لجريدة عمان:
2025-03-25@11:25:57 GMT

شقاوة العقل !

تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT

ذو العقل يشقى فـي النعيم بعقله، وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم. يأخذ بعض الناس هذا البيت أخذا فـي غير موضعه وفـي غير مكانه الصحيح؛ فمعناه الحقيقي هو أن العاقل العارف يشقى لا بمعرفته وعلمه، بل بما يعرف ويعلم من الأمور. فالمعرفة والعلم فـي أصلهما وأُسِّهما سعادة وبهجة ونور، ولكن المعرفة التي تجعل المرء يرى ما خلف الأبواب المغلقة، وما خلف الجدران والأغلفة تصيبه بالشقاء والتعب الذهني والبدني.

أما الشطر الثاني فإن الجاهل يظن بأنه فـي خير عميم؛ لأنه يرى ما تحت قدميه -كما يقول الناس- فحسب، ولا يرى أبعد من ذلك. وأصل هذا الكلام حوار طويل مع صديق أخذنا النقاش فـي هذه الفكرة.

وذلك لأن مما يتردد على الأسماع قول البعض إن البؤس والشقاء رهينا الوعي، وأن المرء أجدر به أن يكون جاهلا مغيبا عن الواقع لا يعرف منه شيئًا أو يتألم بسبب معرفته تلك. ولكن هل لهذا القول وجه من الصواب؟ نعم، ولا. إن المعرفة الصحيحة هي أخت السعادة وربيبتها؛ فهي من تجعل المرء يقبل على الحياة إقبال المتفائل الواثق، ولا يعني التفاؤل بحال أن يكون المرء ناسيًا الواقع أو غافلًا عن إمكانية وجود المنغصات والكروب، إنما هو متفائل لعلمه بأسباب تلك المنغصات وبقدرة المعرفة على تخفـيف آلامه وتحسين حياته ونظرته إلى الأمور. أما قولنا بنعم؛ فهي للمعرفة التي يستعملها المرء كما يستعمل الطالب معلوماته للاختبارات وينساها فور انتهاء تلك الاختبارات وحصوله على النتائج، فهي معرفة آنية مؤقتة ذات مهمة منتهية. أو قد تكون تلك المعرفة منقوصة بها خلل فـي التأسيس أو غياب للمنطق.

إن العبارات التي نأخذها كمسلمات؛ لأنها نوع من الثقافة الشعبية المرتبطة بالأمثال والحكم، هي عبارات خطيرة بصدق. فـيمكن لعبارة صادقة حسنة أن تؤثر تأثيرًا طيبًا على متلقيها، فـيبذل فوق ما يستطيع بحماسة وإقبال منقطع النظير. ويمكن لعبارة هادمة هدَّامة أن تجعل ذلك المتلقي محطمًا لا يلوي على شيء، ولا يرغب بشيء، بل ربما ينعزل ويعتزل قائل العبارة والمحيط الذي قيلت فـيه.

العقل أداة فـي الإنسان ولأجل الإنسان، فإما أن تقوده إلى الهناء والسعادة أو الشقاء والتعب والنصب. ولأنه أداة، فهو قابل للتغيير والتغير، وقابل للفساد والإفساد على السواء، ففساده بمرضه أو بالمدخلات الخاطئة التي يقيس ويعتمد عليها فـي تعامله مع الحياة والناس. ولنتذكر قول الشاعر اللبناني الكبير إيليا أبو ماضي:

فَامْشِ بِعَقْلِكَ فَوْقَهَا مُتَفَهِّمًا

إِنَّ الْمَلَاحَةَ مِلْكُ مَنْ يَتَفَهَّمُ

فالعقل يقود المرء الواعي به، المدرك له إلى السعادة والنعيم، ويقوده إلى الجحيم إن أُهمل وطُرِح. وهذا يذكرني بتلك العبارة المتداولة أيضًا «العقل السليم فـي الجسم السليم» وهي منسوبة إلى غير واحد من اللاتينيين القدماء، أحدهم شاعر والآخر فـيلسوف، وبغض النظر عن القائل، فإن عبارته الدقيقة خلاصة حياة من التأمل والتجربة. فالعقل الذي يتغذى الغذاء السليم الطيب، لا ينتج إلا طيبًا جميلًا، والعكس بالعكس. لذلك لا يتعجب المرء حين يقابل اِمرَأً يحمل شهادة الدكتوراة أو بلغ الأستاذية ولكنه ضيّق الفكر والنفس، لا يعرف إلا تخصصه ولا ينتفع بعلمه فـي الخير. وهو ما تجلى على سبيل المثال فـي التاريخ الغربي القديم والمعاصر فـي أمثلة لا يجد المرء تفسيرًا منطقيًا لها. فكيف بفـيلسوف يتحدث عن الجمال والأخلاق والروح كهيجل ثم يرى أقواله وأفكاره عن العبودية؟ ومن يتخيل بأن يبرّر فلاسفة وأطباء وعلماء دين إبادة شعب كما يحدث فـي غزة اليوم رغم الصور والبيانات والمعلومات المتاحة التي لا تدع مجالا للبس أو الشك! ليست المعرفة ولا العلم من يجعلان المرء شقيا إذن، بل الكيفـية التي يرى بها الأمور والعقل الذي يعالج به معترك الحياة وما يطرأ فـيها وعليها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

إنجاز جديد لمرضى الشلل.. التحكم بذراع روبوتية بقوة العقل

الولايات المتحدة – طور فريق من الباحثين في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو، نظاما يجمع بين الذكاء الاصطناعي والروبوتات، ما مكّن رجلا مصابا بالشلل الرباعي من التحكم في ذراع آلية باستخدام أفكاره فقط.

