بعد سبعة عقود، هل أصابت البرجوازية الحزب الشيوعي السوداني ؟
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
معطيات :
أكمل الحزب الشيوعي السوداني سبعة عقود ونيف من عمره السياسي منذ تخلّلُقِه في رحم الحزب الشيوعي المصري، الذي أسسسه اليهودي هنري دانيال كوريل، في أوائل الأربعينيات، وحمل إسم الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني ،وضم في عضويته أوائل الشيوعيين السودانيين الذين كانوا طلاباً يدرسون في مصر،وكوّنوا فيما بعد، الحركة السودانية الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) التي كانت مرتبطة بالحزب الشيوعي المصري وإستقلت عنه رسمياً بإعلانهم ميلاد الحزب الشيوعي السوداني في 1952 بقيادة عبدالخالق محجوب.
بقدر ما جذبت النظرية الاشتراكية الماركسية الانظار وبهرت المعجبين الطامحين للتغيير الثوري، المتمردين على النظم التقليدية،أثارت أيضا إنتقادات وتأفف وسط القوى التقليدية ،بل شمرت بعض الدول سواعدها فشنت حرباً ضد المد الشيوعي وأجتهدت في وقف تغلغل الفكر الماركسي في جسد المجتمعات،فأطلقت العنان لمخابراتها تطارد الشيوعيين تنكل بهم أينما ثوقفوا، إعداماً ،تعذيباً وإخفاءً، بإعتبار ان الفكر الماركسي نبت شيطاني رجيم ،ضد قيم ومبادئ المجتمعات المسلمة، ومحاولة منه في توضيح بعض الجوانب ،قال الراحل محمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني « اي نص ماركسي يتعارض مع تجربة السودان في الديمقراطية التعددية نحن لا نتقيد به ولا يلزمنا وانما يلزمنا الواقع.. فنحن نتعامل مع الواقع وفق (المنهج الماركسي) وليس وفق (النص الماركسي) وهذا توضيح مهم، وهناك فرق بين الاثنين فالمنهج الماركسي للتحليل والدراسة للنظام الرأسمالي بصفة خاصة ولا اعتقد ان هناك نظام افضل منه في هذا الجانب حتى الان، اما النصوص فهي كقراءات وقوالب لا تصلح مع اى واقع، واي حالة متعسفة لتجيير الواقع بناءً عليها او العكس لن تكون مفيدة، وما توصلنا اليه في تجربة السودان توصلنا اليه عبر المنهج الماركسي وليس استنادا على النص الماركسي سواء كان من (انجلز) او (ماركس) او (لينين) او (ستالين)» - إنتهى حديث نقد.
فهل نجح هذا الحزب في تصميم موديل سوداني يحمل في طياته برنامج (شيوعية سودانية) بقسمات وملامح سودانية بحتة ؟ كنتاج لتطبيق المنهج الماركسي وليس تنزيل حرفي للنص الماركسي كما إدعى نقد..على الرغم ان النهج في حد ذاته يتخذ النص مرجعية في التطبيق... بيد أن شواهد التاريخ السياسي لهذا الحزب تكاد تجزم بغياب مثل هذا النموذج السوداني الذي إشار إليه نقد،ربما موجود على مستوى التنظير فحسب،لان واقع الحال والتجربة الشيوعية تخالف ذلك تماماً، فإذا أخذنا تجربة نميري الاشتراكية التي إرتجلها بالتأميم ومصادرة الملكية الخاصة، لم تكن إلا نسخاً شائهاً لتجربة عبدالناصر وهو بدوره نقلها عن الاتحاد السوفيتي بدون أي دراسة أو تحليل مرتكزات الاقتصادي الاشتراكي،بل كانت قرارات ثورية محروسة بالبندقية، ولم تكن وفقا للمنهج الماركسي كما تفضل نقد، وكدليل على خطل سياسية التأميم هو النكوص السريع عنها واعتناق الرأسمالية الامبريالية كمنهج إقتصادي سارت عليه هذه الدول فيما بعد ،حتى روسيا نفسها تخلت عن الشيوعية بعد سنوات عجاف من التطبيق القسري للنظام الاشتراكي في كل مناحي الحياة حتى ثبُت فشله بعد سبعة عقود،وتبخر الاتحاد السوفيتي في طرفة عين!
