تكسير مزيد من الأوهام «2»
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
تكسير مزيد من الأوهام
فيصل محمد صالح
قلنا في الجزء الأول من هذا المقال إنه رغم قساوة الحرب وبشاعتها فإن أهم دروسها هو تكسير بعض الأوهام المتصورة عن الذات وعن الآخرين، وأنها تتيح الفرصة للأمم والشعوب لينظروا لأنفسهم في مرآة الواقع، ويتعرفوا على أنفسهم في ظروف مختلفة، من ثم تتكون صورة واقعية عن المجتمع بكل إيجابياته وسلبياته، وقد تتم الاستفادة منها، وقد تمضي مثل كثير من الفرص الضائعة في تاريخ الشعوب، وما أكثرها.
واحدة من الصور المتوهَّمة هي قدرات الجيش الوطني. صحيح أن الكثيرين لديهم ملاحظات حول عملية إضعاف الجيش الوطني خلال فترة حكومة البشير لصالح ميليشيات الحركة الإسلامية بمسمياتها المختلفة، ومنها قوات «الدعم السريع»، ثم شغل كبار الضباط وإفسادهم عبر المؤسسات الاقتصادية للجيش التي يتلقون منها أضعاف مرتباتهم، إلى جانب تسييس القوات النظامية كلها، بما فيها القوات المسلحة. رغم كل هذا كان أكثر المتشائمين يظنون أن أي معركة بين الجيش و«الدعم السريع» لن تحتاج إلا لأسبوع واحد يدحر خلالها الجيش قوات «الدعم السريع» في الخرطوم، مع تكلفة عالية قد تدمر الكثير من البنيات الأساسية، ثم هناك مخاوف ارتداد هذه القوات لبوادي دارفور وكردفان مما يشكّل إزعاجاً مستمراً للسلطات قد يصل لمرحلة فصل بعض المناطق من سلطة الحكومة المركزية.
بعد أربعة أشهر من المعارك اتضح أن الأوضاع في القوات المسلحة أسوأ مما تصور الناس، وأنها لم تستطع دحر وهزيمة قوات «الدعم السريع» في حرب المدن، رغم بسالة وإخلاص صغار الضباط والجنود، نتيجة لإهمال وضعف قوات المشاة وضعف الاستيعاب والتجنيد خلال السنوات الماضية، فيما كان كبار القادة، البرهان وكباشي وياسر العطا، يشاركون كل عدة أشهر احتفالات «الدعم السريع» بتخريج آلاف المجندين الجدد. والآن تدخل الحرب شهرها الخامس ووحدات القوات المسلحة موجودة داخل أسوار مبانيها، بينما تحتل قوات «الدعم السريع» شوارع مدن العاصمة الثلاث والمباني الحكومية ومنازل المواطنين.
كذلك تحطمت، وربما للأبد، صورة الحركات المسلحة في دارفور والموقِّعة على اتفاق السلام، فقد كانت كثيرة التهديد بالعودة للحرب كلما انتقد الناس الاتفاقية وعدّوها غير منصفة لبقية مناطق السودان. وكانت هناك صورة متضخمة لحجم وقدرات هذه القوات. وقد كشفت الحرب عن ضآلة قدراتها وضعفها، فهي لم تكن ذات تأثير حتى في مناطق دارفور المختلفة. اتخذت القوات موقف الحياد من أطراف الحرب، حسبما أعلنته، إلا أنها قالت إنها ستشكل قوة مشتركة لحماية المواطنين، لكنها لم تستطع أن تفي بهذه المهمة.