واستطاع الرجل أداء مهام معقدة مثل الإمساك بالأشياء وإطلاقها، وفتح خزانة وإخراج كوب ووضعه تحت موزع المشروبات، دون الحاجة إلى أي تعديلات جوهرية على النظام لمدة 7 أشهر، وهو ما يعد تطورا غير مسبوق في هذا المجال.

ويعتمد النظام على خوارزميات ذكاء اصطناعي متقدمة لمطابقة إشارات الدماغ مع الحركات المقابلة، ضمن إطار عمل واجهة الدماغ والحاسوب (BCI). ويتيح هذا النهج للرجل رؤية حركات الذراع الروبوتية في الوقت الفعلي أثناء تخيّلها، ما يسمح بتصحيح الأخطاء بسرعة وتحقيق دقة أعلى في التحكم بالحركات.

ويقول طبيب الأعصاب كارونيش غانغولي، من جامعة كاليفورنيا: “يمثل هذا الدمج بين التعلم البشري والذكاء الاصطناعي مرحلة جديدة في تطوير واجهات الدماغ والحاسوب، وهو ما نحتاجه للوصول إلى وظائف حركية أكثر تطورا تحاكي القدرات الطبيعية”.

وكشفت الدراسة أن أنماط النشاط الدماغي المرتبطة بالحركة بقيت ثابتة، رغم حدوث تغير طفيف في مواقعها بمرور الوقت، وهو ما يعتقد أنه نتيجة لعملية التعلم العصبي. وبفضل الذكاء الاصطناعي، تمكن النظام من مواكبة هذا التغير الطفيف في موقع الإشارات الدماغية دون الحاجة إلى إعادة ضبطه بشكل متكرر. وهذا يعني أن المستخدم استمر في التحكم في الذراع الروبوتية بدقة وثبات لفترة طويلة، دون الحاجة إلى تدخل تقني لإعادة المعايرة.

وأشار الباحثون إلى أن الطرف الاصطناعي العصبي كان خاضعا بالكامل للتحكم الإرادي، دون أي مساعدة آلية. ويمكن للمساعدة البصرية أن تساهم في تحسين الأداء، لا سيما في التعامل مع الأشياء المعقدة.

ورغم تعقيد هذا النظام وارتفاع تكلفته، نظرا لاعتماده على غرسات دماغية وتقنية تخطيط كهربية قشر الدماغ (ECoG) لقراءة النشاط العصبي، فإن نتائجه تثبت إمكانية تحديد الأنماط العصبية المرتبطة بالأفكار الحركية، وتتبعها حتى مع تغير مواقعها في الدماغ.

ويأتي هذا الابتكار في سياق تقدم متسارع في تقنيات واجهات الدماغ والحاسوب، حيث طُورت أنظمة مشابهة ساعدت أشخاصا فقدوا القدرة على الكلام في استعادة أصواتهم، ومكّنت مصابين بالشلل الرباعي من ممارسة أنشطة مثل لعب الشطرنج.

ورغم الحاجة إلى مزيد من التطوير، فإن استمرار التقدم التكنولوجي سيتيح تنفيذ مهام أكثر تعقيدا في المستقبل.

نشرت نتائج الدراسة في مجلة Cell.

المصدر: ساينس ألرت

Previous روسيا.. ابتكار منظومة للتعرف على الشخص من خلال حركة يده على لوحة المفاتيح Related Posts روسيا.. ابتكار منظومة للتعرف على الشخص من خلال حركة يده على لوحة المفاتيح علوم وتكنولوجيا 22 مارس، 2025 ترامب يعلن عن إنتاج أول طائرة مقاتلة في العالم من الجيل السادس علوم وتكنولوجيا 22 مارس، 2025 أحدث المقالات إنجاز جديد لمرضى الشلل.. التحكم بذراع روبوتية بقوة العقل روسيا.. ابتكار منظومة للتعرف على الشخص من خلال حركة يده على لوحة المفاتيح أسباب تفاقم بعض الأمراض في الربيع مشروبات تزيد خطر الإصابة بسرطان الفم لدى النساء لماذا تضعف مستقبلات التذوق والشم لدى المدخنين؟

ليبية يومية شاملة

جميع الحقوق محفوظة 2022© من نحن الرئيسية محلي عربي الشرق الأوسط المغرب العربي الخليج العربي دولي رياضة محليات عربي دولي إقتصاد عربي دولي صحة متابعات محلية صحتك بالدنيا العالم منوعات منوعات ليبية الفن وأهله علوم وتكنولوجيا Type to search or hit ESC to close See all results

مقالات مشابهة

  • حمود الحناوي أحد الزعماء الثلاثة للدروز في سوريا
  • شيخ العقل تلقى اتصالات وترأس اجتماعاً للشأن الزراعي
  • العقل الرعوي في الميزان (1-2)
  • ما وظائف العقل في الدين؟.. علي جمعة يوضح
  • ما وظائف العقل في الدين؟.. علي جمعة يوضح |فيديو
  • "عُمان المعرفة" تنشر السعادة في "مركز رعاية الأطفال"
  • وزير الصناعة: جميل أن يموت المرء من أجل وطنه لكن!
  • المنابر السودانية الإسفيرية: بين ضرورة التطوير ومعضلة الإعلانات المزعجة
  • إنجاز جديد لمرضى الشلل.. التحكم بذراع روبوتية بقوة العقل
  • الجامعة العربية تدعو الشباب العربي لتحقيق نقلة نوعية نحو مجتمع المعرفة والتحول الرقمي