سياسياً، يبدو أن الحزب الشيوعي خلال مسيرته الطويلة أصابه ،ما أصاب الأحزاب السودانية التي يصفها في أدبياته بالاحزاب الرجعية البرجوازية الطفيلية، وتساوى معها في تخبط منهجي وفشل في إرساء سلطة ديمقراطية تعددية مستقرة ،وكان شريكا في إثم الانقلابات على الديمقراطية التي ينادي بها..! كما انه لم يفلح في عقد مؤتمراته العامة إلا ستة مرات على مدى سبعة عقود اخرها كان في 2016,صحيح هناك مبررات أمنية حالت دون الانتظام في عقدها،غير انها غير منطقية كجزء من الازمة،ولم يسلم من التشظي والإنقسامات كغيره من الأحزاب البرجوازية التي لم تمارس ديمقراطية حقيقية داخلها... لقد جربت هذه الأحزاب كل الوسائل الناعمة والخشنة من أجل الوصول إلى السلطة كهدف وهى تفتقر للبرامج النهضوية الشاملة للدولة، ولم يسلم الحزب من فيروس التنافس الخبيث والسعي لافشال غريمه السياسي، لقد نجح الحزب الشيوعي في إجهاض الديمقراطية الثانية بإنقلابه المايوي في 1969 الذي سرعان ما حل عليه كارثة ماحقة وضربة قاصمة عندما قام نميري بإعدام رفاقه الشيوعيين الذين أصلوه إلى كرسي الحكم بعد انقلاب هاشم العطا ، تلك الكارثة التي حاقت بالحزب اقعدته ردحاً من الزمن مطارداً أو قابعاً في المعتقلات. ول هارباً من ول منهم إلى الدول الغربية الامبريالية فعاشوا حياة مستنعمة بعيداً عن خشونة البلورتاريا وفنطازيا الصدام الثوري،فعاشوا "حياة الفرح المعبأ في الزجاج" كما كان يقول اخي عبدالباري شرف الدين - عليه رحمة الله .
شهد الحزب الشيوعي عدد من الهزات في صفوفه وتركت آثارها بائنة بينونة كبرى ومازالت مثار جدل في جلسات الرفاق،أولها كانت هجرة بعض الكوادر من أقصى اليسار إلى اليمين الاصولي وتحديدا إلى الحركة الاسلامية الغريم التقليدي للشيوعيين،التي إنضم إليها أمثال يس عمر الامام،احمد سليمان المحامي، امين حسن عمر،عبدالباسط سبدرات وغيرهم،اما الهزة الثانية كانت هجرتهم إلى الدول الغربية التي شكلت لهم ملاذاً إمبرياليا آمناً انساهم مشقة الكفاح الثوري بعدما سرت في شراينهم دماء البرجوازية الغربية وأمتلأت جيوبهم من خيرات الإمبريالية،ومنهم من لفظه الحزب لخلافات شخصية أو جوهرية مثيل الشفيع خضر وغيره ،بينما هناك من ترك الشيوعية والتحق بالطرق الصوفيه وكثيرين من اجبرتهم ضغوطات الحياة و المسئوليات الأسرية ومتطلباتها إضطرتهم دخول السوق ففترت فيهم العزيمة الثورية والالتزام التنظيمي.
وأقبل بعض ( الرفاق) على بعضهم يتلاومون في جلساتهم ويرمون تهمة البرجزة كلما رأوا مظاهر نعمة على احدهم أو فتر فيه العنفوان الثوري.
