سكان ولاية تركية يطالبون روسيا بإعادة مقتنيات ثقافية وتاريخية.. ما القصة؟
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
يطالب سكان ولاية أرضروم التركية باستعادة مقتنيات ثقافية وتاريخية استولت عليها روسيا خلال احتلالها المدينة ثلاث مرات في العهد العثماني، حيث تُعرض حاليًا في متاحف روسية كبرى، مثل متحف "أرميتاج" في سانت بطرسبرغ والمتاحف العسكرية.
وشهدت أرضروم أول احتلال روسي عام 1829 واستمر عاما واحدا، ثم احتلالا ثانيا في عام 1878 لمدة عامين، وأخيرا في الحرب العالمية الأولى بين 1916 و1918.
خلال هذه الفترات، جرى الاستيلاء على مقتنيات ورموز ثقافية عديدة، من بينها رايات عثمانية، ونقوش تاريخية، ووثائق، وخوذ ودروع مصنوعة من الذهب والفضة والبرونز، بالإضافة إلى صولجانات مرصعة بالجواهر ومفاتيح قلاع، حسب وكالة الأناضول.
ويرى سكان المدينة أن هذه المقتنيات ليست مجرد قطع أثرية بل رموزا للسيادة العثمانية والثقافة التركية والتراث الإسلامي.
وتتضمن هذه الرموز رايات عثمانية استولى عليها الروس خلال الاحتلال الأول عام 1829، حيث جلبوا معهم علماء آثار وخبراء في المقتنيات الثقافية لنقل هذه الآثار إلى روسيا، كما كان بينهم الأديب الشهير ألكسندر بوشكين.
وأكد الدكتور صاواش أكلماز، الأستاذ المشارك في قسم التاريخ بجامعة "أتاتورك" التركية، أن "هذه الكنوز أُخذت من أرضروم ولا تزال محتجزة في متاحف روسية، أبرزها متحف أرميتاج"، وفقا للأناضول.
وأوضح أكلماز أن الاحتلال الأول كان الأكثر تدميرا، حيث دمرت المدينة ونُهبت مقتنيات ثقافية عديدة، بما في ذلك وثائق ونقوش مرتبطة بمبانٍ شهيرة مثل مدارس المئذنة المزدوجة، والياقوتية، والسلطانية.
وقال إن "برج الساعة التاريخي نُقل إلى تبليسي بجورجيا، ونُقلت نقوش قبر الأمير سلتوق من أضرحة القباب الثلاثة إلى روسيا. أما الكنوز التي لم يتمكن الروس من نقلها فقد عمدوا إلى تدميرها".
وأضاف أكلماز: "في عام 1829، استولى الروس على 4 رايات عثمانية ومقتنيات كانت تُستخدم من قبل قادة الجيش العثماني، بما في ذلك صولجانات مرصعة بالجواهر. أما في الاحتلال الأخير عام 1916، فقد نقلوا 9 رايات عثمانية أخرى، إلى جانب مفاتيح قلاع ونقوش أثرية. هذه الرايات كانت تُهدى إلى القيصر وتُعرض في المتاحف وتُستخدم في المسيرات العسكرية لتعزيز الدعاية السياسية".
وشدد أكلماز على أن "هذه المقتنيات رموز للسيادة العثمانية وتجسيد للهوية الثقافية للشعب التركي والمسلمين"، مشيرا إلى أن هذه الكنوز التي تُعرض في متاحف سانت بطرسبرغ ليست مجرد مقتنيات أثرية، بل جزء من تاريخ أرضروم وهويتها، ويجب استعادتها لتُعرض في متاحف المدينة.
في تلك الفترات، خسر أهالي أرضروم آلاف الأرواح، وفقدت المدينة جزءًا كبيرًا من تاريخها الثقافي، حسب الأناضول.
