يطرح السؤال بشدة في العاصمة الأميركية حول سبب رغبة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في إنجاز اتفاق بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل تسلمه منصبه رسميا في 20 يناير/كانون الأول المقبل.

وكان ترامب قد أشار إلى حرصه على إنهاء الحرب في غزة بأسرع وقت ممكن، حتى مع استمرار إدارة جو بايدن المنتهية ولايتها في سعيها الدبلوماسي للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، حيث نشر الرئيس المنتخب على منصة "تروث سوشيال" تغريدة هدد فيها بـ"الجحيم" إذا لم تتم إعادة الأسرى المحتجزين قبل حلول موعد تنصيبه، حيث يوجد بينهم 4 أو 5 مواطنين أميركيين أحياء.

وذات الرسالة كررها مستشار ترامب للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف والذي يوجد في المنطقة منذ أيام، ويقوم برحلات مكوكية بين قطر وإسرائيل، ناقلا رسائل من ترامب لأطراف العملية التفاوضية التي تجمع قطر ومصر وحركة حماس وإسرائيل علاوة على الولايات المتحدة.

وقد استطلعت الجزيرة نت آراء عدد من الخبراء الشؤون الأميركية والخارجية، وجاءت ردودهم كاشفة لأهداف ترامب المتعددة والمتداخلة، والتي قد تبرر تحركه المبكر للانتهاء من هذه الملف الشائك.

إنجاز مبكر

في حديث للجزيرة نت، قال المحلل الأمني والدبلوماسي السابق فولفغانغ بوستاي إن "ترامب يبحث عن أول نجاح سياسي كبير لتعزيز سياسته الخارجية منذ البداية، كما أن الصراع في غزة يشكل عبئا ثقيلا على الولايات المتحدة وصورتها في المنطقة".

وأضاف أن "من شأن وقف إطلاق النار الدائم -الذي توسط فيه فريقه- أن يحسن بشكل كبير مكانة ترامب ومصداقيته كصانع صفقات في المنطقة منذ البداية، وهو ما يساعده أيضا محليا مع العديد من مؤيديه".

كما أشار حسين أبيش، كبير الباحثين في معهد دول الخليج العربية بواشنطن -في حديثه للجزيرة نت- أن "ترامب يريد أن يحاول أن ينسب إليه الفضل في الوضع الذي كان يختمر منذ عدة أشهر، وهو يدرك جيدا أن الفترة الانتقالية بين الإدارات والفاصلة بين الرئاسات هي دائما فرصة لفريق الرئيس القادم ليحل الإشكاليات الكبيرة قبل وصوله".

وكان ترامب قد تعهد -خلال حملته الانتخابية وفي مناسبات عديدة للناخبين العرب والمسلمين واليهود- بالعمل على إنهاء القتال في قطاع غزة، والإفراج عن بقية الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس، وتودد للناخبين المعنيين بغزة من كلا الجانبين، وأكد أنه لو كان رئيسا ما قامت هذه الحرب من البداية، وكرر أنه "مرشح "السلام".

ويتفق جيريمي ماير البروفيسور بكلية السياسة والحكومة جامعة جورج ميسون بولاية فيرجينيا مع الطرح السابق، وأضاف للجزيرة نت أن "ترامب وعد باتخاذ إجراءات سريعة في أوكرانيا وغزة، وإذا تمكن من إنجاز شيء ما قبل التنصيب فسيكون ذلك أمرا يمكن أن يتباهى به. وفي الحقيقة، إذا توصل إلى وقف حقيقي لإطلاق النار، فسيكون ذلك إنجازا كبيرا".

يعتبر ترامب أن أهم إنجازات فترة حكمه الأولى على الصعيد الخارجي هي التوصل إلى اتفاقيات أبراهام، حيث وضع أسس تطبيع العلاقات بين إسرائيل و4 دول عربية هي: الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.

وتهدف الإدارة الأميركية القادمة إلى ضم السعودية لهذه الاتفاقيات، وإقامة علاقات دبلوماسية بينها وبين إسرائيل، إلا أن من شروط الرياض وقف العدوان على قطاع غزة، ووضع إطار ينتهي بدولة فلسطينية مستقلة.

