جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-18@16:40:32 GMT

الوقت

تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT

الوقت

 

 

أنيسة الهوتية

هذه الحياة الدُنيا بسيطةٌ جِدًا ومطلب العيش فيهِا ليس تعجيزياً! ولكن الإنسان بطبعهِ الكنود والطامع والمتطلع للمزيد من كل مزيد يُهَولُ على نفسهِ بساطة العيشِ، فيفقد لذة سر السعادة وهي العبادة. ويفقد حِس الاستمتاع بالحياة، ولذة عيشِ اللحظة التي تنساب من بين يديه كانسياب الماء. وَيُحبَطُ خاسرًا دون إدراكه لخسارته، بينما هو يفكر في الغد إن كان طامحًا، أو في مالِ غيرهِ إن كان حاسدًا حاقدًا، أو في الاستمتاع بالملذات الدنيوية المحظورة إن كان فاسقًا، أو في انتصار لا يُسمن ولا يُغني من جوع إن كان سفيهًا.

وفي كلِ حالاتهِ تلك تتسلط عليهِ الدُنيا بأمرِ الله تعالى حسب رغباته النفسية التي هي المغناطيس الجاذب للطاقات الكونية إليه، فيغرق في وحلها، أو يضيع في دهاليزها، وفي النهاية لا يجدُ شيئًا من أمرٍ إلا وكان قد كُتب لهُ ولو مشى على الصراط المستقيم كان سينالهُ حلالًا طيبًا.

فالرزق أنواعٌ، وهنا لا أتحدث عن أنواعهِ التصنيفية كمثلِ الصحة، والجمال، والمال، وراحة البال...إلخ، إنما عن أنواعهِ الأساسية الثلاث والتي هي رزقٌ مكتوب لك يتبعكَ أينما ذهبت، ورزقٌ مرغوب لك يأتيكِ بسعيك له ولا يذهب لغيرك أبدًا، بل يبقى ينتظرك في مكانه حتى تجذبه إليك باجتهادك، ورزقٌ يُكافئكَ به الله تعالى حين يرضى عليكَ وهو ما قيل فيه (رِزقٌ من حيثُ لا تحتسب).

والوقت رزقٌ عظيم، ووجودنا في الأرضِ مُسطرٌ بمسطرة الوقت. وكل جزءٍ من ثانية يضيع منَّا في أمورٍ تافهةٍ يعتبر هدرًا فيه، والوقت المهدور كالمال المهدور؛ بل وأشد وقعًا.

والإنسان الذي يقدر قيمة الوقت، يحاول أن يكسبهُ في استثمارات دنيويةٍ صالحةٍ تعود عليهِ بمكاسب في حياتهِ الآخرة! فإننا كُلنا كبشر لسنا سوى رواد أعمال ومستثمرين في هذه الحياة الدنيا كما شاء الله لنا.

فكمثلِ صناديق ريادة الأعمال التي تواجدت كينونتها في أغلب الدول المتقدمة قبل مئات السنين، ولكن في الشرق الأوسط بدأ العمل بهِا منذ بداية الألفية والتي من شأنها المساهمة في تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ودعم رواد الأعمال أو المستثمرين.

فإنها بذات النسق، يولد الإنسانُ على هذه الأرضِ بأمر الله تعالى، وينزل معه وقتهُ كأول نوالِ من الرزق بدفعة واحدة دون تقسيط، ولكن برقمٍ غير معلوم! فيبدأ تجهيزهُ بهِ لاستثماره الجاري مُذ لحظةِ ولادته. وككل استثمار، في أُولى سنواته التي يكون فيها ضعيفًا هو غيرُ مُحاسب، حتى يبلغ أشدهُ وَيصل سن التكليف، فيأمر الله تعالى الكرام الكاتبين الموكلين عليه بالعمل، فتبدأ الأقلامُ بالكتابة، والصحائفُ والتقاريرُ بالامتلاء.

وتشبيهًا بالمشاريع في المؤسسات هُم المدققون، مهمتهم تدوين أي فساد داخلي وخارجي يدار من مشروع الاستثمار الحي الذي هو الإنسان في حقِ نفسه، وهؤلاء المدققون ليس لديهم وقت عمل محدد، بل يعملون أربع وعشرين ساعة بشكل يومي، بلا كلل ولا ملل، حتى أنهم يبقون على رأسِ المشروع بينما هو نائم! إنهم لا يفارقونه حتى تفارقه روحه في آخر ثانيةٍ من وقته.

ومن رحمة الله تعالى بهذا المشروع البشري الذي خلقه للاستثمار في الأرض، بشرط أن ينال ثمرة استثماره وتجارته مع الله تعالى في الآخرة. أنه ليس فقط يُعطى رزق الوقت مع بقية الأرزاق ثم يكون مُحاطًا بالمدققين حوله. إنما كذلك يُنزل الله تعالى لهُ مُستشارين متخصصين ينصحونهُ ويرشدونهُ، فقط عليهِ الإنصات بالابتعاد عن ضوضاء الشياطين. وأيضًا، حُراسًا يحرسونهُ، وَمفاتيحَ هائلة من الآيات والدعوات الفورية التأثير لزيادة ربح تجارته واستثماره.