وعلى الرغم من مرور عقود، لا تزال هذه المقتنيات محل اهتمام ومطالبة شعبية. وأردف أكلماز: “علينا العمل على إعادة هذه الكنوز إلى أرض الوطن، حيث تُحفظ للأجيال القادمة وتستعيد حريتها بعيدًا عن الأسر في المتاحف الروسية”.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد تركي منوعات تركية منوعات تركية روسيا تركيا روسيا ارضروم منوعات تركية منوعات تركية منوعات تركية منوعات تركية منوعات تركية منوعات تركية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی متاحف
إقرأ أيضاً:
فرص شراكة أميركية-تركية في سوريا
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تميزت السياسة التركية تجاه هذا الحراك الشعبي بتعدد أوجهها وتغير مساراتها، إذ انتقلت من دعم الإصلاحات السياسية والسعي إلى تغيير النظام في بداية الثورة، إلى التدخلات العسكرية المباشرة لاحقًا، لا سيما ضد القوى الكردية في شمال سوريا.
وقد أفضى هذا التدخل إلى تداعيات عميقة على العلاقات التركية- الأميركية، حيث وجدت أنقرة نفسها في معادلة معقدة بين تحالفها الإستراتيجي مع واشنطن ضمن إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبين موقفها المناهض لقوات سوريا الديمقراطية، التي حظيت بدعم الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
التدخلات العسكرية التركية في سوريا: دوافعها وتبعاتهامع تصاعد الصراع في سوريا، نفذت تركيا سلسلة من العمليات العسكرية شمال البلاد، مدفوعة بمزيج من الهواجس الأمنية الطارئة، والطموحات الإستراتيجية طويلة الأمد.
ففي بادئ الأمر، تبنّت أنقرة موقفًا داعمًا للمعارضة السورية الساعية إلى إسقاط نظام بشار الأسد، انسجامًا مع موجة الربيع العربي التي رفعت لواء التغيير والإصلاح.
غير أن تعقّد المشهد السوري وظهور فاعلين جدد على الساحة دفع تركيا إلى إعادة ترتيب أولوياتها، حيث انحسر تركيزها تدريجيًا من إسقاط النظام إلى مواجهة النفوذ المتنامي للقوى الكردية المسلحة على حدودها الجنوبية.
إعلانوقد تأجّج هذا التحوّل الإستراتيجي مع صعود وحدات حماية الشعب الكردية، التي أصبحت العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، وهو الكيان الذي تنظر إليه أنقرة بعين الريبة باعتباره امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، والذي تصنّفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمةً إرهابيةً نظرًا لنشاطه العسكري داخل الأراضي التركية.
وبما أن توسع السيطرة الإقليمية لوحدات حماية الشعب كان يُعدّ تهديدًا وجوديًا للأمن القومي التركي، فقد عمدت أنقرة إلى شنّ حملات عسكرية متتالية للحيلولة دون قيام كيان كردي متصل على طول حدودها الجنوبية، وهو ما كانت ترى فيه مقدمةً لإقامة حكم ذاتي كردي قد يُحفّز الطموحات الانفصالية داخل تركيا ذاتها.
المحطات المفصلية في التدخل العسكري التركيكانت عملية "درع الفرات" (2016) أولى الحملات العسكرية التركية الكبرى، وقد استهدفت في آنٍ واحد تنظيم الدولة الإسلامية والقوات الكردية في الشمال السوري، وأسفرت عن إنشاء منطقة أمنية عازلة تمتد بين مدينتي جرابلس والباب، خاضعة للنفوذ التركي.
وفي عام 2018، أطلقت أنقرة عملية "غصن الزيتون"، التي ركّزت على عفرين، المعقل الكردي الإستراتيجي، وانتهت بسيطرة القوات المدعومة من تركيا على المدينة، مما أدى إلى نزوحٍ واسع النطاق للسكان الأكراد، في تطور أثار انتقادات دولية حادة.
ثم جاءت عملية "نبع السلام" عام 2019، التي استهدفت شمال شرق سوريا، في محاولةٍ لتوسيع نطاق السيطرة التركية وتقليص النفوذ الكردي في المنطقة.
وخلال هذه العمليات، رأت أنقرة في تدخلاتها ضرورةً أمنية لا تحتمل التأجيل، فيما وُجهت لها انتقادات حادة؛ بسبب تداعياتها الإنسانية، لا سيما فيما يتعلق بعمليات التهجير القسري للسكان الأكراد، فضلًا عن اعتمادها على الجيش الوطني السوري، وهو تحالف من الفصائل السورية المعارضة المدعومة تركيًا، في تنفيذ عملياتها العسكرية.
