موقع 24:
2025-03-25@10:39:12 GMT

لبنان ما بعد «المقاومة»

تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT

لبنان ما بعد «المقاومة»

استولت مفردة «المقاومة» على الخطاب السياسي اللبناني لعقود طويلة، وزادت استفحالاً منذ انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000. وما غيابها اللافت عن خطاب القَسَم الذي أداه الرئيس المنتخب جوزيف عون، إلا إيذاناً بالتبدل العميق الطارئ على علاقات الهيمنة التي حكمت ميزان القوة في لبنان.
يعلن غياب هذه «المفردة - الطوطم» عن انتهاء حقبة تحكَّم فيها تغول الميليشيا على الدولة والمجتمع.

قبلها خبر اللبنانيون اندثار عبارة «وحدة المسار والمصير» من الخطاب السياسي، وهي الأخرى تميمة سياسية فرضها النظام السوري الساقط لتثبيت هيمنته غير الشرعية على لبنان.
فاللغة، في سياق العلاقات السياسية، أداة مركزية لصياغة السلطة وترسيخ الهيمنة، وهو ما تدركه، بوعي حاد، الآيديولوجياتُ المغلقة، التي تتحكم في المفردات والمفاهيم بغية التحكم في الواقع نفسه. عبر مفردات محددة أو عبارات مقتضبة في الغالب، تهيمن سلطة ما على القاموسَيْن السياسي والاجتماعي؛ لإعادة تشكيل الوعي الذي به يُفهم العالم وتُفهم علاقاته، أياً يكن زيف هذا الواقع المفروض.
مَن يسيطر على الكلمات يسيطر على السردية، مما يجعل من عملية تفكيك الشعارات والكلمات التي تستخدمها الآيديولوجيات المغلقة عمليةَ تحريرٍ للوعي، وتبديدٍ للهيمنة، وإعادةِ تشكيل لعلاقات القوة في لحظة سياسية ما. وبالتالي، ما كان لهذا المنحى السياسي، الذي انطوى عليه خطاب القَسَم الرئاسي، أن يصير واقعاً من دون التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة منذ عملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وما تلاها من حرب غير مسبوقة على غزة ولبنان، أدت إلى تحطيم «حماس» و«حزب الله»، ومهدت لسقوط نظام الأسد في سوريا وخروج إيران منها ومن عموم المشرق!
يدرك «حزب الله» أن الضربة التي تلقاها ليست مجرد هزيمة عسكرية أو سياسية، بل نقطة تحول في مسيرته أفقدته ما تبقى له من شرعية في الداخل اللبناني، وأعجزته عن تبرير وجوده المسلح.
فشلُ ما تسمى «المقاومة» في حماية لبنان لم يكن مفاجئاً لمن شككوا منذ البداية في هذا الادعاء، لكنه أصبح اليوم حقيقة مكشوفة حتى أمام بيئة «حزب الله» نفسها. هذه البيئة، التي تحملت أفدح الخسائر بسبب ارتباطات «الحزب» الإقليمية وحروبه بالوكالة، تجد نفسها الآن في مواجهة مباشرة مع الميليشيا التي زعمت حمايتها، بعد أن أدركت أن تكلفة الولاء لها تتجاوز المكاسب الموعودة، وأنها، في الواقع، أولى ضحايا المشروع الذي يدّعي تمثيلها.
أتاحت هذه الأحداث الإقليمية التاريخية واللبنانية غير المسبوقة الفرصة لخطاب لبناني شبه مكتوم، لطالما كان يمثل رغبة شعبية عميقة قمعتها الهيمنة السياسية والآيديولوجية لـ«حزب الله»، أن يتحول إلى خطاب عام ورسمي تحت قبة البرلمان. فما عبّر عنه الرئيس جوزيف عون، هو في جوهره صوت اللبنانيين الذين ضاقوا ذرعاً بالشعارات الزائفة وأعباء المقاومة المزعومة. هذا ما جعل من انتخابه أكثر من مجرد حدث سياسي، بل استجابة لحاجة لبنانية ملحّة إلى قيادة قادرة على إعادة بناء المؤسسات، واستعادة الثقة الداخلية والخارجية، وإخراج لبنان من أزمته الوجودية.
ثمة قناعة لبنانية عارمة بأن لبنان أمام فرصة حقيقية للتعافي؛ إنْ كان لجهة إعادة إعمار ما هدمته الحرب الأخيرة، أو استعادة كفاءة الإدارة والقضاء، أو خفض الاستقطاب المذهبي الذي غذّاه «حزب الله» بالتحالف مع «الحالة السياسية المرضية» التي مثلها التيار العوني، أو، وهذا الأهم، تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بنزع سلاح الميليشيات واستعادة لبنان موقعه في المنطقة، بعيداً من التخندق الإقليمي.
بيد أن التحديات التي تواجه عهد جوزيف عون هائلة ومعقدة. أول هذه التحديات هو استكمال تفكيك البنية العسكرية لـ«حزب الله»، تنفيذاً لاتفاق وقف إطلاق النار، وحسم انتقال لبنان دون مواربة إلى عصر جديد هو عصر «الشرق الأوسط منزوع الميليشيات».
ثانياً: إعادة بناء الثقة الشعبية والإقليمية والدولية بمؤسسات الدولة التي تعرضت للتآكل نتيجة سنوات من الفساد والهيمنة الطائفية. يمهد هذا البند لتفكيك بنية العصابة التي نهبت البلاد، ويفتح الباب أمام المعالجات الجادة للأزمة الاقتصادية والمالية بدعم إقليمي ودولي، ويضمن استكمال الانسحاب الإسرائيلي التام من لبنان والاستعادة الكاملة لسيادته.
ثالثاً: إعادة ترتيب الواقع السياسي الداخلي في لبنان لإجراء انتخابات نيابية عام 2026، يؤمل أن تعكس التوازن السياسي الجديد في البلاد من دون أي إقصاء أو غلبة تمهد لإحياء التوترات الأهلية وتآكل سنوات الرئاسة.
مرة أخرى، أعلن انتخاب جوزيف عون رئيساً للبنان بشكل واضح عن دخول البلاد في مرحلة جديدة، وترجم داخل مؤسسات النظام السياسي، بقوة الضغط الإقليمي والدولي، رفضاً شعبياً وسياسياً لكل ما يمثله «حزب الله».
هي فرصة غير مسبوقة للتحرر من الإرث الذي أرهق لبنان لعقود، منذ «اتفاق القاهرة 1969» الذي شرع البلاد أمام سلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وصولاً إلى حرب الإسناد التي أعلنها «حزب الله» منفرداً في 8 أكتوبر 2023. وهي بداية جديدة تُمهّد الطريق لإعادة بناء دولة سيادية ديمقراطية حديثة، تخرج من «شرق أوسط الدمار والحروب» إلى «شرق أوسط الاقتصاد والتنمية والتكامل والسلام».

