ماذا حققت دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية؟
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
توجهت الأنظار قبل عام نحو قصر السلام بمدينة لاهاي في هولندا حيث بدأت جلسات الاستماع العامة في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.
وفي هذه اللحظة التاريخية، وُلد بصيص أمل للفلسطينيين والناشطين المؤيدين لفلسطين في مختلف أنحاء العالم لإصدار حكم دولي يلزم الاحتلال الإسرائيلي بوقف عدوانه المدمر على قطاع غزة والذي خلّف عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى.
وبينما يتفاءل البعض بوجود تطورات خفية ذات طبيعة سياسية حدثت نتيجة للمرحلة الأولى من القضية أمام العدل الدولية، رغم أن الحكم النهائي قد يستغرق عدة سنوات، يتساءل البعض الآخر حول ما تبقى على المحك في عدالة القانون الدولي في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على مرأى ومسمع العالم منذ أكثر من 15 شهرا.
خطوات نحو الأماموضمن آخر مستجدات هذه الدعوى، أعلنت العدل الدولية الثلاثاء الماضي انضمام أيرلندا إلى نيكاراغوا وكولومبيا والمكسيك وليبيا وبوليفيا وتركيا وجزر المالديف وتشيلي وإسبانيا ودولة فلسطين في طلب التدخل في القضية.
وتعليقا على ذلك، وصف الرئيس السابق للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان البروفيسور ويليام شاباس تدخل أيرلندا بـ"البعيد عن المعايير المزدوجة" بفضل وثيقتها التي قدمتها حول اتفاقية الإبادة الجماعية، والتي أشارت فيها إلى أن التعريف القانوني للإبادة الجماعية يتطلب "نية التدمير الكامل أو الجزئي" لمجموعة سكانية مستهدفة.
إعلانواستنادا إلى المادة 63 من النظام الأساسي للمحكمة، قدمت كوبا إعلانا بالتدخل في القضية المتعلقة بتطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة.
وبدوره، أشاد الموظف القانوني السابق في محكمة العدل الدولية مايكل بيكر بتدخل أيرلندا وكوبا وتقديمهما حججا مماثلة لما قدمته جنوب أفريقيا والشعب الفلسطيني، موضحا أن "تدخل الطرف الثالث يكون مفيدا عندما يقترح طرقا بديلة لم يقترحها أي من الطرفين قد تفسر بها المحكمة اتفاقية الإبادة الجماعية".
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى بيكر أن طرح أيرلندا أمام المحكمة اعتبارات تتعلق بكيفية تعاملها مع النية المحددة لارتكاب الإبادة الجماعية "يعد تفصيلا مهما للغاية لأن العدل الدولية اقترحت معيارا يصعب الوفاء به في سوابقها القضائية".
معركة طويلةومن الناحية الإجرائية، يرى القاضي الكندي شاباس، في حديث للجزيرة نت، أن القضية لم تصل إلى مرحلة النضج بعد ولا تزال في مرحلة تمهيدية للغاية، قائلا "أصدرت المحكمة 3 أوامر وبيانا كان بمثابة أمر بإجراءات مؤقتة، ولا أعتقد أن هناك أي دليل على أن إسرائيل امتثلت لهذه الأوامر".
وفي ظل ترقب نتائج مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، شدد شاباس على أنه "لن يطرأ أي تغيير على القضية حتى في حال التوصل إلى الاتفاق لأن الدعوى تستند على أدلة موجودة وثابتة على ارتكاب الإبادة الجماعية، ولا ينبغي لنا انتظار تصفية إسرائيل للفلسطينيين لتقديم قضية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية".
وباعتبارها مؤسسة تابعة للأمم المتحدة، أوضح شاباس أن المحكمة موجودة في بيئة سياسية لكنها أثبتت حيادها واستقلاليتها، وهو ما بدا جليا في الأوامر الثلاثة الصادرة في هذه الدعوى، مشددا على أن الرأي الاستشاري بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة الصادر في يوليو/تموز الماضي هو أحد أفضل الآراء التي أصدرتها المحكمة على الإطلاق منذ إنشائها قبل ما يقرب من 80 عاما.
