اللحظة اللوثرية والذكاء الاصطناعي.. من دمقرطة المعرفة إلى الأكواد
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
لطالما كانت الابتكارات التكنولوجية محركا رئيسيا لتحولات عميقة تعيشها المجتمعات الإنسانية، حيث تعيد هذه الابتكارات تعريف أساليب إنتاج المعرفة ونشرها وإتاحتها، وبالتالي إعادة رسم حدود السلطة داخل المجتمعات الإنسانية.
فعلى سبيل المثال، الحقبة التي سبقت ظهور الطباعة، حين كانت النصوص الدينية محصورة في نطاق النخب الدينية والاجتماعية، مما أجبر عامة الناس على الاعتماد على وسطاء بشريين لنقل التفسيرات الإلهية وإيصالها إليهم.
جسدت تلك الفترة فجوة حادة في الوكالة المعرفية، إذ عزز التحكم المركزي في النصوص المقدسة التراتبية الاجتماعية والدينية بشكل كبير، وساهم في ترسيخ هياكل طبقية قائمة على السخرة والاستغلال.
لاحقا، عندما تم اختراع الآلة الطابعة، التي ساهمت في إحداث ثورة الإصلاح الديني، تضاءلت مركزية سلطة رجال الدين، وأصبحت المعرفة متاحة للعامة بلغاتهم المحلية الأمر الذي أدلى إلى دمقرطة المعرفة وبالتالي إعادة رسم علاقات السلطة داخل المجتمع.
يشهد عصرنا الراهن لحظة تاريخية مماثلة إلى حد كبير، حيث يعمل الذكاء الاصطناعي، لا سيما من خلال إمكانات النماذج اللغوية الضخمة، على إزالة الغموض عن مجال البرمجة الذي كان يُعتبر تقليديا مجالا نخبويا محصورا في طبقة معينة.
إعلانورغم أن الفجوة الزمنية الشاسعة التي تفصل بين هاتين الثورتين التكنولوجيتين، فإنهما تتشاركان في سردية موحدة: دمقرطة المعرفة وتعزيز قدرة الأفراد على التأثير.
بالعودة إلى الوراء قليلا نرى أن حركة الإصلاح البروتستانتي في القرن الـ16 تعد مثالا نموذجيا على الإمكانات التحويلية العميقة لتقنية الطباعة. فمن خلال إتاحة النصوص الدينية باللغات العامية، ساهمت هذه التقنية في إزالة الحواجز التراتبية المحيطة بالمعرفة المقدسة، مما عزز التفسيرات الشخصية أو المحلية، وقلّص من مركزية السلطة الدينية في روما.
ففي وقت كانت فيه السيطرة على النصوص المقدسة أداة للنفوذ المؤسسي، قامت الطباعة بتقويض النماذج القائمة، وهو الأمر الذي أتاح للأفراد التفاعل مباشرة مع العقائد الدينية وأعاد تشكيل المشهد الاجتماعي.
وبشكل مشابه، يشهد العالم حاليا ثورة في الذكاء الاصطناعي تُزيل الحواجز التقنية أمام البرمجة، مما يسمح للأفراد من خلفيات متنوعة باستخدام الأدوات الحاسوبية دون الحاجة إلى تدريب تقني متقدم.
ولا تقتصر هذه الثورة على إتاحة الوصول فحسب، بل تعيد أيضا تشكيل طبيعة العمل والإنتاج المعرفي، حيث تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي على سد الفجوة في الخبرات العملية، وتيسير التعاون بين التخصصات المختلفة.
وفي الوقت الذي يخشى فيه العديد من الخبراء والعلماء وصناع القرار من التأثيرات السلبية للذكاء الاصطناعي على سوق العمل، فإن هناك فرصة تاريخية بأن تسهم هذه التكنولوجيا بفتح آفاق جديدة أمام سوق العمل سواء من ناحية الابتكار أو من ناحية إعادة تأهيل الأيدي العاملة.
يُبرز هنا إذن أوجه التشابه بين هذه التحولات التاريخية والمعاصرة، فقد أسهمت الطباعة في دمقرطة المعرفة الدينية وتعزيز الوكالة الفردية، في حين يحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في إتاحة البرمجة، مما يبشّر بعصر تحولي من الإبداع والشمولية والابتكار.
إعلانعلاوة على ذلك، تُظهر كلتا التقنيتين قوة الأنظمة اللامركزية للمعرفة في تحفيز تحولات جذرية في هياكل السلطة المجتمعية، وإعادة توزيع النفوذ من المؤسسات المركزية إلى جمهور أكثر تنوعا وديناميكية.
بالنتيجة، فإن دمقرطة الوصول إلى الأدوات القوية -سواء كانت نصوصا دينية أو أطرا حاسوبية- لا تُغير فقط قدرات الأفراد، بل تُعيد أيضا تشكيل معالم التأثير المجتمعي، وعلائق القوة والسلطة.
تميزت الحقبة التي سبقت عصر الإصلاح الديني في أوروبا بسيطرة مطلقة للكنيسة على المعرفة الدينية، حيث كان الإنجيل مكتوبا باللغة اللاتينية، وهي لغة لا تتقنها سوى النخب المتعلمة، وخاصة رجال الدين.
وقد جعل هذا الاحتكار اللغوي النصوص المقدسة في متناول فئة محدودة، بينما اعتمدت غالبية المجتمع على تفسيرات الكنيسة، مما رسّخ سلطتها ومنع أي نقاش شعبي حول اللاهوت، وعزز من مركزية رجال الدين في مقابل الطبقات الشعبية الأخرى التي وقعت تحت سطوة التهميش والاستغلال الممنهج.
ومع ظهور مطبعة يوهانس غوتنبرغ في منتصف القرن الـ15، بدأت ديناميكيات السلطة في التحول.
وقد استخدم مارتن لوثر تقنية الطباعة الجديدة لتوزيع أطروحاته الـ95 وترجماته للكتاب المقدس إلى اللغة الألمانية، مما أتاح لعامة الناس قراءة النصوص المقدسة بلغتهم الأم لأول مرة في التاريخ، وتصاعد حجم إنتاج مؤلفاته ليتخطى 300 ألف نسخة بين عامي 1517 و1520، وهو ما يعكس فكرة كيف عززت الطباعة من انتشار أفكاره بشكل غير مسبوق بالتاريخ الأوروبي.
وبطريقة مشابهة، تمثل النماذج اللغوية الكبيرة نقطة تحول في جعل البرمجة متاحة لغير المختصين، وهذه النماذج تسمح للمستخدمين العاديين بكتابة أكواد برمجية أو تطوير تطبيقات بمجرد التعبير عن احتياجاتهم بلغة طبيعية، تماما كما مكنت طباعة الإنجيل باللغات العامية الناس من التفاعل المباشر مع النصوص الدينية.
إعلانواليوم، لا يوجد حاجة لمبرمج محترف لعمل مجموعة من "التصورات البصرية" (Visualization) على سبيل المثال، فيكفي كتابة النص باللغة الطبيعية لتقوم نماذج مثل شات جي بي تي (Chat GPT) أو كلود (Claude) لتحويلها إلى صور مشفوعة بالأكواد.
وهذا الأمر كسر الاحتكار التقني، وعمل على توسيع نطاق الوصول إلى البرمجة، فكما كانت المعرفة الدينية مقتصرة على رجال الدين، كانت البرمجة تقليديا محصورة بالمبرمجين المتخصصين، مما خلق حواجز تقنية أمام الأفراد العاديين.
كانت الآثار المعرفية للطباعة ثورية بلا شك، فقد ارتفعت معدلات معرفة القراءة والكتابة، مما عزز التفكير النقدي وقلل من قدرة الكنيسة على قمع المعارضة.
ويمكن القول إن النماذج اللغوية الكبيرة تحقق أثرا مشابها من خلال خفض الحواجز التقنية وتوسيع نطاق الابتكار، والمشاركة التكنولوجية، ولم يعد الأطباء أو المعلمون بحاجة إلى خبرة برمجية متقدمة لتطوير أدوات تحليل البيانات أو تصميم المناهج التعليمية، هذا التحول يعكس دمقرطة البرمجة بالطريقة نفسها التي جعلت الطباعة أداة أتاحت المعرفة الدينية للجميع.
أما اجتماعيا وثقافيا، فقد ساهمت الطباعة في نشوء مجتمعات فكرية جديدة وتوحيد الهويات القومية عبر نشر اللغات المشتركة. وعلى نحو موازٍ، تعمل النماذج اللغوية الكبيرة على إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي والاجتماعي من خلال تعزيز التعاون بين التخصصات وخلق ثقافة شاملة للابتكار التكنولوجي.
وكما مهدت الطباعة الطريق لإصلاحات دينية وسياسية عميقة، تمهد هذه النماذج لتحولات مستقبلية قد تعيد تعريف كيفية مشاركة البشر في الاقتصاد الرقمي وتطوير الابتكار، وتحدي السلطات المركزية والتي تعيد إنتاج نفسها كل فترة بما تقتضيه شروط العصر وخصائصه.
إعلانومن خلال هذه الجدلية التقنية، نجد أن التفاعل بين التكنولوجيا والمجتمع يتكرر عبر التاريخ بأشكال متماثلة، ورغم اختلاف أدوات التغيير وأشكال السلطة، تبقى النتائج متمحورة حول تمكين الأفراد وتحدي الهياكل التقليدية ذات السلطة المركزية.
رغم التقدم الذي أحدثته التكنولوجيات التحويلية كالطابعة والذكاء الاصطناعي، فإنها تترافق عادة مع تحديات مجتمعية كبيرة. فالطباعة، رغم الاحتفاء بها كأداة دمقرطة للمعرفة، فإنها ساهمت أيضا في الانتشار السريع للمعلومات المضللة.
فظاهرة التضليل والأخبار الكاذبة والمزيفة لم تظهر مع منصات التواصل الاجتماعي، على ما يعتقد الكثير من الناس، بل يمتد تاريخها طويلا. وقد كان اختراع الآلة الطابعة مسرعا لها بعد أن بات التأليف عملا غير محتكرا من قبل مركزية المؤسسات العلمية والدينية والنخبة الأكاديمية.
لعبت المنشورات والنصوص الجدلية دورا في تأجيج التوترات الدينية والسياسية، مما أدى إلى اضطرابات مجتمعية خلال عصر الإصلاح الديني. وخلق هذا السياق بيئة تمكنت فيها الأفكار، البناءة والمدمرة على حد سواء، من الانتشار بسرعة غير مسبوقة، مما أعاد تشكيل الخطاب العام وسلط الضوء على الانقسامات القائمة.
وبالمثل، يواجه المجتمع الحديث معضلات أخلاقية بسبب الذكاء الاصطناعي، مثل نشر محتوى متحيز أو مضلل من خلال الأنظمة التوليدية.
وتزيد قدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج روايات مقنعة ولكن خاطئة من خطر تسلل المعلومات المضللة إلى مجالات حساسة كالانتخابات والصحة العامة والتعليم وحتى المعتقدات الدينية، كما أن الحجم الهائل للمعلومات التي تنتجها أنظمة الذكاء الاصطناعي ضرورة اتباع أساليب جديدة للتمييز والتحقق من المعلومات، مما يمثل تحديا إنسانيا عاما.
إعلانعلاوة على ذلك، يؤدي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي إلى ظهور نقاط ضعف، خاصة في المجالات الحيوية مثل الرعاية الصحية والبنية التحتية والأمن، فقد تؤدي أخطاء الخوارزميات أو الاستخدام الضار إلى عواقب وخيمة.
وعلى سبيل المثال، قد يؤدي الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في التشخيص الطبي إلى أخطاء منهجية إذا لم تعالج التحيزات في بيانات التدريب، وهي أخطاء قد تودي بحياة البشر.
وبالمثل، فإن الأنظمة التحتية التي تُدار بخوارزميات تعتمد على الذكاء الاصطناعي تكون عرضة للهجمات السيبرانية، مما يشكل تهديدا للأمن القومي والسلامة العامة.
وفي مجال البرمجة، ورغم أن أدوات الذكاء الاصطناعي تُحسن الإنتاجية، فإنها تُثير مخاوف بشأن جودة البرمجيات، فالاعتماد على الأكواد المولدة قد يخفي عيوبا أو نقاط ضعف.
ومع تزايد دمج الحلول المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الأنظمة الأساسية، يصبح من الضروري بشكل متزايد ضمان الشفافية والمساءلة في هذه العمليات البرمجية، وإلا فإن النتائج المتحيزة المترتبة عليها سوف تضر بالشرائح الأكثر تهميشا بالمجتمع، وهو أمر من شأنه أن يزيد السخط المجتمعي وبالتالي العيش في ديمومة الاضطراب.
تتجاوز تأثيرات هذه التقنيات التحديات العملية، لتؤثر على الأبعاد الثقافية والنفسية الأوسع نطاقا. فعلى سبيل المثال، لم تقتصر الطباعة على دمقرطة المعرفة، بل أعادت تشكيل الهياكل التقليدية للسلطة، مما خلق أجواء من الاستقلال الفكري وصعود الأصوات المعارضة.
وزاد هذه التمكين من تفتيت التماسك المجتمعي، حيث وجدت وجهات النظر المتباينة منصات جديدة للتعبير. فبطبيعة الحال لم يكتف شكل التعبير هذا باتباع المناهج السلمية، بل تعداه ليشمل أساليب الإكراه من خلال اشتعال الحروب التي أتت على ربع سكان أوروبا في ذلك الوقت.
وبالمثل، يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل المشهد النفسي من خلال تغيير طبيعة التفاعل بين الإنسان والآلة وإعادة تعريف معايير الإنتاجية، ويؤثر دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية على كيفية إدراك الأفراد لأدوارهم ضمن النظم التكنولوجية، مما يثير تساؤلات حول الاستقلالية والإبداع والأصالة وطبيعة العمل.
إعلانبالنتيجة، تُبرز هذه التحديات أهمية اليقظة ووضع أطر تنظيمية قوية للحد من المخاطر مع الاستفادة من فوائد التقنيات التحويلية.
وتُعلمنا دروس التاريخ أنه في حين أن الابتكار يدفع المجتمع قدما، فإنه يتطلب أيضا دراسة نقدية لتداعياته الجانبية غير المقصودة. تمثل كل من الطباعة والذكاء الاصطناعي تذكيرا بالتوازن الدقيق بين التقدم التكنولوجي والتكيف المجتمعي، مما يسلط الضوء على الحاجة المستمرة إلى الحوكمة المدروسة والبصيرة الأخلاقية.
فقافلة التقدم التكنولوجي مستمرة، والتطور بلا شك أمر حتمي. الأمر الذي نحتاجه هنا ليس مقاومة التقدم أو عرقة القافلة، بل إعادة تهيئة هياكلنا المعرفية والمؤسساتية والأخلاقية وتحضيرها بشكل فعال لعمليات المواكبة والتكيف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی ت النماذج اللغویة على سبیل المثال رجال الدین من خلال التی ت
إقرأ أيضاً:
ما هي نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية المتاحة حاليا؟
تسبب نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني "ديب سيك" في ضجة واسعة المدى بفضل قدراته المذهلة مع السعر المخفض مقارنةً ببقية نماذج الذكاء الاصطناعي المتاحة تجاريًا، ورغم أن "ديب سيك" هو أبرز النماذج الصينية، فإنه ليس الوحيد.
تقدم الشركات الصينية حاليًا مجموعة من نماذج الذكاء الاصطناعي المختلفة، في محاولة منها للحاق وتخطي الشركات الأميركية التي سيطرت على ساحة الذكاء الاصطناعي مدة طويلة، حتى إن "ديب سيك" ذاته طرح نموذجا آخر لمعالجة جوانب النقص الموجودة في النموذج الأول لها.
لا يمكن وصف جهود الذكاء الاصطناعي الصينية بكونها حديثة العهد، إذ بدأت منذ سنوات عدة تزامنًا مع غريمتها الأميركية، ولكن القفزة الأخيرة كانت مفاجئة خاصة مع عدم قدرة هذه الشركات على الوصول إلى شرائح الذكاء الاصطناعي المطلوبة من "نفيديا".
وفي الوقت الحالي، توجد عدة نماذج ذكاء اصطناعي صينية مثل:
نموذج "كوين 2.5" (Qween 2.5) من "علي بابا"لم تغب مساعي "علي بابا" لتطوير نموذج ذكاء اصطناعي قوي وخارق، كونها إحدى أبرز شركات التقنية في الصين والعالم أجمع. وبشكل مفاجئ، وفي 29 يناير/كانون الثاني الماضي، كشفت الشركة عن ردها على "ديب سيك" و"شات جي بي تي".
إعلانجاء هذا الرد على شكل نموذج "كوين 2.5" الذي تدعي الشركة أنه يتخطى قدرات كافة نماذج الذكاء الاصطناعي المتاحة حاليًا ويتغلب عليها في كافة الأوجه، بما فيها نموذج "شات جي بي تي 4 أو" الرائد وحتى نموذج "ميتا" و"ديب سيك".
يأتي النموذج أيضًا على شكل مفتوح المصدر يمكن لأي شركة استخدامه وتخصيصه، وتروح الشركة له بقدرته على التجاوب بشكل جيد مع الأسئلة الطويلة والمعقدة، كما أنه قادر على فهم المهام المعقدة مثل المحادثات والتفكير المنطقي والبرمجة.
ورغم أن النموذج مخصص بشكل أساسي للشركات والاستخدام التجاري، فإنه أيضًا متاح للاستخدام الشخصي مباشرة من خلال روبوت الدردشة السريع الذي يحمل الاسم ذاته.
"إيرني" (Ernie) من "بايدو" (Baidu)يمكن القول بأن روبوت "إيرني" هو أول نموذج ذكاء اصطناعي يخرج للنور من الشركة التي تسيطر على قطاع محركات البحث بشكل كامل في الصين، وقد وصل إجمالي عدد مستخدمي النموذج حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2024 إلى 340 مليون مستخدم، بشكل يحاكي "شات جي بي تي"، وهو قادر أيضًا على توليد النصوص والصور مباشرةً.
ورغم ادعاءات الشركة بأن "إيرني" قادر على منافسة "شات جي بي تي"، فإن إطلاق النموذج في عام 2023 لم يكن ناجحًا للغاية، وكان النموذج يواجه العديد من التحديات التقنية التي جعلت الإجابات التي يقدمها أضعف من المنافسين، وقد وصلت هذه التحديات إلى أن النموذج توقف عن العمل تمامًا أثناء العرض المباشر له.
هذه التحديات أفقدت المنافسين الثقة في "إيرني" خاصة ونماذج الذكاء الاصطناعي الصينية عامة، مما جعل العالم لا ينتظر الكثير من "ديب سيك" قبل أن يتسبب في المفاجئة السابقة، ورغم أن "بايدو" تحاول جاهدة إعادة نموذجها للمنافسة، فإن التحديات أمامه أكثر صعوبة من النماذج الجديدة.
"دوباو 1.5 برو" (Doubao 1.5 Pro) من "بايت دانس"لم تتأخر "بايت دانس" كثيرًا عن منافسة نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية، وقررت طرح نموذج "دوباو 1.5 برو" المحدث خلال الأسبوع الماضي رغم أن النموذج نفسه موجود منذ فترة، وهو يعد أحد أبرز نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية بعدد مستخدمين يتخطى 60 مليون مستخدم شهريًا.
إعلانتدعي "بايت دانس" أن "دوباو" أفضل من "شات جي بي تي" بفضل قدرته على الاحتفاظ بالمعلومات والأكواد البرمجية والمنطق، كما أنه قادر على التعامل مع اللغات الصينية بشكل أفضل من غيره من النماذج الصينية، كما تؤكد الشركة أنه أقل تكلفة من غيره ولا يحتاج إلى حواسيب خارقة من أجل تشغيله.