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إسرائيل وحزب الله جوزیف عون حزب الله

إقرأ أيضاً:

من جولة محافظ إدلب محمد عبد الرحمن في بلدات كفرنبل وحاس وكفروما للاطلاع على الواقع الخدمي فيها، والتعرف على الاحتياجات التي تسهّل عودة الأهالي إليها

من جولة محافظ إدلب محمد عبد الرحمن في بلدات كفرنبل وحاس وكفروما للاطلاع على الواقع الخدمي فيها 2025-03-22SAMERسابق إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية تضبط مستودع أسلحة في مدينة القرداحةالتالي ضمن حملة “اللاذقية نحن أهلها”.. زراعة 2000 شتلة ورد في أحياء المدينة وحملة تنظيف لشوارعهاآخر الأخبار 2025-03-22ضمن حملة “اللاذقية نحن أهلها”.. زراعة 2000 شتلة ورد في أحياء المدينة وحملة تنظيف لشوارعها 2025-03-22إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية تضبط مستودع أسلحة في مدينة القرداحة 2025-03-22إدارة الأمن العام تستلم أسلحة خفيفة من وجهاء قريتي البودي والقلايع بريف جبلة في اللاذقية 2025-03-22الجامعة الافتراضية السورية تمدد التسجيل الإلكتروني للمقبولين في مفاضلة خريف 2024 2025-03-22السفير التركي لدى واشنطن يؤكد ضرورة رفع العقوبات عن سوريا 2025-03-22جامعة دمشق: 6 نيسان القادم بدء دوام الفصل الثاني للمرحلة الجامعية ‏الأولى ودبلوم التأهيل التربوي 2025-03-22وزير النقل التركي: خطّة دعم تركية شاملة لقطاعي النقل والاتصالات في سوريا 2025-03-22ملعب العباسيين بدمشق.. بين واقع مؤلم أورثه النظام البائد وأمل منتظر بالعودة إلى الألق الرياضي 2025-03-22وزير التربية والتعليم: عقدنا لقاءات مع المنظمات الدولية المعنية بالتعليم بهدف تحديد احتياجات المدارس 2025-03-21الصناعة تضع خطة لإعادة هيكلة الوزارة والمؤسسات التابعة لها بهدف تحقيق الأهداف الاستراتيجية

صور من سورية منوعات المائدة الرمضانية في درعا… تنوع يجمع بين الأصالة والنكهة 2025-03-15 العرقسوس والتمر الهندي… عصائر رمضانية شعبية في حماة  2025-03-11فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • الحرب على لبنان غير مستبعدة… والتصعيد السياسي يخدم حزب الله
  • لودريان في بيروت اليوم واصرار أميركي على التمثيل السياسي في اللجان الثلاث
  • رسامني عرض وأبي رميا للخطط التي ستعتمدها وزارة الأشغال في المرافق العامة التابعة لها
  • لبنان بين فكَّي كماشة.. “إسرائيل” والجماعات التكفيرية ينطلقان لنفس المشروع
  • نافذ الرفاعي: خرجت من الواقع السياسي إلى الاجتماعي في رواية "أحلام القعيد"
  • ما الذي تريده واشنطن من إملاء الشروط؟
  • اغتيال صلاح البردويل عضو المكتب السياسي لحماس جنوب قطاع غزة
  • من جولة محافظ إدلب محمد عبد الرحمن في بلدات كفرنبل وحاس وكفروما للاطلاع على الواقع الخدمي فيها، والتعرف على الاحتياجات التي تسهّل عودة الأهالي إليها
  • حسن جوني: التصعيد خلق نقطة تحول في الواقع الميداني بجنوب لبنان
  • عن الجهة التي أطلقت الصواريخ من لبنان... ماذا قِيلَ في إسرائيل؟