26 August, 2021

لفجور السلاح المشاهد وسط الحركات المسلحة أصل في علاقتها العرجاء مع المقاومة المدنية خلال عهد الإنقاذ، وربما أسبق. فتجد المعارضة المدنية امتنعت بالكلية من مؤاخذة الحركات المسلحة حتى حين تعتدي على الأهالي دون الجيش كما في أب كرشولا (٢٠١٣)، أو حين تصطرع في ما بينها في مثل الذي وقع بين حركة تحرير السودان (مناوي) وحركة العدل في أبو قمرة (٢٠١٢)، أو حين تصطرع الحركة في داخلها مثل اغتيال العدل والمساواة فريقاً انشق منها منهم محمد بشر وأركو ضحية.

فالعقيدة التي غلبت في معارضة الإنقاذ بصورة دقيقة هي أنه لا نقد لمعارض وبالأخص المعارض المسلح.
أضرب لك مثلاً. مرت بيوم ١٨ أغسطس الجاري الذكرى السادسة والستين لما عُرف باضطرابات الجنوب في أغسطس ١٩٥٥، أو "التمرد". وكان اختاره الرئيس سلفا كير من دون الأيام عيداً لقدامى المحاربين حتى قبل الانفصال، أو للترويج له. ولا نأمة من المعارضة المدنية. كرسوا. فالحديث للمسلح تطاول.

كان هناك الكثير مما يمكن أن يقال من معارضي الحيرة عن هذا القرار الأخرق. ولكنهم طووا لسانهم في حلوقهم. وكثيره حق. فليس مما يشرف محارباً قديماً أن تكون حربه مع غير محاربين مثله. فلم يُقتل في سائر المديرية الاستوائية، مركز التمرد، سوى ٧ من ضباط وصف ضباط قوة دفاع السودان الشماليين من جملة ٢٤٩ شهيداً شمالياً من التجار والجزارين والمعلمين والموظفين فيهم ١٥ امرأة و٢٤ طفلاً.
علماً أنه لم يلق قدامى محاربي سلفا كير الضباط وصف الضباط الشماليين في ساحة الوغى، بل في بيوتهم فردا. ففي كبويتا طلب قائد المتمردين الباشاويش ترتليانو ألونق من مساعد مفتش مركز جنوبي رحيم أن يطلب من اليوزباشي إبراهيم الياس أن يسلم مسدسه لو أراد الشفقة به. فلما سلم الياس مسدسة بعد إلحاف عليه أوسعوا بيته رصاصاً بالبرين وتعقبوه في بيته حتى الحمام وقتلوه.

من جهة أخرى لم يكن التمرد مواجهة بين عسكريين شماليين وجنوبيين (جدلاً). فكان المدنيون الجنوبيون رأس سهم في قتل الشماليين ونهب متاجرهم ودورهم جنباً إلى جنب مع العسكريين. واتصلت هجمات المدنيين على الشماليين مسلحين بالحراب والنشاب والحريق. وكان للمدنيين الجنوبيين وجود بارز في تعقب الشماليين في سائر بؤر التمرد ليكذب أن تلك الأيام من أغسطس مما يصح الاحتفال بها كيوم لقدامى المحاربين ناهيك عن الاحتفال بها لكآبتها أصلاً.
ولا أعتقد إن قتل المدنيين من رجال ونساء وأطفال مما يحتفل به محارب ناهيك عن ضروب التوحش التي اكتنفت موت كثيرهم. فقتل التمرد محمد أحمد فضل المولى وزوجه وأربعة أطفال وُلد أصغرهم خلال فترة حبسهم على يد المتمردين (توريت). ونزع مساعد حكيم طفلاً ذا ١١ شهراً من رجله من أمه وضرب به الأرض (تالي، بلد أخرى) وأحاط التمرد بملاحظ غابات وأحرقوه وأسرته (تومالي). وأحرق المدنيون داراً لجأ إليها الشماليون حتى الموت (تمالي)، وقتلوا إسماعيل عبد الغني التاجر وزوجه وبنته فوزية وابنه حامد ومصطفى (لينيا). وأحرق الأهالي منزلاً لجأ له الشماليون وطاردوا من هرب منهم وقتلوا امرأتين بالحراب (لوكا). وهجمت عصبة من العسكر والأهالي على بنت صغيرة لسيد محمد النذير وطعنوها بالرمح، وأخذوا زوجته وطفلته الأخرى للحبس (لينيا). ولم يجد عبد الماجد الشفيع بداً من الانتحار بطلقة من بندقيته لما حاصره المتمردون (ياي). ونفدت النساء في تركاكا من القتل واكتفوا منهن بالحبس.

