الجزيرة:
2025-01-30@21:43:05 GMT

عن صناعة القطيع والفزاعات

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

عن صناعة القطيع والفزاعات

تزداد، مع تصاعد الضجيج الإعلامي وفي وسائل التواصل، فرص الاستدراج، مما يجعل كثيرا من الناس يتبعون الآخرين دون تفكير. قد لا يدرك بعضهم ما يردده -بحماس- حتى وإن تعارض مع قناعاته، وهم في ذلك يجسدون المثل الشعبي "الزن على الودان أمر من السحر".

تبدأ صناعة القطيع منذ الصغر، بوأد أسئلة الصغار وتخويفهم من التفكير خارج السرب، حيث نلاحقهم بتعليقات مثل: عيب، حرام، لا تسأل.

وهكذا، يُحرمون من الاستفسار والتفكير الحر، ويتعلمون الخوف من البوح، ويتدربون على الانسياق في مستقبلهم وراء أول قطيع يستقطبهم.

صناعة الفزاعات هي الحاضنة التي يتم فيها تربية عقول "القطيع، فالخوف هو أقوى وسيلة لقيادة الناس دون تفكير. قال أبيكتتيوس: "الناس لا يخافون من الأشياء بحد ذاتها، بل من الأفكار المرتبطة بها". والفزاعة هي دمية لها حجم إنسان تُستخدم لإخافة الطيور فلا تأكل ثمار الأشجار، وهي وسيلة تناسب فقط من لا عقل لهم، ولا يفترض أن تكون فعالة مع الناس، ولكنها للأسف كذلك.

وربما كان أصدق ما قيل عن القطيع هو: "لا تتبع القطيع، فالراعي يسعى للاستفادة منه". الراعي لا يضيع وقته دون سبب، بل يستغل القطيع لمصلحته، وفي مقابل هذا المثل، هناك أمثال أخرى تشجع على التقليد الأعمى مثل: "من دخل بين العوران عور عينه"، و"عندما تكون في روما، افعل كما يفعل أهل روما"، و"من عاشر الناس 40 يوما صار منهم".

يختار البعض حياة القطيع ويتنازل عن فرديته واستقلاله من أجل الأمان والهروب من انتقادات الناس. يتجمد عقله، ويذبل قلبه، وتتلاشى أحلامه ويقتنع بأحلام الآخرين، وهو في ذلك رضي بالموت وإن كان عمر طويلا وعمل وتزوج وأنجب.

يقول الروائي الفرنسي ستندال: "يحاول الراعي دائمًا إقناع الخراف بأن مصلحته ومصالحها واحدة"، ولكن الخراف تنقاد طمعًا في المأكل والشعور بالأمان وسط الجموع ولا تنتبه لتناقص عددها. أما الإنسان، فهو مختلف. وكل واحد من أبناء آدم له حكاية خاصة لا تتكرر، وعلينا أن ندرك ذلك ونكون أول من نبادر إلى إكرام أنفسنا، يقول حاتم الطائي:

ونفسك أكرمها فإنك إن تهن         ***        عليك لن تجد لك الدهر مكرما

والسير وراء القطيع هو أول امتهان للكرامة الإنسانية، وهو يجفف إبداعها ويحرمها من تفردها، ومن أجهزة إنذارها التي خلقها الله لها، لو أن قطيعا رأى قائده يندفع إلى الهاوية لاندفع وراءه دون تفكير في عملية انتحار جماعي لا يردعها عقل. هذا سلوك لا نتوقعه من إنسان، فالعقل هو أداته الكبرى التي حباه الله بها، لتنقذه وتهديه، وهو يستخدمها بالضرورة إذا كان وحده، فلماذا يقرر تعطيلها إذا كان في جماعة؟

يقول الأديب الروسي دوستويفسكي: "لا ينبغي للإنسان أن يشبه جمهرة الناس، كن مختلفًا حتى وإن كنت وحيدًا".

والاختلاف الذي يقصده ليس مجرد تمرد من نوعية "خالف، تعرف"، فهذا سلوك المراهقين، أما الاختلاف المقصود فهو احترام للفردية والبعد عن تجميد العقل.

البعض يختار الاختباء في القطيع لتجنب تحمل تبعات اختياراته في الحياة، ولكن تذكر أن من يفعل ذلك سيحصد فقط ما يتساقط من الآخرين.

يتميز الإنسان عن سائر المخلوقات بالعقل الذي يتيح له التفكير النقدي قبل أي تصرف، ولكن غالبًا ما يتم قمع هذا التفكير من قبل القطيع. ومن يجرؤ على التفكير قد يتعرض للتنمر والعقاب إذا لم يتراجع.