كل هذه المعطيات مؤشر قوي تحتم على الأحزاب بما فيها الحزب الشيوعي مراجعة دفاتره الثورية وإجراء اصلاحات شاملة تراعي خصوصية المجتمع والبيئة السودانية ،لقد نصح كثير من الناصحين الحزب الشيوعي بضرورة تغيير اسمه لانه صار قريناً للإلحاد والمجون الشئ الذي اجهتدت في ترسيخه التيارات الاسلامية الراديكالية لشئ في نفس يعقوب!
لايمكن تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية في ظل خراب المؤسسات الحزبية وافتقارها لبرامج نهضة وطنية شاملة وعلى جميع الأحزاب التخلي عن الانقلابات كوسيلة للوصول إلى السلطة،فضلا عن ذلك عليها تطبيق الديمقراطية داخل مؤسساتها الحزبية بكل شفافية وفق معايير الممارسة الحزبية في الدولة المدنية.
msharafadin@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الشیوعی السودانی الحزب الشیوعی
إقرأ أيضاً:
بمناسبة مرور (١٧٧) عاما على صدور البيان الشيوعي
بقلم : تاج السر عثمان
1
مرت في ٢١ فبراير الماضي الذكرى ١٧٧ لصدور البيان الشيوعي الذي أصدره ماركس وانجلز في 21 فبراير 1848 ، في ظروف أكدت صحة المبادئ العامة للبيان ، فقد اشتدت الأزمة العامة للرأسمالية مع تصاعد الفاشية والنزعات العنصرية، كما في تصاعد المخطط الصهيوني الأمريكي لابادة وتهجير الشعب الفلسطيني، ولا سيما بعد إعادة انتخاب ترامب ، جاء ذلك بعد أن تفاقمت الأزمة و فشل الاصلاحات لمواجهة أزمة الرأسمالية في العام 2008 /2009م، التي لم تكن جذرية، و بعد الحرب الروسية - الاوكرانية التي بلغت تكلفة الحرب فبها أو خلال 3 سنوات حوالي 820 مليار دولار، وتحول هذا الانفاق على الحرب الي
ديون على أوكرانيا يطالب الرئيس الأميركي ترامب بتسديدها وعينه في ذلك على المعادن الثمينة التي تمتلكها أوكرانيا الخائفة على مصير ثرواتها.
،إضافة لحرب غزة والسودان بهدف نهب الموارد بعد إبادة وتهجير السكان الأصليين، أدت الأزمة لزعزعة النظام المالي الرأسمالي العالمي، وتتفاقم المشاكل مثل: تراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي بسبب ارتفاع معدلات البطالة والتضخم والمديونية العامة، و الاستقطاب الطبقي، وشدة استغلال العاملين وتشريدهم ، وارتفاع الأسعار والتضخم، والإنفاق العسكري على حساب خدمات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي،وتفاقم الصراع بين أقطاب الرأسمالية" اليابان، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة ، وصراعها مع الدول الرأسمالية أو الرأسمالية الدولية الصاعدة مثل : " الصين، روسيا، الهند ، جنوب أفريقيا ، البرازيل،.الخ"، واحتدام حدة الصراع الموارد في البلدان النامية ومنها السودان، هذا اضافة لنهوض الحركة المطلبية والجماهيرية ضد البطالة ، وأزمة “كورونا” التي حصدت الالاف من المواطنين، وضد العنصرية، وتنامي الأحزاب الثورية بمختلف منطلقاتها المطالبة بالضمان الاجتماعي والعدالة والدفاع عن البيئة ووقف سباق التسلح والحرب ، واحترام حقوق الانسان، وحقوق المرأة، وضد الاحتباس الحراري الذي يهدد كوكبنا، ومجانية التعليم ، الصحة، الدواء، وضد الخصخصة وتشريد العاملين ، والإضرابات الواسعة لتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والثقافية، فضلا عن تنامي دور الأحزاب الاشتراكية والشيوعية.
بمناسبة مرور ١٧٧ نعيد نشر هذا المقال عن البيان الشيوعي.
