أحمد الغافري: الرسم الجرافيتي نقطة تحول في حياتي وموهبة أفتخر بها
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
تتعدد الفنون التشكيلية في العالم، وتعتبر وسيلة للتعبير تُغني عن الحديث والكلام المسموع أو المكتوب، فنجد الفنان يعبر عن حالة ما في ذاته من خلال لوحة يرسمها، أو منحوتة ينقشها، أو عمل تركيبي يجمعه وفق ما يجول في خياله وعاطفته، وهكذا وجد الفنان الجرافيتي "أحمد بن حميد الغافري" نفسه حينما وقف ذات يوم أمام جدار فارغ في سوق الخوض، ليملأ تلك المساحة برسمة جدارية، أو بمسمى آخر "جرافيتية"، تُعِّبر عن ولاء وحب وانتماء لأرض سلطنة عمان ورموزها، فخط أولا الخطوط الأولية، ثم أخذ ببناء عمل فني خطوة بخطوة مع أحد أصدقائه الفنانين الجرافيتيين، لينتهيا بعد ذلك بلوحة جمعت رمزين من رموز سلطنة عمان، باني نهضتها الأولى السلطان قابوس -طيب الله ثراه- ومن حمل الراية من بعده جلالة السلطان هيثم بن طارق –حفظه الله ورعاه- لتكون تلك اللوحة شاهدة على إبداع فنانين، وشاهدة على حب وانتماء وعرفان لهذا الوطن الذي يسكن في نفوسنا جميعا، ونفسهما كذلك.
وخلف تلك الرسمة حكاية ولادة فنان صاعد، الفنان أحمد الغافري الذي بدأ الرسم الجرافيتي "الجداري" في عام 2018، وقبل ذلك كانت الورقة مساحته الصغيرة يرسم بها ما يجول في خياله، وأحيانا محاكاة لواقع أمامه، وأحيانا أخرى تفريغا لطاقة فنية كامنة تخرج بعد ذلك بعمل فني.
ابن ولاية الرستاق أحمد الغافري تعلق بالفن الجرافيتي من خلال متابعة الفنانين الجرافيتيين المحليين والعالميين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فكانت أعمالهم الجدارية مصدر إلهام، ليخوض على إثرها تجاربه الأولية في عام 2018، مغذيا نفسه بصريا، وباحثا عن مفاتيح هذا الفن الأساسية، ومتعلما ذاتيا له، وفي الوقت نفسه متحديا الظروف والصعوبات، التي كان من أبرزها توافر الأدوات والأصباغ وأسعارها المكلفة، وإيجاد المساحاة المناسبة للرسم الجداري، حيث تحتاج إلى تصاريح وأخذ أذونات مسبقة، ومع مرور الأيام تذللت تلك الصعوبات، لتصبح في أرشيف ذكرياته، وتنتشر أعماله الفنية في عدد من الجدران، سواء ذات الطبيعة الخاصة، مثل: بعض المحال والمنازل والمشاريع، أو طبيعة عامة في المحافل والمهرجانات والفعاليات المختلفة.
ومن باب الاستثمار بالفن، دخل الغافري المجال التجاري والترويجي لفنه وإبداعه فصار الفن مصدر دخل له، وكما يُقال: "ضرب عصفورين بحجر"، فمن ناحية يمارس هوايته التي وجد نفسه بها، وناحية أخرى مصدر دخل تعينه على التغلب على الصعوبات وكذلك تنمي موهبته أكثر وأكثر.
"الرسم الجرافيتي نقطة تحول في حياتي وشيء مميز لن أتخلى عنه ما حييت"، هكذا تحدث الغافري عما يعنيه الفن الجرافيتي بالنسبة له، وتابع: "أصبحت اجتماعيا معروفا بين الناس من خلال أعمالي، الفن الجرافيتي مميز وليس كثيرا من الناس في بيئتنا تمارسه، فهو فن جديد على المستوى المحلي".
ولم يكن الفن الجرافيتي فاتحة خير للغافري من الناحية الاجتماعية فحسب، بل كذلك كان له فاتحة خير من الناحية المادية، إذ يقول: "من الناحية الاقتصادية تغيرت حياتي كذلك فقد دخلت المجال الاستثماري من خلال هذا الفن، فبدأت أتلقى طلبات الرسم داخل المحال التجارية وبعض الاعمال الخاصة، ما شكل لي مصدر دخل مجزٍ".
لا زال الغافري يوثق أعماله وخطوات انجازها في حسابه الشخصي على منصة "إنستجرام"، فهو محب للأعمال التي يقوم بها وتُشكل له إضافة، يقول الغافري: "جميع الأعمال التي اقدمها محببة إلى قلبي، إلا أن الأعمال الوطنية لها وقع أكبر وحب أعمق، ومثال ذلك رسمة السلطان قابوس والسلطان هيثم في سوق الخوض التي رسمتها بحب ممزوج بالفخر مع صديقي خليل السالمي وهو فنان جرافيتي كذلك".
يعكف الغافري على رسماته الجرافيكية في الغالب لمدة 3 إلى أربع ساعات من بدايتها وحتى اكتمالها، إلا أن رسمة السلطان هيثم والسلطان قابوس في سوق الخوض أخذت مدة أكبر، وتحدث الفنان أحمد قائلا: "أربعة أيام مدة الاشتغال على اللوحة، كنا يوميا نعمل من الساعة التاسعة ليلا وحتى الرابعة فجرا حتى اكتمال اللوحة، وهو مجهود كبير لأكبر لوحة قمت بالاشتغال عليها، فعرضها 7 أمتار وطولها حوالي 5 أمتار".
