"خطوات الرجل الصريح تستنطق الأرض" ( نيتشه).
المشي: ، لغة تعبيرية دالة, كل له مشيته, طريقته, حركته المميزة, إيقاعه الخاص,
للخطى وقعها وتوقيعها,خطاك كتابةٌ دائبةٌ على صدر الزمان والمكان, خطابٌ بحمولات ومدلولات واسعة, أنت تخط الخط وتبتدع الطريق, وتطرقه بطريقتك.
تلفتنا المشيات, يشدنا وقع الخطى, خطى الرجال والنساء, والأمم والحضارات ،
لكل إيماءاته وتعبيراته الحركية البلاغية, مقولاته الموقعة بانتظام.
في خطونا الكثير من حركة الروح, والكثير مما يميز الخلق والأخلاق .
خطاك همس روحك, بها تُعّرف عن نفسك, وتعلن عن طبيعتك, وتحدد الانطباع عنك.
إنها المشية, اللغة التي نحتاج إلى تعلمها طوال الدرب, هي على ضوء الآيات الكريمة لغةٌ قابلةٌ للتغيير والتحكم , يمكن إعادة صياغتها وتعديلها ذاتياً مع الوعي والدربة والمران , هكذا تلوح: تعابير إرادية خاضعة لاختياراتنا الواعية, مشية نصممها نحن.وبحسب ما نصدر عنه من تصورات وأفكار ومبادئ وقيم, تشكل وعينا بوجودنا وتحدد ملامح حركتنا و علاقتنا بالله وبالإنسان والحياة, بالكون والكائنات.
المشية في القرآن الكريم, درسٌ كبير يحضرنا كل صلاة على الطريق المستقيم دعاء علوياً في فاتحة الكتاب نستهدي به الله "إهدنا الصراط المستقيم, صراط الذين أنعمت عليهم, غير المغضوب عليهم, ولا الضآلين "والصراط المستقيم" , بحيل على المعاني الواسعة للسير على هدى بلا اعوجاج أو تخبط, بلا تنافر أو شذوذ, بلا تكبر أو غرور, وإذ يصف الرحمن عباده, فإن مشيتهم الشفيفة تتقدم كل النعوت "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا" برفق ولين, وتواضع, وسكينة, ووقار, .
يتقدم خطاب الجسد الناطق بصدق العبودية, والمفصح عن الروح المسكونة بالرحمانية,تتصدر الحركة, يأتي الخطاب اللفظي والقول تالياً "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" وفي درس لقمان لابنه, تحضر تعابير الجسد وإشاراته, كصفاتٍ وسلوكيات مكتسبه ينبغي السيطرة عليها وصبطها وتجنب السيئ منها , وهو درس عظيم يدلنا على أهمية غرس القيم في مرحلة التنشئةِ, كي تصير أخلاقاً أصيلةً راسخة حيةً متجذرةً في عمق الشخصية, ومجسده بصورةٍ عفويةٍ وتلقائيةٍ بعيداً عن التكلف أو التصنع.
في وصايا لقمان لابنه: "ولا تصعر خدك للناس, ولا تمش في الأرض مرحا, إن الله لا يحب كل مختال فخور"ثم وبتركيز أدق يوصيه: "واقصد في مشيك " مستبقا التعبير الصوتي: "وأغضض من صوتك, إن أنكر الأصوات لصوت الحمير" تستوقفني هذه اللفظة: "واقصد" أراها صيغةً بلاغيةً معبرةً عن الإقتصار وعمل القلب, أي مرتبطةً بالقصد, أي إجعل مشيك قصدا ،, تقصد منه بلوغ مقصدٍ ما كما في " ياعاقد الحاجبين
على الجبين اللجين
تمر قصد غزال
بين الرصيف وبيني
إن كنت تقصد قتلي
قتلتني مرتين "
كما غنتها فيروز
"واقصد في مشيك" ليكن مشيك قصدا بقلبك .
وانما" السير سير القلب "كماقيل .
