الحرب في السودان: كيف تؤثر أزمة الحكم علي الانتقال السلمي الديمقراطي
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
بروفيسور حسن بشير محمد نور
خلفية مختصرة:
تعد قضية تكوين الثروة في السودان وارتباطها بالطبقة السياسية ونظام الحكم من القضايا المحورية لفهم الأزمات المتتالية التي يعيشها السودان. يتطلب ذلك تتبع العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لفهم كيفية تراكم الثروات داخل الطبقة السياسية وتأثير ذلك على المجتمع، وعلاقته بانظمة الحكم المتتابعة منذ استقلال البلاد، مع استعراض تبعات ذلك علي اي حكم مدني وانتقال سلمي ديمقراطي.
- طبيعة تكون الثروة وارتباطها بالحكم
تتسم طبيعة تكون الثروة في السودان بالتداخل العميق بين الاقتصاد والسياسة والتكوين الاجتماعي. منذ استقلال السودان في 1956، اعتمدت الطبقة السياسية على استغلال الموارد الطبيعية (كالزراعة، والثروة الحيوانية، والنفط والمعادن) بطريقة غير عادلة لتحقيق مصالحها الخاصة. وقد تركزت الثروة في أيدي النخب السياسية والعسكرية، مما أدى إلى تهميش قطاعات واسعة من الشعب.
الخلفية التجارية والطائفية والقبلية (الادارة الاهلية) لعبت دوراً محورياً في توجيه الموارد، حيث تم تفضيل مجموعات عرقية وجهوية واجتماعية على حساب أخرى، ما خلق انقسامات عميقة في النسيج الاجتماعي. أضف إلى ذلك، أن الاستفادة من السلطة والوظائف العامة أصبحت وسيلة لتراكم الثروات من خلال الفساد والمحسوبية.
- طبيعة الطبقة السياسية والفساد
الطبقة السياسية في السودان لم تقتصر على دورها في إدارة الحكم، بل تحولت إلى فاعل اقتصادي يستغل السلطة لتعزيز مصالحه الشخصية. الفساد المتجذر في أجهزة الدولة، الذي اصبح فسادا هيكليا مرتبط بنظام الحكم خاصة في عهد الانقاد، ساهم في نهب الموارد العامة وتحويلها إلى أصول خاصة، ما أدى إلى تفاقم التفاوت الاقتصادي والاجتماعي.
استغلال الوظائف العامة كان من أبرز سمات الحكم في السودان، حيث أصبحت المؤسسات الحكومية مرتعاً للتوظيف السياسي والفساد المالي، وقد اخذ هذا الامر طابع ما عرف (بالتمكين) في عهد حكم الانقاذ. هذا الوضع أدى إلى تآكل الثقة بين الدولة والمجتمع، مما زاد من عمق التخلف السياسي والاجتماعي.
- أثر تكون الثروة على التخلف السياسي والاجتماعي
أدى تراكم الثروات في أيدي قلة من النخب السياسية إلى تفاقم التخلف السياسي والاجتماعي في السودان. تفشي الفساد واستغلال السلطة عمّق الفجوة بين النخب والمواطنين، ما خلق شعوراً بالظلم والإقصاء لدى غالبية الشعب. انعكس كل ذلك علي مكونات اساسية في المجتمع تطور الي انفصال الجنوب وتعمق الازمة في اقليم دارفور وتشكلت ارهاصات انفصال محتمل لهذا الاقليم بالغ الاهمية وكبير الثراء بالموارد.
التخلف السياسي تجلى ايضا في غياب الديمقراطية الفاعلة وضعف المؤسسات السياسية، حيث أصبحت السلطة تتركز في أيدي القلة المسيطرة على الموارد. أما التخلف الاجتماعي، فقد انعكس في ارتفاع معدلات الفقروالتهميش.
بذلك اصبحت القوى السياسية في السودان تواجه أزمات هيكلية عميقة أثرت على قدرتها على تحقيق استقرار سياسي وبناء نظام ديمقراطي مستدام. ويمكن تحليل الأزمة من عدة جوانب:
1. طبيعة تكوين القوى السياسية في السودان
الطابع التقليدي والطائفي: العديد من الأحزاب السياسية نشأت في سياقات اجتماعية تقليدية متأثرة بالقبائل والطوائف الدينية، مثل ما يعرف بالاحزاب التقليدية الكبرى، مما جعلها تميل إلى تمثيل مصالح ضيقة بدلاً من صياغة رؤى وطنية شاملة.