2
علي انقاض المجتمع البورجوازي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية يبرز مجتمع جديد يكون فيه تطور الفرد الحر هو الشرط لتطور المجموع الحر) ( البيان الشوعي).
بهذه الفقرة ختم ماركس وانجلز البيان الشيوعي ، والتي تؤكد جوهر البيان الشيوعي، الهادف الي تحرير الناس من كل اشكال الظلم والاستلاب والاضطهاد الطبقي، واستكمال الحقوق السياسية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحقيق الفرد الحر.
صدر البيان الشيوعي عام 1848م، وقام بصياغته ماركس وانجلز بتكليف من تنظيم الشيوعيين الذي كان عبارة عن جمعية اممية للعاملين ، كان ذلك في مؤتمرها الذي عقدته في لندن في نوفمبر 1847م، وكان الهدف وضع برنامج مفصل للحزب يوضح رؤى وأهداف الشيوعيين، ثم نشره ، علي أن يكون عمليا ونظريا في الوقت نفسه.
فقد صدر أول الأمر باللغة المانية ، وبعد ذلك صدرت منه مئات الطبعات باللغتين الانجليزية والفرنسية والروسية والبولونية وترجم الي بقية اللغات.
أشار ماركس وانجلز في مقدمة الطبعة الصادرة في 24/ يونيو/1872م، الي أن (الظروف تبدلت منذ صدور البيان ، الا أن المبادئ العامة الواردة في البيان لاتزال بالاجمال تحتفظ برونقها وصحتها ودقتها ، وان كانت هناك فصول يجب ادخال بعض التعديل عليها ، وأن البيان نفسه يوضح أن تطبيق المبادئ يتعلق دائما وفي كل مكان بالظروف والاوضاع التاريخية في وقت معين ، فلا يجب اذن أن تعليق اهمية كبرى علي التدابير الثورية المذكورة في نهاية الفصل الثاني ، ونحن لو عمدنا الي انشاء هذا المقطع اليوم ، لاختلف في اكثر من نقطة عن الأصل ، وقد شاخ هذا البرنامج اليوم في بعض نقاطه ، نظرا للتطور الكبير الذي تم في الصناعة ، والتجارب التي راكمتها الطبقة العاملة في تنظيمها الحزبي وتجارب كومونة باريس التي وضعت لأول مرة السلطة في ايدي الطبقة العاملة لمدة شهرين).
يواصل ماركس وانجلز: (ان نقد الأدب الاشتراكي الوارد في البيان غير كامل ، اذ انه يتوقف عند عام 1847م ، ولذلك الملاحظات الواردة في الفصل الرابع عن موقف الشيوعيين من مختلف الاحزاب المعارضة، فهي وان كانت صحيحة اليوم من حيث مبادئها ، الا أنها اصبحت عتيقة من حيث تطبيقها ، اذ أن الحالة السياسية قد تغيرت بتمامها، وقضي التطور التاريخي علي معظم الأحزاب المذكورة فيها) .
يواصل ماركس وانجلز ( والبيان مع كل هذا، وثيقة تاريخية لانملك حق تعديلها، وربما ارفقنا احدي طبعاته بمقدمة تستطبع ملء الفراغ بين عام 1847م واليوم، اما الطبعة الحالية فقد فوجئنا بها مفاجأة، ولم يكن لدينا الوقت الكافي لكتابة مقدمة لها وافية بهذا الغرض).
3
هكذا عالج ماركس وانجلز بمنهجهما الديالكتيكي المتغيرات التي حدثت منذ صدور البيان الشيوعي وضرورة اخذ الخصائص والظروف والاوضاع المحلية في الاعتبار، وضرورة اعادة التحليل والدراسة بعد كل متغيرات تحدث، فالبرنامج ليس جامدا، بل يأخذ المتغيرات العالمية والمحلية في الاعتبار ويفقد جوانب قديمة ويكتسب جوانب جديدة.