ولعل أكثر ما خدش صورة المواطن السوداني العادي هي عمليات نهب المصارف والمصانع والمؤسسات التجارية والمنازل وحتى البقالات الصغيرة، بواسطة مواطنين عاديين، هذه الصورة مخالفة للصورة العامة للسودانيين عن أنفسهم ومجتمعهم وحتى الصورة التي كونتها مجتمعات الجوار عن المجتمع السوداني. والحقيقة أن قوات «الدعم السريع» هي من بدأت اقتحام معظمها بحثاً عن المال والذهب والسيارات، إلا أن المواطنين العاديين هم من أكملوا عمليات النهب والسلب بشكل لم يحدث في تاريخ السودان. وفي محاولة أخرى للإنكار حاول البعض نسبة هذه العمليات إلى الأجانب واللاجئين، لكنّ الصور المتداولة لم تتح لهم فرصة للمضيّ في الإنكار. صحيح أن من مارس ذلك هم سكان الأحياء الهامشية والأطراف الفقيرة، لكنهم في النهاية مواطنون سودانيون ضحايا لسياسات الإفقار والإهمال والتهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
كثير من المجتمعات لديها تصورات ذاتية ومتوهمة عن نفسها، عبارة عن صورة مصمتة لا تتغير ولا تؤثر فيها الظروف المختلفة، وهي بالتأكيد مسألة غير واقعية تناقضها كل الدراسات والبحوث التي تدرس حركة المجتمعات وتطورها والتغيرات التي تتعرض لها، من لدن ابن خلدون إلى ماكس فايبر ومَن جاء بعدهم. المجتمعات المستقرة سياسياً وأمنياً واقتصادياً لديها سمات معينة، وإذا تغيرت ظروفها وتعرضت لحروب ونزوح وضغوط اقتصادية وأمنية تضطر لتغيير نمط حياتها وسلوكياتها لتستطيع البقاء في الحياة. لكن بالتأكيد لا يعني هذا أن المجتمعات ذات الظروف المماثلة لا بد أن تكون هي أيضاً صورة كربونية بعضها من بعض، فالمسألة أعقد من هذا، وتتداخل فيها ظروف ومؤثرات جغرافية وتاريخية واجتماعية وثقافية ودينية.
خلاصة القول إن السودان كبلد والمجتمع السوداني كله لن يظل كما كان قبل الحرب، هذه الحرب غيَّرت أوضاع وأشياء كثيرة، وخلخلت الكثير من المسلمات وطرحت تحديات جديدة، تحتاج لدراسات وبحوث جادة من علماء ومفكرين وأكاديميين يضعون خبراتهم ومعارفهم في خدمة البلاد والعباد لتساعد المجتمع السوداني أن يعبر هذه المحنة بأقل خسائر ممكنة، وأن يكون قادراً على التعامل مع المتغيرات.
الوسومالجيش الدعم السريع حرب حرب تكسير الأوهام فيصل محمد صالحالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع حرب
إقرأ أيضاً:
الإمارات دربت الدعم السريع بذريعة القتال في اليمن.. هذه تفاصيل زيارة حميدتي
كشف مصدران يمنيان مطلعان أن قائد قوات "الدعم السريع" السودانية، محمد حمدان دقلو، زار اليمن بالتنسيق مع دولة الإمارات أثناء مشاركة قوات الجيش السوداني ضمن عمليات التحالف العربي الذي قادتها السعودية ضد الحوثيين منذ 2015.
وقال المصدران أحدهما عسكري لـ"عربي21" إن "حميدتي" وصل إلى منطقة الساحل الغربي اليمني القريب من مضيق باب المندب حيث ممر الملاحة الدولية عام 2017، في ذروة العمليات القتالية التي كانت تدور رحاها بين القوات اليمنية المدعومة من الإمارات والسعودية ومسلحي جماعة الحوثيين إلى الغرب من محافظة تعز، وفي المناطق الجنوبية من محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر.
وأشار المصدر العسكري إلى أن قائد قوات "الدعم السريع" السودانية الذي يقود تمردا على مجلس السيادة الانتقالي المعترف به دوليا في السودان، التقى باللواء، هيثم قاسم طاهر، وزير الدفاع اليمني الأسبق، أحد القيادات العسكرية الانفصالية المدعومة من أبوظبي والذي كان يقود لواءين في الساحل الغربي. في حين كانت "الدعم السريع" تشارك في العمليات القتالية ضد الحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح وقتئذ، ضمن القوات التي تشرف عليها أبوظبي شريك الرياض في التحالف العسكري الذي بدء عملياته في مارس/ آذار 2015.
وتابع المصدر ذاته والذي كان حاضرا خلال زيارة "حميدتي" أن قائد قوات "الدعم السريع" مكث في الساحل الغربي اليمني أيام، قبل أن يغادر على متن طائرة خاصة إلى دولة الإمارات".