إعلان العلاقات التركية- الأميركية: التوتر المتصاعد بين الحلفاءلم تكن هذه الحملات العسكرية بمعزلٍ عن تداعياتها على العلاقات التركية- الأميركية، إذ تزامن توسع النفوذ التركي في شمال سوريا مع تعمق الشراكة بين واشنطن وقوات سوريا الديمقراطية، التي اعتبرتها الولايات المتحدة ركيزةً أساسية في إستراتيجيتها لمكافحة الإرهاب.
فقد قامت واشنطن بتزويد القوات الكردية بالأسلحة والدعم الجوي والمعلومات الاستخباراتية، نظرًا لفاعليتها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
غير أن هذا الدعم أثار حفيظة أنقرة، التي رأت في تسليح الأكراد تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، متهمةً الولايات المتحدة بأن الأسلحة التي تقدمها لمحاربة تنظيم الدولة يتم تسريبها إلى المجموعات المسلحة الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني.
ورغم الاحتجاجات التركية المتكررة، تمسّكت واشنطن بموقفها، معتبرةً الأكراد شركاء لا غنى عنهم في الحرب ضد الإرهاب، مما أدى إلى مواجهات دبلوماسية متكررة بين الجانبين، وجعل الحليفين في الناتو في وضع غير مسبوق، حيث تدعم كلٌّ منهما أطرافًا متصارعة على الأرض السورية.
وقد أسهم هذا التباين في وجهات النظر في تعكير صفو العلاقات الثنائية، حيث باتت الخلافات حول سوريا جزءًا من التوتر الأوسع بين البلدين، انعكس سلبًا على التنسيق الإستراتيجي بينهما، سواء في القضايا الإقليمية أو في حلف الناتو.
الإطاحة بالأسد والقيادة الجديدة في سورياأرسى سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2024 متغيرًا جديدًا في المشهد السياسي السوري، إذ أثار الفراغ في السلطة مخاوف جمّة من عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى لملمة شتاته، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى النظر في زيادة دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، حفاظًا على الاستقرار، واستمرارًا في جهود مكافحة الإرهاب.
في المقابل، شدّدت تركيا من حملاتها العسكرية ضد القوات الكردية، ساعية إلى تفكيك سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المناطق التي تحكم قبضتها عليها.
وقد أفضى هذا التصعيد إلى مواجهات مباشرة بين الفصائل المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، مما زاد من تعقيد المشهد وألقى بظلاله على العلاقات الأميركية- التركية.
إعلانوكان لهجوم موالين لنظام الأسد على قوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة في مارس/ آذار عام 2025 في محاولة لاستعادة نفوذهم المفقود الذي سرعان ما تحوّل إلى موجة من الاقتتال الطائفي، العامل الأهم في دعم وتسريع الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية والإدارة السورية في دمشق؛ بهدف رأب الصدع الداخلي والحفاظ على وحدة البلاد في مواجهة شبح التقسيم والصراع المفتوح.
فقد نص هذا الاتفاق على إدماج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة السورية، مما يشكل نقطة تحول مفصلية في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، وعلى موازين القوى بين الولايات المتحدة وتركيا في المشهد السوري المتأزم.
وقد لعبت الولايات المتحدة، بوصفها الحليف الوثيق لقوات سوريا الديمقراطية في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، دورًا رئيسًا في توجيه تلك القوات نحو الاتفاق مع دمشق.
ويأتي هذا التحرك الإستراتيجي متوافقًا مع رؤية واشنطن الأوسع الهادفة إلى ترسيخ وحدة سوريا واستقرارها، تمهيدًا لخفض منظّم لوجودها العسكري في المنطقة.
ومن خلال دمج قوات سوريا الديمقراطية في البنية الوطنية السورية، تسعى واشنطن إلى درء مخاطر الصراع السياسي والعسكري الذي قد يكون سببًا للجماعات المتطرفة لتعيد لملمة شتاتها.