إعلانوفي سياق متصل، ذكر مايكل بيكر الأستاذ في القانون الدولي لحقوق الإنسان بكلية ترينيتي في دبلن أن الحكم النهائي قد يستغرق 3 سنوات على الأقل لأن الأطراف تحصل على مدة طويلة لتقديم الحجج والشهود وإعداد البيانات المكتوبة.
القانون على المحك
ويتفق الخبيران في القانون الدولي على أن هذه القضية خلقت عوامل عديدة وضعت ضغوطا كبيرة على إسرائيل لتغيير مسارها إلا أنها لم تشكل ضغطا كافيا لتحقيق نتائج ملموسة، لكنهما يعتبران أنه من الجدير الاعتراف بأن التدابير المؤقتة لم يكن لها التأثير الذي كانت جنوب أفريقيا تصبو إليه، ولا حتى التأثير الذي كانت المحكمة تنوي تحقيقه.
وفي الوقت الحالي، تعمل الأطراف على تقديم مذكرات تمس جوهر الملف، سواء قانونيا أو بالوقائع، وبعد تقديم جنوب أفريقيا مذكرة يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يمكن لإسرائيل الاعتراض على اختصاص المحكمة إلى غاية 28 يوليو/تموز المقبل، مما يعني أن العدل الدولية ستضطر آنذاك إلى عقد إجراء منفصل لتأكيد اختصاصها ومقبولية القضية.
وبالتالي، قال البروفيسور شاباس إن المرحلة التالية في القضية هي أن إسرائيل مطالبة إما بالرد على القضية الجنوب أفريقية التي تم الانتهاء منها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وإما سيكون عليها الطعن بشكل أولي في أساس اختصاص المحكمة، مما قد يعني إجراء جلسة استماع حول ذلك بحلول نهاية هذا العام وستحكم المحكمة على أساس أولي بشأن بعض القضايا القانونية في القضية.
وأكد شاباس وجود قمع قاس لكل من يتطرق إلى الوضع في الأراضي المحتلة في السابق "لكن ذلك تغير عندما صدر أمر المحكمة في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي وأتاح ذلك الإجراء حرية النقاش بطريقة لم تكن موجودة".
لكن الرئيس السابق للجنة التحقيق الخاصة بالحرب على قطاع غزة عام 2014 ويليام شاباس لا يستبعد محاولة كل من إسرائيل والولايات المتحدة، برئاسة دونالد ترامب، التأثير على قرارات العدل الدولية، قائلا "نعلم أن إسرائيل حاولت التأثير على المحكمة الجنائية الدولية باستخدام أساليب قذرة من خلال الموساد ولن تدخر جهدا لفعل ذلك مرة أخرى".
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة جنوب أفریقیا فی القضیة قطاع غزة على أن
إقرأ أيضاً:
«نلعب لو بين الركام».. أطفال بغزة يمرحون في منتزه دمرته إسرائيل
الثورة / وكالات
حرمت الإبادة الإسرائيلية أطفال قطاع غزة من كامل حقوقهم، فبعد أن قتلت أكثر من 17 ألف طفل، حرمت البقية من أشياء أخرى كالتعليم واللعب، ولاحقت حدائقهم فدمرتها وحطمت ما فيها من ألعاب.
في «منتزه برشلونة» وسط حي تل الهوى غرب مدينة غزة، لا تزال آثار الإبادة الإسرائيلية شاهدة على المكان، فلا الألعاب سلمت من التدمير، ولا المكان ظل عامرا بالحياة، إلا أن طفلات يستعدن هناك قسطا من الراحة والمرح بعد شهور من القصف والقتل والنزوح.