تحاول بايت دانس حاليًا الترويج لنموذجها على أنه أكثر قوة وأقل تكلفة حتى من ديب سيك، وتقارن بينه وبين "شات جي بي تي أو 1" في كل مناسبة، لكون النموذج قادرًا على التفكير المنطقي، وبينما يعد النموذج منتشرًا في الصين، ما زالت التجارب العالمية له محدودة.
لكن تاريخ بايت دانس الواسع في تطوير خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي والقوة الحوسبية يشير إلى قدرتها على تطوير نموذج ذكاء اصطناعي خارق وذو أداء قوي، إذ إن نقطة القوة الرئيسية في "تيك توك" أحد أبرز تطبيقات التواصل الاجتماعي العالمية هي خوارزمية "بايت دانس".
"كيمي كيه 1.5" ( Kimi k1.5) من "مون شوت" (MoonShot)تعد شركة "مون شوت" من شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة في السوق الصيني والتي وصلت قيمتها إلى أكثر من 3 مليارات دولار بعد جولة التمويل الأولى لها، وقد أطلقت الشركة مؤخرًا نموذج "كيمي كيه 1.5" الذي تدعي قدرته على منافسة "شات جي بي تي".
ركزت الشركة في تطوير "كيمي كيه 1.5" على جودة الإجابات ودقتها أكثر من سرعة الاستجابة، وهذا يجعل النموذج يأخذ وقتًا أطول في الإجابة، ولكن تكون الإجابات أكثر دقة، وهو الأسلوب ذاته الذي اتبعته "أوبن إيه آي" مع "شات جي بي تي أو 1".
بحسب بيان الشركة، فإن نموذجها يستطيع الإجابة على المسائل الرياضية المعقدة، فضلًا عن القدرة على فهم الصور والنصوص ومقاطع الفيديو وعدم الاكتفاء بالنصوص فقط.
نموذج "جانوس برو" (Janus-Pro) من "ديب سيك"لم تكتف ديب سيك بطرح نموذج "آر 1" النصي فقط، بل سعى لتغطية نقاط الضعف لديه عبر طرح نموذج ذكاء اصطناعي قادر على توليد الصور بشكل ينافس "دال -إي 3" من "أوبن إيه آي"، إذ يستطيع التعامل مع 7 مليارات معيار، وهي الكمية الكافية للإجابة على الأسئلة المعقدة وحل التحديات المعقدة.
إعلانيأتي النموذج تحت رخصة "إم آي تي" (MIT) مما يعني إمكانية استخدامه بشكل تجاري دون مخاوف من حقوق الملكية وحقوق الاستخدام بشكل عام، وبحسب اختبارات ديب سيك في أكثر من أداة اختبار منفصلة مثل "جينيفال" (GenEval) و"دي بي جي-بينش" (DPG-Bench)، التي أظهرت أيضا أن النسخة الاحترافية من "جانوس برو" تتغلب على العديد من نماذج الذكاء الاصطناعي لتوليد الصور المنافسة مثل "ديفيوشن إكس إل" (Diffusion XL) و"دال-إي 3″.
لا تزال قدرات النموذج محدودة بالصور ذات دقة 384×384 بيكسلا، وهو الأمر الذي يتماشى مع العديد من نماذج الذكاء الاصطناعي الأخرى التي تعمل على توليد الصور وتحليلها، ولكن نتائج النموذج -بحسب تقرير "ديب سيك"- تتفوق عليهم بشكل كبير، ومن المتوقع أن يتطور النموذج بشكل أفضل مستقبلًا.
وصمة عار تلحق النماذج الصينيةرغم التطور الكبير الذي تشهده ساحة الذكاء الاصطناعي في الصين مؤخرًا، فإن هذه النماذج تلحقها وصمة عار كبيرة بسبب ارتباطها بالشركات الصينية التي يشتبه في ارتباطها بالحكومة الصينية، وإمكانية تسريب البيانات للحكومة الصينية أو بشكل عام عبر الإنترنت.
حدث هذا في الأيام الماضية مع ديب سيك الذي ظهرت منه مجموعة من البيانات المخزنة به عبر الإنترنت في منتديات المخترقين، رغم أن الشركة لم تعلن عن وجود أي اختراق لبيانات النموذج أو حتى تسريب رسمي.