لو أردنا أن نفتش عمن كان مسرورًا أكثر من غيره بنتائج الاستشارات النيابية الملزمة، التي أفضت إلى تكليف السفير السابق نواف سلام، لما وجدنا سوى الرئيس نجيب ميقاتي. فهو تلقى بصدره على مدى ما يقارب الثلاث سنوات تقريبًا ما لم يستطع أحد غيره تلقيه، وتحمّل ما لا يمكن تحمّله، لكنه بقي صامدًا أمام هول الحملات التي تعرّض لها بصبر وإيمان كبيرين.
كان من السهل على الرئيس ميقاتي الوقوف على حافة النهر، مكتوف الأيدي ومكتفيًا بالقول إنه من غير الممكن السير بعكس التيار، وإنه لا يملك عصًا سحرية، وأن ليس في مقدوره فعل أي شيء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكان من السهل عليه أيضًا أن ينسحب من المعركة ويترك الساحة لغيره وينصرف إلى شؤونه الخاصة.
الرجل لم يفكر بكل هذا، بل قَبِل بتحمّل المسؤولية كاملة، مع أنه كان يعرف تمام المعرفة أنه بقبوله بهذه المهمة إنما هو يتقبّل بأن يحمل بيديه العاريتين "كرة نار" لم يرد غيره حرق يديه بها. كان يعرف مدى خطورة الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمالية في البلد، ومدى خطورة الانقسام السياسي، عموديًا وأفقيًا. وكان يعرف أيضًا أن تحمّل المسؤولية في هكذا ظروف أنما هو "مخاطرة سياسية"، لأن العين بصيرة واليد قصيرة، خصوصًا في ظل ما تعرّض له لبنان من عدوان إسرائيلي غاشم ومدمّر .
كان المطلوب الكثير من العمل والجهد للحفاظ على الحدّ الأدنى من مقومات الدولة، وللحؤول دون تفاقم الوضع إلى ما هو أسوأ. قَبِل التحدّي. وضع خارطة طريق إنقاذية. أطلق على حكومته اسم "معًا للإنقاذ"، لأنه كان يدرك جيدًا أن هذا الإنقاذ غير ممكن، بل مستحيل إن لم تتضافر جهود جميع الأفرقاء في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
كان يعلم أن صعوبات كثيرة ستواجهه، وأن عراقيل أكثر من كثيرة ستوضع في طريقه، من داخل "أهل البيت الحكومي" ومن خارجه. كان يعلم أنه سيُحَارب، وأن المتضررين من قيام دولة حقيقية كثرٌ، وأن كل طرف من الأطراف السياسية يحاول تحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة. كان يعرف أن عربة البلاد يشدّها حصانان.
كل هذا وغيره الكثير لم تثبط من عزيمته ولم تنل من تصميمه على إنقاذ ما يجب إنقاذه قبل "خراب البصرة "، ولم تضعف من إرادته، وهو الذي كانت تواجهه مع كل إشراقة شمس مشكلة جديدة تُضاف إلى سلسلة المشاكل المتراكمة.
كان يعرف أن الوضع صعب أكثر مما يمكن تصّوره، وأنه أكثر تعقيدًا وهو عصّي على الحلّ بالمسكّنات والتداوي بالأعشاب. وعلى رغم ذلك لم يرمِ "سلاحه" ولم يستسلم، بل كان في كل مرّة تواجهه مصيبة يستلهم ربّه، ويجدّد إيمانه بأن لبنان وهو أجمل بلد في الكون لا يمكن أن ينهار وأن يموت ويزول، لأن له دورًا لا يمكن لغيره أن يلعبه.
حاول السير بين النقاط لئلا تتحول الصراعات السياسية إلى ساحة قتال على الأرض، فكانت له وقفة جريئة على أثر الاعتداءات الاسرائيلية فجّنب البلاد كارثة سياسية خطيرة. تمكّن بحكمته ودرايته وإرادته من إعادة المياه إلى مجاريها بين لبنان ودول الخليج.