التفكك الداخلي لكثير من الأحزاب جعلها تعاني من الانقسامات والصراعات الداخلية بسبب ضعف الهياكل التنظيمية والتركيز على الولاء الشخصي بدلاً من العمل المؤسسي، وهذا يتجلي بشكل كبير داخل حزبي الامة والاتحادي الديمقراطي ولم تنجا منه الاحزاب الاخري حتي العقائدية.
كما ادي الافتقار إلى التجديد في القيادات الي غياب القيادات الشابة واعتماد الأحزاب على نفس النخب القديمة وإلى فقدان المصداقية لدى الشباب، مما جعل اكبر مكون للشباب الذي يعرف بلجان المقاومة في حالة ارتباك او رفض للأحزاب.
2. ضعف الأحزاب السياسية والقوى المدنية
فقدان الرؤية الاستراتيجية عند معظم الأحزاب جعلها تفتقر إلى برامج واضحة ومحددة لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما اعتمدت بعضها علي الدعم الخارجي حتي حديثة النشأة، اذ تعتمد بعض الأحزاب والقوى السياسية، بل والمدنية بشكل كبير على الدعم الإقليمي أو الدولي، مما يجعلها عرضة للتأثيرات الخارجية.
ما ذكر اعلاه مع جملة من العوامل الاخرى المهمة ادي الي غياب الوعي الديمقراطي الداخلي نتيجة لضعف الممارسات الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها، مما يعكس غياب الالتزام الحقيقي بالديمقراطية على المستوى الوطني، وهذه المشكلة تنعكس في واقع اليوم وقناعة كثير من السودانيين بحكم العسكر و (جيش واحد شعب واحد) بالرغم من كل المآسي الناتجة عن الدكتاتوريات العسكرية، بما في ذلك كارثة انشاء وتكوين مليشيا الدعم السريع نفسها وغيرها من التشكيلات العسكرية الموازية، التي ما زالت تتناسل وتتكاثر متغذية بالحرب الحالية.
كما تعاني القوي السياسية والمدنية من الانفصال عن القواعد الشعبية وضعف التواصل معها واهتمامها اكثر بالمناصب السياسية والامتيازات الشخصية.
3. التحديات أمام الانتقال الديمقراطي في السودان
في هذه الظروف تؤدي الصراعات المسلحة واستمرار النزاعات سواء الحرب الراهنة او الصراع المزمن في دارفور وكردفان والنيل الأزرق الي تشكيل عوائق خطيرة أمام الاستقرار السياسي.
ويظهر هنا دور المؤسسة العسكرية (القوات المسلحة السودانية) التي تلعب دورًا مركزيًا في الحياة السياسية والاقتصادية معا، حيث تمثل عقبة أمام الانتقال السلمي للسلطة المدنية، وهذا ليس قولا نظريا وانما ظهر بشكل عملي عقب ثورة ديسمبر وفي انقلاب 25 اكتوبر 2021 وصولا لمجريات الحرب الراهنة.
تتكامل تلك المشكلة مع ضعف البنية الاقتصادية، فالازمة الاقتصادية الطاحنة والضائقة المعيشية التي تهدد الملايين بالموت جوعا، تعزز من عدم الاستقرار وتخلق بيئة خصبة لاستغلال الأزمات من قبل مختلف القوى داخليا وخارجيا بما في ذلك تهديد الارهاب.
ومن هنا فان الانقسام السياسي وغياب التوافق بين القوى السياسية والمدنية يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق حول شكل الحكم ومستقبل البلاد، يتضح ذلك هذه الايام من كثرة المبادرات والدعوات لتشكيل جبهات وطنية، والتوجه نحو تأسيس مشروع وطني دون تبلور رؤية عملية حتي الان، فمعظم النقاش عبارة عن تنظير دائري من جهات دورها مفترض ان يكون عمليا وواقعيا علي الارض.
4. آفاق المستقبل
الازمة الراهنة تتطلب الإصلاح الداخلي للأحزاب، ولكن كيف لذلك ان يتم في بيئة غير مواتية بل بيئة حرب؟.، تحتاج الأحزاب السياسية إلى إعادة هيكلة داخلية تعزز من الشفافية والممارسات الديمقراطية وجذب الشباب والنساء وعليها ان تسعى نحو هذا الهدف رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجهها.
كما يجب تعزيز دور المجتمع المدني حتي يتمكن أن يلعب دورًا أساسيًا في تعزيز التوعية السياسية ودعم المبادرات الديمقراطية. ولبناء تحالفات وطنية شاملة تمكن القوى السياسية والمدنية من تجاوز الانقسامات وبناء تحالفات تستند إلى برامج وطنية واضحة ومقنعة للمواطن العادي.