وحسب المصدرين فإن أبوظبي أنشأت معسكرات حشد وتجنيد السودانيين ضمن قوات "الدعم السريع" في الأراضي الإماراتية وفي جزيرة عصب الإرتيرية، حيث كانت تقوم بذلك تحت لافتة القوات السودانية المشاركة ضمن الائتلاف العسكري الذي تقوده الرياض لدعم السلطة الشرعية اليمنية وإنهاء انقلاب جماعة الحوثيين.
وأكدا أن "حميدتي" ضمن قيادات عسكرية سودانية أجروا زيارات إلى اليمن، بعد أن استقدمتهم دولة الإمارات تحت غطاء " إيفاد القوات إلى اليمن وفي إطار نظام الرئيس السابق، عمر البشير"، فيما كانت عمليات التحشيد والتجنيد للسودانيين ضمن قوات الدعم السريع لغايات أخرى، اتضحت مؤخرا في السودان.
وأوضح المصدران أن الضباط الإماراتيين ومخابرات الدولة الخليجية كانت تنشط بكثافة بين السودانيين الذين يتم استقدامهم إلى الساحل الغربي وكانت تقوم بتشكيلهم في وحدات عسكرية وتقوم بتعيين قيادات لتلك الوحدات ضمنت ولاءها.
كما أن الإماراتيين حولوا اليمن إلى منطقة تأطير لقوات "الدعم السريع" بقيادة حميدتي لتنفيذ أجنداتها في السودان، ونظمت خطوط التواصل وضباط الارتباط بينهما، والأدوار والمهام المنوطة بكل قيادي عسكري قبل أن يعودوا إلى معسكرات التجنيد الداخلية التي أنشأتها في البلد العربي الأفريقي، مستغلة علاقتها الجيدة مع عمر البشير قبل أعوام من الإطاحة به عام 2019.
وأفاد أحد المصدرين المطلعين أن حكومة أبوظبي كانت تقوم بحشد وطلب القوات المسماة بـ"الدعم السريع" وتقوم بتدريبها وتحمل تكاليف إعدادها وتسلحيها، ومن بوابة "اليمن" كانت تعد لمعركة السودان الحالية، مؤكدا أن الدولة الخليجية دخلت إلى الواقع السوداني عبر اليمن إذا قامت باستقدام قوات "الدعم السريع" كوحدات تابعة للجيش السوداني وبالتنسيق مع النظام الرسمي في الخرطوم قبل أن تعود هذه القوات كجيش موازي يقود حربا على الدولة السودانية".
فيما قال مصدر عسكري ثالث لـ"عربي21" إن مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن كانت فاعلة بالنظر إلى الغزارة العددية التي ضمت "الألاف من السودانيين" والخبرة القتالية والحوافز الأخرى المادية والعقدية ووفرة أسلحة المشاة وتنوعها. فيما ذكر أحد المصدرين أن حجم التنسيق والعمل كان أكبر من المشاركة في حرب اليمن بل الإعداد لمعركة السودان الجارية منذ عامين تقريبا.
وتابع المصدر العسكري الثالث أن مشاركة السودان في عمليات التحالف القتالية بقيادة السعودية تمثلت في صنفين من القوات الأول بقوات ما تسمى "الدعم السريع" التي يقودها حميدتي ولعبت دور قتالي في الساحل الغربي.
أما الصنف الآخر، فكان عبارة عن "بعثات تدريبية من الجيش السوداني لتعزيز التدريب في صفوف القوات الموالية للحكومة الشرعية، حيث لعبت دورا كبيرا في تدريب قوات "العمالقة" (ألوية سلفية مدعومة من الإمارات والسعودية) وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بانفصال جنوب البلاد عن شماله قبل تشكيله أوساط 2017.
ولفت المصدر إلى أن هذه البعثات تابعة لوزارة الدفاع السودانية ولازال جزءا من هذه البعثات موجودة وبالتنسيق بين الحكومة اليمنية والسودانية، مؤكدا أن هناك قوات سودانية من الجيش النظامي موجودة أيضا، في الحدود الجنوبية من المملكة مع اليمن وتشرف عليها الرياض، ومن أبرزها وحدات مدفعية.