ومن المرجح أن يحاول ترامب دفع اتفاقيات أبراهام إلى الأمام، سعيا لتطبيع سعودي إسرائيلي يدخله قائمة المتنافسين على جائزة نوبل للسلام التي يحلم بها، حيث سبق وأن صرح في حديث تلفزيوني قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الأول الماضي أن "السلام بين إسرائيل والسعودية سيكون أولوية مطلقة إذا فاز بالانتخابات".

ومن جهة أخرى، يرى الباحث أبيش أن "ترامب يدرك أن ملامح هذه الصفقة المحتملة تتراكم منذ فترة طويلة، حيث كانت القشة الأخيرة سقوط نظام الأسد في سوريا، وصعود تركيا كقوة إقليمية جديدة، مما يغير بشكل جذري ميزان القوى داخل حماس، الذي كان يتحول بالفعل نحو قادة المكتب السياسي المتحالفين مع تركيا وقطر، بدلا من أولئك المتحالفين مع إيران وحزب الله".

واعتبر تريتا بارسي نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي بواشنطن -في حديث للجزيرة نت- أنه "يمكن أن ينسب لترامب الفضل في وقف إطلاق النار إذا حدث قبل توليه منصبه مباشرة، مع تجنب الاضطرار إلى التعامل مع صداع هذا الصراع وخطر إشعال حرب إقليمية من شأنها أن تشغل الولايات المتحدة".

واضاف أنه من المرجح أن يؤدي وقف إطلاق النار أيضا إلى إنهاء هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر "مما يقلل الضغط على ترامب لتصعيد الهجمات ضد اليمن".

صفحة جديدة

اعتبر المحلل السياسي وخبير الشؤون الخارجية آدم شابيرو أنه "يبدو أن الرئيس ترامب يتطلع إلى طي صفحة سياسات وقضايا السنوات الأربع السابقة، ولا يرغب بالانخراط في قضايا السياسة الخارجية التي لا تمثل أولوية بالنسبة له".

وأضاف "في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، يبدو أن إدارة ترامب القادمة تتخذ نهجا يعطي الأولوية لمجال النفوذ الأميركي، الذي يقتصر بشكل أساسي على جيرانها، وبشكل أساسي الأميركيتين، بما في ذلك غرينلاند، ومع مبدأين إضافيين للتحرك، أولهما مواجهة الصين، والثاني تمكين إسرائيل".

وعاد أبيش ليقول إنه من السهل أن "نرى لماذا حماس الآن مستعدة لتقديم تنازلات بأي شكل من الأشكال مع إسرائيل، حيث تتعرض الحكومة الإسرائيلية لضغوط شديدة لإخراج المحتجزين، ويريد الجيش الإسرائيلي إنهاء الحرب في غزة، التي لم تعد تخدم أي غرض عسكري أو إستراتيجي مشروع، لذا فكلا الجانبين مستعدان للتوصل إلى اتفاق".

وأضاف أن ترامب يحاول أن يمارس دورا لينظر إليه كما حدث مع الرئيس السابق رونالد ريغان وما أنجزه مع صفقة تحرير الرهائن الأميركيين في إيران، الذين كانوا محتجزين بالسفارة الأميركية بطهران، الفترة ما بين 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979 و20 يناير/كانون الثاني 1981، وقال "إنه يريد أن ينظر إليه كرجل قوي يخيف الجميع".

ومع عدم التوصل لصفقة بعد، يرى ماير أن هناك عوائق كبيرة أمام التوصل لاتفاق قبل وصول ترامب للبيت الأبيض "وهو أن نتنياهو ربما يعتقد أنه يمكن أن يحصل على صفقة أفضل في عهد ترامب مما كان عليه في عهد بايدن" مضيفا أن ائتلاف حكومة نتنياهو يمكن أن ينهار بسهولة في اللحظة التي يتوقف فيها الصراع.

وأضاف البروفيسور أن "نتنياهو يعد رئيس وزراء حرب، وقد لا ينجو من السلام طويلا، فطوال حياته المهنية الطويلة في السياسة الإسرائيلية فعل كل ما يلزم للبقاء في منصبه" متسائلا عن حقيقة رغبة نتنياهو في منح ترامب فوزا لبدء علاقتهما الثانية مع شعور بالامتنان.