من البديهي ان تقليص دور العسكر في الحياة السياسية والاقتصادية والسير نحو الانتقال الديمقراطي يمر عبر إصلاحات هيكلية تضمن خضوعها (المكونات العسكرية) للسلطة المدنية، لكن هذا الهدف دونه خرط القتاد كما يقال، واول متطلباته وحدة القوى السياسية والمدنية ومشروع وطني متوافق عليه.
التوجه نحو عقد اجتماعي جديد او مشروع وطني توافقي يعتمد علي رؤية شاملة تعالج المظالم التاريخية وتضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة بين مختلف المناطق، وهذا محورا اساسيا لاي نجاح للانتقال السلمي الديمقراطي.
في خلاصة القول يتوقف مستقبل الحكم الديمقراطي في السودان علي قدرة القوى السياسية والمدنية على تجاوز خلافاتها والعمل بشكل جماعي، على بناء مشروع يعكس تطلعات الشعب السوداني نحو الحرية والعدالة، وأرساء اسس الحكم الرشيد وأنهاء الاحتراب والنزاعات المزمنة.
mnhassanb8@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى السیاسیة والمدنیة الطبقة السیاسیة فی السودان
إقرأ أيضاً:
كيف كانت طبيعة ووظائف الدولة في فترة الحكم التركي؟
بقلم: تاج السر عثمان
فارق دنيانا البروفيسور حسن أحمد إبراهيم والذي كانت له إسهامات مميزة في ميدان تخصصه في التاريخ الحديث والمعاصر، ولفت نظري مساهمته المتميزة التي اطلعت عليها عن فترة الحكم التركي - المصري في السودان أثناء بحث كنت أعده عن " التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي - المصري في السودان"، الذي نشر في كتاب فيما بعد عن مركز محمد عمر بشير ٢٠٠٦.
كانت مساهمة البروف المرحوم حسن أحمد إبراهيم بعنوان"محمَّد علي في السُّودان: دراسة لأهداف الفتح التُّركيِّ- المصريَّ"، والتي صدرت في كتاب عن دار النشر بجامعة الخرطوم (دون تاريخ)، له الرحمة والمغفرة.
نعيد نشر هذه المقال عن طبيعة ووظائف دولة الحكم التركي - المصري في السودان (١٨٢١ - ١٨٨٥).
اولا - شكلت دولة الحكم التركي تطورا جديد في مسار الدولة السودانية : دولة كرمة ، نبتة ، مروى، النوبة المسيحية، الفونج والفور. وتلك الدول كانت مستقلة وكانت نتائج تطور باطني. ولكن الجديد أن السودان خلال فترة الحكم التركي (1821م-1885م)عرف دولة تابعة خاضعة للاحتلال الأجنبي ضمت رقعة واسعة في البلاد،بعد ضم دارفور والمديريات الجنوبية الاستوائية، أعالي النيل ، بحر الغزال.
وكانت تلك الدولة مفرطة في المركزية وما جاءت نتاجا لتطور باطني، بل تم زرعها من الخارج وعلى نمط الدولة في الإمبراطورية العثمانية التي كانت بقيادة الأتراك والألبان المتحالفين مع كبار الملوك المحليين والعلماء والفقهاء المرتبطين بجهاز الدولة وكبار العسكريين من المماليك أو قادة الجيوش من المرتزقة وكانت دولة مدنية رغم إنها كانت استبدادية وتقوم على القهر.
ثانيا - كانت دولة الحكم التركي في السودان تمثل تحالف الحكام العسكريين والمدنيين (أتراك ، مصريين، أوربيين) وزعماء العشائر وكبار الملاك والتجار وكبار العلماء والفقهاء المرتبطين بجهاز الدولة وبعض القيادات والزعامات الدينية، وهذه الدولة في مضمونها كانت طبقية، بمعنى أنها كانت تعبر عن مصالح هذا التحالف الطبقي الحاكم.
وكان من مهام هذه الدولة نهب واعتصار واستنزاف الفقراء من الرعاة والمزارعين وصغار الملاك لاستخلاص اكبر قدر ممكن من الضرائب منهم، بينما كان كبار الملاك في ذلك التحالف الحاكم أما معفياً من الضرائب أو يتهرب منها بالرشوة وكانت وظيفة هذه الدولة أيضا قمع الانتفاضات والثورات ضد النظام، كما كانت وظيفتها أيضا هي تنظيم تصدير الفائض الاقتصادي إلى الخارج أو تنظيم كل القدرات الاقتصادية والبشرية وتوظيفها في خدمة مصالح الطبقات الحاكمة في مصر.
