لجريدة عمان:
2025-03-18@16:31:13 GMT

قَــدَرُ سـوريا والعـرب واحـدٌ

تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT

حين سقط نظـام الأسد من تلقاءٍ مدفوعٍ بصفـقةٍ دوليّة، ومن غير حربٍ كالتي دارت رحاها منذ عام 2012، سقطت معه سوريا فـي قـبضة مَن تواطأوا على إنجاب تلك الصّـفـقة (التي حـيّـدَتِ الجيش من المواجهة ليجد النّظامُ نفـسَــه من غيـر شـوكة)، وعلى أخْـذِ البلد إلى مصيرٍ صُـنِـع له نموذُجُـه المصـغَّـر من خارجٍ ويُـبَاشَـر اليوم فـي استـيلاده الماديّ.

وليس يَـخفى أنّ رحيل النّـظام السّابق اقـتـرن برحيـل حليفـيْـه الرّئيـسيْـن عـن البـلاد؛ وقـد قاتـلا طويلًا إلى جانب جيشه، وكان لدورهما العسكريّ الأثـرُ الكبـير فـي تماسكـه أمام خصومه.

وهـذا يعني أنّ ذينك الحليـفـيْـن (روسيا وإيـران) لن يكون لهما مكانٌ فـي عمليّـة استيلاد «سوريا الجديدة» التي تُجريها قوى الصّفـقة الدّوليّـة- الإقـليميّـة على المنوال الذي تقضي به مصالحُها النّـقيضُ من المصالح الرّوسيّـة والإيـرانـيّـة فـي الإقـليم. هكـذا لن يبقى فـي صورة ما يجري سوى الفاعلين الثّـلاثة الكبار: الولايات المتّـحدة الأمريكيّـة وتركيا والكيان المحتـلّ؛ فهُـم وحدهم مَـن يُمسكون بالأزِمّـة فـي بلاد الشّـام ويتحكّمـون فـي صُـنع مصيرها: دولـةً وجغرافـيا وارتباطـاتٍ... وسيادة.

تجتمع القوى الثّـلاث المشار إليها على رعاية قـوى المعارضة - التي سبق أن أوْصَلتها بصفـقتها إلى السّلطة - ودعْـمِ نظامها السّياسيّ الجديد بما فـي ذلك استحصال الشّرعيّـة الدّوليّـة له. تفعل ذلك بمعزلٍ عمّـا لدى كـلّ دولـةٍ منها من مساحةِ نفـوذٍ فـي أوساط قوى النّظام القائم اليوم ومن حصّـةٍ لها فـي سلطته. لكنّها فـي غير هذا الذي تجتمع عليه تختلف فـي البواقي: تختلف فـي مناطق سيطرتها العسكريّـة الاحتلاليّـة فـي شمال سوريا، المتـقاسَـم بين تركيـا وأمريكا، وفـي جنوبها وشرقها المحتلّـة أجـزاءٌ منهما من قِـبَـل دولة الاحتلال؛ وتختلف فـي شأن مستقـبل سوريا السّياسيّ ووحدة كيانها وضمنها علاقـة كـلٍّ منها بالحركة الكرديّـة فـي مناطق شرق الفرات؛ بين مؤيّـدٍ لها حادبٍ عليها (الولايات المتّحدة الأمريكيّـة ومن ورائها دولة الاحتلال)، ومحاربٍ لها بقسوةٍ مخافة نجاحها فـي إقامة جيبٍ سياسيّ مستقـلّ فـي الشّمال السّـوريّ على حدودها الجنوبيّـة (تركيـا).

ربّما تنجح الإدارة الأمريكيّـة فـي ضبط إيقاع النّـزاع بين هـذه الدّول الثّـلاث التي تتصارع على تـقرير مصير سوريا، وإدارته على النّحو الذي لا تنـفجر فـيه تـناقضاتُـه بينها؛ وربّما قد لا تنجح فـي ذلك كُـلاًّ أو أجزاءً لهذا السّبب أو لذاك. وفـي هذه الحـال، قد تستـفحـل حالة التّـأزُّم فتـنـتهي الأمور إلى نتيجتيـن كـلتاهما مخيفـة: إمّا إلى مواجهات تدور رحاها على المسرح السّوريّ ويدفع الشّعب ثمنها معانـاة مضاعفـة لشروط الحياة والبقاء؛ أو إلى اقـتراف جريمة التّـقـسيم من خلال مـدّ كـلِّ قـوّةٍ يَـدَها إلى مناطق سيطرتها ونـفوذها وإقامـة كيـانٍ فـيها تابـعٍ لها. حينها سيكون إِعمـالُ التّـقسيم فـي سوريا -لا قـدّر اللّـه- مقـدّمـةً لِإِعماله فـي معظم المحيط العربيّ عملاً بخرائـطَ استعماريّـة جديدة أُعِـدَّت، منذ ثمانينيّات القرن العشرين، من أجل إعادة تفصيـل الكيانات العربيّـة على مقاس العصبيّـات الأهليّـة والإثنيّة القائمـة!

