حزب العمال الكردستاني في مفترق الطرق
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
وضعت التطورات الأخيرة التي شهدتها تركيا والمنطقة، حزب العمال الكردستاني أمام مفترق الطرق، بعد أن قاتل ضد القوات التركية منذ آب/ أغسطس 1984 بهدف تقسيم تركيا وإقامة دولة كردية على جزء من أراضيها. وقتل في هذا الصراع الدموي آلاف من عناصر التنظيم الإرهابي، والجنود ورجال الأمن الأتراك، بالإضافة إلى المدنيين العزل، كما تكبدت تركيا خسائر مالية كبيرة.
الحكومة التركية أطلقت عام 2013 عملية سلام لطي صفحة الصراع مع حزب العمال الكردستاني، إلا أن التنظيم الإرهابي استغل تلك العملية لتكديس السلاح في مدن جنوب شرقي البلاد، لشن معركة الشوارع ومحاولة فرض أمر واقع. وظن قادة حزب العمال الكردستاني آنذاك أن الظروف الدولية والإقليمية تغيرت بسبب ثورات الربيع العربي، وأنهم يمكن أن يقيموا دولة كردية في الشمال السوري إن استغلوا التوازنات الجديدة، الأمر الذي دفعهم إلى قلب طاولة المفاوضات مع أنقرة. وعززت هذا الحلمَ سيطرةُ وحدات حماية الشعب الكردي التابعة للتنظيم الإرهابي، على مناطقة واسعة في شمال سوريا وشرقها، بدعم القوات الأمريكية.
رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، أطلق في نشرين الأول/ أكتوبر الماضي مبادرة دعا فيها مؤسس حزب العمال الكردستاني وزعيمه، عبد الله أوجلان، إلى إلقاء كلمة أمام نواب حزب المساواة والديمقراطية للشعوب في البرلمان التركي ليعلن فيها حل التنظيم الإرهابي. ودشَّنت هذه المبادرة مرحلة جديدة في جهود إنهاء الإرهاب الانفصالي في تركيا، إلا أن التطور الأهم جاء بعد فترة وجيزة من كلمة بهتشلي الشهيرة، وهو نجاح فصائل الثورة التي تدعمها تركيا في إسقاط النظام في سوريا.
التوازنات التي جعلت حزب العمال الكردستاني يحلم بدولة كردية مستقلة في الأراضي السورية لم تعد موجودة بعد سقوط نظام الأسد وخروج روسيا وإيران من سوريا. وتشدد الإدارة السورية الجديدة على حماية وحدة تراب سوريا، ورفض مشاريع التقسيم والفيدرالية. كما أن تركيا تؤكد أن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي يقودها حزب العمال الكردستاني ويشكل عمودها الفقري، على مناطق في سوريا، مشكلة تعني الإدارة السورية الجديدة بالدرجة الأولى، مضيفة أنها مستعدة للقيام بعملية عسكرية لدعم دمشق في حل تلك المشكلة. وإضافةً إلى ذلك، يميل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، إلى سحب القوات الأمريكية من سوريا. ولا يترك هذا الوضع الجديد أمام حزب العمال الكردستاني مساحة كبيرة للمناورة.
وفد حزب المساواة والديمقراطية للشعوب الموالي لحزب العمال الكردستاني زار أوجلان أواخر الشهر الماضي في محبسه بجزيرة إمرالي، ثم قام بزيارات لأحزاب سياسية ممثلة في البرلمان التركي، كما زار القيادي الكردي صلاح الدين ديمرطاش، والنائبة التركية السابقة الموالية لحزب العمال الكردستاني، فيغن يوكسكداغ. وأبدى الجميع استعدادهم للقيام بما يقع عليهم من مسؤولية لطي صفحة الصراع الدموي. ومن المتوقع أن يعلن أوجلان حل حزب العمال الكردستاني، وأن يدعو إلى إلقاء السلاح، بعد الزيارة الثانية أو الثالثة التي سيقوم بها وفد حزب المساواة والديمقراطية للشعوب.
تركيا تمنح جميع مواطنيها، بمن فيهم الأكراد، كافة حقوق المواطنة، على رأسها ممارسة الأنشطة السياسية. وتتعهد الإدارة السورية الجديدة بأن الأكراد سيتمتعون بالحقوق التي حرموا منها في عهد النظام البائد، وأن أبناء جميع أطياف المجتمع سيكونون مواطنين متساوين دون أي تمييز، وبالتالي، لا داعي لحمل السلاح بحجة الدفاع عن حقوق الأكراد. وبعد إعلان أوجلان حل التنظيم الإرهابي، سيبقى أمام حزب العمال الكردستاني خياران لا ثالث لهما: إما إلقاء السلاح وإما مواصلة القتال والإرهاب لصالح قوى دولية وإقليمية، وإن اختار الثاني فسيقع بين مطرقة الجيش التركي وسندان الثوار السوريين.
مليشيات "قسد" سبق أن رفعت على مقراتها أعلام الولايات المتحدة وروسيا والنظام البائد، بهدف حماية نفسها من ضربات القوات التركية. وها هي اليوم تستنجد بإسرائيل وغيرها لتبقى على قيد الحياة، إلا أنها لا يمكن بعد الآن أن تفرض أجندتها بقوة السلاح حتى لو حصلت على دعم خارجي، في ظل الغليان الشعبي الرافض لتواجدها في المناطق التي تسيطر عليها، وعزم أنقرة ودمشق تحرير تلك المناطق لحماية وحدة تراب سوريا. ومن المتوقع أن تبدأ العملية العسكرية المرتقبة لتحرير مناطق شرق الفرات بعد دعوة أوجلان لإلقاء السلاح، إن لم تعلن "قسد" حل نفسها.