كانت الفكرة الرئيسية في البيان الشيوعي كما أشار انجلز في مقدمة له في 28/يونيو/1883م، بعد وفاة ماركس: أن الأوضاع الاقتصادية والبناء الاجتماعي الذي ينشأ منها، يؤلفان في كل عهد التاريخ السياسي والفكري لهذا العهد، ولذا فالتاريخ بأسره منذ زوال المشاعة البدائية وظهور الطبقات ، كان تاريخ الصراع بين الطبقات السائدة والمسودة في مختلف مراحل تطورها الاجتماعي ، ولكن هذا النضال وصل في المجتمع الرأسمالي الحالي الي مرحلة اصبحت فيها الطبقة العاملة (البروليتاريا) لاتستطيع ابدا أن تتحرر من نير الطبقة التي تستغلها ( البورجوازية) دون أن تحرر في الوقت نفسه ، والي الابد المجتمع كله من الاستغلال والاضطهاد ، ومن نضال الطبقات.
كما استعرض انجلز التحولات التي حدثت في نضال الطبقة العاملة في مقدمة طبعة اول مايو 1890م، وأشار الي صحة الشعار الذي رفعه البيان الشيوعي (ان تحرير الطبقة العاملة يجب أن يكون من صنع الطبقة العاملة نفسها)، وليس بالنيابة عنها، كما اشار الي نمو وتقوية الروابط الأممية بين العمال منذ صدور شعار "ياعمال العالم اتحدوا"، وكذلك نضال العاملين في امريكا من اجل تخفيض ساعات العمل الي ثماني ساعات.
3
فما هي اهم الأفكار التي طرحها البيان الشيوعي؟
يشمل البيان الشيوعي المواضيع التالية: مقدمة، البورجوازيون والبروليتاريون، البروليتاريون والشيوعيون، موقف الشيوعيين من مختلف احزاب المعارضة.
يبدأ ماركس وانجلز البيان بتوضيح الآتي: هناك شبح يجول في اوربا هو شبح الشيوعية، وقد اتحدت كل قوى اوربا العجوز في حلف مقدس لملاحقته والتضييق عليه، بحيث اصبحت اى معارضة يتهمها خصومها القابضون علي زمام السلطة بالشيوعية، ومن كل ذلك استخلص ماركس وانجلز شيئين:
أ- أن الشيوعية اصبحت قوة معترفا بها من جميع الدول الاوربية.
ب- أن الشيوعيين قد آن لهم أن يعرضوا أمام العالم بأسره مفهوماتهم واهدافهم وميولهم، ويدحضوا شبح الشيوعية ببيان من الحزب، ولهذه الغاية اجتمع في لندن شيوعيون من مختلف القوميات ووضعوا البيان الشيوعي.
يبدأ ماركس وانجلز في البيان بتحليل اسلوب الإنتاج الرأسمالي الذي يختلف عن اساليب الإنتاج الاستغلالية السابقة ( العبودي، الاقطاعي) بتوضيح: أن البورجوازية لاتعيش الا اذا ادخلت تغييرات ثورية مستمرة علي أدوات العمل ، أي علي اسلوب الإنتاج ، أي علي العلاقات الاجتماعية بأسرها.
ويلفت ماركس وانجلز النظر منذ وقت مبكر الي ظاهرة العولمة أو سيادة نمط الإنتاج الرأسمالي علي نطاق عالمي بتوضيح:أن البورجوازية تغزو الكرة الأرضية بأسرها بدافع الحاجة الدائمة الي اسواق جديدة، فينبغي لها أن تدخل وتتغلغل في كل مكان وتوطد دعائمها في كل مكان ، وتخلق وسائل للمواصلة في كل مكان ، وباستثمار السوق العالمية ، تصبغ البورجوازية الإنتاج والاستهلاك في كل الاقطار بصبغة كونية. وتنزع من الصناعية اساسها الوطني المحلي.فتنقرض الصناعات العتيقة أو تصبح علي وشك الانقراض وتخلي مكانها لصناعات جديدة يصبح ادخالها وتعميمها مسألة حيوية لكل الامم المتمدنة.
