كارثة حرائق كاليفورنيا.. هل هي غضب إلهي؟؟!
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
كتب د. محمد عبد الحميد استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية
للكون خالق عظيم. وضع هندسة فيه بشكل معجز. وجعل فيه آيات للتفكر والتذكر والعبر والإستبصار. هذا الخالق العظيم أوجد في هذا الكون نواميس ونُظم وذلّل كل شئ للإنسان. ثم بعث الرسل ليرشدوا الثقلين الجن والإنس لذاته ليقروا بوحدانيته وأرسل مع معظم الرسل معجزات تجلُّ عن العقول وتدِّقُ وترقُّ عن الفهوم.
وقد ترك الخالق العظيم الإنسان المُساءل الأول عن حركة إعمار الأرض. وسخّر له مكونات البيئة الطبيعية مُذللة لخدمته يستغلها (بالرشد) الذي يجعل منها موارداً لتسهيل حياته... كما أوجد فيها من العناصر المُخيفة ما يمكن أن يقلب حياته لجحيم، منها المرتبط بالمناخ مثل المياه والرياح والحرارة الضغط والرطوبة. فكما هي مسخرة لحياة الإنسان، فإن بها طاقات تدميرية يمكن أن تفتك ببقائه وتحيل حياته لجحيم ماحق.
ومنذ إنتهاء عصر المعجزات مع الرسل، فقد ترك الله للإنسان حرية الإختيار بين الشكر والكفر.. فغدت كل نفسٍ بما كسبت رهينة، وفُتح الأمر على يوم تدين فيه الأمور كلها لله الواحد القهار هو يوم الحساب والعقاب... وبالتأكيد هذا اليوم ليس في هذه الحياة الدنيا وإنما في الآخرة.
عموماً هنالك ظاهرة يغفل الناس بحكم عدم معرفتهم بإصولها بشكل علمي وهي الكوارث والتي تعتبر حالة تطرأ على حياة الإنسان ومجتمعه من فترة لأخرى. وهي كظاهرة يجب أن يتم النظر إليها من منظور علمي لا رغبوي... فالكوارث لا سيما الطبيعية المتطرفة منها كالزلازل والأعاصير والفيضانات و الحرائق والبراكين تُصنف على أنها أخطار موجودة في الطبيعة تضرب المجتمعات البشرية بغض النظر عن عقائدهم. ونظرتهم للخالق إيماناً وإنكاراً... وتترواح حدة هذه الأخطار مع وجود متغيرين أساسيين هما اللذان يحددان حدة تلك الأخطار ووقعها على المجتمع وتحولها لكارثة هما الهشاشة Vulnerability. والمرونة Resilience، فللأولى مستوياتها وللثانية مؤشراتها. لذلك ينظر علماء إدارة مخاطر الكوارث للأمر بطريقة لا تُفسر هذه الظواهر بنية الإله أو ما يدور في خلده من أنه يريد أن ينتقم من هذا المجتمع أو ذاك. بل من منظور قدرة المجتمع على التعامل مع هذه الأخطار بصورة تقلل غلواءها بالدرجة التي تحفظ حياة الإنسان. فزلزال قهرمان مرعش الذي ضرب تركيا في العام 2023م لم يكن بسبب أنهم قوم قد كفروا بالله. ولا كارثة الحرب الماحقة التي تضطرم في أرجاء السودان الآن وجعلت معظم أهله يهيمون في فيافي الإرتحال بين نازح و لاجئ قد عصفت بهم لأنهم أداروا ظهرهم لله وكفروا بأنعُمِه. ولا حرائق لوس أنجلوس في أمريكا والتي أتت على تلك المدنية الباذخة الغني لأن ممثلة كوميدية (نيكي كلاسر) قد تهكمت على الله في محفل إحتفائية القولدن غلوب وتفاعل معها الحضور بالضحك.