الإرهاب لن ينتهي تماما في المنطقة ما دام هناك صراع بين القوى الدولية والإقليمية. وتشهد معظم دول العالم بما فيها الولايات المتحدة والدول الأوروبية عمليات إرهابية بين الحين والآخر. وقد يرفض بعض قادة حزب العمال الكردستاني وعناصره دعوة أوجلان، ويختارون مواصلة أنشطتهم، أو ينضمون إلى تنظيمات إرهابية أخرى، إلا أن زوال التهديد الذي يشكله الإرهاب الانفصالي، أو تراجعه إلى حد كبير، سيريح تركيا لتوظِّف بعد ذلك جميع طاقاتها لتطوير البلاد في مختلف المجالات وتحسين اقتصادها.
x.com/ismail_yasa
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تركيا العمال الكردستاني سوريا قسد سوريا تركيا العمال الكردستاني اوجلان قسد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب العمال الکردستانی التنظیم الإرهابی إلا أن
إقرأ أيضاً:
لبنان.. رسالة أمريكية لتسريع حصر السلاح والانتشار بالجنوب
البلاد – بيروت
في ظل تواتر الأنباء عن رسالة واضحة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطات اللبنانية، مطالبًة بسرعة حصر السلاح في يد الدولة وتعزيز انتشار الجيش اللبناني في الجنوب، وإلا فإن “ترامب سيسمح بتحركات إسرائيلية عسكرية واسعة في لبنان إن لم تصل الأمور الى النتائج المطلوبة”، تبدو الإدارة الجديدة في حاجة إلى تسريع ما سبق وتعهدت به في خطاب القسم للرئيس عون، والبيان الوزاري لرئيس الوزراء نواف سلام.
وتعد التوجهات الأمريكية جزءًا من سياسة أكثر حزمًا تجاه الأطراف التي تُعتبرها تهديدًا لاستقرار المنطقة، إذ ترى إدارة الرئيس ترامب أن انتشار الميليشيات التي تستخدمها دولًا كأذرع للهيمنة خارج الحدود، يشكل خطرًا يهدد الأمن الإقليمي، وقد اعتبرت واشنطن أن تعزيز سيطرة الدولة اللبنانية على ترسانة الأسلحة لحزب الله، ونشر قواتها في المناطق الحيوية خطوة، ضرورية لضمان استقرار الأوضاع ومنع أي استفادة محتملة من قبل جهات خارجية تسعى لإثارة الفوضى. ومن هنا، جاءت التحذيرات المباشرة إلى لبنان لتفادي الدخول في دوامة التصعيد العسكري مع إسرائيل.
على صعيد الرد اللبناني، كرر رئيس الجمهورية جوزيف عون موقفه الثابت والمتمسك بما ورد في خطاب القسم لجهة بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي وحصر السلاح بيد الشرعية، وكذلك التزم عون بالدستور والقرارات الدولية وعلى رأسها القرار 1701 واتفاق الهدنة والعمل على تطبيقها.
موقف الرئيس عون لا يحتمل التأويل، وقد يكون هناك اختلاف في الأسلوب مع بعض الأطراف، لكن المضمون واحد وقد أبدى عون ومعه الرئيس نواف سلام الاستعداد لطرح هذا الموضوع على طاولة مجلس الوزراء بعد الانتهاء من بعض الملفات الملحة والضرورية، خاصة والبيان الوزاري لحكومة سلام أكد على أولوية تطبيق القرار الأممي 1701، واستكمال استحقاقات اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.
ورغم ذلك، فإن مثل هذه التوجهات تزيد من تعقيد المشهد اللبناني وتضع الحكومة تحت ضغوط داخلية وخارجية كبيرة، فبينما يعتبر البعض أن التأكيد على سيادة الدولة وتمكين الجيش اللبناني خطوة استراتيجية لتأمين الحدود ومنع التدخلات الخارجية، يخشى آخرون من أن يؤدي هذا التحول إلى استقطاب القوى السياسية والعسكرية داخل لبنان، مما قد يؤدي إلى صراعات داخلية تزيد من ضعف الدولة ومشاكلها الأمنية.
وفي طريق الخروج بحلول متوافق عليها لبنانيًا، ولا تتصادم مع الرؤية الأمريكية، يمكن الاستجابة للطرح الفرنسي المتعلق بالمواقع الخمسة التي تحتلها القوات الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية، إذ اقترحت باريس بالتنسيق مع الأمم المتحدة، نشر وحدات من قوة الأمم المتحدة الموَقتة في لبنان (اليونيفيل) في هذه المواقع.
وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على جميع الأطراف العمل على عدة محاور رئيسية؛ الحوار الوطني الشامل، بمشاركة كافة الفئات السياسية والاجتماعية في لبنان لتحديد السياسات الأمنية والسياسية التي تضمن استقرار الدولة، وتعزيز المؤسسات الأمنية من خلال تطوير وتحديث القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لتكون قادرة على حماية الحدود والسيطرة على انتشار الأسلحة، والمبادرات الدبلوماسية بالتواصل مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية لتخفيف حدة التوتر، والسعي للحصول على دعم دولي ومساعدة فنية لتعزيز الأمن الداخلي، مع الالتزام بالشفافية والإصلاحات اللازمة.