ولم تخل السيرة الكأداء للتمرد من إشراقات النبل بالطبع. فتضافر جنوبيون من إداريين وشرطة وطلاب لاستنقاذ الشماليين من حولهم بحيلة وشجاعة. كما ساهم تجار إغريق وقسس بل حكومات مجاورة في الكنغو في نجدة الشماليين. فالتمس دون أفندي بولي، مساعد مفتش كبويتا، من المتمردين أخذ الشماليين أسرى. ولا حياة لمن تنادي. وآوى أمباشي سجون دفع الله عدلان وطبله في السجن (كتري). ولاذ الشماليون بمنزل تاجر إغريقي لتأخذهم الكنيسة البروتستانتية للكنغو. وكافأت الحكومة البلجيكية أياً من رعاياه بجنيه إسترليني متى جاء بشمالي آمن.

ووقف المعلمون والطلاب الجنوبيون يحمون أساتذتهم وأسرهم ما وسعهم. ففي لينيا كان أحد المعلمين الشماليين وزوجته على رأس رحلة من طلبة رمبيك الثانوية وجهتها الشمال ساعة اندلاع التمرد. فأحاط بهم ٢٥٠ من الأهالي بالحراب والنشاب والسهام. ولدى نزول المدرسين طعنوهم بالحراب برغم ما بذله الطلبة والمدرس الجنوبي. وفي مريدي ضبط الصول ماهليلي نياقو شرطته برغم تجمع الأهالي بحرابهم. ووضع حماية لمفتش المركز. فدمغوه بالخيانة. فأخذ بعض المدرسين مع ذلك ولاذ بهم إلى قريته.
وكان من السقم وبؤس المروءة أن يحتفل سلفا كير بمثل تلك الأيام المضرجة الغبراء عيداً لقدامى المحاربين. فبعبارة بسيطة كان ما احتفل به هو جنوسايد شمالي في أدق معاني هذه العاهة البشرية. فتعريف الجنوسايد هو أن تقتل المرء لأنه هو: أي القتل على الهوية العرقية التي لا يملك المرء حيالها صرفاً ولا عدلاً. فبوسع المرء أن يغير عقيدته السياسية ولكن الشمالي شمالي إلى نهاية التاريخ. وهذا سبب سحر عنوان كتاب صدر في أعقاب جنوسايد رواندا الذي قتل فيه شعب الهوتو شعب التوتسي على الهوية. وكان عنوانه "لن أكون توتسياً في المرة القادمة" لبيان استحالة تغيير الجلد العرقي.
ولذا لا يعد علماء الجنوسايد مثل ما قام به كل من ستالين وماوتسي تونغ جنوسايد لأنه قتل مجاني لأجل السياسة على فحش أرقامه. فالجنوسايد ليس "لعبة" أرقام الضحايا كما يطرأ للبعض. فيكفي أن تقتل قتيلاً واحداً كراهة في هويته وتُكتب عند الله جنوسايدياً.
بالطبع من حق سلفا كير وطغمته أن يحتفلوا بما شاء الله لهم أن يحتلفوا به. ولكن من العار أن يصمت حلفاء الحركة الشعبية للإطاحة بالإنقاذ، بل ومنسوبوها من الشماليين، عن ردها عن الفرح بجنوسايد من التاريخ يوما لقدامى المحاربين.
فأصل فجور السلاح المهني وغير المهني على مسرح السياسة اليوم أن حملته لم يجدوا من يلجمهم من الحلفاء دون ترهاتهم الكثيرة في الحين والساع. فباضوا وأفرخوا.
(لمن أراد التوسع عن تلك الأيام الغبراء من أغسطس 1955 فلينظر "تقرير لجنة التحقيق في اضطرابات جنوب السودان، 18 أغسطس 1955" على هذا الرابط.

تقرير لجنة التحقيق الإداري في حوادث الجنوب 1955 (archive.org)

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

لمن سيعطي قدامى المحاربين أصواتهم في الانتخابات الأمريكية المقبلة؟ (أرقام)

أظهرت بيانات أمريكية حديثة أن قدامى المحاربين في الجيش الأمريكي، لا يزالون يميلون إلى الحزب الجمهوري كما هو الحال تاريخيا.

وتقول الأرقام إن حوالي ستة من كل عشرة ناخبين مسجلين من الذين خدموا في الجيش الأمريكي أو الاحتياطي العسكري 61% يؤيدون الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، بينما يؤيد 37% نائبة الرئيس بايدن كامالا هاريس.



وبحسب مركز "بيو" للأبحاث لم تتغير تفضيلات المحاربين القدامى عن الانتخابات السابقة. في عام 2020، أدلى 60% من الناخبين المخضرمين بأصواتهم لصالح ترامب، بينما أيد 39% الرئيس جو بايدن.



وفي عام 2016، صوت المحاربون القدامى لصالح ترامب على حساب وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بهامش مماثل 61% إلى 35% على الترتيب.