الغائـب الكبير فـي المشهد السّوريّ كـلِّـه، بعد الثّـامن من ديسمبـر، هو العرب الذين فاجأهم (ما خـلا دولةٌ منهم مرتبطة بتـركيا) ما حصل فـي بـلاد الشّام بأيدي غيرهم، ووضعَ دولَهم فـي مـوقعٍ دفاعيٍّ بحت هو موقع ردّ الفـعل على فعْـلِ فاعـلٍ خارجيّ بات يمسك بمصير مـركزٍ من مراكزهم! لسنا نعني بالغياب العربيّ ركونًا إلى الصّمت وعـدمَ إبداءِ موقـفٍ ممّـا يجري؛ فلـقـد تكـلَّم قسـمٌ من دُولهم مؤيِّـدًا لِمَا جرى وللعـهد الجديد؛ ومنهم مَـن بعـث وفـوداً إلى دمشق تبـلِّـغ موقـف التّأيـيـد والمبارَكَـة وتَـعِـد بالتّعاون والمساعـدة، وإنّـما نعني به غياب الدّور السّياسيّ الفاعل فـي إدارة عمليّـة بناء مستقبل سوريا. القوى الثّـلاث الماسكة لن تسمح لغيرها أن يقاسمها ما حصلت عليه هي وقواها المسلّحة، وأقصى ما تَـقْبله من العرب أن يساهموا فـي إعادة إعمار سوريا ضمن برنامجٍ تضعه هي -ونظامُها فـي دمشق- لاستثمارات دولهم. وهـذا يعني أنّـه لن يُـسْـمَـح بأن يكون لهم دورٌ فـي أيّ هندسةٍ سياسيّـة قادمة للنّظام السّياسيّ فـي سوريا وشكله الدّستوريّ وولائه الإقـليميّ والدّوليّ إلاّ إذا نجحوا فـي فرض دورٍ مركـزيّ لهم.

مـن الواضح، إذن، أنّ تغـيـير النّظام فـي سوريا ليس محصور النّتائج فـي الحيّز السّـوريّ وفـي توازناته الدّاخليّة فـقطّ وإنّما هو تغـيـيرٌ لشبكة خيوطِ ارتباط سوريا بمحيطها العربيّ وسعْيٌ نحو إبعـادها من دائـرة انـتمائها وولائـها الذي عُـرِفت بـه وعُرِف بها طويلًا. إنّـه ليس انـقـلابًا أمريكيًّا - تركيًّا - «إسرائيليًّا» على نظامٍ عربيّ بل انقلابٌ على النّظام العربيّ برمّـته ومحاولةٌ لانتـزاع سوريا من قـلبه! وهـذا، بلا مِـراء، تَـحَـدٍّ وجوديٌّ للعرب جميعًا وخاصّةً للمحيط العربيّ المباشر لسوريا (أقطار الخليج ومصرَ والأردن ولبنان). إنّه يرتّب على الدّول العربيّـة مسؤوليّـة السّعي إلى أخذ مصير سوريا بيدها من اللاّعبين الأجانب؛ لأنّ ذلك - فـي حساب السّياسة والمستـقـبل - أَخْـذٌ لمصيـرِها كـدولٍ بنـفـسها. إنّ قـدرَ سوريا وأمّـتها العربـيّـة واحد: لا مهْـرب لأحـدٍ منه، وعروبـتُها أضـمنُ لصـوْن المصير القـوميّ الجماعـيّ.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الس یاسی الن ظام ـة فـی

إقرأ أيضاً:

رائد الموسيقى في مصر والعالم العربي.. ذكرى رحيل فنان الشعب سيد درويش

تحل اليوم الذكرى السنوية لرحيل فنان الشعب والموسيقار العظيم سيد درويش، الذي يعتبر من أبرز الشخصيات التي غيرت مسار الموسيقى في مصر والوطن العربي.

خالد الجابري: صنعت موسيقى ولاد الشمس في وقت قياسيليلة موسيقية ساحرة.. مصطفى حجاج يطرب جمهوره بأجمل أغانيه|شاهد

 عرف سيد درويش بقدرته الفائقة على التعبير عن مشاعر الناس وهمومهم من خلال ألحانه وكلماته التي مازالت تتردد في الأذهان وتؤثر في النفوس حتى اليوم.

 تمتع بقدرة غير مسبوقة على التقاط روح العصر والتعبير عنها بأسلوب مبتكر، ليُعد واحداً من المجددين في الموسيقى المصرية والعربية.

