د. أحمد التيجاني سيد أحمد

يُقال إنه في زمان قديم، في بدايات القرن الماضي، اجتمع سائق عربة كارو (عربجي)، ومصلح أحذية (نقّلتي)،وصبي قهوة بلدية (جرسون)، وقوّاد (م…) في إحدى حارات الأحياء القديمة، حيث تختلط رائحة المجاري برائحة
التوابل وزيت الطعمية المحروق، مع صياح بائع الكشري الذي لا يتوقف.

ذات يوم، وسط زحام الحيّ، اشتد الجدال عندما وجد أحد ركاب البص نفسه محشوراً بجانب رجل مستمتع بمشهد غير لائق: يده غارقة في جسد امرأة ممتلئة تستجيب له دون خجل.



صرخ الراكب الغاضب محتجاً:

“أعوذ بالله! خلق ما عندها أدب، ما بتختشيش! يعني دي لو كانت أختك أو بنتك أو أمك؟!”

لكن الرجل المستمتع رد عليه ببرود:

“وإنت مالك؟ هو ربنا حطّاه هنا، أعملوا إيه؟ أقطّع له تذكرة درجة أولى؟!”

كان هذا السيرك البلدي جزءاً من الحياة اليومية في الحارة، حيث تجتمع الشلة يومياً لشرب الشاي المنعنع، وهم يتصيدون الأرداف ويتابعون سحنات الغلمان الذين يهرولون لقضاء حوائجهم اليومية. وربما تصادف أحدهم يخرج بصعوبة من “زنقة البرابرة” الضيقة، وهو يلعن الذين أغرقوا بلاد النوبة وملأوا الحي بمخلوقات لونها أسود وحالها أسود، والعياذ بالله.

لكن الوضع تغيّر مع ظهور “المدرس” صاحب الطربوش الأحمر. كان يزور الشلة بانتظام، يسلّم على الجميع فرداً فرداً، يشرب الشاي معهم، ويصر على دفع الحساب بالكامل.

سرعان ما ألفت الشلة كرمه وأدبه الجم، وامتيازه عنهم جميعاً لأنه يغض البصر ولا ينطق إلا بالحكمة.

لكن المدرس لم يكن يكتفي بذلك، بل كان يخلط هدوءه بتعليقات احتجاجية ناعمة:
⁃ “الله سيجازي الجميع على الإثم الذي يرتكبه سفهاؤهم.”
⁃ “هذا الضلال والسفه هو سبب الفقر والغلب والمرض.”
⁃ “الله تعالى يعد العدة للانتقام من الفسدة والضالين.”

كان يؤكد دائماً:

“الصغار مالهم ذنب، وهدايتهم واجبة على كل عاقل صنديد.”

توالت اجتماعات الشلة مع المدرس، وشيئاً فشيئاً أدخل في أذهانهم فكرة أنهم مصلحون بعثهم الله لهداية الناس.

لكن القوّاد اعترض قائلاً:

“كيف أترك عملي مع النساء؟ ما أجده من متعة لا يمكنني التخلي عنه!”

ابتسم المدرس بحكمة ورد عليه:

“لا تقلق، أنت في حالة جهاد، وهناك امتيازات خاصة للمجاهدين، مثل جهاد النكاح، وجهاد الكذب، وجهاد الاغتصاب.”

وأضاف:

“وإذا أخطأت، هناك فقه التحلل الذي يمسح الخطايا كما تفعل الاستيكة مع الورق.”

هكذا أسس المدرس أول مجلس إدارة للجماعة، وأطلق عليها اسم “جماعة الإخوان المصلحون”.

انتشى الجرسون سروراً عندما علم أنه يمكنه سن القوانين ومعاقبة الضالين.

أما العربجي، فقد أخذ الجميع في جولة على أحياء المدينة العتيقة، المكتظة بالملايين، وهم يرددون ويهتفون شعارات الإصلاح خلف المدرس.

إعادة نشر

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
١٥ يناير ٢٠٢٥ - روما، إيطاليا

ahmedsidahmed.contacts@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الشيخ الماجد يوضح الحكم في الأب الذي يفرق في التعامل بين الأولاد والبنات.. فيديو

الرياض

أوضح الشيخ سليمان بن عبدالله الماجد، الحكم في الأب الذي يفرق في التعامل بين الأولاد والبنات.

وقال الشيخ سليمان الماجد، عبر برنامج “الجواب الكافي على قناة المجد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم”.

وأكد الشيخ الماجد، أن التفرقة لا تجوز وهي من الظلم سواء كانت في المال أو المعاملة أو الملاطفة ما لم يكن هناك ما يدعو إلى الزجر.

 

https://cp.slaati.com//wp-content/uploads/2025/01/jlCmvTusqUfGCAn-.mp4

مقالات مشابهة

  • أحمد موسى: خلال 11 عاما الدولة ومؤسساتها تواجه الإرهاب في سيناء
  • عن عناصر حزب الله وإمداده بالسلاح... ما الذي قاله مسؤول أميركيّ؟
  • الشيخ الماجد يوضح الحكم في الأب الذي يفرق في التعامل بين الأولاد والبنات.. فيديو
  • كاتب صحفي: الجميع يأمل في خروج لبنان من أزماته الممتدة لسنوات
  • محلل أمني: استراتيجية إسرائيل الخاطئة ستؤبد الحرب
  • أحمد الفيشاوي يكشف عن تفاصيل الحريق الذي نشب في منزل سمية الألفي
  • خبير: ترامب سيستخدم سياسة العصا والجزرة في التعامل مع الإرهاب
  • "هعمل اللي بحبه".. أحمد سعد يسرد حكايات ألبومه الجديد
  • خبير علاقات دولية: الاستراتيجيات الأمريكية جميعها فشلت في محاربة الإرهاب