عقيدة ترامب: كيف تعيد الأحلام التوسعية تعريف السياسة الخارجية الأمريكية؟
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
في الأسابيع الأخيرة، أعاد الرئيس المنتخب دونالد ترامب إشعال الجدل من خلال التهديد بـ"الاستيلاء على" كندا وجرينلاند وقناة بنما، وقد أثارت هذه التأكيدات جدلا حادا وأثارت تساؤلات حول الدوافع وراء هذه المطالبات الإقليمية الطموحة. يتطرق هذا المقال إلى العوامل الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية التي تحرك اهتمام ترامب بهذه المناطق، ويستكشف السياق التاريخي والآثار المحتملة لمقترحاته.
السياق التاريخي: التوسع الأمريكي
تتمتع الولايات المتحدة بتاريخ طويل من التوسع الإقليمي، بدءا من شراء لويزيانا وحتى الاستحواذ على ألاسكا. وتعكس طموحات ترامب الحالية هذا الإرث، على الرغم من أنها أكثر تعقيدا وإثارة للجدل. وغالبا ما يمزج خطابه بين مخاوف الأمن القومي والمصالح الاقتصادية، مما يعكس أجندة أوسع نطاقا (أمريكا أولا) تعطي الأولوية للهيمنة الأمريكية على المسرح العالمي.
كندا: التكامل الاقتصادي وسياسات الحدود
تعكس طموحات ترامب الحالية هذا الإرث، على الرغم من أنها أكثر تعقيدا وإثارة للجدل. وغالبا ما يمزج خطابه بين مخاوف الأمن القومي والمصالح الاقتصادية، مما يعكس أجندة أوسع نطاقا (أمريكا أولا) تعطي الأولوية للهيمنة الأمريكية على المسرح العالمي
إن اقتراح ترامب بأن كندا يمكن أن تصبح الولاية رقم 51 في الولايات المتحدة هو اقتراح رمزي إلى حد كبير، ويعكس وجهة نظره بشأن الحدود بين الولايات المتحدة وكندا باعتبارها "خطا مصطنعا" ناضجا لإعادة التقييم. ويشكل هذا الموقف جزءا من استراتيجية أوسع لإعادة التفاوض على اتفاقيات التجارة وتأكيد النفوذ الاقتصادي الأمريكي. وهدد ترامب بممارسة ضغوط اقتصادية لتحقيق أهدافه في كندا، مؤكدا على الحاجة إلى شروط تجارية أكثر ملاءمة.
إن كندا، بمواردها الطبيعية الواسعة وموقعها الاستراتيجي، تشكل أهمية حيوية للمصالح الاقتصادية الأمريكية. وقد يهدف نهج ترامب إلى الاستفادة من التكامل الاقتصادي لكندا مع الولايات المتحدة لتأمين صفقات تجارية أفضل، مثل مراجعة اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA) لصالح المصنعين الأمريكيين.
جرينلاند: الموارد الاستراتيجية والأمن الوطني
جرينلاند، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي تحت الحكم الدنماركي، تتمتع بقيمة استراتيجية كبيرة بسبب موقعها ومواردها الطبيعية. ولطالما أعرب ترامب عن اهتمامه بالاستحواذ على جرينلاند، مشيرا إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي وإمكانية استخراج الموارد، بما في ذلك الليثيوم والجرافيت. وإن الموقع الاستراتيجي لجرينلاند في القطب الشمالي يجعلها حيوية للعمليات العسكرية والمراقبة، خاصة وأن المنطقة أصبحت أكثر سهولة في الوصول إليها بسبب تغير المناخ.
وتعكس مساعي ترامب المتجددة للحصول على جرينلاند رغبة في تأمين المصالح الأمريكية في القطب الشمالي، حيث تنشط الصين وروسيا بشكل متزايد. وتحتفظ الولايات المتحدة بالفعل بقاعدة عسكرية في جرينلاند، ولكن الاستحواذ على المنطقة بشكل مباشر من شأنه أن يوفر لها سيطرة أكبر على دفاعاتها ومواردها.