الواقع أن هذه الكوارث هي ظواهر مرتبطة بمستويات تقدير المخاطر المرتبطة بتلك الأخطار واتخاذ التدابير اللازمة حيالها لتقليل أثر وقعها حتى لا تتحول لكارثة تعصف بالمجتمع. إن الجهل بهذا العلم يسوق أصحابه لتفسير ظاهرة الكوارث في مباحث ومظان (ميتافيزيقية) لا علاقة لها بأصل حدوث الكوارث ، فالحياة المدنية وما يستتبعها من عمران وتطور في واقع الأمر تزيد حالة المخاطر للأخطار، هذا فضلٌ عن سؤ التخطيط والتغول على الطبيعة مصحوباً بحالة عدم الرشد والنهم المبنى على سيادة نزعة التملك والإستئثار التي تميز المجتمعات في مرحلة ما بعد العولمة. فكلما كان المجتمع أكثر تطوراً كلما زادت المخاطر من حوله... وكلما أغفل المجتمع مبدأ الحد من مخاطر الكوارث يكون عرضة لخسائر فادحة من كل حالات الطَلْق الطبيعي Natural throws لذلك فان تفسير حرائق لوس أنجلوس على أنها غضب إلهي هو تصغير لشان الإله الرحيم. فالأمر في مجمله لا يعدو أن يكون كارثة ضربت مجتمعاً فاقت فيه درجات الهشاشة مستويات المرونة لتقصير في مناهج العمل بمبدأ الحد من مخاطر الكوارث. وهو شأن رهين بتحقيق معمق في الأسباب الموضوعية التي ادت لهذا الحريق، ذلك أن كل الإحتمالات واردة فالتذبذبات المناخية، وعدم أو ضعف الميزانيات المرصودة للحرائق. وتداخل الغابات مع المعمار السكني وأنماط الحياة المعقدة في المدينة، إضافة لأعمال التخريب القصدي المتعمد كلها تظل مجالاً للبحث في الأسباب التي أدت لإندلاع الحرائق. أما ان يعزو البعض سبب الحريق لغضب إلهي فذلك ما لا يمكن أن يعتد به علمياً حتى لو أتوا بشواهد من آيات القرآن. فقضية إنكار وجود الإله الخالق للكون لم تتوقف في المساجلات والنقاشات في دوائر العلوم والفلسفة والأدب والأندية الثقافية، و لم تشهد هذه الدوائر أي نوع من العقاب الإلهي.
بذات المنظور لا يمكن تفسير الحرب التي تقضم أوصال المجتمع السوداني ككارثة من صنع الإنسان بسبب أن أهل السودان قد كفروا بأنعم الله، فالأمر في أحد اهم أسبابه لا يعدو أن يكون غفلة وتفريطاً في حق الإنسان السوداني أن ينعم بالسلم والأمان جراء تعدد الجيوش والقوى المسلحة، وصراعات وأطماع حول السلطة. وتدخلات خارجية تزكي أوار الحرب ولم تكن عقاب إلهي نزل على أهل السودان لتجاوزهم في حقه.
قد يبدو حجم الدمار المنقول عن كارثة الحريق في لوس أنجلوس بولاية كلفورنيا مهولاً نظراً لمستويات الخسائر الناجمة عن دمار مباني المدينة الفخيمة والغالية الثمن. مصحوباً بما يشبه العجز عن إحتواء الحريق مقارنة بالإمكانات الضخمة التي تتمتع بها أمريكا مما يولد إنطباعاً بأن في الأمر ثمة إنتقام من قوة أكثر جبروتاً من جبروت أمريكا صاحبة الوقت السياسي.
د. محمد عبد الحميد استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية
wadrajab222@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحد من مخاطر الکوارث
إقرأ أيضاً:
حرائق لوس أنجلوس أعنف الكوارث في تاريخ الولايات المتحدة.. وخبراء: إعادة الإعمار تكلفته تزيد على 500 مليار دولار
حالة من التوتر تسود بين الكثير من الناس منذ بداية يناير الجاري حيث تشهد مدينة لوس أنجلوس حرائق غابات واسعة النطاق وصفت بالأعنف في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حيث ادت إلى تدمير مساحات شاسعة من الأراضي والممتلكات.
إعادة إعمار لوس أنجلوس تزيد على 500 مليار دولارفي هذا الصدد قال أبوبكر الديب مستشار المركز العربي للدراسات والباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي إن فاتورة اعادة مادمرته الحرائق في الولايات المتحدة الأمريكية وعلي رأسها لوس أنجلوس بما يزيد على 500 مليار دولار .