طريق النجاة

كيف إذن نتحاشى أن نكون من القطيع؟

هذا سؤال مهم جدًا. والإجابة تكمن فيما يلي:

كن نفسك دومًا، فأنت تعيش مرة واحدة. افعل ما تثق أنه الصواب، ولا تهتم بآراء الناس. أنشد أغنيتك الخاصة، ولا تردد أغاني الآخرين مهما أحببتهم، فالحب الزائد يقلل من استقلاليتك ويجعلك تابعا ولو بعد حين. وكن بطلاً لحياتك، ولا تتأثر بالأكاذيب المتكررة. وتذكر قول لينين: "تصبح الكذبة حقيقة إذا تكررت بما فيه الكفاية". لا تبرر أخطاء الآخرين، واحتفظ بحرية عقلك. تجاهل رأي الآخرين في استقلاليتك ولا تبحث عن رضاهم. لا تخف من إعادة النظر في معتقداتك. فالمراجعة لا تأتي إلا بخير، فإما أن تزداد ثقة بما تؤمن به، أو ستجد ما هو أفضل منها لتتبناه. جرب وتعلم، فالأخطاء تعلمك والنجاح يؤكد لك الطريق الصحيح. لا تنس قول أحمد شوقي: "يا له من ببغاء عقله في أذنيه". فلتتفكر فيما تسمع بعيدًا عمن قاله؟ وكيف قيل؟ لا تسمح لأحد بجذبك إلى القطيع لا بعصا ولا بجزرة، وكن عصيا على الإغراءات والتهديدات. كن حذرًا من التضليل، فقد يحذرك أحدهم من الانضمام لقطيع ليجذبك إلى قطيع آخر. ولا تنس قول نيتشه: "وأنت تخوض حربًا للتحرر من قطيع، احذر من الانضمام لقطيع آخر دون أن تشعر". تذكر أن وسائل التواصل الاجتماعي هي حاضنة لتفريخ القطعان، فإذا استخدمتها فاحذر.

وأخيرا، لا يعني ذلك أن عليك "ألا تتفق" أبدا مع أحد، فالاتفاق جيد، ولكن بشرط أن يكون عن فهم وقناعة، كما أن الاختلاف محمود و"رحمة" إذا آمنا بجدواه، وتعلمنا آدابه، وأولها أن تعود نفسك أن تقبل اختلاف الآخرين معك، وألا تبحث عمن يشبهك، فهؤلاء ليس لهم وجود، واعلم أنك إذا قبلت اختلاف الآخرين معك قبلوا اختلافك معهم، ولا تتشبه بمن يختلفون معك طلبا للأنس بهم، فهذا ليس أنسا بل محوا لما يميزك، وإطفاء لنورك الذي منحه الله لك.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

محالج مشروع الجزيرة ورجالات العصر الذهبي (٢)