قناة بنما: الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية
كانت قناة بنما، وهي طريق شحن حيوي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، تحت السيطرة البنمية منذ أن تنازلت عنها الولايات المتحدة في أواخر سبعينيات القرن العشرين. وانتقد ترامب هيكل الرسوم الحالي، مدعيا أنه يضر بشكل غير عادل بالسفن الأمريكية، وأشار إلى أن القناة قد "تقع في الأيدي الخطأ"، وذكر الصين على وجه التحديد.
إن تهديدات ترامب باستعادة قناة بنما مدفوعة بمخاوف اقتصادية واستراتيجية، ويرى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى ضمان المعاملة العادلة لسفنها وحماية مصالحها في شريان تجاري عالمي حيوي. والأهمية الاستراتيجية للقناة تجعلها نقطة محورية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، لا سيما في ضوء المنافسة العالمية المتزايدة.
الضغوط العسكرية والاقتصادية: أدوات السياسة الخارجية لترامب
ألمح ترامب إلى استخدام القوة العسكرية والضغوط الاقتصادية لتحقيق طموحاته الإقليمية، في حين أنه لم يلتزم صراحة بعمل عسكري ضد كندا، فقد اقترحه كخيار لجرينلاند وقناة بنما. ومن المرجح أن يتم استخدام الضغوط الاقتصادية، مثل الرسوم الجمركية، ضد كندا والدنمارك للتأثير على قراراتهما.
يعكس هذا النهج أسلوب ترامب غير التقليدي في السياسة الخارجية، والذي يمزج في كثير من الأحيان بين تكتيكات التفاوض والخطاب العدواني. وربما تهدف استراتيجيته إلى خلق نفوذ للمفاوضات بدلا من الاستحواذ الفعلي على الأراضي، مما يسمح له بادعاء الانتصارات في اتفاقيات التجارة أو الوصول إلى الموارد
يعكس هذا النهج أسلوب ترامب غير التقليدي في السياسة الخارجية، والذي يمزج في كثير من الأحيان بين تكتيكات التفاوض والخطاب العدواني. وربما تهدف استراتيجيته إلى خلق نفوذ للمفاوضات بدلا من الاستحواذ الفعلي على الأراضي، مما يسمح له بادعاء الانتصارات في اتفاقيات التجارة أو الوصول إلى الموارد.
ردود الفعل والتداعيات الدولية
لقد قوبلت مقترحات ترامب بالتشكك والقلق من جانب المجتمع الدولي، وأكدت الدنمارك أن جرينلاند ليست للبيع، فيما رفضت كندا فكرة أن تصبح جزءا من الولايات المتحدة، كما قاومت بنما مزاعم ترامب، مؤكدة سيادتها على القناة.
الآثار المترتبة على تصرفات ترامب بعيدة المدى، فهي قد تؤدي إلى توتر علاقات الولايات المتحدة مع الحلفاء الرئيسيين، وتقويض التعاون الدولي، وخلق عدم استقرار في المناطق الحاسمة للتجارة والأمن العالميين. وعلاوة على ذلك، فإن مثل هذه التوسعية العدوانية من شأنها أن تشكل سابقة خطيرة، وتشجع الدول الأخرى على متابعة طموحات إقليمية مماثلة.
وتعكس تهديدات دونالد ترامب بـ"الاستيلاء" على كندا وجرينلاند وقناة بنما تفاعلا معقدا بين الدوافع الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية. وفي حين أن هذه المقترحات قد تكون خطابية أكثر من كونها واقعية، إلا أنها تؤكد التزام ترامب بأجندة "أمريكا أولا" الحازمة. وبينما تتنقل الولايات المتحدة في مشهد عالمي سريع التغير، فمن المرجح أن تستمر تصرفات ترامب في تشكيل العلاقات الدولية وتحدي المعايير التقليدية للدبلوماسية والسيادة الإقليمية.