وخدم المرشحان لمنصب نائب الرئيس - السناتور الجمهوري جيه دي فانس والحاكم الديمقراطي تيم والز - في القوات المسلحة. كان فانس في مشاة البحرية الأمريكية وكان والز في الحرس الوطني.



ووفقًا لمكتب الإحصاء، خدم حوالي 6% من البالغين الأمريكيين في الجيش، وهي نسبة أصغر بكثير مما كانت عليه قبل بضعة عقود.

ففي عام 1980، كان حوالي 18% من البالغين في الولايات المتحدة من المحاربين القدامى.

كيف يحدد "المحاربون القدامى" هويتهم السياسية؟

لطالما كان الناخبون المحاربون القدامى أكثر ميلاً إلى الانحياز إلى الحزب الجمهوري من الحزب الديمقراطي.

63% من الناخبين المحاربين القدامى يحددون هويتهم الحزبية على أنها جمهورية، أو يميلون إليها، بينما 35% ديمقراطيون أو يميلون إلى الحزب الديمقراطي.

كما هو الحال مع الناخبين بشكل عام، هناك اختلافات ديموغرافية في تحديد هوية المحاربين القدامى الحزبية.

على سبيل المثال، حوالي سبعة من كل عشرة من المحاربين القدامى البيض 72% يحددون هويتهم الحزبية على أنها جمهورية، أو يميلون إليها.

وهذا يقارن بنحو 11% فقط من المحاربين القدامى السود الذين يرون أنفسهم جمهوريين، أما الذين يحددون هويتهم بشكل واضح على أنهم ديمقراطيون أو يميلون إلى الحزب الديمقراطي فيشكلون 82%.



ويقول أكثر من نصف الناخبين من المحاربين القدامى 55% أنه إذا فاز ترامب في الانتخابات، فإن سياساته ستجعل الأمور أفضل للمحاربين القدامى. ويقول 23% فقط نفس الشيء عندما يتعلق الأمر بهاريس وسياساتها.

من المرجح أن يقول المحاربون القدامى المؤيدين لكلا المرشحين أن سياسات مرشحهم - على عكس سياسات المرشح الآخر - ستجعل الأمور أفضل للمحاربين القدامى.

لكن مؤيدي ترامب أكثر احتمالية بكثير من مؤيدي هاريس لقول هذا عن مرشحهم بنسبة 83% مقابل 62% على الترتيب.

يقول ثلث المحاربين القدامى الذين يدعمون هاريس إن سياساتها لن تغير الأمور كثيرًا في كلتا الحالتين بالنسبة لهم. ويقول 11% فقط من مؤيدي ترامب نفس الشيء عن مرشحهم.

تقول أغلبية كبيرة من مؤيدي كل مرشح أن المرشح الآخر سيجعل الأمور أسوأ للمحاربين القدامى:

◼ يقول 82% من مؤيدي ترامب المخضرمين أن هاريس ستجعل الأمور أسوأ.
◼ يقول 69% من مؤيدي هاريس المخضرمين أن ترامب سيجعل الأمور أسوأ.

كيف ينظر "المحاربون القدامى" إلى منصب نائب الرئيس؟

يقول حوالي نصف الناخبين المحاربين القدامى 53% إن لديهم وجهة نظر إيجابية عن فانس، بينما يقول حوالي ثلثهم 34% نفس الشيء عن والز.

◼ 87% من المحاربين القدامى الذين يدعمون هاريس لديهم وجهة نظر إيجابية عن والز.
◼ 79% من المحاربين القدامى الذين يدعمون ترامب لديهم وجهة نظر إيجابية عن فانس.

مقالات مشابهة

  • بيان مهمّ من الضمان بشأن إعطاء المستشفيات سلفاً مالية.. إطلعوا عليه
  • “الغذاء والدواء”: ضبط 186 منشأة مخالفة خلال 1806 من جولات الرصد والتقصي خلال شهري يوليو أغسطس
  • ???? تحول مذهل في يوميات الحرب ضد مليشيا التمرد في دارفور
  • لمن سيعطي قدامى المحاربين أصواتهم في الانتخابات الأمريكية المقبلة؟ (أرقام)
  • أمير المنطقة الشرقية يدشّن حملة الشرقية وردية “16” للكشف المبكر عن سرطان الثدي
  • “الاتحادية للضرائب” تدعو أصحاب تراخيص أغسطس وسبتمبر للتسجيل بضريبة الشركات قبل نهاية أكتوبر
  • لخلل في نظام الفرامل المدمج.. استدعاء 7938 مركبة من طرازات “BMW – MINI – رولز رويس”
  • منذ أن أشر مفضل شمال وكان في ام درمان!!
  • “مركز الأرصاد” يُنبِّه من تكون أمطار غزيرة على منطقة عسير
  • بلينكن: حسن نصر الله كان "إرهابيا وحشيا" وكان من بين ضحاياه العديد من الأميركيين