أهم المعلومات عن فنان الشعب سيد درويشمولده ونشأته

وُلد سيد درويش في 17 مارس عام 1892 في مدينة الإسكندرية، حيث نشأ في بيئة موسيقية أثرت في توجهاته الفنية منذ الصغر. كان يُعتبر فنانًا متنوعًا ومجددًا، وقد أظهر ميولًا فنية منذ سن مبكرة، حيث تأثر بألحان كبار المنشدين مثل الشيخ سلامة حجازي وحسن الأزهرى، وكان يتفوق في فن الإنشاد بين أقرانه.

 البداية في المعهد الديني وتطوير موهبته

في عام 1905، التحق سيد درويش بالمعهد الديني في الإسكندرية، ولكن لم يُخفي حبه للغناء، حيث كان يقضي وقتًا في المقاهي يستمع للألحان ويُغني للجمهور. هذا الحب للموسيقى دفعه لمواصلة دراسته وتحسين موهبته في هذا المجال.

الزواج والانتقال إلى الشام

تزوج سيد درويش في سن الـ16 عامًا، وهو في مقتبل شبابه، وكان هذا الزواج خطوة نحو الاستقرار الشخصي الذي ساعده في تطوير مسيرته الفنية. في عام 1908، سافر إلى الشام ليكمل دراسته الموسيقية وتعلم المزيد عن فنون الموسيقى الشرقية والغربية، قبل أن يعود إلى مصر في عام 1912 حيث بدأت موهبته تتبلور بشكل أكبر.

 التدريب على العزف والكتابة

أثناء تواجده في الشام، بدأ سيد درويش بتعلم العزف على آلة العود وكتابة الألحان على التونة (الوزن الموسيقي) مما جعله يتقن العزف على الآلة الموسيقية التي كانت محورية في مسيرته.

 أول لحن وتعاونات فنية

في عام 1917، لحن سيد درويش أول قطعة موسيقية له، ليبدأ في خطواته الأولى نحو التأثير على الساحة الموسيقية المصرية. كما بدأ في العمل مع الفرق المسرحية الكبرى في مصر، حيث لحن للعديد من الفرق الشهيرة مثل فرقة نجيب الريحاني وعلي الكسار، وتعاون مع الكاتب المسرحي الكبير بديع خيري. شكل الثنائي درويش وخيري تعاونًا فنيًا قدم العديد من الأعمال المسرحية المميزة التي تجسدت في أوبريتات ما زالت تُعتبر جزءًا من التراث الفني المصري.

ابتكار وصناعة التغيير في الموسيقى

كان سيد درويش رائدًا في إدخال أساليب موسيقية جديدة في مصر والعالم العربي، حيث قدم الغناء البوليفوني (الذي يعتمد على تعدد الأصوات) في أوبريت "العشرة الطيبة" و"شهرزاد والبروكة". هذا النوع من الغناء لم يكن سائدًا في مصر وقتها، ولكن مع إدخاله أصبح أحد الأساليب التي أثرت في شكل الموسيقى المصرية والعربية الحديثة.

أول حفل في القاهرة وتلحين النشيد الوطني
أقام سيد درويش أول حفل موسيقي له في القاهرة في قاعة "الكونكورديا"، حيث حضر الحفل العديد من الفنانين والموسيقيين المهتمين بما يقدمه. 

وكان سيد درويش قد لحن أيضًا النشيد الوطني المصري "بلادي بلادي"، الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من هوية مصر الوطنية، ليعكس حب الوطن وافتخار الشعب المصري.

الرحيل المبكر: 31 عامًا من العطاء

رحل سيد درويش عن عالمنا في 10 سبتمبر 1923، عن عمر يناهز 31 عامًا، ولكن إرثه الفني مازال حيًا في قلوب المصريين والعرب. 

مقالات مشابهة

  • 6 انتصارات وتعادل واحد في دوري المحترفين لكرة الصالات
  • البرلمان العربي يدين استئناف الاحتلال الإسرائيلي العمليات العسكرية في قطاع غزة
  • عرض ترويجي من بنك عمان العربي على قرض "مركبتي"
  • البرلمان العربي: استئناف العمليات العسكرية في غزة جريمة حرب
  • شذى حسون: محمد رمضان أذكى وأشطر ممثل في العالم العربي
  • اختباران في يوم واحد !!
  • رائد الموسيقى في مصر والعالم العربي.. ذكرى رحيل فنان الشعب سيد درويش
  • العراق و4 دول تستحوذ على 70% من الناتج المحلي الإجمالي العربي
  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الجيش العربي السوري كان وسيبقى عماد السيادة الوطنية، واستعادة الكفاءات والخبرات العسكرية التي انشقت وانحازت للشعب في مواجهة نظام الأسد البائد والتي خاضت معارك الدفاع عن الوطن أمرٌ ضروري لتعزيز قدرات جيشن
  • الطواف العربي في رحاب التغيير : البحث عن دور