في النهاية، سواء كانت طموحات ترامب تؤدي إلى تغييرات إقليمية كبيرة أو مجرد أدوات تفاوضية، فإنها تسلط الضوء على التطور المستمر للسياسة الخارجية الأمريكية تحت قيادته. وبينما يشاهد العالم هذه التطورات تتكشف، هناك شيء واحد واضح: ستظل طموحات ترامب الإقليمية نقطة محورية للاهتمام والنقاش الدوليين في السنوات القادمة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب كندا التوسع جرينلاند امريكا كندا توسع ترامب جرينلاند مدونات مدونات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة السیاسة الخارجیة طموحات ترامب
إقرأ أيضاً:
ترامب يخاطر بتحويل الولايات المتحدة إلى دولة مارقة
"أعتقد أن الرئيس المنتخب يمزح قليلاً"، هكذا علّق السفير الكندي في واشنطن على اقتراح دونالد ترامب الأول بأن تصبح كندا الولاية الـ51 للولايات المتحدة.
هذه "المزحة" المهددة، يقول الكاتب جدعون ريتشمان، هي إحدى وسائل ترامب المفضلة للتواصل. ولكن الرئيس المقبل تحدث مطولاً عن طموحه في ضم كندا إلى الولايات المتحدة، لدرجة أن السياسيين الكنديين بدأوا يأخذون هذه الطموحات على محمل الجد ويرفضونها علناً.هل هي مزحة؟
ويشير ريتشمان في مقاله بصحيفة "فايننشال تايمز" إلى أن الكنديين يشعرون ببعض العزاء في أن ترامب استبعد غزو بلادهم، مهدداً بدلاً من ذلك باستخدام “القوة الاقتصادية”. ومع ذلك، رفض ترامب استبعاد استخدام القوة العسكرية لتحقيق طموحاته بـ"استعادة" قناة بنما والسيطرة على غرينلاند، التي تُعد منطقة تتمتع بالحكم الذاتي وتتبع الدنمارك.
ويتساءل الكاتب: "هل هي مزحة أخرى خفيفة الظل؟ المستشارة الألمانية ووزير الخارجية الفرنسي اعتبروا تهديدات ترامب جادة بما يكفي لتحذيره من أن غرينلاند مشمولة ببند الدفاع المشترك في الاتحاد الأوروبي. بمعنى آخر، قد يجد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة نفسيهما، نظرياً، في حالة حرب بسبب غرينلاند".
أنصار ترامب والمتحمسون له يعاملون الموضوع كأنه نكتة ضخمة. فقد أعلنت صحيفة "نيويورك بوست" عن "مبدأ دونرو" الجديد، على غرار "مبدأ مونرو" في القرن التاسع عشر، مع إعادة تسمية غرينلاند بـ"أرضنا". وعلّق عضو الكونغرس الجمهوري براندون غيل مازحاً بأن الكنديين، والبنميين، وسكان غرينلاند يجب أن يشعروا بـ"الشرف" لفكرة أن يصبحوا أمريكيين.
Trump risks turning the US into a rogue state - Gideon Rachman https://t.co/6pM9hGpeu0
— FT Opinion (@ftopinion) January 13, 2025لكن حقوق الدول الصغيرة ليست مزحة، بحسب الكاتب، فالاستيلاء القسري أو القهري على دولة من قبل جارة أكبر هو إنذار خطير في السياسة العالمية. فهو علامة على أن دولة مارقة باتت تتحرك. لهذا السبب أدرك التحالف الغربي أهمية دعم مقاومة أوكرانيا ضد روسيا. ولهذا أيضاً نظّم التحالف الدولي حملة لإخراج العراق من الكويت في أوائل التسعينيات.
حرب عالميةكما يضيف الكاتب أن الهجمات على الدول الصغيرة كانت السبب وراء اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية. ففي عام 1914، عندما كان مجلس الوزراء البريطاني يتصارع حول ما إذا كان سيخوض حرباً مع ألمانيا، كتب ديفيد لويد جورج، الذي أصبح لاحقاً رئيس الوزراء، لزوجته: "لقد ناضلت من أجل السلام… لكنني وصلت إلى قناعة بأنه إذا تعرضت بلجيكا، الدولة الصغيرة، لهجوم من ألمانيا، فكل تقاليدي ستدفعني لدعم الحرب".
