الاخوان المصلحون: حكايات الإرهاب والتعصب والكذب والخداع – البداية
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
يُقال إنه في زمان قديم، في بدايات القرن الماضي، اجتمع سائق عربة كارو (عربجي)، ومصلح أحذية (نقّلتي)،وصبي قهوة بلدية (جرسون)، وقوّاد (م…) في إحدى حارات الأحياء القديمة، حيث تختلط رائحة المجاري برائحة
التوابل وزيت الطعمية المحروق، مع صياح بائع الكشري الذي لا يتوقف.
ذات يوم، وسط زحام الحيّ، اشتد الجدال عندما وجد أحد ركاب البص نفسه محشوراً بجانب رجل مستمتع بمشهد غير لائق: يده غارقة في جسد امرأة ممتلئة تستجيب له دون خجل.
صرخ الراكب الغاضب محتجاً:
“أعوذ بالله! خلق ما عندها أدب، ما بتختشيش! يعني دي لو كانت أختك أو بنتك أو أمك؟!”
لكن الرجل المستمتع رد عليه ببرود:
“وإنت مالك؟ هو ربنا حطّاه هنا، أعملوا إيه؟ أقطّع له تذكرة درجة أولى؟!”
كان هذا السيرك البلدي جزءاً من الحياة اليومية في الحارة، حيث تجتمع الشلة يومياً لشرب الشاي المنعنع، وهم يتصيدون الأرداف ويتابعون سحنات الغلمان الذين يهرولون لقضاء حوائجهم اليومية. وربما تصادف أحدهم يخرج بصعوبة من “زنقة البرابرة” الضيقة، وهو يلعن الذين أغرقوا بلاد النوبة وملأوا الحي بمخلوقات لونها أسود وحالها أسود، والعياذ بالله.
لكن الوضع تغيّر مع ظهور “المدرس” صاحب الطربوش الأحمر. كان يزور الشلة بانتظام، يسلّم على الجميع فرداً فرداً، يشرب الشاي معهم، ويصر على دفع الحساب بالكامل.
سرعان ما ألفت الشلة كرمه وأدبه الجم، وامتيازه عنهم جميعاً لأنه يغض البصر ولا ينطق إلا بالحكمة.
لكن المدرس لم يكن يكتفي بذلك، بل كان يخلط هدوءه بتعليقات احتجاجية ناعمة:
⁃ “الله سيجازي الجميع على الإثم الذي يرتكبه سفهاؤهم.”
⁃ “هذا الضلال والسفه هو سبب الفقر والغلب والمرض.”
⁃ “الله تعالى يعد العدة للانتقام من الفسدة والضالين.”
كان يؤكد دائماً:
“الصغار مالهم ذنب، وهدايتهم واجبة على كل عاقل صنديد.”
توالت اجتماعات الشلة مع المدرس، وشيئاً فشيئاً أدخل في أذهانهم فكرة أنهم مصلحون بعثهم الله لهداية الناس.
لكن القوّاد اعترض قائلاً:
“كيف أترك عملي مع النساء؟ ما أجده من متعة لا يمكنني التخلي عنه!”
ابتسم المدرس بحكمة ورد عليه:
“لا تقلق، أنت في حالة جهاد، وهناك امتيازات خاصة للمجاهدين، مثل جهاد النكاح، وجهاد الكذب، وجهاد الاغتصاب.”
وأضاف:
“وإذا أخطأت، هناك فقه التحلل الذي يمسح الخطايا كما تفعل الاستيكة مع الورق.”
هكذا أسس المدرس أول مجلس إدارة للجماعة، وأطلق عليها اسم “جماعة الإخوان المصلحون”.
انتشى الجرسون سروراً عندما علم أنه يمكنه سن القوانين ومعاقبة الضالين.
أما العربجي، فقد أخذ الجميع في جولة على أحياء المدينة العتيقة، المكتظة بالملايين، وهم يرددون ويهتفون شعارات الإصلاح خلف المدرس.
إعادة نشر
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
١٥ يناير ٢٠٢٥ - روما، إيطاليا
ahmedsidahmed.contacts@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
.. ويرحل الأنقياء الأتقياء
راشد بن حميد الراشدي
هكذا يرحل الصالحون ونحسبهم كذلك عند الله في ليلة الجمعة ومع هدوء الكون وسكينة الحياة وعن عُمر ناهز التسعين عاماً رحل المربي الفاضل الوالد أحمد بن سعيد الصوافي مع من رحلوا من الأنقياء.
رحل وسيرته العطرة بين العباد تعطر كل بيت ومجلس عرف عنه تلك السيرة المباركة فقد عرفه القاصي والداني بخلقه الكريم رجلًا صالحًا ومُربِّيًا ورعًا من خلال تربيته الصالحة لأبنائه، وقد أنعم الله عليه بالذرية الصالحة الطيبة حيث كانوا على سير المعروف والاستقامة أساتذة ومعلمين أجلاء ساهموا بعلمهم في خدمة وتعليم أبناء ولاية سناو، ولهم إسهامات كثيرة في عمارة بيوت الله وفي العديد من المناشط والخدمات المجتمعية التي انتسبوا إليها كالجمعيات الخيرية والدعوية في الولاية.
رحل الوالد أحمد الصوافي- رحمه الله- ذلك الرجل الخلوق الورع في صفاته وخلقه الكريم؛ حيث فقدت ولاية سناو أحد رجالاتها المصلحين الذين سعوا لزرع بذور الخير والمعروف بين الناس ذوي السيرة الحسنة التي تذكر مع كل من عرفه وعايشه ومع تلك الصفات التي يتصف بها المؤمن، فكان هادئ الطبع سمحًا مُحبًا لكل من حوله ومربيًا بالقدوة والتهذيب لكل أبنائه وأحفاده الذين ساروا على نهجه.
عُرف بزُهده الشديد في الدنيا وبعده عن المشاكل وأي مجلس لا فائدة منه، وكان يقضي يومه بين مصحفه وصلاته في مجلسه؛ حيث كان محافظًا على أداء كل صلاة في موعدها جماعةً في (مسجد ثقبة الحوسى) بمنطقة المغدر التي خرج من بين ثناياها الشيخ المربي حمود بن حميد الصوافي- حفظه الله.
وكان- رحمه الله- قليل الكلام إلا في أمر فيه خير، وكثير الذكر لربه، واهتم بالزراعة وكان شديد الحرص على الاهتمام بالنخلة حيث يعتبرها كنزا أورثه الأجداد لأبنائهم.
كان رحمه الله شاهدًا على عصره بفضل طول عمره؛ حيث رافق جَدَّه سيفًا في أسفاره رغم حداثة سِنِّه، وزار عددا من مجالس الحكمة في عُمان؛ حيث شارك جَدّه في كل مهماته وقد عرف جده بالصلاح واشتهر بين بني عصره بالحكمة ورجاحة الرأي.
ترك لنا الوالد أحمد اليوم فراغًا كبيرًا وأسئلةً كثيرةً، حول تلك الحقبة ومعايشته لأحداث السنين الماضية من عمره ونحن نستحضر تلك الأيام من تاريخ عُمان.
رحل الوالد أحمد بن سعيد الصوافي ودعوات محبيه لله الرحيم بأن يكرم نزله ويغفر له ذنبه ويرزقه الفردوس الأعلى من الجنة.
إنّا لله وإنّا إليهِ رَاجعُون
رابط مختصر