هذا ويؤكد تطور التشكيلة الرأسمالية بعد175 عاما صحة تحليل البيان الشيوعي، فقد جددت الرأسمالية نفسها باستمرار وخاصة بعد الثورة العلمية التقانية والتي طورت الإنتاج بشكل لامثيل له في السابق من ناحية الكم الكيف، وتم تدويل عملية الإنتاج بفضل نشاط الشركات متعدية الجنسية، علي سبيل المثال: اصبحت اجزاء العربة المارسيدس تصنع في اكثر من دولة، وظهر مايسمي باضراب العاملين في شركة واحدة من جنسيات وبلدان مختلفة، اضافة للعمالة الاجنبية مما يؤكد تدويل عملية الانتاج، وضرورة تضامن العاملين علي نطاق عالمي، فليس للعمال وطن كما يؤكد البيان الشيوعي، لأن عملية الانتاج في الراسمالية اصبحت كونية، وتم تحول في تركيبة الطبقة العاملة التي اصبحت تضم العاملين بايديهم وادمغتهم والذين يتعرضون للاستغلال الرأسمالي وامتصاص فائض القيمة منهم، كما تعمقت تناقضات الرأسمالية والتي اهمها: التناقض بين الطابع الاجتماعي للانتاج والملكية الفردية لوسائل الانتاج بواسطة الشركات متعددة الجنسية، كما اصبح مركز العالم الرأسمالي يصدر لبلدان العالم الثالث الصناعات الملوثة للبيئة ورخيصة الأيدي العاملة، اضافة لنهب فائض القيمة النسبي والمطلق من العاملين،كما ازداد تركز الثروة وتعمقت مشكلة البطالة وتصاعدت وتائر تدمير البيئة في الرأسمالية المعاصرة.وتأكد شعار: ياعمال العالم اتحدوا، الذي طوره لينين بعد دخول الرأسمالية مرحلة الاحتكارات وبرز نهب شعوب المستعمرات كمصدر من مصادر ارباح الشركات الرأسمالية، بشعار: ياعمال العالم وشعوبه المضطهدة اتحدوا.
كما يؤكد تطور الرأسمالية المعاصرة صحة ما أشار اليه البيان الشيوعي وهو:أن الشرط الاساسي للوجود والسيادة بالنسبة للطبقة البورجوازية هو تكديس الثروة في ايدي بعض الافراد وتكوين رأس المال وانمائه، وشرط وجود المال هو العمل المأجور، والعمل المأجور يرتكز بصورة مطلقة علي تزاحم العمال الذين يتجمعون في اتحادات ثورية للصراع اجل حقوقهم السياسية والنقابية وتحسين احوالهم المعيشية والثقافية.
ويختتم البيان الشيوعي هذا الجزء بقوله: ان البورجوازية تنتج قبل كل شئ حفاري قبرها،وأن التشكيلة الرأسمالية القائمة علي استغلال العاملين ونهب الشعوب مرحلة عابرة في التاريخ، وسوف يخرج من احشائها المجتمع الاشتراكي الذي يزيل استغلال الإنسان للإنسان والاستلاب، تحرر الطبقة العاملة نفسها والمجتمع بأسره من كل أشكال الاضطهاد والاستغلال.
4
أما الجزء الثاني من البيان الشيوعي فيوضح المبادئ العامة لعلاقة الشيوعيين بالطبقة العاملة، ويشير الي أن الشيوعيين لايؤلفون حزبا خاصا معارضا لأحزاب العمال الأخري، وليست لديهم مصالح تفصلهم عن مجموع الطبقة العاملة، وهم لايناضلون بالنيابة عنها ولايريدون صوغها وحشرها في مبادئ خاصة.
وأن الشيوعيين لايتميزون عن بقية احزاب العمال الا في نقطتين هما:
أ- في مختلف النضالات الوطنية التي يقوم بها العاملون يضع الشيوعيون في المقدمة المصالح المستقلة عن الجنسية والعامة لمجموع العاملين.