بريطانيا وفرنسا رفضتا بشكل مخزٍ حماية تشيكوسلوفاكيا من ألمانيا النازية في عام 1938. لكن خلال عام واحد فقط، أدركتا خطأهما وقدمتا ضماناً أمنياً لبولندا، الجارة الصغيرة التالية في قائمة ألمانيا. وكانت غزو بولندا الشرارة التي أشعلت الحرب.
أنصار ترامب يرفضون بغضب أي مقارنة بين خطابه وخطابات المعتدين من الماضي أو الحاضر. ويزعمون أن مطالبه تهدف فعلياً إلى تعزيز العالم الحر في مواجهة الصين الاستبدادية وربما روسيا أيضاً. وقد برر ترامب طموحاته التوسعية في كندا وغرينلاند وبنما بدواعي الأمن القومي.
هناك أيضاً من يجادل بأن تصريحات ترامب ليست سوى تكتيك تفاوضي. يقول مؤيدوه إنه يمارس ضغطاً على الدول الحليفة للقيام بما هو ضروري لصالح التحالف الغربي. علاوة على ذلك، يزعمون أن العديد من سكان غرينلاند الذين يبلغ عددهم 55 ألف نسمة يسعون إلى الاستقلال عن الدنمارك. وكذلك، أليس الكنديون قد تعبوا من النخب "المستيقظة" غير الكفؤة التي تدير بلادهم؟ يتساءل ريتشمان.
لكن هذه الحجج ضعيفة، مضيفا "من المشروع أن يحاول ترامب إقناع سكان غرينلاند بأنهم قد يكونون أفضل حالاً كأمريكيين. ولكن تهديده باستخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية هو أمر مشين. كما أن ادعاءاته بأن العديد من الكنديين يرغبون في الانضمام إلى الولايات المتحدة هي أوهام. فقد رفض 82% من الكنديين هذه الفكرة في استطلاع رأي حديث".
أما من منظور الاستراتيجية الكبرى، فإن تهديدات ترامب لغرينلاند وبنما وكندا هي هدية مطلقة لروسيا والصين. فإذا كان ترامب يمكنه الادعاء بأن السيطرة على غرينلاند أو قناة بنما ضرورة استراتيجية للولايات المتحدة، فلماذا يُعتبر من غير الشرعي أن يدعي بوتين أن السيطرة على أوكرانيا ضرورية لروسيا؟
Ontario Premier Doug Ford gave Donald Trump a "counteroffer" as the President-elect repeatedly calls Canada the "51st state" of America. "How about if we buy Alaska? And we'll throw in Minnesota." pic.twitter.com/uiMH5MlV25
— Newsweek (@Newsweek) January 7, 2025يقول الكاتب: "لطالما حلمت روسيا والصين بتفكيك التحالف الغربي. وها هو ترامب يؤدي هذه المهمة نيابةً عنهما. فمنذ أسابيع قليلة فقط، كان من المستحيل أن يتصور الكرملين أن أكبر مجلة إخبارية في كندا ستصدر تقريراً بعنوان "لماذا لا تستطيع أمريكا غزو كندا". كما أن فكرة لجوء قادة أوروبيين إلى بند الدفاع المشترك في الاتحاد الأوروبي ضد الولايات المتحدة، وليس روسيا، كانت تبدو خيالاً. لكنها أصبحت اليوم حقيقة".
واختتم ريتشمان بالقول: "حتى لو لم ينفذ ترامب تهديداته أبداً، فقد ألحق بالفعل ضرراً هائلاً بمكانة أمريكا العالمية وبنظام تحالفاتها. وهو لم يتولَ منصبه بعد. وقد يبدو من غير المرجح أن يأمر ترامب بغزو غرينلاند. (تماماً كما كان من غير المرجح أن يحاول الانقلاب على نتائج الانتخابات). ومن المستبعد أكثر أن يتم إخضاع كندا للتخلي عن استقلالها. ولكن حقيقة أن الرئيس المقبل يمزق الأعراف الدولية هي كارثة بحد ذاتها. أي استهزاء بـ"مزاح" ترامب هو أمر في غير محله. ما نشهده الآن هو مأساة، وليس كوميديا".