ثمة مشيات منكرةٌ صلفة, متعالية فظة ، متبخترة فيها كبر وغرور, ثمة مشيات متصنعة, زائفة مدعية , وأخرى رخوةٌ فاترةٌ, باردةٌ, مرتبكة, متعثرة تنقصها الثقة, ومشيات مغناجة, رافلةٌ, رشيقة ٌ, رقيقة . مشيات ومشيات, خطانا خطوطنا, وقع الأقدام, خطرات الأفهام, ومن يقصد الصراط المستقيم عليه أن يحاذر, لينظر إلى مشيته,وليصغ إلى وقع خطاه, ليرى مدى اتساقها مع حركة روحه وأشواقه,ليسمع مدى نبضها وخفقها, ليتأكد من رهافتها وذكائها ولطفها, والتزامها وعدم جنوحها وانفلاتها.ورعونتها وتجاوزها الحد. والأخلاق والقيم والمبادئ حدود .
وأعود إلى وصف الرحمن مشية عباده " يمشون على الأرض هونا " فيها رفق وجمال يذكر بوصف الأعشى مشية صاحبته في معلقته الشهيرة
ودع هريرة إن الركب مرتحل
وهل تطيق وداعا أيها الرجل
غراء فرعاء مصقول عوارضها
تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل
كأن مشيتها من بيت جارتها
مشي السحابة لاريث ولا عجل
هذه التقاطات فنان يزن بقلبه المشية والثقل ويتهجى تهادي جسد معشوقته على الأرض ، يرنو اليها وهي تهبط من قلب السماء في مشية لا أجمل منها ولا أروع .
وهي ذي تمشي في معلقة خالدة في سحر وجمال يبعثان على الدهشة والإفتتان .
شعراء كثر أولعوا بمشيات المحبوبات المغناجات ، المحجلات ، مازلنا نسمع وقع خطاهن الرشيقة،
سابيات العقول، منذ بدء الغزل ومستهل الهيام بالغزلان .
.ثمة ارتباط بين الخطوة والأرض, ارتباط وثيق روحي وجسدي يوجب الإنتباه ويقظة الحس والشعور والاحترام .
الأرض ليست خلاءًاجامداً , قابلاً للخطو المتبلد ,
خفف الوطء ما أظن أديم
الأرض الا من هذه الأجساد
بحسب المعري
, الأرض حياة تتشارك فيها الوجود مع كل الكائنات ,
ليت فيها وحدك , أيات عديدة تركز على علاقة سوية مع الأرض, علاقة حميمية, تتحدث عن المشي كتعبير حر وتوقيع إنساني يكاد يختزل كل الحكاية . قال تعالى
"أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم "
"فأمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور "
"قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل ، " وفي القرآن الكريم نجد إحالات على خبرات متعددة ترتبط بالمشي والعلاقة بالأرض .
كما نجد تركيزاً مكثفاً على نورانية الخطى, على عاطفية المشيات, حيث تتناغم حركة الجسد والروح, ويتسق الكائن في تعبيره عن الكينونة مع حركة الكون ،
ثمة عوالم آسرة في ديننا تتطلب ربما حبا وشغفا وخيالا وحساسية خاصة لمقاربتها والوقوف على مافيها من دهشة وجمال أخاذ .
هي مشية رجلٍ خمسيني متأنق, فيها جمالٌ ومهابة ووقار, رحت ألفت النظر إليها بإفتتان وحماسة ذات فرح حافل وهو ما أضحك لحظتها البعض,
هذه الخطرات وحي تلك الخطوات.
يا الله: أسألك مشية أهدى, سويةً على الطريق القويم, أعوذ بك من شر خطاي, وسوء خطاياي ومن مشيتي مكباً على وجهي في الضلال المبين.
وأختتم الخطو مع بلند الحيدري وسؤاله الممض :
الى أين ..؟ ويحك، لا تسألي
فرجلاي مثلك تستفهمان .
أغيب مع الليل في مأملي
وأصحو ولا شيء غير الزمان
تقلصت الأرض في خطوتي
فليس لقيد انفلاتي مكان
ومازلت امشي على جبهتي
وأجتر خلف خطاي الهوان
⇧ موضوعات متعلقة موضوعات متعلقة مقالاتالأعلى قراءةآخر موضوعات آخر الأخبار مشيةُ القلب الكشف عن أبرز بنود الوساطة العمانية أمام مليشيا... سلطنة عمان تنقذ مليشيا الحوثي وتمنحها المخرج المناسب... الريال اليمني يتكبد خسائر جديدة مقابل العملات الأجنبية... مقالات مشيةُ القلب بين مكة وصنعاء .... قرارات وراءها نساء الاقتصاد بين الإعلام والأراجيف تحرك زعيم المليشيا من مخبأه يدفع الماكينات الدبلوماسية... اخترنا لك الكشف عن أبرز بنود الوساطة العمانية أمام مليشيا... رونالدو اليمن .. شاهد أصغر لاعب يمني يقلد... كاتب جنوبي: الانتقالي وقع في حقل ألغام وأصبح... أول ظهور لوالدة ”نيمار” في السعودية بعد انضمامه... الأكثر قراءةً الكشف عن أبرز بنود الوساطة العمانية أمام مليشيا... رونالدو اليمن .. شاهد أصغر لاعب يمني يقلد... كاتب جنوبي: الانتقالي وقع في حقل ألغام وأصبح... أول ظهور لوالدة ”نيمار” في السعودية بعد انضمامه... تصريحات مثيرة.. ميسي يخرج عن صمته ويكشف سر... الفيس بوك ajelalmashhad تويتر Tweets by mashhadyemeni الأقسام المشهد اليمني المشهد المحلي المشهد الدولي المشهد الرياضي المشهد الثقافي المشهد الاقتصادي المشهد الديني الصحف علوم وصحة مقالات حوارات وتقارير منوعات المشهد اليمني الرئيسية من نحن رئيس التحرير هيئة التحرير الخصوصية الشروط اعلن معنا اتصل بنا جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2023⇡ ×Header×Footer
المصدر: المشهد اليمني
إقرأ أيضاً:
عَميدُ الشُهَداء
إلى الشهيد المجاهد
العميد مهندس/ السيد محمد طه عبداللطيف الجنيد:
تَرَجَّلَ عن صَهْواتِها أم تَدَفَّقا
إلى اللهِ تَحليقاً وللحُجْبِ مَزَّقا
تواثَبَ مثلَ الصبحِ يطوي الدُّنىٰ وفي
تواثُبِهِ قلبانِ بالبِشرِ صَفَّقا
وحققَ ما لم يَحوِهِ الوَصفُ، لم يزلْ
خفايا، وطَيَّ الكَتمِ كم ذا تَحَقَّقا
أهندسَ قدسَ اثنينِ أم صاغ قُبلَةً
ل(يافا) ب(يافا)*؟! لستُ أدري من انتقىٰ!!
أخَطَّ طريقاً في السماءِ خَفيَّةً
تراوغُ حشداً ليسَ يدري من التقىٰ؟!!
فهل يلتقي جُندَ اليمانيِّ طاوياً
جَناحَيْهِ، أم جِنّاً بهِ اليومَ أحدَقا؟!!
لكَ الفخرُ يا (طٰهَ)** وأنجبتَ خالداً
هِزَبراً هَصُوراً من معانيكَ أشرقا
ترقّىٰ إلى عليائها غيرَ عابئٍ
بغيرِ ارتقاءِ النفسِ عَمّا تعلّقا
وعَلّقَ نَصبَ العينِ وهجَ انتمائهِ
إلى يَمَنِ الإيمانِ عَهداً ومَوثِقا
وعَتَّقَ بالسِّرِّيَّةِ الأمرَ وهو في
غِمارِ الوغىٰ يَصلي العِدى النارَ مُغدِقا
يُشيرُ فتطوي الطائراتُ المَدىٰ ضُحَىً
وفجراً وليلاً، والمدىٰ منهُ أشفقا
ويَكبِسُ زِرّاً والصواريخُ ترتميْ
على حاملاتٍ أفرغتْ حِملَها شَقا
تَشققَ وجهُ الغزوِ، لاحتْ حقيقةٌ
لمضمونِ أشقىٰ الخلقِ غرباً ومَشرِقا
رأى العالمُ الكُلّيُّ أظلَمَ صورةٍ
لوجهٍ من الغربِ امتطىٰ القُبحَ مُرتَقىٰ
تَبدَّتْ لهُ الأخرىٰ كما هيَ جيفةً
أبادتْ من الأطفالِ عشرينَ فَيلَقا
ولم تلتقِ الأحرارَ يوماً لأنها
تخافُ لقاءَ الويلِ ما الحُرًُ أشرَقا
ولكنها بادَتْ بأعيُنِ من رأىٰ
جرائمَها في الناسِ ما إن تحقّقا
رأتها شعوبُ الأرضِ غُولاً تلطختْ
يداها دَمَاً.. مَن يا تُرىٰ الحَقَّ أنطَقا؟!!
أرىٰ العَزمَ بالإيمانَ مَن أنطقَ الدُجىٰ
وأخرَسَ أبواقَ العَدُوِّ وأغلَقا
تَجَسَّدَ في جُندِ (المَسيرةِ).. هل رأىٰ
زمانٌ مثالاً للرجالِ تَخَلُّقا
رأيتُ بهم كَرّارَها وحُسامَهُ
رأيتُ حسينَ الطفِّ بالنفسِ أغدَقا
رأيتُ بهم نَصراً عظيماً تدفقت
بَشائرُهُ عَدلاً وصِدقاً ومَنطِقا
رأيتُ المَدىٰ ناراً، رأيتُ السما دماً
لتُمطِرَ سِجّينَاً على لهذمِ الشقا
على أمَريكا أمطري يا جَهنّماً
يَمانيّةَ التأويلِ شَرقيّةَ النَقا
على دُمَّلٍ في وجهِ أشرفِ أمةٍ
سيُجتَثُّ ما إن وجهُها قد تَعَرَّقا
على قادةٍ أدجَوا صباحاتِ أُمتي
وكلٌ على شَعبٍ تَعدّىٰ وفَرَّقا
على عُلَماءِ الجهلِ يا نارُ أطبقي
ذراعَيكِ، ضُمّي مَن بديني تَزَندَقا
على عُمَلاءٍ جوّعونا ليَشبَعوا
أباحوا دمانا كي يَعيشوا تَمَلُّقا
على كل أزلامِ الوقيعةِ منذُ أن
تَعَدَّوا إلى يومِ اللقا فيمن التقىٰ
ستمحو صَداهُمْ يا دَمَاً طاهراً جرىٰ
على وَجهِ هَذِيْ الأرضِ بَرقاً وبَيرَقاً
ستجتثُهُم كي تَفتحَ الأرضَ بانياً
شُموخاً ومَجداً صَرحُهُ خالدُ البَقا
(محمدُ) في الدربِ المُحَمّدِ كم طوىٰ
دروباً، إليها كَمْ صَبَونا تَشَوُّقَا
تَمَنّىٰ فأفضىٰ ما تَمَنّىٰ ليلتقي
بأحبابِهِ في جَنةِ الوَصلِ واللقا
وقد حققَ الفوزَ العظيمَ فمن إلى
مَداراتِهِ يَسمو وما قد تَذَوّقا
نَما في روابي الذكرِ والبِرِّ والتُّقىٰ
فأصبحَ نبراساً لمن فيهِ حَقّقا
تَولّىٰ معَ اللهِ النبيَّ وآلَهُ
وأعلامَ هَديِ اللهِ حُبّاً تَعَلّقا
فكانَ مِثالاً للذينَ غَذَتْهُمُ
يَدُ اللهِ أخلاقاً تَفي مَن تَخَلّقا
شهيدَ طريقِ القُدسِ يا مَن تَجَوْهَرَتْ
بكَ الكلماتُ العِطرُ عُلوِيّةُ الرُقَىٰ
بَذَلتَ الدمَ الغاليْ وشَرَّفتَ أنفُساً
غدت في مسارِ الفَقدِ شِلواً مُمَزَّقا
ولكنها تَحسو بِذِكراكَ عِزَّةً
وذِكراً وتثبيتاً وحَمداً ورَونَقا
هنيئاً أبا طهٰ المَعِيَّةَ مُنْعَمَاً
هنيئاً لكَ الفوزَ العظيمَ المُوَفَّقا
هنيئاً لكَ القربَ المُخَلَّدَ يا ضُحَىً
وفَجراً لنصرٍ بالبشارةِ أشرَقا
على العهدِ مازلنا، على دربِ قائدٍ
عظيمٍ توليناهُ غُصناً وبُنْدُقا
وصلى الذي صلى بكل صلاتِهِ
على خيرِ خلقِ الله ما النورَ أطلَقا
وآلٍ كرامٍ منهُمُ قادةُ الوَرىٰ
أئمَّتُنا الأبرارُ أرقىٰ من ارتقىٰ
* يافا الأولى: مدينة فلسطينية، اتخذها المحتل عاصمة له، وغير اسمها.
ويافا الثانية: إسم طائرة بدون طيار، يمنية الصنع، هي أول سلاح يمني يضرب هدفاً في عاصمة المحتل.
** والد الشهيد.
صنعاء. الخميس. 22 شعبان 1446هـ
20 فبراير 2025م