أما تركيا، فقد جاء موقفها إزاء هذا التطور مشوبًا بالتفاؤل الحذر. إذ لطالما نظرت أنقرة إلى قوات سوريا الديمقراطية، ولا سيّما وحدات حماية الشعب التي تشكل ركيزتها الأساسية، على أنّها امتداد لحزب العمال الكردستاني، الذي تدرجه ضمن التنظيمات الإرهابية.
وإن كان إدماج هذه القوّات في المنظومة العسكرية والإدارية للدولة السورية قد يخفّف من المخاوف الأمنية لأنقرة عبر إنهاء الوجود العسكري الكردي المستقل على حدودها الجنوبية، فإنها مع ذلك تبقى على أُهْبة الاستعداد واليقظة، مشددة على ضرورة نزع سلاح وحدات حماية الشعب واندماجها الكامل في الجيش السوري، دون أن تظل لها أي قدرات عسكرية مستقلة.
إعلانوفي ظل هذه المستجدات، باتت العلاقات الأميركية- التركية في سوريا ماضية نحو مرحلة جديدة من التعاون المشوب بالحذر، وإعادة ضبط الحسابات الإستراتيجية. إذ يشترك الطرفان في مصلحة كبرى تتمثل في ضمان استقرار سوريا والحيلولة دون عودة الجماعات المتطرفة إلى الواجهة.
وقد يفضي دعم الولايات المتحدة لاتفاق قوات سوريا الديمقراطية مع دمشق إلى تهدئة بعض المخاوف التركية بشأن النزعات الانفصالية الكردية، مما قد يفضي إلى تنسيق مستدام بين واشنطن وأنقرة.
بيد أنّ مدى استدامة هذا التعاون سيظل رهينة بمدى تنفيذ الاتفاق، لا سيّما فيما يخص تفكيك القدرات العسكرية لوحدات حماية الشعب وضم مقاتليها إلى جيش الدولة السورية.
وعلاوة على ذلك، فإن الانفتاح الدبلوماسي الأخير لتركيا تجاه دمشق، والذي تجلّى في زيارات رفيعة المستوى تزامن مع تصاعد العنف الطائفي، يؤكد سعي أنقرة للعب دور بناء في إعادة إعمار سوريا، وتفعيل مسار العملية السياسية.
وقد يمهد هذا التقارب لآفاق أرحب من التعاون الأميركي- التركي في سوريا، بشرط أن يتمكن الطرفان من مواءمة أهدافهما الإستراتيجية، ومعالجة هواجسهما الأمنية المشتركة بروح من الشفافية والتفاهم المتبادل.
الطريق إلى الأمامقد يُتيح هذا المشهد الجيوسياسي المتغير في سوريا فرصة مهمة للولايات المتحدة وتركيا للتعاون على الصعيدين؛ الاقتصادي والعسكري، مما يعزز الاستقرار الإقليمي ويعالج الهواجس الأمنية المشتركة.
فعلى الرغم من تباين رؤى البلدين حيال بعض جوانب الصراع السوري في السابق، فإن التحولات المتسارعة على أرض الواقع تهيئ إطارًا للتعاون على أساس المصالح المشتركة.
ومع الاتفاق الأخير الذي يقضي بإدماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن كيان الدولة السورية، تبرز إمكانية لأنقرة وواشنطن للتنسيق على إعادة الإعمار الاقتصادي والتدريب العسكري، حيث بوسعهما الإسهام في استقرار سوريا، وكبح عودة التنظيمات المتطرفة، والتصدي لنفوذ القوى الخارجية، مثل إيران وروسيا.
إعلانفإعادة إعمار سوريا بعد الحرب تستلزم استثمارات اقتصادية ضخمة، والولايات المتحدة وتركيا في موقع يؤهلهما لقيادة هذه الجهود. فقد خلفت الحرب دمارًا واسعًا في البنية التحتية الحيوية، من طرق ومستشفيات ومدارس وشبكات الطاقة، مما أفضى إلى أزمة إنسانية تُذكي نيران الاضطراب.