وكانت دولة الحكم التركي، بمعنى آخر، امتداداً أو ذراعاً حاكماً للتحالف الطبقي الحاكم في القاهرة الذي كان بدوره يقهر ويقمع الشعب المصري ويمتد هذا القهر ليشمل شعوب ومستعمرات إمبراطورية محمد علي باشا واعتصارها بهدف تحقيق التراكم اللازم لتحقيق أهداف محمد علي الاقتصادية والعسكرية .
ثالثا - باحتلال محمد علي للسودان عرف السودان لأول مرة نمطاً جديدا من الدولة هو نمط الدولة المدنية العصرية والتي عرف فيها السودانيون بذور التعليم المدني الحديث والقضاء المدني ، وبذور نمط الإنتاج الرأسمالي ، واتساع دائرة العمل المأجور والتعامل بالنقد ، واقتلاع المزارعين من أراضيهم والقذف بهم أو الهجرة إلي مناطق أخري من السودان اوخارج السودان ، إضافة لاتساع السوق الداخلية بعد اتساع رقعة السودان خاصة بعد ضم سواكن ودار فور والمديريات الجنوبية ألي بقية أنحاء السودان مما أدى إلى اتساع التجارة الخارجية والداخلية وارتباط السودان بالسوق العالمي ، وبالتالي عرف السودانيون كامتداد أوسع للتحولات التي بدأت تحدث أيام الفونج المدن التجارية وبداية تفكك وتحلل النظام القبلي ، وظهرت طرق صوفية أوسع واكبر من الطرق التي كانت سائدة أيام الفونج مثل الختمية التي ضمت اتباعاً من شمال وشرق السودان وكردفان وبعبارة أخرى بدأ يشهد السودان بداية بذور تكوين القومية السودانية أو الدولة القومية السودانية.
رابعا - شهدت دولة الحكم التركي توسعا في زيادة مساحة الأراضي الصالحة للزراعة ، مما أدى إلي زيادة المحاصيل الزراعية في الأسواق ، فنجد أن الحكومة في هذه الفترة تجلب عدداً من خوليه الزراعة ، وتعمل على تطوير زراعة القطن وتشق القنوات للتوسع في زراعة الأحواض وتشجيع تعمير السواقي وترسل الطلاب إلى مصر للتعليم والتدريب الزراعي وتجلب المحاريث لحراثة الأرض وتعمل على بناء المخازن في المراكز الرئيسية على طول الطريق إلى مصر لتوفير مياه الشرب لتسهيل الحركة التجارية وتصدير المواشي بشكل خاص كما اهتمت الحكومة بإدخال محاصيل نقدية جديدة مثل الصمغ، السنامكي ،والنيلة . الخ. واهتمت بالثروة الحيوانية وجلبت الفلاحين والعمال المهرة في الزراعة واهتمت بالتقاوي المحسنة والأشجار المثمرة واهتمت بمكافحة الآفات مثل الجراد .
ولكن رغم تلك التحسينات التي أدخلتها الحكومة بهدف تطوير القوى المنتجة في الزراعة والإنتاج الحيواني الا أن الضرائب الباهظة التي كانت الحكومة تفرضها على المزارعين والرعاة أدت إلى هزيمة هذا الهدف، فقد هجرالاف المزارعين سواقيهم في الشمالية ، كما هرب الاف الرعاة بمواشيهم إلى تخوم البلاد ، هكذا نجد أن سياسة الحكومة التي كانت تعتمد على القهر والضرائب الباهظة أدت إلى انخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني، وبالتالي أدي ألي تدهور الأحوال المعيشية وأدي ذلك ألي المجاعات والأمراض والخراب الاقتصادي وغير ذلك مما شهده السودان في السنوات الأخيرة للحكم التركي- المصري.
خامسا - شهدت تلك الفترة قيام صناعات جديدة مثل صناعة البارود وصناعة النيلة وصناعة حلج القطن و صناعة الذخيرة كما تطور قطاع الخدمات حيث تطورت المواصلات (بواخر نهرية) إدخال التلغراف ، كما تم تحسين ميناء سواكن وتم توصيل خط السكة الحديد إلى مدينة وادي حلفا (الشلال).
سادسا - عرفت دولة الحكم التركي التفاوت الطبقي وكان التركيب الطبقي للدولة يتكون من : الحكام وكبار موظفي الدولة الأجانب والمحليين ،زعماء ومشايخ الطرق الصوفية، الجنود، المزارعون، العمال والموظفين المأجورين، الرقيق.