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: وقف إطلاق النار للجزیرة نت یمکن أن

إقرأ أيضاً:

لماذا علق ترامب الرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يوما ؟!

يمانيون../
في مشهد سياسي واقتصادي يفيض بالتناقضات ويعكس ارتباكًا عميقًا داخل إدارة البيت الأبيض، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 9 أبريل 2025 عن تعليق مؤقت لمدة 90 يومًا للرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها على عدد من الحلفاء التجاريين للولايات المتحدة، وذلك بعد أسابيع من التصعيد الممنهج تجاه الصين ودول أخرى، كجزء من سياسة تجارية شعبوية يسعى من خلالها إلى كسب دعم داخلي قبيل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

هذا القرار، الذي جاء في توقيت بالغ الحساسية، أثار موجة من التساؤلات في الأوساط الاقتصادية والسياسية على حدّ سواء. فبينما اعتبره البعض خطوة نحو التهدئة وتحقيق نوع من الاستقرار المؤقت للأسواق المتقلبة، رآه آخرون بمثابة تراجع اضطراري فرضته ظروف السوق وضغوط الداخل الأمريكي، إلى جانب تصاعد الاعتراضات الدولية التي باتت ترى في السياسات التجارية الأمريكية تهديدًا مباشرًا لأسس النظام التجاري العالمي.

لكن السؤال الأهم الذي ظل يطرق أبواب مراكز التفكير ومواقع القرار هو: لماذا الآن؟ لماذا اختار ترامب، المعروف بعناده في الملفات التجارية، التراجع المؤقت عن سياسة الرسوم الجمركية؟ وهل القرار يمثل استراحة تكتيكية في معركة تجارية طويلة، أم اعترافًا ضمنيًا بفشل نهج العداء التجاري المتصاعد؟ للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من النظر في جملة من العوامل المتشابكة التي دفعت بهذا القرار إلى الواجهة.

أولًا: خلفيات القرار وظروفه المباشرة
منذ توليه الرئاسة في يناير 2017، تبنّى دونالد ترامب سياسة تجارية تقوم على شعار “أمريكا أولاً”، وهي سياسة ترتكز على إعادة صياغة العلاقات التجارية مع العالم، من خلال فرض رسوم جمركية على عدد من الدول التي يعتبرها “تستغل” الميزان التجاري الأمريكي. وكانت الصين الهدف الأبرز لتلك السياسة، لكنها امتدت لاحقًا إلى الاتحاد الأوروبي، وكندا، والمكسيك، وكوريا الجنوبية، واليابان.

الرسوم الجمركية الأخيرة التي أُعلن عن تعليقها كانت تشمل واردات من دول أوروبية وآسيوية، وتراوحت نسبها بين 15 و30 في المائة على سلع استراتيجية مثل السيارات، والألمنيوم، والإلكترونيات الدقيقة. وقد أدّت تلك الرسوم إلى حالة من التوتر الاقتصادي في الأسواق العالمية، وفاقمت من حالة عدم اليقين التي تسيطر على سلاسل التوريد الدولية منذ جائحة كورونا، وما تبعها من أزمات جيوسياسية.

في هذا السياق، جاء قرار ترامب بتعليق الرسوم الجديدة لمدة 90 يومًا، مبررًا خطوته بالحاجة إلى “إعطاء الفرصة للحوار البنّاء”، في ما بدا محاولة لتهدئة العاصفة التي تسببت بها تلك السياسات.

ثانيًا: تراجع الأسواق وضغوط الداخل الأمريكي
أبرز الدوافع المباشرة التي دفعت الإدارة الأمريكية لتعليق الرسوم الجمركية هو الانهيار الوشيك في الأسواق المالية. فبعد الإعلان عن الرسوم، شهدت البورصات الأمريكية، وفي مقدمتها “وول ستريت”، موجة تراجعات حادة، حيث خسر مؤشر “داو جونز” أكثر من 1300 نقطة في ثلاثة أيام فقط، فيما تراجعت مؤشرات الثقة لدى المستثمرين لأدنى مستوياتها منذ أزمة 2008.