ومن شأن إنعاش الاقتصاد أن يخفف من وطأة الفقر، ويحدّ من الظروف التي تسهم في تفشي الأيديولوجيات المتشددة. وهنا تستطيع الولايات المتحدة توظيف نفوذها السياسي والدبلوماسي وتحالفاتها الدولية لتنسيق الاستثمارات في مشاريع إعادة الإعمار، فيما يمكن لتركيا، بفضل قربها الجغرافي وشبكاتها التجارية الممتدة في الشمال السوري، أن تضطلع بدور محوري في إعادة بناء القطاعات الصناعية والزراعية.
وقد انخرطت الشركات التركية بالفعل في مشاريع البنية التحتية في المناطق الواقعة تحت نفوذها، مثل أجزاء من محافظتي حلب وإدلب، وتوسيع نطاق هذه المبادرات إلى مناطق سورية أوسع، تحت إشراف دولي، قد يوفر فرص عمل ويمهد الطريق أمام استقرار اقتصادي طويل الأمد.
علاوة على ذلك، فإن برامج الإغاثة المستهدفة، المدعومة من واشنطن وأنقرة، من شأنها معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة، وفي الوقت ذاته، تمهيد السبيل لتنمية مستدامة..
أما العقوبات، فهي تمثل حجر الزاوية في مسار التعافي الاقتصادي السوري، لا سيما في ظل الإدارة الجديدة في دمشق، التي تسعى إلى إعادة بناء الدولة عقب الإطاحة بنظام الأسد. فالعقوبات الأميركية المشددة، المفروضة بموجب قانون قيصر، والتي صُممت لإضعاف قبضة النظام السابق على السلطة، باتت اليوم تهدد بإعاقة مساعي الاستقرار وإعادة الإعمار.
وبينما التزمت تركيا في معظم الأحيان بهذه العقوبات، فإنها حافظت على انخراط اقتصادي في المناطق الخاضعة للمعارضة، ما يشي بإمكانية تبني نهج أكثر شمولية في المستقبل.
إعلانومن هنا فإن تعاونًا أميركيًا- تركيًا مشتركًا لإعادة النظر في القيود الاقتصادية، بما يتلاءم مع الإصلاحات التي تجريها الحكومة الجديدة، قد يسهم في تحقيق انتقال سياسي أكثر شمولًا.
ويمكن لواشنطن وأنقرة، من خلال تخفيف العقوبات تدريجيًا مقابل خطوات إصلاحية ملموسة في مجالي الإدماج السياسي وإصلاح القطاع الأمني، أن تهيِّئا الظروف لانطلاقة اقتصادية متجددة.
كما أن هذا التحول من شأنه أن يشجع الدول الخليجية، التي أبدت اهتمامًا بالاستثمار في سوريا، لكنها لا تزال مترددة بسبب الإطار العقابي الحالي، على الانخراط بفاعلية أكبر ضمن إستراتيجية اقتصادية تؤدي لدمج سوريا ضمن المنظومة الاقتصادية الإقليمية، وهذا لن يسهم في إعادة إعمار البلاد فحسب، بل سيحدّ أيضًا من قدرة الخصوم، كروسيا وإيران، على الهيمنة على مستقبلها الاقتصادي.
وفي الجانب العسكري، فإن التعاون الأميركي- التركي ضرورة ملحة لمنع عودة الجماعات الإرهابية وضمان استقرار المناطق المحررة من قبضة تنظيم الدولة. فاستمرار وجود الخلايا المتطرفة في مناطق عدة، ولا سيما في الصحاري الممتدة بين دير الزور وحمص، يشكل تهديدًا دائمًا للأمن.
ولذا فإن تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الجانبين قد يعزز من كفاءة العمليات المضادة للإرهاب، مما يتيح تنفيذ ضربات دقيقة ضد معاقل المتشددين ومعسكرات تدريبهم.
ولطالما اعتمدت الولايات المتحدة على قوات سوريا الديمقراطية كقوة برية في حملتها ضد تنظيم الدولة، بينما نفذت تركيا عمليات عسكرية عابرة للحدود للقضاء على العناصر الإرهابية على طول حدودها الجنوبية.