حاول المستحيل. نجح مرّات كثيرة في إطفاء الحرائق المتفرقة، وكان يريد أن يرى ما عمل له منجزًا بالكامل، لكن الظروف عاكسته ووقفت حجر عثرة في طريقه.
أدّى قسطه للعلى. ولو طُلب منه إعادة الكرّة لفعل الشيء نفسه، وهو المؤمن بربه أولًا وبوطنه ثانيًا، وبالشعب اللبناني وبحقّه في أن يعيش بطمأنينة وسلام، واستقرار، وبحبوحة أولًا وأخيرًا. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: کان یعرف
إقرأ أيضاً:
الاستشارات النيابية لتسمية الرئيس المكلف اليوم.. اوساط حكومية: ميقاتي ليس في منافسة شخصية مع احد
تستعدّ الكتل النيابية للاستشارات النيابية الملزمة اليوم في القصر الجمهوري، لتسمية رئيس الحكومة العتيد وسط ترجيحات تشير إلى أن الرئيس نجيب ميقاتي سوف يتولى مجددا هذه المهمة.
وقبيل الاستشارات جرت محاولات من قبل البعض في الداخل للايحاء بأن الرئيس ميقاتي لن يكلف وكذلك لتحويل الموضوع الى منافسة شخصية بينه وبين شخصيات طامحة لتولي رئاسة الحكومة . الا ان مصادر حكومية معنية رفضت التعليق على كل ما يقال مكتفية بالقول "ان مسار الاستشارات هو الذي يحدد اسم الرئيس المكلف، وان الرئيس ميقاتي ليس في موقع التنافس الشخصي مع احد".
وفيما ارجأت كتل عدة حسم خيارها المتصل بتسمية الرئيس الذي سيكلف تشكيل الحكومة الى اليوم، بقي موقف "تكتل لبنان القوي" مبهماً بعد إيعاز رئيس التيار جبران باسيل الى نوابه ومسؤوليه الالتزام الصمت بانتظار اجتماع التكتل الذي سيعقد قبل موعد الاستشارات والذي سيعلن عقبه الموقف من التكليف الحكومي.
وبينما اعتبرت مصادر سياسية بارزة أن مشهد الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا اليوم هو استمرار لمشهد انتخاب الرئيس العماد جوزاف عون من منطلق أن البرلمان لا يزال يعكس التوازنات السياسية شددت المصادر نفسها على ان الرئيس ميقاتي يحظى بدعم دولي وعربي لا سيما من المملكة العربية السعودية لتأليف الحكومة التي أسوة باللجنة الخماسية لم تدخل بأي اسم مع الكتل النيابية، علماً ان بعض الكتل المنضوية تحت سقف المعارضة كانت تنتظر تدخلاً سعودياً يطيح بميقاتي إلا أن الرياض أعلنت أن ما يهمها التعاون بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والنجاح في تطبيق خطاب القسم.
اما على خط التشكيل، فتشير المعلومات الى ان تأليف الحكومة سيكون سهلا وسلسا ولن تشوبه أي تعقيدات، مع إشارة المصادر إلى أن الحكومة المرتقبة سوف تكون خالية هذه المرة مما يسمى الثلث الضامن أو المعطل، وهذا يؤشر بحسب مصدر سياسي إلى أن مفاعيل اتفاق الدوحة الذي كرس هذا الامر في الحكومات المتعاقبة منذ العام 2008 سقطت وانتهت، مع إشارة مصادر مطلعة على موقف "الثنائي الشيعي" إلى أن وزارة المال ستكون من حصة الشيعة وسوف يتولاها على الأرجح حاكم المصرف المركزي بالانابة وسيم منصوري، في حين أن حزب "القوات اللبنانية" يتطلع إلى أن تكون وزارتا الدفاع والطاقة من حصته.
على خط اخر، يزور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بيروت اليوم، إلى بيروت وسيلتقي رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
المصدر: لبنان 24