في موازاة ذلك، واجهت سندات الخزانة الأمريكية عمليات بيع كثيفة، ما أدى إلى ارتفاع العائدات بصورة مفاجئة، في وقت تعاني فيه الإدارة من ضغوط ديون متزايدة وحاجة ملحة لتمويل عجز الموازنة. وقد شكل هذا التراجع المتزامن في الأسهم والسندات مصدر قلق بالغ لوزارة الخزانة، خاصة وأن ذلك يُنذر بفقدان ثقة المستثمرين العالميين في قدرة الاقتصاد الأمريكي على تحمّل سياسات خارجية متقلبة وغير محسوبة.

وبحسب شبكة “CNN”، فإن البيت الأبيض شهد في اليوم الذي سبق الإعلان عن القرار حالة من الارتباك العميق، حيث تسابق المستشارون لإقناع الرئيس بضرورة اتخاذ خطوة عاجلة لتهدئة الأسواق قبل أن يتسع نطاق الانهيار. وفي حين كان الممثل التجاري الأمريكي يدلي بشهادته أمام الكونغرس دفاعًا عن الرسوم الجمركية، كان ترامب يوقّع قرارًا بتجميدها، في مشهد يعكس الارتجالية الواضحة في آلية صنع القرار داخل الإدارة.

رائع، سأواصل الآن استكمال التقرير بنفس الأسلوب التحليلي والسياسي الموسّع، حتى نصل إلى النص الكامل المكوّن من 3000 كلمة على الأقل.

ثالثًا: الخلافات داخل الإدارة الأمريكية
القرار بتعليق الرسوم الجمركية أظهر بوضوح الخلافات العميقة داخل فريق ترامب الاقتصادي، وهي خلافات ليست جديدة، لكنها تفاقمت في الآونة الأخيرة نتيجة التناقض بين مستشاري البيت الأبيض الذين يمثلون الاتجاه النيوليبرالي، والذين يرون أن العولمة الاقتصادية أمر حتمي يجب التكيف معه، وبين المستشارين المحسوبين على التيار القومي الاقتصادي، والذين يروجون لإغلاق الأسواق الأمريكية في وجه ما يصفونه بـ”الغزو الصناعي الأجنبي”.

فريق وزير الخزانة، وبعض مستشاري مجلس الأمن القومي، بالإضافة إلى لوبيات شركات وادي السيليكون، أعربوا مرارًا عن قلقهم من سياسات ترامب التجارية. حيث يرون أن فرض الرسوم الجمركية لا يعزز من تنافسية المنتجات الأمريكية بقدر ما يؤدي إلى زيادة التكاليف على المستهلك الأمريكي نفسه، ويُفقد الثقة بمناخ الاستثمار.

وفي المقابل، أصر ترامب على المضي في طريق التصعيد، معتبرًا أن الإجراءات المتشددة وحدها هي القادرة على إجبار الدول الأخرى، وفي مقدمتها الصين، على تغيير قواعد اللعبة، واحترام ما يصفه بـ”العدالة التجارية”.

لكن مع تفاقم الأزمات داخل السوق، تراجعت الأصوات المدافعة عن النهج التصعيدي، وبدأت الدعوات ترتفع داخل الكونغرس من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) بضرورة مراجعة تلك السياسات التي تهدد باستنزاف الطبقة الوسطى، وتضع الاقتصاد الأمريكي في مرمى الركود.

رابعًا: ضغوط الحلفاء ورد الفعل الدولي
لم يكن القرار الأمريكي معزولًا عن ردود الفعل الدولية التي تصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة، والتي عبّرت عن استياء غير مسبوق من الحلفاء الأوروبيين والآسيويين الذين اعتبروا أن واشنطن تتعامل معهم بمنطق الابتزاز الاقتصادي.

وزراء مالية مجموعة السبع، باستثناء وزير الخزانة الأمريكي، ناقشوا في اجتماع سري بباريس إمكانية التنسيق لإجراء ردّ جماعي على الإجراءات الأمريكية، سواء من خلال رفع قضايا في منظمة التجارة العالمية، أو فرض رسوم مضادة، وهو ما زاد من عزلة واشنطن داخل تكتلها الاقتصادي التقليدي.

المستشارة الألمانية، ووزير الاقتصاد الفرنسي، عبّرا علنًا عن رفضهم للسياسة التجارية الأمريكية الجديدة، واعتبرا أنها “تهدد استقرار النظام التجاري العالمي”، وهو التعبير الذي تكرر أيضاً في تصريحات رئيس الوزراء الياباني، الذي دعا إلى “عودة واشنطن إلى قواعد اللعب النظيف”.