وبإرساء إطار يسمح بتبادل المعلومات الاستخباراتية حول التهديدات الناشئة وتنسيق العمليات العسكرية، يمكن تحسين فاعلية الجهود الأمنية وتقليل احتمالات التصادم غير المقصود بين الطرفين.
إعلانكما أن إدماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن الدولة السورية يمثل فرصة لإعادة صياغة الترتيبات الأمنية بما يراعي الهواجس التركية. فلقد عارضت أنقرة على الدوام الإدارة الذاتية للقوات الكردية المحاذية لحدودها، خشية أن تغذي هذه الصيغة النزعات الانفصالية داخل تركيا.
فإذا تمكّنت الولايات المتحدة من الإسهام في إعادة هيكلة الفصائل التابعة لقوات سوريا الديمقراطية ضمن إطار عسكري وطني أوسع، فقد تصبح تركيا أكثر استعدادًا للانخراط في تعاون عسكري يركز على مكافحة الإرهاب بدلًا من النزاعات الإقليمية.
بيدَ أن هذا المسار يتطلب مفاوضات دقيقة، لضمان ألا تنظر الفصائل السورية المدعومة من تركيا إلى هذا الإدماج باعتباره تهديدًا لأمنها.
وقد يكون إنشاء برامج تدريبية مشتركة للقوات الأمنية المحلية، بدعم من الولايات المتحدة وتركيا، وسيلة لتعزيز احترافية المؤسسات العسكرية السورية، وتقليل الاعتماد على التشكيلات المسلحة غير النظامية، التي تؤجّج حالة عدم الاستقرار.
ومع بروز ملامح دولة سورية جديدة، عقب زوال نظام الأسد وإدماج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية، سيغدو التعاون الأميركي- التركي حجر الأساس في إرساء الاستقرار الإقليمي.
ومن أبرز التحديات الأمنية التي ستواجهها سوريا، تأمين حدودها، التي طالما مثلت معبرًا لتسلل المسلحين وتجارة الأسلحة والسلع غير المشروعة، مما أسهم في تأجيج الاضطراب.
ومن هنا فإن تبني مقاربة مشتركة بين الولايات المتحدة وتركيا في ضبط الحدود، عبر استغلال التكنولوجيا المتقدمة، مثل أنظمة المراقبة الجوية والطائرات المسيرة وآليات تبادل المعلومات الاستخباراتية، قد يعزز الأمن، ويمنع تسلل العناصر المتطرفة.
ويمكن تعزيز عمليات مكافحة التهريب التركية عبر تنسيق مباشر مع القدرات التقنية والاستخباراتية الأميركية، مما يوفر منظومة أمنية أكثر شمولًا وفاعلية.
إعلانأما في السياق الإستراتيجي الأوسع، فإن التوافق الأميركي- التركي في سوريا بات ضرورة ملحة. فروسيا وإيران لا تزالان تسعيان للتمسك بحضورهما في البلاد.
غير أن تعزيز التعاون بين واشنطن وأنقرة من شأنه أن يحدّ من توسع الهيمنة الروسية في الغرب السوري ويسهم في تقليص نفوذ المليشيات المدعومة من إيران قرب الحدود مع العراق. وهذا التنسيق لا يفترض بالضرورة تطابق المصالح، بل يكفي إدراك أن العمل المشترك يمنح الطرفين نفوذًا أكبر مقارنة بالتحركات المنفردة أو المتعارضة.
وختامًا، فإن تقارب المساعي الأميركية- التركية في سوريا، ولا سيما في مجالي الإعمار والعمليات العسكرية، قد يكون رافدًا رئيسيًا لاستقرار البلاد.
وبرغم الخلافات السياسية القائمة، فإن واقع الأرض يفرض ضرورة التعاون بما يخدم المصالح الأمنية المشتركة. ومن خلال حوار مستمر، وتعاون اقتصادي، وتنسيق عسكري مستدام، يمكن لواشنطن وأنقرة المساهمة في رسم مسار جديد لسوريا، يحول دون عودة القوى المتطرفة، ويحدّ من هيمنة الخصوم، ويؤسس لنظام إقليمي أكثر توازنًا واستقرارًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline