واشنطن"د ب أ": هل ستتبنى إدارة الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب سياسة الضغط الأقصى أم ستلجأ إلى مسار الدبلوماسية مع إيران ؟ وكيف ستتعامل مع نظام إيراني لا يزال يشكل تهديدا خطيرار من المنظور الأمريكي؟ وهل يمكن تحقيق توازن بين منع إيران من امتلاك السلاح النووي والحد من نفوذها الإقليمي؟

هذه التساؤلات ستظل تطرح نفسها على الرئيس القادم لاسيما في ظل المتغيرات التي طرأت على المشهد في الأشهر الأخيرة من إدارة الرئيس جو بايدن.

ويقول المحلل لورانس هاس في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إنه مع مواجهة إيران انتكاسات جيوسياسية، سيجد الرئيس ترامب نفسه قريبا أمام قرار مهم : هل يزيد الضغط على طهران لإضعاف النظام أكثر، أم يستغل هذا الضعف لمحاولة التفاوض على اتفاق بشأن القضايا النووية وغيرها؟

وبدأ خبراء السياسة الخارجية بالفعل في تقديم آرائهم حول الخطوات المفضلة. فعلى سبيل المثال، اقترح رئيس مجلس العلاقات الخارجية الفخري ريتشارد هاس أن يسعى ترامب إلى "تحقيق الهدف الطموح المتمثل في إعادة تشكيل سياسة إيران الأمنية الوطنية من خلال الدبلوماسية، ولكن دبلوماسية تمارس على خلفية الاستعداد والقدرة على استخدام القوة العسكرية إذا رفضت طهران معالجة المخاوف الأمريكية والغربية بشكل كاف."

ويرى هاس أن هذا الاقتراح يبدو معقولا، على الأقل ظاهريا. ومع ذلك، فإن تاريخ السنوات الاثنتي عشرة الماضية يشير إلى أنه ينبغي على الرئيس الجديد عدم التسرع في دعوة طهران للتفاوض على أمل التوصل إلى اتفاق يخدم المصالح الأمريكية.

ويقول إن استنزاف قوة إيران منذ خريف 2023 كان مذهلا بكل المقاييس. وعندما عبرت حركة حماس حدود إسرائيل مع غزة وقتلت 1200 شخص، وعندما أطلق حزب الله وابلا متواصلا من الصواريخ من لبنان، بدت طهران واثقة بشكل متزايد من تحقيق هدفها المتمثل في تدمير الدولة اليهودية.

ولكن بعد خمسة عشر شهرا، تسعى إسرائيل لتدمير قدرة حماس على شن هجوم كبير آخر، بينما قضت على قيادات حزب الله، وقللت من أعداد مقاتليه، ودمرت ما يصل إلى 80% من ترسانته الصاروخية.

ومع انشغالها بمصاعب حماس وحزب الله وضعفها بسبب تبادل الصواريخ المباشر مع إسرائيل، الذي أظهر قوة تل أبيب وضعف إيران، لم تتمكن طهران من منع سقوط بشار الأسد، أهم حلفائها الإقليميين.

والآن، سحبت إيران معظم قواتها من سوريا، حيث لا يتمتع الذين أطاحوا بالأسد بأي ود خاص تجاه الجمهورية الإسلامية، مما ترك طهران بدون "الجسر البري" لتسليح حزب الله.

ومع ذلك، يرى هاس أن إيران تظل تهديدا خطيرا ليس فقط لحلفاء ومصالح أمريكا الإقليمية، بل أيضا للاستقرار العالمي، مما يجعل طهران في مقدمة جدول الأعمال السياسي الخارجي لفريق ترامب الجديد.

ومع قيام إيران الآن بتخصيب المزيد من اليورانيوم بالقرب من درجة نقاء تستخدم في تصنيع الأسلحة، صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن البرنامج النووي الإيراني قد يكون قريبا من "نقطة اللاعودة"، مما يترك للغرب وقتا أقل وخيارات محدودة لمنع الواقع المزلزل المتمثل في امتلاك إيران أسلحة نووية.

وفي الوقت نفسه، يواصل "أنصار الله" في اليمن إطلاق الصواريخ على إسرائيل، بينما يعطلون الشحن العالمي في الممرات المائية الإقليمية، ما يضيف مليارات الدولارات إلى تكاليف الشحن الدولية، ويرفع أسعار السلع الاستهلاكية، ويدفع ما لا يقل عن تسع وعشرين شركة شحن عالمية كبرى إلى تجنب قناة السويس والإبحار حول أفريقيا، مما يؤثر على ما يصل إلى خمسة وثمانين دولة.

ويتساءل هاس: كيف ينبغي لترامب أن يتعامل مع إيران ..هل أصبحت أضعف؟ أم لا تزال تشكل خطرا، في "محور المقاومة" الخاص بها؟

في أوائل عام 2013، واجه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما معضلة مشابهة. فقد تركت سنوات من العقوبات وقرار نظام "سويفت"، خدمة الرسائل المالية العالمية، بوقف تعاملاته مع البنوك الإيرانية، الاقتصاد الإيراني في حالة انهيار. وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تقارب 6%، وارتفع التضخم إلى 45%، بينما بلغت البطالة 10%. وبحلول مايو 2013، انخفضت صادرات النفط إلى 700 ألف برميل يوميا (بعد أن كانت 2ر2 مليون في نهاية عام 2011).

ومع تعثر الاقتصاد الإيراني وتعرض نظامه المكروه لوضع خطير محتمل، خفف أوباما من ضغطه وركز على التفاوض للتوصل إلى اتفاق يقيد البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.

وسواء قبل توقيع الاتفاق أو بعده، عبر أوباما عن أمله في أن يؤدي الاتفاق (خطة العمل الشاملة المشتركة) الموقع في يوليو 2015 بين إيران وست قوى عالمية، إلى تقليل التوترات بين واشنطن وطهران وتعزيز التعاون بشأن قضايا إقليمية أخرى.

ونتيجة ذلك هي صفقة مليئة بالثغرات تفتقر إلى الوسائل التي تمنع طهران من تطوير برنامجها النووي سرا والتي ستنتهي صلاحيتها تدريجيا على مدى عشرين عاما أو نحو ذلك، واقتصاد إيراني معزز أدى إلى استقرار النظام، وبفضل تخفيف العقوبات، نظام لديه مليارات الدولارات الإضافية لتوسيع جيشه وتمويل "شبكته " ومتابعة طموحاته في الهيمنة.

ويتساءل هاس: ماذا ينبغي أن يفعل ترامب، الذي سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، الآن؟

أولا وقبل كل شيء، يجب ألا يكرر خطأ أوباما بالسعي إلى اتفاق مع طهران بأي ثمن، مما يؤدي إلى إبرام اتفاق معيب.

وفي الوقت الحالي، ينبغي عليه إعادة فرض حملته "الضغط الأقصى" من القيود المالية على إيران (كما وعد)، وإيضاح استعداده لاتخاذ جميع الخطوات العسكرية وغيرها لمنع إيران نووية (كما ألمح)، وحشد الدول ذات التفكير المماثل لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد"أنصار الله" لحماية الشحن العالمي، وتحميل طهران مسؤولية سلوك حلفاؤها"أنصار الله".ويخلص هاس إلى أن الوقت لم يحن بعد للدبلوماسية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

كيف تلقت إيران رسالة ترامب من الهجمات الأميركية على الحوثيين؟

طهران– في تطور ينقل رسائل إلى خارج اليمن، شن الجيش الأميركي، الليلة الماضية، غارات على مواقع لجماعة أنصار الله (الحوثيين) في العاصمة صنعاء وصعدة والبيضاء بأمر من الرئيس دونالد ترامب الذي توعد الجماعة بالجحيم، وقال، إن أي "قوة إرهابية" لن تمنع السفن الأميركية من الإبحار بحرية.

