه البارزتين وشفتيه الغليظتين، وكان يلتهم الافطار وكأنه فريسة وقعت بين يديه.
لم ينتبه لعزيز فهو الآن يغوص داخل سندوتسات الفول والباذنجان.
سحب عزيز كرسيًا وجلس بجوار ملاك، وبدأ يدندن مع نفسه بصوت مسموع: يا ناسيني وانت على بالي وخيالك ما يفارق عيني.. ريحني واعطف على حالي وارحمنى من كتر ظنونى.
قاطعه ملاك: يبدو أنك فى حاله مزاجية جيدة.. فلتنتبه لتلك الخطابات التي لا بد من تسليمها.
لم ينتبه عزيز لكلماته واستكمل أغنية أم كلثوم ثم قال: ماذا تظن أن تحمل هذه الخطابات؟.
خيم الصمت للحظات قليلة ثم قال ملاك:
ربما يكون جواب من امرأة تخبر فيه عشيقها أنها حامل منه أو جواب من رجل عجوز حن لحبه الأول فقرر أن يراسلها على عنوانها القديم علها تقرأه وتتذكره.. علي أى حال مالناش دعوة.
فملاك لم يكن شخصًا فضوليًا ولا يعنيه البشر من الأساس، فهو يراهم أحقر من أن يعيرهم اهتمامًا. لا أعلم ربما خذله معظم من وضع ثقته بهم.
أخذ عزيز الثلاثة خطابات الموجودة داخل الصندوق، ومن حسن حظه أن كان مكان تسليم الخطابين الأولين هو وسط البلد، أما الثالث فكان عليه أن يوصله إلى طنطا. فقرر عزيز أن يبدأ بوسط البلد ثم يتجه مباشرة فى اليوم التالي إلى طنطا حتى لا تطول فترة غيابه عن زينب.
فزينب هي حب عزيز الأول، فتاة بسيطة تسكن بالقرب منه في حي الدويقة، يحبها بشدة وعلي ما يبدو أنها تبادله نفس الشعور.
دائمًا ما ينظر عزيز إلى زينب علي أنها مختلفة عن الجميع، فتاة غجرية ترتدى أبسط وأرخص أنواع الملابس ولكن بمجرد أن تطلق شعرها الحريري على كتفيها وتطل طلتها يلتفت إليها الجميع من شدة سحرها.
الجسد الممشوق والخصر النحيف والعينان الجريئتان، كل ذلك كان يجذب عزيز أكثر وأكثر نحوها.
فكان يغازلها ويردد لها كلما رآها مقطعًا من أغنية العندليب: "بحياتك يا ولدي امرأةٌ عيناها سبحان المعبود. فمها مرسومٌ كالعنقود. ضحكتها أنغامٌ وورود والشعر الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا"
هكذا يغازلها وكالعادة تضحك له ضحكتها الساحرة.
بعد أن سلم عزيز الخطابين عاد إلى منطقته فرآها تنظر حولها. يبدو أنها كانت تبحث عن شيء ما أو عنه. صافحها عزيز في وسط الطريق فهو لا يكترث بنظرات أهل الحارة لأىٍ منهما لأنه يعرف جيدًا أن علاقتهما أكبر من أن تتأثر بنظرات الآخرين.. ما كل هذا التأخير؟ هكذا بدأت زينب الحديث. عذرًا يا حبيبتي كنت أسلم بقية الخطابات.. علامات الدهشه ظهرت على وجه زينب وهي تقول: منذ متى وأنت من تسلم جميع الخطابات؟ أليس ملاك يعمل معك؟
أيوه ولكن ملاك سيأخذ إجازة هذه الفتره ثم كيف تعرفين ملاك؟
أنت تحدثت عنه معى أكثر من مرة ثم دعنا نتحدث في منزلك بدلًا من الوقوف في وسط الحارة هكذا..
وافق عزيز وذهبا إلى منزله كي يتحدثا سويًا، فعزيز يعيش وحده في ذلك المنزل المتواضع فهو يتيم الأب والأم.
تأتي زينب أحيانًا إليه لتجلس معه بدلًا من وحدته.
بدأت زينب في الحديث، ولكن لوهلة قاطعها عزيز وسألها: لماذا يا زينب من منذ أن أحببنا بعضنا لم تتحدثي عن موضوع الزواج معي؟ ألا تريدين الزواج مني؟
نظرت إليه بكل برود وقالت: عزيزي عزيز، ما فائدة أن نتزوج؟ أن ننجب أطفالًا؟ أليس كذلك؟ كي يشاركوننا الفقروالجوع وما نعانيه في حياتنا.. أو كي تنام معي مرة واحدة في الحلال؟
نظر إليها عزيز في حالة تعجب: زينب، لماذا تفكرين بشكل سلبي؟ أنا أريدك وأريد أن تكون لي حياة مستقرة معك. لا أريدك أن تشعري أنك مثل العاهرات تأتيني ثم ترحلين. أنا أحبك يا زينب.
ضحكت زينب بسخرية شديدة وبدأت تقترب أكثر منه وهي تردد: الحياة المستقرة التي تبحث عنها لن تجدها معي أو مع غيري فالاستقرار يعني وجود المال الذي لا نملكه.
ثم وقفت أمامه وخلعت ملابسها العلوية وقالت له: دعنا يستمتع كل منا بالآخر الآن فقد تكون هذه هي المرة الأخيرة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: قصة قصيرة نور وسط البلد
إقرأ أيضاً:
خبير اقتصادي: استغلال ملاك العقارات لرفع الإيجارات يهدد استقرار السوق .. فيديو
الرياض
انتقد المحلل الاقتصادي خالد الربيش الممارسات غير العادلة التي يتبعها بعض ملاك العقارات، مثل إخراج المستأجرين أو رفع أسعار الإيجارات بشكل مبالغ فيه.
وأكد الربيش خلال تصريحاته لـ “العربية”، أن هذه التصرفات تؤثر سلبًا على استقرار السوق العقاري وتزيد من الضغوط الاقتصادية على المستأجرين.
وأوضح أن بعض الملاك يستغلون الظروف الاقتصادية لفرض زيادات كبيرة في الإيجارات، مما يجعل الحصول على سكن مناسب تحديًا كبيرًا للعديد من الأسر.
ودعا إلى ضرورة وضع قوانين وضوابط تحد من هذه الممارسات وتضمن حقوق المستأجرين.
وأشار الربيش إلى أن هذه الممارسات قد تؤدي إلى تراجع الطلب على العقارات على المدى الطويل، مما يؤثر على استقرار السوق العقاري بشكل عام.
https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/01/ssstwitter.com_1736976710049.mp4