سابعا - حول سمات وخصائص التشكيلة الاقتصادية- الاجتماعية لدولة الحكم التركي نلاحظ الآتي:-
(أ) كانت تشكيلة تابعة، ولم تكن مستقلة على نمط التشكيلات السابقة الرأسمالية في السودان لممالك السودان القديم وفي العصور الوسطى.والمقصود بتشكيلة تابعة : أن كل النشاط الاقتصادي والاجتماعي في تلك الفترة كان موظفاً لخدمة أهداف دولة محمد علي باشا في مصر، وبالتالي تم إفقار السودان وتدمير قواه المنتجة (المادية والبشرية) وكان ذلك جذراً أساسياً من جذور تخلف السودان الحديث.كما اتسعت تجارة الرقيق.
(ب) أرتبط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي عن طريق تصدير سلع مثل : الصمغ العربي ، العاج ، والقطن. الخ.
كما شهد السودان خلال تلك الفترة غرس بذور نمط الإنتاج الرأسمالي في السودان على الأقل في سمتين أساسيتين من سمات نمط الإنتاج الرأسمالي هما :
*اتساع عمليات التعامل بالنقد والعمل المأجور بعد اقتلاع المزارعين من سواقيهم وأراضيهم.
*الارتباط بالتجارة العالمية.
(ج) التحولات التي أحدثها نظام الحكم التركي محدودة (الاقتصاد ، التعليم ، الصحة، المواصلات. الخ).وظل الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي في السودان خلال تلك الفترة حبيس القطاع المعيشي ( التقليدي) وظلت قوي الإنتاج وعلائق الإنتاج بدائية ومتخلفة.
ويمكن القول أن السودان في تلك الفترة شهد تدمير أو خسارة للتشكيلة الاجتماعية القديمة دون كسب تشكيلة اجتماعية أرقى، وهذه العملية شبيهة إلى حد ما بتدمير الاستعماريين البريطانيين لنمط الحياة القبلي القديم في الهند والتي وصفها ماركس بقوله " أن سكان الهند خسروا عالمهم القديم دون كسب لعالم جديد " .
ثامنا - شهدت تلك الفترة تراكمات كمية من الانتفاضات والثورات ضد النظام ما أن تندلع انتفاضة ويتم إخمادها حتى تندلع أخري من جديد، وأدت تلك التراكمات الكمية من الانتفاضات إلى تحول كيفي في الثورة المهدية.
هكذا نجد جذور الثورة السودانية الحديثة التي ترجع إلى فترة الحكم التركي وبداية قانونها الأساسي الذي يبدأ بمقاومة النظم الاستبدادية بأشكال وصيغ مختلفة ويتم تتويجها بالانتفاضة الشاملة التي تطيح بالنظام ، على ان عنف ووحشية دولة الحكم التركي هي التي ولدت الانتفاضة الشعبية المسلحة في الثورة المهدية.
تاسعا - كما شهدت هذه الفترة غرس بذور الثقافة الحديثة، التعليم المدني الحديث ، القضاء المدني، الطباعة ، الصحافة ،بدايات المسرح، وبدايات استقلال فن الشعر الغنائي عن الدين وعن نمط الغناء التقليدي (الدلوكه) الذي كان سائداً أيام الفونج.
عاشرا - عرف السودانيون خلال فترة الحكم التركي المصري الملكية الخاصة للأرض وبيع الأراضي ورهنها وتوريثها حسب الشريعة الإسلامية والأعراف، وكان ذلك من التطورات التي شهدها السودان في ملكية الأراضي وتعبيراً عن ارتباط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي .
كما عرفت التشكيلة الاجتماعية انماطاً مختلفة من الإنتاج التي كانت سائدة في التشكيلات الاجتماعية السابقة مثل : نمط الإنتاج البدائي، و نمط الإنتاج العبودي ونمط الإنتاج الإقطاعي، ولكن الجديد هنا كما أشرنا سابقاً أن السودان عرف البذور الأولى لنمط الإنتاج الرأسمالي والذي نشأ مع اتساع التعامل بالنقد والارتباط بالتجارة العالمية وتحول قوة العمل إلى بضاعة، واقتلاع آلاف الفلاحين من أراضيهم نتيجة للقهر والضرائب الباهظة .
أهم المراجع:-
1/.بشير كوكو حميدة: ملامح من تاريخ السودان في عهد الخديوي إسماعيل (مطبوعات كلية الدراسات العليا بحث رقم "10"1983م).
2/ تاج السر عثمان الحاج : التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي ، مركز محمد عمر بشير 2006م.
3/ حسن أحمد إبراهيم : محمد علي في السودان ، دار جامعة الخرطوم للنشر، بدون تاريخ ، رسالة ماجستير.
alsirbabo@yahoo.co.uk