التغيير سنة الله الماضية وخبرات الإصلاح القائمة.. مشاتل التغيير (1)
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
إن سنة التغيير المسكونة بمسارات التدافع وقوانينه هي من سنن الله الماضية، وخبرات الإصلاح المتعددة والمتنوعة في الذاكرة الحضارية الإنسانية المحكومة بها وما يتبعها من انتظام سنني غير قابلة للتحول أو التبدل؛ سنن الجهاد ضد العدوان وقوانين المقاومة للطغيان. هذه تمثلت في أيام الله الكاشفة والفارقة، والتي مثلت بحق لحظات فرقانية؛ طوفان الأقصى وثورة تحرير سوريا.
المَشْتَلُ؛ أرضٌ يبذر فيها البذرُ حتى إذا مضى عليه شهرٌ أو أكثر نُقِلَ ليغرس في مكان آخر، وقد يقصد بالمشاتل المساحة من الأرض الزراعية المحمية أو المكان المخصص لإجراء عملية التكاثر والرعاية وإنتاج شتلات النباتات، حيث تزرع البذور أو عقل بعض الأصناف بغرض إنتاج الشتلات. وهي كذلك مساحات محمية مخصصة لإجراء عمليات الزراعة والتكاثر لأنواع متعددة من شتلات النباتات. تهدف هذه المشاتل إلى الحفاظ على الصفات الوراثية للنباتات وإنتاج شتلات ذات مواصفات ممتازة قادرة على تحمل الظروف المناخية الصعبة. والمشاتل تعتبر من أهم أسباب نجاح وتقدم النهضة الزراعية، حيث تعتمد على تطبيق الأساليب العلمية المتطورة المختلفة، واستخدام البيوت المحمية بأنواعها المختلفة في مجال إكثار وإنتاج شتلات؛ مما يسهم في تعزيز التنوع النباتي، وبفضل المشاتل يمكن توفير مجموعة واسعة من الأنواع النباتية.
ويمكن تحديد الأهداف من إقامة المشاتل فيما يلي:
* توفير الظروف البيئية الملائمة لإكثار الشتلات بالبذور أو الأجزاء الخضرية، وكذلك لتوزيع الشتلات اللازمة للزراعة داخل المدن.
* إنتاج الشتلات الجيدة من الأصناف الممتازة وشتلات النباتات الكبيرة.
* الاهتمام بالأمهات عالية الإنتاج مع مناسبتها للظروف البيئية وخلوها من الأمراض والحشرات، لتمثل الأساس الأول في انتشار الأنواع وحفظها والتوسع في زراعتها بزيادة الأعداد الناتجة منها بالإكثار الخضري.
* تشغيل الأيدي العاملة وزيادة الخبرة بالممارسة والتدريب.
* توفير الظروف البيئية المتحكم بها وخاصة لإجراء التجارب والأبحاث الزراعية؛ للوقوف على الوسائل المثلى في زراعة ورعاية وخدمة المشاتل لزيادة الإنتاج وتحسين نوعية المحاصيل البستانية.
* إمداد الحدائق بالشتلات والنباتات اللازمة للزراعة في أوقات محددة، وكذلك لتعويض النقص من التالف والميت من نباتات الحدائق واستبداله بنباتات جديدة بصورة سريعة.
إذا ما تأملنا المعنى والمغزى والهدف والمقصد في كل المضامين السابقة فإنها تحدد كل المسالك التي ترتبط بذلك الأمر حينما يتصل الأمر بالتغيير وسننه، لقد كانت غزة مشتلا لمقاومة الاحتلال والاغتصاب والعدوان، وكانت إدلب وحلب مشتلا للثورة السورية لنيل التحرير ومقاومة الاستبداد والطغيان؛ مشاتل للمقاومة والتغيير والإصلاح.
إن صيغة المشتل شكّلت مثلا ونموذجا وجب استصحابه في عمليات الإصلاح والتغيير، إنّ صيغة "مَثَل" وما يشتق منها تنبئ عن معنى الحضور والظهور، وقد تدلّ على المشابهة والمشاكلة، و"ضرب له مثلا" أي بيَّن له حجة ودليلا، و"بسط له مثلا" أي أوضح له حديثا، ولا يخرج الدليل والحديث عن دائرة معنى الظهور. و"تمثّل الشيء"، أي تصوّر مثاله -والمِثال صفة مقدار الشيء- ولا يخرج تصوّر الشيء عن معنى حضوره في الخيال؛ لأن تلك الصورة توحي إلى ذهن السامع ما لا تؤدّيه رسالة أو صحيفة أو سطور من تفسير أو إيضاح، أو معنى آخر يقتضيه المقام، وهذا هو معنى الإيجاز. فالسامع عند ضرب المثل له ترتسم في ذهنه صورة حال مورده شارحة له حال مضرب المثل، فيفهم المعنى المقصود من الكلام بكلّ الدقة والوضوح فهما جامعا شتى المتفرّقات، فإنّ المشاهدة (المفاهيم البصرية) تؤدّي في التعريف ما لا يؤدّيه التوصيف.
فالمثل في معانيه اللغوية قد يعين على تصور معنى "الصيغة" فيه؛ أي النموذج، والتي اشتهرت عند علماء نظريات المعرفة بمعاني "Paradigm" أي النموذج، فالمَثَل في اللغة ما يُضرب من الأمثال، وهو من المماثلة والمشابهة، ومثَّل الشيء بالشيء سواه به.. وجعله مثله وعلى مثاله ومنواله: "الصيغة" و"القاعدة"، والمثال وضع الشيء ليُحتذى به. وللمثل معان أخرى متقاربة نص عليها اللغويون والمفسرون منها: الشبه، والنظير، والحجة، والآية، والعبرة، والعظة، والقضية ذات الشأن.. إلى غير ذلك من معانٍ. ومن هنا نقل الميداني في "مجمع الأمثال" في مقدمة للنظَّام حيث قال: "يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع لغيره من الكلام: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكتابة.. "فالمثل -في إيماءة للجاحظ- هو المثال الذي يحذى عليه، ويقاس به، وينسب إليه.