الكون مُسخرٌ لنا، ونحن المعجزة. فلماذا نستهين بأنفسنا وَنجزع؟!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

درس التراويح بالجامع الأزهر يدعو للتمسك بخلق التواضع

قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، إن الله تعالى خلق الإنسان رئيس نفسه بحكم استخلافه في الأرض، لا يقبل أن يتكبر عليه أحد، لأنه خليفة الله في أرضه، فهو سبحانة وتعالى حين استخلفنا في الأرض جعل كل منا سيد نفسه، ولذلك يكره الإنسان الكبرياء أو التكبر، حتى ولو كنت ما تقوله له حقا فهو يكرهه، إن كان الكلام له موجها بطريقة فيها استعلاء وتكبر، ومن ذلك أن أحد الشيوخ كان يقول لطالب نبيه عنده، دائما ينطق كلامه بالصواب ولكن بطريقة فيها نبرة استعلاء على زملائه، فقال له: "ما كرهت صوابا أسمعه إلا منك".

الجامع الأزهر يقيم التراويح السادسة عشرة برواية حفص عن عاصم وسط توافد آلاف المصلين.. صورشيخ الأزهر في خطاب بالأمم المتحدة: الإسلاموفوبيا نتاج للجهل بحقيقة الإسلام

وبين رئيس جامعة الأزهر، خلال درس التراويح، اليوم السبت، بالجامع الأزهر، والذي جاء تحت عنوان: "التواضع"، أن التواضع لم يذكر باسمه في القرآن الكريم، وإنما ذكر بصفات كثيرة من صفاته، ومن ذلك قوله تعالى: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍۢ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلْأَنْعَٰمِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ فَلَهُۥٓ أَسْلِمُواْ ۗ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ"، والمراد بالمخبتين المتواضعين، والخبت هو المكان المنخفض المطمئن، وهو المكان الذي يملؤه الماء حين ينزل من السماء في تشبيه لأن التواضع فيه الكثير من الخير والنفع للناس، أما التكبر فهو كربوة عالية لا يأمن من عليها الانحدار ولا يأمن الهلاك.

وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن التواضع له قيمة كبيرة في الإسلام فالمتواضع نافع لنفسه ولغيره ولمجتمعه، ودليل هذه القيمة الكبيرة قول السيدة عائشة رضي الله عنها: "أيها الناس إنكم لتغفلون، العبادة التواضع"، وكان سيدنا عبدالله بن المبارك رضي الله عنه يقول: "التواضع أن تضع نفسك دون من هو أقل منك في النعمة حتى لا يرى لك عليه فضلا"، أي لا تتفضل عليه بنعمة الثراء التي رزقها الله لك، وأن ترفع نفسك فوق من هو أعلى منك في نعمة الحياة، حتى لا يرى له فضل عليك، فهذه هي سمة التواضع وسمة المتواضعين.

وأمر القرآن الكريم نبينا "صلى الله عليه وسلم" بالتواضع فقال: "واخفِضْ جناحك للمؤمنين"، بمعنى اللين والرفق وأن يكون هينا لينا رحيما بهما، وفي حق الوالدين أضاف كلمة الذل فقال: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ"، لأن الذل بالنسبة للولد مع والديه انكسار، حتى لا يتبجح معهما، ولكنه حذفه مع النبي "صلى الله عليه وسلم" لأن الذل لا يليق بمقامه الكريم "صلى الله عليه وسلم"، لافتا إلى أن صفات المتواضعين في القرآن كثيرة ومن ذلك قوله تعالى: "ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا"، وقوله تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا"، أي بلين ورفق وتواضع.

واختتم بأن التواضع هو حين تخرج من بيتك وأنت لا ترى لنفسك فضلا على مسلم، فالمسلمون جميعا سواء، ولذلك كان من صفات المؤمنين في قوله تعالى: "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ"، فهذه هي سمات التواضع، فالتواضع له مكان والكبر له مكان، ولكل شيء مقامه وموضعه، لافتا أنه ولكل ذلك كان التواضع هو الأساس في ركن الحج، كأن الله يقول لنا: "إذا كان التواضع صفة المؤمن في الدنيا والحياة، فهو في الحج أليق به"، فالتواضع هو أن يقبل المسلم النصح وأن يتواضع لمن ينصحه، وبالنسبة لطالب العالم، فإن التواضع هو أن يذل نفسه في طلب العلم حتى لا يدخل العلم باستعلاء وكبر، فإنه إذا دخله بكبر واستعلاء لا ينال منه شيئا، وإذا دخله بذل، يوشك أن يفتح له.

مقالات مشابهة

  • كيف تحسن الظن بالآخرين ؟.. الإفتاء توضحها فى خطوات
  • كيف تصل للخشوع في الصلاة؟.. ادركه بـ 6 أمور
  • داخل أنفاق لـ حزب الله.. هذا ما عثر عليه الجيش السوري (صور)
  • النداء الأخير!
  • رمضان.. والتحلي بالأخلاق
  • هل الإفطار في رمضان عند بدء أذان المغرب أم بعد التشهد؟.. انتبه
  • رزق الفكرة
  • رمضان.. شهر البركة
  • درس التراويح بالجامع الأزهر يدعو للتمسك بخلق التواضع
  • ليه ربنا خلقنا.. علي جمعة يجيب: علشان يكرمنا