مع قرب تولى «الرئيس» ترامب مهام الحكم فى الولايات المتحدة تتسارع الجهود على جبهة الحرب فى غزة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين اسرائيل وحماس. ورغم أن هذه الجهود تواصلت على مدار اكثر من عام ونصف العام إثر عملية طوفان الأقصى، إلا أن نجاحها لم يكن أقرب مما هو قائم الآن.
دلالات تزايد الآمال بالتوصل إلى مثل هذا الاتفاق عديدة وربما يصعب حصرها فى مقال واحد أو سطور معدودة، حيث تتنوع لتشمل أبعاد الموقف الإسرائيلى والذى يصل لحد اعتباره من قبل البعض هناك وعلى رأسهم بن غفير نوعا من الاستسلام لحماس، وكذلك الأمر على صعيد الفلسطينيين حيث ربما يأتى بعد وصولهم إلى أقصى مراحل الإنهاك بفعل الحرب والتدمير والإبادة.
لو عدنا لتصريحات مثل هؤلاء المسئولين من كافة الأطراف أمريكية وإسرائيلية وفلسطينية بل وعربية لن نجد أكثر من الحديث عن وقف النار.. كان ذلك هو المصطلح الذى تلوكه الألسنة ليل نهار.. وكان ذلك هو الأمل أو السراب الذى تاقت اليه نفوس الكثيرين ممن شعروا أن الوضع فى غزة أصبح يفوق الاحتمال فى ظل الصمت الدولى على المجازر هناك.
الغريب أنه كم من مرة كان التصور أن الاتفاق أصبح فى اليد ليتم تلغيمه كما كان يتم الإعلان من قبل نتنياهو. بعد أن بلغت الأزمة ذروة من ذرواتها أعلنت ادارة بايدن اغسطس الماضى عن أن منتصف الشهر ربما يكون التاريخ النهائى لإبرام مثل هذا الاتفاق ومر أغسطس وسبتمبر واكتوبر.. إلخ.. دون أن تلوح فى الأفق بادرة وقف الحرب.
ما نود التأكيد عليه هنا زاوية مهمة تتعلق بما يمكن اعتباره بديهياً من بديهيات إدارة الأمور فى منطقتنا، الشرق الأوسط، وعلى صعيد الصراع مع إسرائيل بشكل خاص تؤكد صدق العبارة التى أشار اليها الرئيس الراحل أنور السادات فى تعاطيه مع تطورات حرب اكتوبر وهى أن 99 بالمئة من أوراق اللعبة فى يد الولايات المتحدة. دلالة ذلك على صعيد الموضوع الذى نتناوله هنا أن واشنطن لم تكن من البداية راغبة فى وقف الحرب فى غزة رغم كل التمويهات ورغم كل التحركات و«الحركات» التى بدا أن بلينكن وزير الخارجية الأمريكى يقوم بها من أجل مثل هذا الأمر.
الآن، والآن فقط، وبعد قرب تولى، ولأمور تتعلق بترتيب أجندة ترامب لفترته الرئاسية الجديدة تسعى الإدارة الأمريكية لوقف حرب غزة وليتحول موقف نتنياهو، رمز الصقور فى اسرائيل، إلى إحدى الحمائم لحد اشارة وسائل اعلام اسرائيلية لتوبيخ مبعوث ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلى لقبول خطة وقف النار.
الاتفاق حتى الآن فى مرحلة المخاض، وقد يتم وقد لا يتم، وإن كان الأرجح أن يتم، لكن الأمر يكشف عدم صحة الدعاوى التى تشير إلى أن الأمر بيد إسرائيل كلية، فيما الحقيقة أنها ليست سوى أداة، صحيح أن لديها هامشاً، أو قدراً من حرية الحركة لكنه هامش محدود، ليس على مستوى القضية التى نشير اليها بشكل خاص وإنما فى المطلق، لحد يصح معه التشبيه الذى اشرنا اليه وذكره كثيرون من أنه يمكن اعتبار اسرائيل ولاية أمريكية ولكن عن بعد!
ورغم أن الإجابة على السؤال عما اذا كان ما تريده واشنطن قدراً لا يمكن الفكاك منه أم لا.. ربما تكون معروفة، إلا أن المشكلة تكمن فى نظرتنا نحن الذين نريد اعتباره كذلك! وذلك جانب آخر من الأزمة ليس هنا مجاله!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تأملات وقف النار المرتقب د مصطفى عبدالرازق غزة
إقرأ أيضاً:
إفطارهم في الجنة.. مصطفى عبيد شهيد المفرقعات الذى فدى الوطن بحياته
في يوم عادي، بدأ الرائد مصطفى عبيد الأزهرى يومه كأي يوم آخر، لا يعلم أن لحظات قليلة ستكتب له مكانًا خالدًا في ذاكرة الوطن.
ابن قرية جزيرة الأحرار في القليوبية، خبير المفرقعات في مديرية أمن القاهرة، حمل على عاتقه مهمة كانت شديدة الخطورة، لكنه لم يتردد لحظة في مواجهتها.
ودع زوجته وأطفاله "لارا" و"يوسف"، وعاد إلى عمله الذي كان يتطلب الشجاعة والصبر في مواجهة الموت بشكل يومي، ولكن لم يكن يدرك أن الموت سيأتيه في لحظة كان فيها يواجه خطرًا أكبر.
التقطت زوجته الهاتف، لتطمئن عليه في الساعات الأولى من عمله، فأوصته قائلة: "خلى بالك من نفسك، وربنا يحفظك"، وكان رده مفعمًا بالطمأنينة: "سيبها على الله، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا". وها هي ابنته الصغيرة "لارا" التي طلبت منه بألم، "إنت وحشتني أوى يابابا"، فأجابها قائلاً: "هاخلص شغل ياحبيبتى وهاجى على طول"، وكأن الوداع كان أمرًا عابرًا في حياته، ولكن القدر كان يخبئ له شيئًا أكبر.
في تلك اللحظات، جاء البلاغ الذي سيغير كل شيء، بلاغ عن حقيبة مملوءة بالعبوات الناسفة في منطقة أبو سيفين بعزبة الهجانة.
أسرع مصطفى مع زملائه إلى المكان، لكن قلبه المملوء بالشجاعة دفعه ليكون في مقدمة الصفوف، بدأ التعامل مع العبوات الناسفة، وبينما هو في اللحظات الحاسمة، انفجرت إحدى العبوات، لتسجل اللحظة المأساوية سقوطه شهيدًا غارقًا في دمائه، مقدّمًا روحه فداءً لوطنه.
لم يكن مصطفى عبيد مجرد ضابط في الشرطة، بل كان مثالًا للتضحية والشجاعة.
هو ابن أسرة عظيمة؛ فوالده اللواء أركان حرب بالمعاش عبيد الأزهرى وجده أحد شهداء القوات المسلحة في العدوان الثلاثي.
أهالي جزيرة الأحرار ودعوا مصطفى في جنازته وسط هتافات "لا إله إلا الله، الشهيد حبيب الله"، بينما أطلقت سيدات القرية الزغاريد، وكأنهن يودعن بطلًا ترك بصمة في تاريخ الوطن.
الرائد مصطفى عبيد، لم يكن مجرد شهيد في 2019، بل كان رمزًا للإيمان بأن الوطن لا يُحفظ إلا بتضحيات من مثل هذه الأرواح الطاهرة.
مشاركة