الطفلة الفلسطينية سحر الخور، تلهو داخل «منتزه برشلونة» رغم الدمار الذي لحق بالمكان والمنطقة المحيطة جراء الإبادة الجماعية التي شنها الجيش الإسرائيلي على مدار أكثر من 15 شهرا.
تحاول الخور وأطفال آخرون اللهو واللعب والمرح، رغم الخراب والدمار الكبير الذي خلّفه الجيش الإسرائيلي، في مشهد يعكس صمود الفلسطينيين كبارا وصغارا، وإصرار الأطفال على المرح.
لم يتبقَ من الألعاب داخل المتنزه الذي كان ولا يزال متنفسًا للعائلات وأطفالهم، سوى هياكل مدمرة للألعاب والأراجيح، ومع ذلك، يصرّ الأطفال على اللعب والمرح وسط الركام، كأنهم يؤكدون أن الطفولة باقية وستأخذ حقها رغمًا عن كل الألم الذي أحدثته آليات الجيش الإسرائيلي.
وتتنقل الخور من أرجوحة إلى أخرى والبسمة ترتسم على وجهها، لكن مشاهد الدمار التي تحيط بالحديقة تنغص عليها فرحتها، كما تقول لمراسل الأناضول.
وتضيف وعيونها تبرق بالأمل: «كانت حديقة برشلونة تتوسط هذا الحي الذي يعد أحد أجمل أحياء مدينة غزة وأكثرها اكتظاظا بالسكان، وكان يضم مجمعا للأبراج السكنية التي تحتوي على عشرات الشقق، قبل أن تتحول إلى كومة من الركام».
وتستذكر كيف كانت تذهب مع صديقاتها إلى المنتزه قبل اندلاع الإبادة الإسرائيلية للهو واللعب بعد الانتهاء من الواجبات الدراسية، وكيف كان الجو حافلا بالضحكات والأصوات التي غابت، وحل مكانها صمت مطبق بعد وقف الإبادة الإسرائيلية ودخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وتقول الخور إنها تفتقد في هذه الأيام صديقاتها اللواتي فرقتهن الإبادة الإسرائيلية بين شهيدة وجريحة ونازحة، حالهن كحال بقية فئات الشعب الفلسطيني في القطاع.
وبعد تدمير الجيش الإسرائيلي للحيّ خلال عملياته العسكرية البرية في مدينة غزة، وغياب الأماكن الترفيهية والمساحات الآمنة، وجد الأطفال في المنتزه، رغم دمار ألعابه، فرصة للهروب من واقعهم الصعب والقاسي.
وعلى أرجوحة أخرى، تدفع الطفلة ليان الأشقر بشقيقتها الصغيرة، وتقول لمراسل الأناضول: «كنا نأتي هنا لنلعب ونمرح قبل الإبادة، لكن الاحتلال الإسرائيلي دمّر كل شيء، فالألعاب تكسّرت، ولم يعد لدينا أماكن نذهب إليها للترفيه».
وتضيف الأشقر: «رغم كل الخراب والدمار الذي لحق بالمكان، إلا أننا جئنا إلى هنا لنلعب ونفرح حتى وسط الدمار، نريد أن نشعر بالسعادة مثل أطفال العالم».
وعلى مقربة منها؛ وبينما كانت الطفلة جوري الغزالي تحاول التأرجح على لعبة محطمة، عبّرت عن مشاعرها قائلة: «لا يوجد ألعاب سليمة، وكل شيء حطمه الجيش الإسرائيلي».
وتضيف: «لا نريد الشعور بأن الحرب لم تنته بعد، أو أنها قد سلبتنا كل شيء، بل نريد أن نواصل المشوار رغم كل المصاعب والدمار الإسرائيلي».
وتستطرد الطفلة بكل براءة: «كنت آتي إلى هنا لألعب مع إخوتي وصديقاتي، لكن المكان تحول إلى خراب بفعل آلة التدمير الإسرائيلية، ورغم ذلك لن نوقف اللعب والمرح، حتى وإن لعبنا على الحجارة وأكوام الركام».