بقلم صلاح الباشا

ويتواصل حديثنا عن الجهود الضخمة التي بذلها عمنا الراحل السيد عبدالمجيد عبد الرحيم في تأهيل وتطوير محالج مشروع الجزيرة حيث كان حلج قطن الجزيرة والمناقل ( طويل التيلة) وتصديره الي الخارج حسب طلبات الشراء والحجوزات القادمة من شركات ومصانع النسيج والغزول العالمية تشكل ٨٠ بالمائة من صادرات السودان التي تأتي يالعملات الصعبة التي تغطي احتاجات التنمية والخدمات الصحية والتعليمية والامنية في هذا القطر المترامي الاطراف. مما شجع إدارة المشروع الي إنشاء محلجين جديدين بأحدث الطرق والتصنيع من المحالج الانجليزية التقليدية القديمة.
فاشرف السيد عبدالمجيد عبدالرحيم في بداية ستينيات القرن الماضي علي إنشاء محلج ألماني بمارنجان وآخر بالحصاحيصا.. الشيء الذي ساعد في توفير اكبر كمية من بالات القطن المحلوج وبالتالي فقد زادت الصادرات منه اضعافا مضاعفة مما زاد من دخل البلاد القومي.
ونواصل هنا مسيرة هذا الرجل بتوضيح المزيد من تفاصيل خدماته الجليلة المتتابعة في هذا المجال الحيوي بالمشروع كما نتطرق الي نشاطاته الاخري سواء في المجال الاجتماعي او الرياضي الذي عرف به
• فقد سافر لجمهورية الصين الشعبية كمؤسس لجمعية الصداقة السودانية الصينية في العام 1965 بدعوة من الزعيم الصيني الأكثر شهرة (ماوتسي تونج)
و للتهنئة بالثورة الشعبية للصين.
• كما سافر مرة أخرى لجمهورية الصين الشعبية في عام 1968.
• وفي جانب المهام الرياضية القومية فقد سافر الي أديس أبابا في العام 1969 حيث كان رئيسا لبعثة المنتخب القومي السوداني لكرة القدم للمشاركة في المنافسات كأس الامم الافريقية.
• وقد اكسبه عمله ووظيفته في ان يلتقى بالعديد من الرؤساء والملوك والزعماء العرب والعالميين الذين يزورن السودان وتأتي زيارتهم لمشروع الجزيرة ولرؤيةكيفية حلج الاقطان وتعتبر من اهم برامج زياراتهم الرسمية للبلاد ولمحالج مشروع الجزيرة.
ونذكر منهم السيد إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة الاسبق و الرئيس الفريق إبراهيم عبّود وذلك بمرافقتهم لضيوف البلاد من الزعماء الزائرين مثل الرئيس تيتو (رئيس يوغسلافيا) و برجنيف (الرئيس الروسي) و جمال عبد الناصر و الملك فيصل والامبراطور هيلاسلاسي إمبراطور اثيوبيا المعروف سابقا و الملكة اليزبيث الثانية ملكة بريطانيا و زوجها الأمير فيليب .و قد اهدته الملكةصورتها ممهورة بإمضائها وبرفقتها خطابا من السفير البريطاني في الخرطوم تشكره على ما قدمه لهم من شرح و هدايا بعد زيارتها للمحالج بمارنجان في العام ١٩٦٥م.
كما نشير الي اسهاماته الأدبية في حياته ..
فكان أديباً و مثقفاً و مطلعاً, يحب القراءة و الاطلاع علي الأدب العربي و الانجليزي و يصرف من ماله الكثير لاغتناء الإصدارات من الكتب و المجلات
و المنشورات الأدبية , و كانت له مكتبة ذاخرة بالكتب المختلفة.
• ونذكر هنا ايضا انه حين كان محاسبا برئاسة السكة الحديد في مدينة عطبرة كان رئيسه الأديب اللغوي الكبير الشيخ الطيب السرّاج و صديقه و زميله الأستاذ مصطفى أبو شرف و السيد عباس عبّادي والذين يكنّ لهم الكثير من المحبّة و المودّة و الاحترام.
• كما كان يحضر ندوات الأديب عباس محمد العقّاد في صالون العقّاد الشهير عند زيارته الي مصر في العام 1954 وقد أهدى له العقاد كتابا من كتبه و صورة ممهورة بامضائه.
ومن المعروف ان الراحل السيد عبدالمجيد عبدالرحيم كان ناشطا رياضيا ويفهم قوانين كرة القدم تماما مما اهله ليتم اختياره رئيسا للاتحاد المحلي لكرة القدم في مدينة ودمدني طوال فترة الستينيات.
ولانه رجل اجتماعي وناشط من الطراز الممتاز فقد تم انتخابه رئيسا لاهم مرفق اجتماعي للموظفين بودمدني وهو نادي الجزيرة العريق و المعروف والواقع بشارع النيل في تلك الفترات من حقبة الستينات.
كما ترأس جمعيّة فلاحة البساتين بالجزيرة.
• وقد تم اختياره ايضا كاول مؤسس لجمعيّة الصداقة السودانية الصينية و رئيسها في كل السودان فضلا عن رئاسته لها في مدينة ود مدني.
وعند انتقاله للسكن بالعاصمة بعد نزوله الي المعاش من خدمته بمشروع الجزيرة فقد تم إختياره عضوا للجنة الاستئنافات بالاتحاد العام لكرة القدم في الخرطوم طوال فترة السبعينيات.
ومن جانب آخر فقد اهدته جمهورية الصينالشعبية معدات كاملة لنادي التربية البدنية بودمدني في ذلك الزمان.
وقد ظل المرحوم السيد عبدالمجيد عبدالرحيم خلال إقامته بأم درمان لصيق الصلة باصدقائه من رموز المجتمع مثل صديقه المهندس والمقاول المعروف في ذلك الزمان سيّد عبدالله السيّد والرقم السياسي والدبلوماسي الكبير عبدالكريم ميرغني وقد كانوا يجتمعون اسبوعيا كادباء كل يوم جمعة لمناقشة أمور الأدب والشعر واصدارات الكتب.
نتوقف هنا ونواصل عرض الكثير من الاضواء لسيرة هذا الرجل الذي اعطي ولم يستبق شيئا سواء كان ذلك لمشروع الجزيرة او للانشطة القومية الاخري التي ذكرناها سابقا .
وإلي اللقاء في الحلقة القادمة والاخيرة؛؛؛؛

abulbasha009@gmail.com

   

مقالات مشابهة

  • لا حق للدول في الوجود ولكن الحق للشعوب
  • بوتين: المفاوضات ممكنة ولكن ليس مع زيلينسكي..ومسؤولون غربيون يحذرون كييف من الخلافات
  • محالج مشروع الجزيرة ورجالات العصر الذهبي (٢)
  • كيف تتقبل الآخرين؟!
  • الجزيرة يوقع عقوداً احترافية مع 9 لاعبين
  • واشنطن تطرح صفقة طويلة الأمد مع إيران.. لا حرب ولكن!
  • حكم بيع قائمة بأرقام الهواتف لمساعدة الآخرين في التواصل مع أصحابها.. دار الافتاء توضح
  • واشنطن تطرح صفقة طويلة الأمد مع إيران.. لا حرب ولكن! - عاجل
  • داليا مصطفى عن خبر انفصالها: لسه مخدتش أصعب قرار في حياتي ولكن هاييجي قريب
  • ترامب: المصالح الأمريكية تدهورت خلال الفترة الماضية.. ولكن هذا الأمر انتهى