يأتي ذلك بعد إعلان الحوثيين، أنهم سيستأنفون استهداف السفن الإسرائيلية في الممرات البحرية بالمنطقة ردا على منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر، وذلك بعد توقف هجماتهم إثر دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني الماضي.

وفي تطور لافت، ذهب الجانب الأميركي هذه المرة بعيدا في اعتبار طهران مسؤولة عن سلوك الحوثيين، إذ ركزت المواقف الأميركية على ما سمته "دعما إيرانيا للحوثيين" ووصفت العملية بأنها رسالة لآيات الله في طهران.

من جانبه، وصف ترامب الحوثيين بـ"المجرمين المدعومين من إيران"، وحذر الأخيرة من مغبة مواصلة دعمها للجماعة اليمنية، قائلا "إنه إذا هددت طهران الولايات المتحدة، فإن أميركا ستحملكم المسؤولية الكاملة، ولن نكون لطفاء في هذا الشأن".

الرد الإيراني

في المقابل، سارع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إلى تذكير الخصم الأميركي بأنه لا يحق لواشنطن "إملاء" إرادتها على سياسة طهران الخارجية، ودعا -في منشوره على منصة إكس- الولايات المتحدة إلى "وقف قتل الشعب اليمني".

إعلان

في السياق، أدان المتحدث باسم الخارجية الإيراني إسماعيل بقائي، العدوان الأميركي والبريطاني على اليمن بأشد العبارات، واعتبره "انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية" وأنه يأتي دعما للإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.

عسكريا، نفى القائد العام للحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي، أي دور لبلاده في تنظيم أو وضع سياسات جبهة المقاومة بمن فيها الحوثيون في اليمن، مؤكدا أنهم "يتخذون قراراتهم الإستراتيجية والعملياتية بأنفسهم".

وحذر سلامي –في كلمة أمام حشد من كوادر الحرس الثوري- "أعداء إيران بأن أي تهديد يتحول إلى الفعل سيواجه برد صارم وحازم ومدمر من جانبنا"، مضيفا "لن نبدأ الحروب، لكن إذا هُددنا من أي جهة فسيكون ردنا حاسما ومصيريا".

خطوة ذكية

ويرى مراقبون إيرانيون في موقف سلامي خطوة ذكية تجنب طهران التداعيات السياسية والقانونية لما تقوم به جماعة الحوثي ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية في البحر الأحمر وتدحض الاتهامات الإقليمية باتخاذ إيران الحليف اليمني أداة لاستهداف منافسيها، ناهيك عن إطلاق العنان للحوثيين باستهداف المصالح الأميركية في البحر الأحمر.

ويأتي تنسيق الموقف الأميركي الرامي إلى ربط سلوك الجانب اليمني بسياسات إيران ملحقا عمليا لما ورد في رسالة ترامب إلى المرشد الأعلى علي خامنئي والتي خيّره فيها بين التفاوض أو استخدام الخيار العسكري في حال لم يتم إبرام اتفاق يمنع طهران من امتلاك أسلحة نووية.

المواقف الأميركية تبدو غاية في الصراحة بربط سلوك الحوثيين بالجانب الإيراني والمطالبة بإنهاء ما تعتبره واشنطن دعما إيرانيا لجماعة الحوثي، وتأتي متناسبة مع التسريبات الإعلامية عن رسالة ترامب إلى المرشد الإيراني ومطالبته بوقف دعم طهران لفصائل المقاومة، كشرط مسبق لأي اتفاق بشأن الملف النووي.

إعلان

حلقة ضعيفة

من ناحيته، يقرأ السفير الإيراني الأسبق في لندن جلال ساداتيان، الهجوم الأميركي على اليمن في سياق سياسة العصا التي رفعها ترامب منذ فوزه بالرئاسة 2024 على العديد من الدول والقوى الشرقية والغربية، موضحا، أنه بعد إخفاقه في ترحيل سكان قطاع غزة أو حلحلة الأزمة الأوكرانية وجد ترامب في الساحة اليمنية الحلقة الأضعف لعرض عضلاته في الشرق الأوسط.