وأضاف أبوبكر الديب خلال تصريحات لــ"صدى البلد " ان حرائق الغابات تهدد استقرار سوق العقارات السكنية في كاليفورنيا البالغة 10 تريليونات دولار وتعرض الكثير من شركات التأمين للافلاس وتراجعت أسهمها بشكل كبير لعدم قدرتها علي تعويض أصحاب آلاف المباني المدمرة بعد زيادة الحرائق في جنوب كاليفورنيا بشكل كبير مدفوعة بمحيطات أكثر دفئا وجفاف مكثف ورياح قوية متوقعا هبوب رياح "سانتا آنا" القوية خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأشار الي أن الحرائق دمرت أكثر من 12 ألف مبنى حتي الان وهي تقدر بملايين الدولارات وفي تقدير أولي من شركة "أكيو ويذر" بلغت الأضرار والخسائر الاقتصادية حتى الآن بين 135 مليار دولار و150 مليار دولار.. لكن إعادة الاعمار ستتطلب الكثير وسط فشل منظومة مُكافحة الحرائق الأمريكية في التعامل مع حرائق مدينة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا.
وتوقع ابوبكر الديب ان تغير الحرائق وجهة نظر وسياسة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لقضايا المناخ وتهديدات التغيرات المناخية والاحتباس الحراري.
أعنف الكوارث في تاريخ الولايات المتحدةوتستعد مدينة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا الأميركية، لمواجهة رياح عاتية، تزيد من صعوبة السيطرة على حرائق الغابات التي التهمت أحياء كاملة.
وأسفرت الحرائق، عن مقتل ما لا يقل عن 24 شخصا، وتدمير مناطق واسعة.
ووفقا لتوقعات هيئة الأرصاد الجوية الوطنية، ستعاود رياح "سانتا آنا" الجافة نشاطها، حيث ستتراوح سرعتها بين 80 و112 كيلومترا في الساعة، مع استمرار تأثيرها حتى الأربعاء.
وأصدرت الهيئة تحذيرا باللون الأحمر من خطر شديد، وهو أعلى مستوى إنذار للحرائق.
وفي ظل الخطر المتزايد، نشرت السلطات أكثر من 8500 رجل إطفاء لمكافحة الحرائق المستعرة، بما في ذلك حريقا "باليساديس" و"إيتون"، اللذان يعتبران الأكبر على أطراف المدينة.
ومنذ اندلاع الحرائق الثلاثاء الماضي، تسببت النيران في تدمير أكثر من 12 ألف مبنى أو تعرضها لأضرار جسيمة.
بينما يعمل آلاف من رجال الإطفاء في الولايات المتحدة على احتواء نيران أتت على أجزاء كاملة من لوس أنجلوس، ثاني كبرى المدن الأمريكية.
وتداولت صفحات وحسابات على مواقع التواصل العربية صورة قيل إنها تُظهر مركزاً إسلاميًا لتدريس القرآن نجا من الحرائق دون ما حوله من مبان.
وخلّفت الحرائق مشهدا أشبه بالكوارث الطبيعية الكبرى، حيث دُمّرت أحياء بأكملها.
ووصف جافين نيوسوم، حاكم ولاية كاليفورنيا، الحرائق بأنها واحدة من أعنف الكوارث في تاريخ الولايات المتحدة.
وقدرت شركة "أكيو ويذر" الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحرائق، بين 135 و150 مليار دولار.
كما تم رفع دعوى قضائية ضد شركة Southern California Edison، وهي شركة المرافق الكهربائية في لوس أنجلوس، بسبب دورها المزعوم في إشعال أحد الحرائق المستعرة في لوس أنجلوس والتي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 24 شخصًا وتشريد عشرات الآلاف.
وادعى جيريمي جورسي، الذي دُمر منزله في حي ألتادينا في حريق إيتون، في دعوى قضائية رفعها في محكمة مقاطعة لوس أنجلوس العليا يوم الاثنين أن شركة SCE كانت مسؤولة عن بدء الحريق - وهو ادعاء نفته شركة SCE مرارًا وتكرارًا.
كما قال المسؤولون المحليون يوم الاثنين إنهم لم يحددوا سبب الحرائق بعد، على الرغم من أنهم يحققون في برج نقل كهربائي في إيتون كانيون كموقع محتمل لحريق إيتون، وفقًا لصحيفة لوس أنجلوس تايمز .
وقالت شركة الكهرباء في بيان يوم الأحد إن مراجعة الدوائر وخطوط النقل في منطقة إيتون كانيون أظهرت أن معداتها الكهربائية من غير المرجح أن تكون سبب الحريق.
وقالت الشركة إن "هذا التحليل لا يظهر أي انقطاعات أو شذوذ تشغيلي/كهربائي في الـ12 ساعة التي سبقت وقت بدء الحريق المبلغ عنه حتى أكثر من ساعة بعد وقت بدء الحريق المبلغ عنه".