وها هو الحكيم الترمذي يتوقف عند معنى "المثال" في الأمثال حيث قال: "الأمثال: نموذجات في الحكمة، لما غاب عن الأسماع والأبصار، لتهتدي النفوس بما أدركت عيانا". شكلت الأمثال إذا محاولة لصياغة النماذج المعرفية والتي كان الفضل فيها لتوماس كون في كتابه "بنية الثورات العلمية" في الإشارة إليها، فهي إنما تشير إلى "مجموعة متآلفة منسجمة من المعتقدات والقيم والنظريات والقوانين، فضلا عن الأدوات والتكنيكات والتطبيقات يشترك فيها أعضاء مجتمع علمي معين (الجماعة العلمية)، وتمثل تقليدا بحثيا كبيرا، أو طريقة في التفكير والممارسة، ومرشدا أو دليلا يقود الباحثين في حقل معرفي ما..". النموذج المعرفي ذو تأثير مزدوج؛ إذ له أثر إدراكي معرفي، وآخر معياري قيمي، فبالإضافة إلى كونه مجموعة مقولات حول الطبيعة والواقع، فإنه يحدد نطاق المشاكل المباح البحث فيها، ويحدد المناهج المقبولة للاقتراب من هذه المشاكل.
ثم تأتي فكرة المعمل والمختبر بعد المشتل، ويُعرف المُخْتَبَر (الجمع: مُخْتَبَرَات) أو المُخْبَر (الجمع: مَخَابِر) أو المَعْمَل (الجمع: مَعَامِل) بأنه منشأة تخوّل إمكانية لإجراء التجارب العلمية والاختبارات والقياسات تحت متطلبات معيارية يمكن التحكم بها. وقد ذكّرنا بها أستاذنا الدكتور حامد ربيع مستلهما نظر ابن خلدون من أن التاريخ معمل تجارب؛ في عشريته التي حدد فيها المطلوب توافره لدى المؤرخ كما حددها "عبد الجبار السامرائي": "ابن خلدون وفلسفة التاريخ؛ 600 عام على وفاته":
* ضرورة استيعابه لجوهر الحدث التاريخي، إذ إنه في باطنه نظر وتحقيق.
* علمه بقوانين الحياة: تعليل للكائنات ومبادئها دقيق.
* معرفته كيفية وقوع الحدث، والقدرة على التصور علم بكيفيات الوقائع وأسبابها.
* معرفة بالفلسفة، لأن علم التاريخ أصيل في الحكمة عريق.
* استيعاب جهود فحول المؤرخين في الإسلام الذين استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها لتمييزها مما فعله المتطفلون من الدسّ والتحريف والتلفيق.
* تجنب التقليد، لأنه يُبعد المؤرخ عن ملاحظة أسباب الوقائع والأصول.
* معرفة طبائع العمران في أحواله.
* تجنب التجريد في سَوْق الأحداث للتميز عن المؤرخين الذين نقلوا الأخبار عن الدول والعصور الأُوَل صورا قد تجردت عن موادها.
* الوعي لمتطلبات العصر، وظهور الكتابة التاريخية ومعرفة أمر الأجيال الناشئة في ديوانها.
* معرفة ما يفرضه الهدف من علم التاريخ.
التاريخ كمعمل معرفي للتجارب يرتبط بمقصود الاعتبار، وكذلك من الممكن أن يعتبر المجتمع معملا "المعمل الاجتماعي الكبير"؛ وهو ما اتخذته إحدى الدراسات عنوانا لها.
إن أفكار المشتل والمعمل والمختبر لا تزال تقدم لنا رؤية في النظر الى الموجات الثورية القادمة؛ إنها بحق "مشاتل التغيير"؛ فهل التقطنا من الخبرة الفكرة والعبرة؟
x.com/Saif_abdelfatah
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التغيير المقاومة تحرير فكرة التجارب مقاومة ثورة تحرير تجارب تغيير مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
عبد الله بن زايد يؤكد على بناء سوريا موحدة لا إرهاب فيها
أكد الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي على أهمية تلاحم الشعب السوري بكافة أطيافه لبناء سوريا موحدة ومستقرة وآمنة لا إرهاب فيها ولا إقصاء.
وأشار وزير الخارجية الإماراتي خلال مشاركته في "اجتماعات الرياض الوزارية حول سوريا" التي انطلقت، الأحد، في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية إلى أن هذا الاجتماع الوزاري الموسع يأتي تجسيدا لأهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية والأممية بهدف دعم الشعب السوري الشقيق على كافة المستويات بما يلبي تطلعاته المشروعة في الأمن والاستقرار المستدامين والازدهار والتنمية.
كما جدد التأكيد على موقف دولة الإمارات الراسخ في دعم استقلال سوريا وسيادتها على كامل أراضيها، مشيرا إلى أهمية تكاتف وتلاحم الشعب السوري الشقيق بكافة أطيافه من أجل بناء سوريا موحدة ومستقرة وآمنة لا إرهاب فيها ولا إقصاء فيها.
وثمن الشيخ عبد الله بن زايد جهود غير بيدرسون مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا مشيرا إلى أهمية توفير كافة أشكال الدعم والمساندة للمبعوث الأممي بما يقود إلى عملية سياسية شاملة وجامعة تحقق آمال الشعب السوري الشقيق في الأمن والتنمية والحياة الكريمة.