وفي حديثه للجزيرة نت، يشير الدبلوماسي الإيراني السابق إلى أن مهاجمة اليمن تأتي لترهيب فصائل المقاومة الأخرى وتحذيرها من مغبة استئناف عملياتها ضد الكيان الصهيوني، موضحا، أن ترامب يراهن على تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع تل أبيب لدمج الأخيرة في الإقليم والقضاء على القضية الفلسطينية.

وخلص إلى أن ترامب يتعمد استخدام تسليح نوعي لخرق التحصينات في اليمن ليبعث رسالة إلى الجانب الإيراني بإمكانية استخدامها مرة أخرى في المنطقة، على غرار تكرار سياسة الاغتيالات بحق القادة الحوثيين والتي سبق وطبقها الكيان الإسرائيلي على قادة المقاومة في كل من لبنان وقطاع غزة.

الضغوط القصوى

ويرى مراقبون، أن الهجوم الأميركي على اليمن لم يكن جديدا ولا فريدا من نوعه، إذ سبق وتعرضت صنعاء لهجمات أميركية وبريطانية وإسرائيلية مماثلة، ويفترض أن تكون قد توقعته قبل إعلانها استئناف عملياتها في البحر الأحمر، وأن تكون قد حضّرت له ردا أو ردودا تعتقد شريحة من الإيرانيين، أن الأيام القليلة المقبلة ستكشف عنها.

من جانبه، يعتبر الباحث الإيراني في الشؤون الأمنية محمد قادري، أن الهجوم على اليمن موجه إلى طهران قبل أن يستهدف عمليات الحوثيين في البحر الأحمر، وأنه يأتي في سياق سياسة الضغوط القصوى التي استأنفها ترامب على إيران لإرغامها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وفي حديث للجزيرة نت، يرى قادري أن البرود الإيراني في التعامل مع رسالة ترامب الأخيرة إلى المرشد الأعلى، علي خامنئي، قد أزعج البيت الأبيض الذي يفسر إعلان الحوثيين باستئناف عملياتهم في البحر الأحمر ردا ساخرا على مطالبته طهران بقطع دعمها لفصائل المقاومة.

إعلان

وفي رأي قادري، فإن الهجوم العسكري على اليمن والاتهامات الأميركية لطهران بتحريض الحوثيين سينعكس سلبا على ما تعول عليه واشنطن من بوابة سياسة تبادل الرسائل مع طهران، مضيفا، أن نوعية وكيفية الرد اليمني على الهجوم الأميركي سيحدد الخطوات الأميركية اللاحقة في المنطقة.

واستبعد المتحدث نفسه، أن يوقف الجانب اليمني عملياته في البحر الأحمر قبل كسر الحصار عن غزة، مؤكدا أن طهران وصنعاء سيعتبران أيّ خفض أو وقف للعمليات في البحر الأحمر رسالة ضعف قد تزيد واشنطن جرأة للتمادي في شن هجمات أخرى على سيادتهما.

مقالات مشابهة

  • FA: كيف تستعد إيران للمواجهة مع ترامب.. وهل ستنقذ نفسها؟
  • إيران تندد بتصريحات ترامب "المتهورة والاستفزازية"
  • بعد دراستها.. إيران تؤكد حتمية الرد على رسالة ترامب
  • إيران: سنرد على رسالة ترامب بعد "التدقيق الكامل"
  • واشنطن: على إيران إثبات تخليها عن برنامجها النووي
  • واشنطن تحذر طهران.. ضرب الحوثي ليس سوى بداية “الضغط الأقصى”
  • كيف تلقت إيران رسالة ترامب من الهجمات الأميركية على الحوثيين؟
  • ترامب يفاوض إيران عبر الإمارات
  • أول تعليق من إيران على الهجمات الأمريكية ضد اليمن
  • وعيد وإدانة ورفض.. هكذا ردت إيران على "ضرب الحوثيين"