ب- في مختلف مراحل النضال بين العاملين والرأسماليين يمثل الشيوعيون دائما، وفي كل مكان المصالح العامة للحركة بكاملها.
بالتالي، فان الشيوعيين من الوجهة النظرية يمتازون عن بقية العاملين بادراك واضح لظروف حركة العاملين وسيرها واهدافها العامة، وأن هدف الشوعيين المباشر هو الهدف نفسه الذي ترمي اليه احزاب العمال ، اى تنظيم العاملين في طبقة والاستيلاء علي السلطة السياسية والغاء الملكية البورجوازية التي تقوم علي استغلال واستنزاف وافقار العاملين.وأن الشيوعية كما يوضح البيان الشيوعي: (لاتسلب احدا القدرة علي تملك منتجات اجتماعية، ولكنها لاتنزع سوى القدرة علي استعباد عمل الغير بواسطة هذا التملك).
ويدفع البيان التهم البدائية والمتخلفة عن أن الشيوعية تريد هدم العائلة واشاعة المرأة والملكية الشخصية الناتجة عن عمل وابداع الانسان، والغاء الوطن.
ويشير الي أن ازالة استغلال الانسان للانسان يمحو معه كل استغلال للنساء واشاعة لهن في البغاء، كما هو جاري الآن في الغرب الرأسمالي، حيث اصبحت الان التجارة في الجنس من النشاطات المدرة لارباح هائلة، ويخلق العائلة المتحررة من الخوف،فالرأسمالية باسلوب انتاجها الذي ينتج ويعيد انتاج الفقر هو الذي يهدم العائلة وينسف استقرارها، كما يقوى زوال الاستغلال الروبط الحقيقية لشعوب وقبائل الأرض لتتعارف ولتتبادل منافعها وثقافاتها، بدلا من اسلوب الرأسمالي الحالي الذي يهدف الي اشاعة ثقافة الرأسمالية التي تقوم علي الأنانية ومحو الهوية والثقافة الوطنية للشعوب،والغاء الحدود الوطنية من خلال نشاط الشركات عابرة القارات، فاسلوب الإنتاج الرأسمالي بطبيعته هو الذي جعل عملية الانتاج كونية، وقوى الروابط الاممية بين العاملين والتضامن العالمي ضد الاستغلال الرأسمالي الذي اصبح كونيا، كما يؤكد تطور الرأسمالية في مرحلة العولمة الحالية.
ويختتم البيان الشيوعي هذا الجزء: بأنه علي انقاض المجتمع البورجوازي القديم بطبقاته وتناقضاته الطبقية يبرز مجتمع جديد يكون فيه تطور الفرد الحر هو الشرط لتطور المجموع الحر.
تلك هي الأفكار والمبادئ العامة التي اوضحها البيان والتي تابعها ماركس وانجلز بالدراسة والبحث العلمي الشاق كما في مؤلف ماركس وانجلز: الايديولوجية الالمانية، والتي تم فيه وضع الاكتشاف الاساسي للماركسية: الفهم المادي للتاريخ والذي استخدمه ماركس وانجلز خيطا هاديا ومرشدا وبمنهجه الديالكتيكي في مؤلفه:رأس المال والذي اكتشف فيه نظرية فائض القيمة التي اوضحت جوهر الإنتاج الرأسمالي، وبذلك تحولت الاشتراكية الي علم ( الماركسية)، والتي شكلت الأساس النظري للعاملين في نضالهم من اجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وفي الذكرى ال (١٧٧) لصدور البيان الشيوعي، ما أحوجنا للقراءة الناقدة للبيان الشيوعي والذي مازالت المبادئ العامة التي طرحها سليمة، وخاصة في ظل الواقع البشع الذي كرسته الرأسمالية في مرحلة العولمة الحالية.
alsirbabo@yahoo.co.uk