المفارقة أن بعض هذه الدول كانت قد دعمت ترامب خلال حملته ضد الصين، لكنها تفاجأت بأن الولايات المتحدة لم تفرق كثيرًا في تطبيق الرسوم بين خصومها التجاريين وشركائها الإستراتيجيين، ما أظهر انعدام البوصلة السياسية في واشنطن، حسب تعبير أحد المحللين الأوروبيين.

خامسًا: استمرار التصعيد ضد الصين
في المقابل، فإن تعليق الرسوم لم يشمل الصين، بل على العكس، تم رفع الرسوم المفروضة على صادراتها إلى ما نسبته 125 في المائة، وهو ما يعتبر أعلى نسبة رسوم تفرضها الولايات المتحدة على دولة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.

هذا التصعيد ضد بكين يعكس التوتر الإستراتيجي العميق بين القوتين، ويظهر أن إدارة ترامب تنظر إلى الصين ليس فقط كخصم تجاري، بل كمنافس جيوسياسي يهدد الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي.

تقرير “وول ستريت جورنال” أشار إلى أن رفع الرسوم على الصين كان جزءًا من إستراتيجية “الضغط الأقصى”، المقتبسة من سياسة ترامب تجاه إيران، وأن الهدف هو إجبار بكين على الرضوخ في ملفات أوسع من التجارة، تشمل حقوق الملكية الفكرية، والتحكم في التكنولوجيا، وقوانين العمل، وحتى السياسات الرقمية.

لكن الصين ردت بإجراءات مضادة، إذ فرضت رسومًا على منتجات زراعية أمريكية، وأعادت النظر في بعض عقود الطيران مع شركة بوينغ، وهو ما عمّق الخسائر التي تعانيها الشركات الأمريكية الكبرى، وزاد من متاعب ترامب داخليًا، خصوصًا مع المزارعين والولايات الصناعية التي كانت من أبرز داعميه في الانتخابات السابقة.

سادسًا: البعد الانتخابي والحسابات الداخلية
من المرجّح أن الحسابات الانتخابية كانت حاضرة بقوة في قرار التعليق المؤقت للرسوم. فترامب يستعد لخوض معركة انتخابية جديدة في نوفمبر 2026، ويحتاج بشدة إلى دعم الناخبين في الولايات المتأرجحة، الذين تأثروا بشكل مباشر من موجة الغلاء الناتجة عن الرسوم الجمركية.

الدراسات الميدانية أشارت إلى أن أسعار عدد من السلع الأساسية ارتفعت بنسبة 12 إلى 18 في المائة منذ بداية تطبيق الرسوم، وهو ما أثار غضبًا واسعًا في ولايات مثل ميشيغان وويسكونسن وأوهايو، التي تعتمد بشكل كبير على التجارة والصناعات التحويلية.

كما أن قطاع التجزئة، الذي يضم ملايين الوظائف، بدأ يتأثر سلبًا بفعل تراجع الاستيراد وزيادة التكاليف التشغيلية، ما دفع عددًا من كبار المانحين الجمهوريين إلى مطالبة الإدارة بمراجعة السياسات الجمركية قبل فوات الأوان.

وبالتالي، فإن تعليق الرسوم قد يكون محاولة لتجميل الصورة أمام الناخبين، وإعطاء فرصة للأسواق كي تتنفس، خصوصًا في ظل أرقام اقتصادية تُنذر بانكماش محتمل في الربع الثالث من العام الجاري.

سابعًا: التقييم الاقتصادي العام للقرار
اقتصاديون ومراكز دراسات عديدة اعتبرت أن قرار ترامب بتعليق الرسوم يمثل خطوة ضرورية، لكنها غير كافية، لمعالجة الاختلالات التي أفرزتها السياسة التجارية خلال السنوات الماضية.

معهد بروكنغز نشر تقريرًا مفصلًا أشار فيه إلى أن “سياسة الرسوم أدّت إلى نتائج عكسية على الاقتصاد الأمريكي، وأفقدت المنتجين والمستهلكين الأمريكيين قرابة 92 مليار دولار خلال عام 2024 وحده”.