يستعمل الغافري عدة أدوات لأعماله الجرافيتية، بداية من أنواع الاصباغ التي تستعمل في طلاء الجدران، وأنواع من أصباغ الرش "البخاخ"، وكذلك فرش الطلاء، إلا أن أصباغ الرش هي الأكثر استخداما عنده، وتفاديا لروائحا المزعجة والتي قد تكون مؤذية لمن يستعملها بشكل مكثف، فإن الغافري يستعمل بعض أدوات الوقاية والحماية مثل القفازات الواقية وكذلك الأقنعة المزودة بفلاتر لتفادي استنشاق تلك الروائح والاصباغ المتطايرة.
ويواجه صعوبة في الحصول على أصباغ الرش، إذ انها ذات طبيعة خاصة وليست عادية، ويقول: "ما زلت أواجه صعوبة في الحصول على أصباغ الرش، إذ لا أعرف إلا محلين فقط لبيعها في مسقط، وهي من شركة عالمية تسمى (مونتانا)".
ولكل فنان ملهم، فلولا هذا الملهم لما تعاقبت الفنون جيلا بعد آخر، وللغافري ملهم حببه بهذا الفن، وهو الفنان الجرافيني هود البلوشي، فبعد أن رأى أعماله عشق هذا الفن ثم تعلمه ذاتيا بنفسه، قائلا: "تعلمت الرسم الجرافيتي ذاتيا، فأنا قدوتي لنفسي، بدأت من الصفر في هذا المجال واطلعت عليه بشكل كبير حتى وصلت إلى هذه المرحلة، وصممت بعض أشكال الحروف بنفسي".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا الفن من خلال
إقرأ أيضاً:
في ذكرى رحيله.. محمود مرسي "عتريس" الذي خجل أمام الكاميرا وكتب نعيه بيده
تحلّ اليوم ذكرى وفاة أحد أعمدة التمثيل في تاريخ الفن المصري، الفنان القدير محمود مرسي، الذي لم يكن مجرد ممثل موهوب، بل مدرسة فنية متفردة جمعت بين الصمت البليغ والكلمة الموزونة والأداء النفسي العميق ورغم شهرته بأدوار القوة والبطش على الشاشة، كان في حياته الشخصية مختلفًا تمامًا، إنسانًا رقيقًا، خجولًا، يهاب الكاميرا أحيانًا، ويكتب وداعه الأخير بيديه وكأنه يعرف متى سيرحل.
النشأة والبدايات في عروس البحر
وُلد محمود مرسي في مدينة الإسكندرية يوم 7 يونيو عام 1923، وتلقى تعليمه بكلية الآداب، قسم الفلسفة بجامعة الإسكندرية، حيث تشكّل وعيه الثقافي والفكري. لم يكن الطريق إلى التمثيل مباشرًا، فقد سافر إلى فرنسا ثم إلى بريطانيا، ليتخصص في الإخراج السينمائي، وهناك التحق بمعهد السينما في باريس، ثم عمل في هيئة الإذاعة البريطانية BBC، وهو ما صقل شخصيته الفنية وأكسبه ثقافة واسعة وتجربة مهنية متميزة.
التحول نحو التمثيل وملامح فنية مختلفة
رغم بداياته كمخرج وإذاعي، كانت موهبته التمثيلية تأبى أن تظل في الظل، عاد إلى مصر ليبدأ مسيرته التمثيلية، فكانت انطلاقته الكبرى مع أفلام الخمسينيات والستينيات، لكنه لم يكن كغيره من النجوم؛ فقد اختار دائمًا الأدوار التي تتطلب قدرًا من العمق والتحليل النفسي. جسّد في كل ظهور شخصية مختلفة، وترك بصمة لا تُنسى.
أدوار لا تُمحى من ذاكرة الفن
لا يمكن الحديث عن محمود مرسي دون التوقف عند شخصيته الشهيرة "عتريس" في فيلم شيء من الخوف، التي صارت رمزًا للطغيان والديكتاتورية في السينما المصرية.
ومن أدواره المميزة أيضًا: فتحي عبد الهادي في ليل وقضبان، بدران في أمير الدهاء، ومرسي في زوجتي والكلب، إلى جانب أدواره في الدراما التليفزيونية، أبرزها شخصية "أبو العلا البشري" التي أحبها الجمهور وتفاعل معها، بالإضافة إلى مشاركته في مسلسلات مثل العائلة والمحروسة 85.
كواليس خفية من حياة نجم كبير
بعيدًا عن وهج الأضواء، كان محمود مرسي شخصًا شديد التحفظ والخجل. كشفت الفنانة إلهام شاهين في أحد لقاءاتها أن الفنان الكبير كان يخجل من أداء المشاهد الرومانسية أثناء البروفات، حتى إن وجهه كان يحمر من الحرج، على الرغم من احترافيته أمام الكاميرا.
كما أنه كان من القلائل الذين كتبوا نعيهم بأيديهم، وهو ما يدل على رؤيته الفلسفية للحياة والموت، ونظرته العميقة لزمن الفن.
تزوج محمود مرسي من الفنانة سميحة أيوب، في واحدة من أشهر الزيجات الفنية الهادئة والمستقرة في الوسط، وأنجب منها ابنهما الوحيد علاء، الذي اختار لنفسه طريقًا بعيدًا عن الفن، ليعمل كمعالج نفسي.
الرحيل في هدوء كما عاش
في 24 أبريل عام 2004، توقف قلب الفنان الكبير أثناء تصويره لأحد مشاهده في مسلسل وهج الصيف، عن عمر ناهز الثمانين عامًا، رحل محمود مرسي بهدوء، لكنه ترك خلفه ضجيجًا فنيًا لا يخبو، وأعمالًا لا تزال تُعرض وتُناقش وتُلهم أجيالًا جديدة من الفنانين والمشاهدين.