ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (هل هناك إثم على من تسبب في إحداث جرح في جسم الميت عن طريق الخطأ؟ فإنَّ امرأةً توفيت وفي يدها خاتمٌ من ذهب، وعند غُسلها شرعت مُغَسِّلَتُها في نزعه، فوجدت صعوبةً في ذلك نظرًا لزيادة وزنها وقت الوفاة عن وقت ارتدائها للخاتم، فاضطرَّت إلى قطع الخاتم باستخدام آلة خاصة بذلك، وبدون قَصْدٍ منها تسبَّبَت في جرح المتوفاة، فسال دمٌ خفيف منها، فهل تأثم بذلك شرعًا؟

وقالت دار الإفتاء في إجابتها عن السؤال: “إن ما صَدَر عن المرأة المذكورة من جرحها ليد المتوفاة دون قصدٍ منها عند تغسيلها ونزع الخاتم من يدها لا إثم عليها فيه شرعًا ولا حرج؛ لا سيَّما أنَّ الإثم لا يكون إلا عن قصدٍ ونيَّة، ولقد رفع الإسلام الإثم عن المخطئ والناسي”.

واستشهدت بقول الله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: 5]، وعن أبي ذَرٍّ الْغِفَارِي رضي الله عنه أنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».

وتابعت: لقد كرَّم اللهُ تعالى الإنسانَ وفضَّله على سائر مخلوقاته، فقال عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70].

وأوضحت أن من مظاهر هذا التكريم أن جعل الله تعالى للإنسان حُرمَةً عظيمَة حتى إنها فاقت حرمَة الكعبة المشرَّفَة؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد نظر إلى الكعبة المشرَّفة: «مَا أَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَمَا أَعْظَمَ حَقَّكِ، وَالْمُسْلِمُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْكِ، حَرَّمَ اللهُ مَالَهُ، وَحَرَّمَ دَمَهُ، وَحَرَّمَ عِرْضَهُ وَأَذَاهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ سُوءٍ» أخرجه الأئمة: ابن أبي شيبة في "المصنف"، والطبراني في "المعجم الكبير"، والبيهقي في "شعب الإيمان" من حديث عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما.

وأشارت إلى أن حُرمة الإنسان ميتًا كَحُرْمته حيًّا، فعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا» أخرجه الإمامان: أبو داود وابن ماجه في "السنن".

وذكرت أن المراد بالمساواة بينهما المساواة في الإثم، فيكون الاعتداء على الإنسان الميت كالاعتداء عليه كما لو كان حيًّا في ترتُّبِ الإثم على ذلك، وهذا ما توضحه رواية السيدة أُمِّ سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها للحديث السابق، وفيها أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ فِي الْإِثْمِ» أخرجه الإمام ابن ماجه في "السنن".

وأضافت أن هذا الإثم المترتب على الاعتداء إنما هو لِمَا في الاعتداء من إهانةٍ للميت، أو لِمَا فيه من عدم الاتِّعاظ بحال الميت وما يصل إليه مآلُ الإنسان في نهاية هذه الحياة الدنيا.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الميت دار الإفتاء الخطأ جرح المزيد رضی الله الله ع

إقرأ أيضاً:

دعاء النبي عند نزول الضرر: علاج اليأس بكلمات بسيطة

يواجه الإنسان في حياته الكثير من المصاعب والآلام التي قد تدفعه للتمني أن ينتهي الألم بأي وسيلة، بما في ذلك التفكير في الموت، لكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم علّمنا درسًا عظيمًا في مواجهة الشدائد بالصبر والرجاء في رحمة الله، من خلال الدعاء الذي يعكس تمام الثقة بحكمة الله وقدره.

النهي عن تمني الموت

في الحديث الشريف عن أنس رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يتَمنينَّ أَحدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فاعلاً فليقُل: اللَّهُمَّ أَحْيني مَا كَانَت الْحياةُ خَيراً لِي وتوفَّني إِذَا كَانَتِ الْوفاَةُ خَيْراً لِي" (متفق عليه).

يؤكد هذا الحديث الشريف على أهمية الصبر وعدم الاستسلام للضرر أو الألم بتمني الموت. فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت عند المصائب، لأنه يعكس نوعًا من الجزع واليأس، وهو ما لا يليق بالمؤمن الذي يؤمن بأن ما أصابه هو بقدر الله وحكمته.

الرجاء في الله والتسليم لحكمه

إذا اشتد الضرر وشعر الإنسان أنه لا يستطيع تحمله، وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدعاء العميق:"اللَّهُمَّ أَحْيني مَا كَانَت الْحياةُ خَيراً لِي وتوفَّني إِذَا كَانَتِ الْوفاَةُ خَيْراً لِي".


هذا الدعاء يحمل تسليمًا كاملًا لمشيئة الله تعالى، حيث يطلب العبد من ربه أن يختار له الأفضل بين الحياة والموت. فهو يعبر عن اليقين بحكمة الله المطلقة ورحمته الواسعة.

الصبر سبيل المؤمنين

يعد الصبر عند نزول الضرر من أعظم الصفات التي يتحلى بها المؤمن، فالشدائد تُمتحن بها القلوب، وتزيد من القرب إلى الله تعالى إذا واجهها الإنسان برضا وتسليم. وقد قال الله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155].

الدعاء في مواجهة المحن

إن التمسك بالدعاء في وقت الشدة هو من أبرز ما يميز المؤمن الذي يثق برحمة الله، والدعاء المذكور في الحديث الشريف يعتبر من الأدعية التي ترشد المسلم إلى التوازن بين الصبر على البلاء والتسليم لإرادة الله.

 

يبقى الحديث الشريف درسًا خالدًا في مواجهة أزمات الحياة بحكمة ووعي، فهو يذكّرنا بأن الله وحده يعلم ما هو خير لنا، وأن تسليم الأمر له بالدعاء هو السبيل للراحة النفسية والرضا بالقضاء، فلنتعلم من هذا الحديث الشريف كيف نواجه أقدارنا بالصبر، وكيف نجعل الدعاء سلاحًا يعيننا على تجاوز المحن.

مقالات مشابهة

  • هذه الشروط يجب توافرها في المؤذن للصلاة.. تعرف عليها
  • الدعاء للميت على القبر بعد الدفن .. تعرف عليه
  • أمين الفتوى: العلاقة الحميمية بين الزوجين وسيلة لحفظ كرامة الإنسان
  • هل يؤثر النعاس على الوضوء والصلاة؟ دار الإفتاء تجيب
  • هل يجوز تكرار العمرة عن الميت؟ دار الإفتاء تجيب
  • «الإفتاء» توضح حقيقة حديث «من نشر موعد رمضان حرمت عليه النار»
  • المراد بالأيام البيض وأصل تسميتها بذلك.. الإفتاء تجيب
  • دعاء النبي عند نزول الضرر: علاج اليأس بكلمات بسيطة
  • حكم رد الهدية دون سبب شرعي .. دار الإفتاء تجيب