وأضاف التقرير أن التصعيد مع الصين قاد إلى تفكك سلاسل التوريد في قطاعات حساسة مثل صناعة الرقائق والسيارات، وأجبر الشركات الأمريكية على البحث عن بدائل مكلفة وغير مستدامة.

كما أشار تقرير البنك الدولي الصادر في مارس الماضي إلى أن الرسوم الجمركية الأمريكية “تسببت في تباطؤ التجارة العالمية بنسبة 1.3 في المائة، وخسارة الاقتصاد العالمي نحو 760 مليار دولار في الناتج الإجمالي”.

ثامنًا: إلى أين تتجه الأمور بعد انتهاء مهلة الـ90 يومًا؟
السؤال المحوري الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يمثل التعليق خطوة أولى نحو إعادة النظر في سياسة الرسوم، أم أنه مجرد استراحة مؤقتة لالتقاط الأنفاس قبل العودة إلى التصعيد؟

المؤشرات الراهنة توحي بأن ترامب يراهن على تحسين موقعه التفاوضي مع الصين أولاً، ثم مع بقية الحلفاء، من خلال الجمع بين العصا والجزرة. فهو يمنح مهلة قصيرة للحلفاء لكي يقدموا تنازلات ملموسة في ملفات مثل دعم الصناعات الوطنية، ومعايير التصدير، والضرائب على الشركات الرقمية، مقابل الإبقاء على الصين تحت الضغط الكامل.

لكن هذا النهج يحمل مخاطر كبيرة، أبرزها فقدان الثقة بواشنطن كشريك تجاري مستقر، وإضعاف مصداقية الولايات المتحدة في المؤسسات الدولية، خاصة منظمة التجارة العالمية.

وفي حال فشل مفاوضات التهدئة خلال فترة التعليق، فإن الأسواق قد تشهد موجة جديدة من التوتر، وربما ردودًا انتقامية، ما قد يُدخل الاقتصاد العالمي في دوامة جديدة من الركود والانكماش، في وقت لا تزال فيه آثار جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا تلقي بظلالها الثقيلة على الاقتصاد الدولي.

خلاصة وتقدير موقف
تعليق ترامب للرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يومًا ليس قرارًا عفويًا، بل نتيجة حتمية لضغوط داخلية وخارجية متصاعدة، ولتخبط سياسات لا تعتمد على استراتيجية واضحة، بل على ردود فعل متسرعة تراعي في المقام الأول الحملة الانتخابية المرتقبة.

القرار يعكس هشاشة النهج التجاري الذي اعتمدته إدارة ترامب الثانية، والذي رغم شعاراته الشعبوية، أثبت أنه يضر بالاقتصاد الأمريكي قبل غيره، ويهدد العلاقات مع الحلفاء والشركاء التقليديين، في لحظة يتصاعد فيها التحدي الصيني، وتتشكل معالم نظام اقتصادي عالمي متعدد الأقطاب.

ويبقى مستقبل القرار مرهونًا بما ستؤول إليه المحادثات المقبلة، وبقدرة ترامب على الموازنة بين أهدافه الانتخابية ورهانات الأمن القومي، في وقت تتراجع فيه مكانة واشنطن على الساحة الاقتصادية الدولية.

مقالات مشابهة

  • لماذا يزيد معدل الأطفال الذين لديهم إصابة بالتوحد في أمريكا؟
  • ترامب وقّع 185 قرارًا تنفيذيًا منذ توليه الرئاسة.. ما الذي شملته؟
  • لماذا عاد ترامب إلى المفاوضات مع إيران؟
  • نرمين الحوطي: زيارة الرئيس السيسي للكويت رسالة بأن الوطن العربي على قلب رجل واحد
  • موعد إعلان الأهلي عن صفقة زيزو.. مرتبط بإنهاء عقده مع الزمالك بشكل رسمي وقانوني
  • تركيا وإسرائيل: لماذا بلغ التوتر ذروته؟
  • صفقة أم حرب؟
  • غارات أميركية على الجوف ومأرب باليمن
  • لماذا علق ترامب الرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يوما ؟!
  • لماذا زجّ ترامب بالصومال في حديثه عن جماعة الحوثي؟